دخل مجتمع النمل بمختلف أنواعه وأشكاله منذ قديم الزمن إلى عالم الأبحاث والدراسات، وأجريت عليه مئات التجارب والمراقبات كشفت لعلماء الحشرات والأحياء تميز هذا الكائن الصغير بالتنظيم والذكاء.
وقد كشفت مؤخراً أبحاث جديدة أُجريت في فرنسا عن قدرة النمل على التعلم من الأخطاء التي وقع فيها في السابق، وأثبتت التجارب التي وضع فيها النمل في عقبات أو في طريق حيوانات مفترسة، قدرته على تجنب أخطارها باستخدام ذاكرته واتخاذ مسارات أخرى.
وبحسب نتائج بحث نشرته دورية «كرنت بيولجي» (Current Biology)، فقد توصل باحثون من جامعة «تولوز» الفرنسية (University of Toulouse) للمرة الأولى إلى أن النمل قادر على تجنب الفخاخ وتصحيح الطرق التي يسلكها لكيلا يقع في الخطر بناءً على المعلومات التي جمعها في ذاكرته البصرية.
وتضمنت التجارب التي نفذها خبير السلوك الحيواني، «أنطوان ويستراتش» (Antoine Wystrach)، وزملاؤه في الجامعة الفرنسية، وضع فخاخ صيد تقطع طريق النمل المعتاد عند عودته إلى مساكنه، ووجدوا أن النمل في المرة الأولى يسقط في العقبات التي وُضعت على طريقه، ويتمكن من الخروج منها بمساعدة، إلا أنه يبادر بتغيير مساره في المرة الثانية التي يواجه فيها خطر الفخ، ويتحول إلى مسار آمن. ويرى الباحثون أن سلوك تصحيح المسار يوضح أن النمل قادر على التحكم في تحركاته وتغييرها قبل بضع ثوانٍ من الوقوع في المخاطر، وتعديل خريطته الداخلية بحسب البيئة من حوله.
طب الطوارئ والإجلاء من ساحة المعارك
وقد أذهل نمط حياة وسلوكيات هذه الحشرات الصغيرة العلماء في ألمانيا، خصوصاً عندما توصلوا إلى أن جيوش النمل تقوم بإجلاء جرحاها من ساحة القتال وتمارس طب الطوارئ بطريقة مشابهة للبشر في غزواتها على النمل الأبيض. وأكد علماء ألمان في دراسة صدرت عام 2017 أن النمل يتصرف على غرار البشر في المعارك، حيث يخرج أعضاء النمل من فصائل كبيرة وسوداء في تشكيلات قتالية، للتغذي على النمل الأبيض، ثم تقوم بعد ذلك باستعادة رفاقها الجرحى، ونقلهم إلى موطنها للتعافي، حيث إن الجروح المفتوحة للنمل المصاب تلقى رعاية سريعة من رفقائها في محاولة للحفاظ عليها لهجمات مستقبلية، بينما تقوم فصائل أخرى بدور «قوات الاستطلاع» وتأمين ساحة الحرب مثلما تفعل عادة الجيوش البشرية المنظمة. وقدم العلماء الألمان وصفاً لسلوك الإنقاذ الفريد للنمل الإفريقي المعروف علمياً باسم «ميجابونيرا أناليس» (Megaponera analis) بعد مراقبته في متنزه «كوموي» الوطني (Comoé National Park) في ساحل العاج، لكنهم لم يمنحوا الحشرات دوافع خيرية. وقال عالم الحشرات «إريك فرانك» (Erik Frank) من جامعة «فورسبورج» (University of Würzburg) في ألمانيا الذي قاد البحث المنشور في مطبوعة «ساينس أدفانسز» (Science Advances) «هذا ليس سلوكاً ينم عن إيثار، النمل لا يساعد المصابين بدافع من الطيبة، هناك منفعة واضحة للمستعمرة، فالنمل المصاب يمكنه المشاركة مرة أخرى في هجمات مستقبلية ويظل جزءاً فعالاً في المستعمرة» .
