سيد البشر، أفضل من مشى على الثرى، نبي الإسلام، ورسول السلام، الصادق الأمين، والقائد العظيم، والشجاع الكريم، أمير الأمراء، وملهم الحكماء، قدوة القادة والزعماء، ومربي الأبطال والعظماء، وإمام المجددين والصلحاء، وقائد المرسلين والأنبياء، أبو القاسم محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي صلى الله عليه وسلـم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. كان صلى الله عليه وسلـم أعظم قائدٍ عرفته البشرية وخير إمامٍ أرسله رب البرية، وهذه إطلالة على أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم:
1 القيادة الصادقة الأمينة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم الصدق والأمانة، فقد اتصف عليه الصلاة والسلام بهذا الخلق منذ نشأته وقبل بعثته، حتى لُقب عليه الصلاة والسلام من قبل قومه بالصادق الأمين، حتى إن هرقل عظيم الروم شهد له بذلك، فقد سأل هرقل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلـم قائلاً: «هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، يعني: قبل أن يدعي النبوة، فقال أبو سفيان: لا، فقال هرقل: فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله» (البخاري: 2941).
2 القيادة العادلة المنصفة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم العدل والإنصاف، فهو عليه الصلاة والسلام خير من أقام العدل وحكم بالقسط بين الناس، أيّاً كانت مكانتهم ومنزلتهم، فكان لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين قريب وبعيد، ولا بين شريف وضعيف، حتى إنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها» (البخاري: 3475).
3 القيادة السمحة العفوة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم السماحة والعفو، فقد كان عليه الصلاة والسلام قائداً عفواً سمحاً، ولا أدل على ذلك من إجابة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلـم فقالت: «لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح» (الترمذي:2016)، ومما يدل على عفوه وسماحته ورحمته عليه الصلاة والسلام رفضه لعرض ملك الجبال إطباق الجبلين على أهل الطائف، وذلك للهدف الوارد في قوله عليه الصلاة والسلام: «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئاً» (البخاري: 3231).
4 القيادة الحازمة الشجاعة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم الحزم في المواضع التي تستلزم الحزم، فقد كان قائداً حازماً لا يتردد في اتخاذ القرارات حينما يستدعي الأمر ذلك، ولا أدل على ذلك من أمره صلى الله عليه وسلـم بهدم مسجد الضرار الذي بناه المنافقون إرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وقد كان عليه الصلاة والسلام قائداً شجاعاً، فقد قال علي رضي الله عنه: «لما حضر البأس يوم بدرٍ اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلـم، وكان من أشد الناس، ما كان أحدٌ أقرب إلى المشركين منه» (مسند أحمد: 1042).
5 القيادة الحكيمة الرشيدة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم الحكمة والتأني والتروي في اتخاذ القرار والبصيرة في الحكم على الأشياء، ولا أدل على ذلك من أمره بضبط الاندفاع غير المدروس المتسرع المبني على العاطفة كما في قول أحدهم بعد الانتهاء من بيعة العقبة الثانية: «والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غداً على أهل منىً بأسيافنا»، فقال عليه الصلاة والسلام: «لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم» (تاريخ الطبري: 2/365).
6 القيادة الشورية المرنة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم الشورى ومشاركة أتباعه في اتخاذ القرار والحكم على الأمور، والمرونة في مراجعة القرارات، فقد استشار عليه الصلاة والسلام أصحابه كما في يوم الأحزاب حينما اجتمع المشركون على محاصرة المسلمين في المدينة النبوية، فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بأن يحفروا خندقاً، وكمشاورته أصحابه في قتال المشركين يوم بدر والقتال خارج المدينة يوم أحد بقوله: «أشيروا علي أيها الناس» (تفسير الطبري: 13/400).
7 القيادة المشاركة المتعاونة: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم المشاركة والتعاون مع الناس في بناء كل ما يحتاجه الناس من خدمات واحتياجات، ولا أدل على ذلك من مشاركته أصحابه في بناء مسجده صلى الله عليه وسلـم، ومشاركته في حفر الخندق، وجمعه للحطب حينما كان مسافراً مع أصحابه، بل كان عليه الصلاة والسلام يقوم بهذه الخدمات قبل بعثته، كما قالت له أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: «كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَ، وتكسب المعدوم، وتَقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق» (البخاري: 3)، فقد كان عليه الصلاة والسلام يبرز للناس، بابه مفتوح للمحتاج، فلا حاجب ولا ساتر، يقضي الحوائج ويجيب السائلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
8 القيادة المعلمة المربية: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم تربية وتهيئة صحابته على الصفات القيادية، من خلال ترسيخ مبادئ العقيدة والأخلاق في نفوسهم، وتسليحهم بالعلم والمعرفة، ورفع هممهم وعزائمهم، وتوزيع المهام القيادية عليهم حسب قدراتهم ومواهبهم؛ وذلك تنمية لهذه القدرات وتعزيزاً لها.
9 القيادة المنظمة المؤسسية: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم النظام وتوزيع المسؤوليات والمهام، فكان عليه الصلاة السلام يعين الأمراء والقادة على السرايا والغزوات، ولا أدل على ذلك من تنظيمه لأمر قيادة معركة مؤتة، حيث جعل القيادة لزيد بن حارثة، فإذا استشهد فجعفر بن أبي طالب، فإذا استشهد فعبدالله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين، بالإضافة إلى اختيار بعض أصحابه لإمامة المصلين، وبعضهم للقضاء بين المتخاصمين، وبعضهم للدعوة إلى دين الله، وبعضهم لكتابة نصوص الوحي.
10 القيادة الواعية الذكية: من أهم ملامح قيادته صلى الله عليه وسلـم التخطيط والذكاء والرؤية البعيدة، والأدلة على هذا الأمر كثيرة مستفيضة، من ذلك أنه صلى الله عليه وسلـم كان دائم البحث عن أراضٍ آمنة لدعوته، وتفقده أماكن المعارك والسيطرة عليها قبل عدوه، ومفاجأته لعدوه بهدف إرباكه وإفشال مخططاته، وإشغال العدو بنفسه، وقدرته على الكتمان والتخفي عن أعين أعدائه في خروجه لغزواته، وخبرته بنفوس أعدائه وكيفية التأثير عليها، وثباته على إدارة الأزمات والتعامل مع الشائعات، ومعرفته لأخبار القبائل ومتابعة استعداداتهم وتحركاتهم.
وختاماً: صلى الله على نبينا القائد العظيم، الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور ناصر عيسى البلوشي – كبير باحثين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي