صاحب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، خليفة الصديق رضي الله عنه ونائبه ومستشاره، ثاني الخلفاء الراشدين، أمير المؤمنين، قائد المسلمين، عز الإسلام، فاتح البلدان، العبقري النجيب، المحدث الملهم، المحنك المبدع، إمام المتفرسين، شيخ المتوسمين، القوي العادل، الخبير العالم، السيف الصارم، الأسد الحازم، العملاق الشجاع، الفارس العظيم، التقي الورع، المتواضع الزاهد، الصالح المصلح، أحد العشرة المبشرين بالجنة، كنيته أبو حفص، ولقبه الفاروق، واسمه عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح العدوي القرشي رضي الله عنه وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. كان رضي الله عنه أميراً عادلاً من أمراء المؤمنين، وخليفةً راشداً من خلفاء المسلمين، وقائداً ملهماً من قادة مدرسة رسول رب العالمين، وهذه إطلالة على أهم ملامح قيادته رضي الله عنه:
1 القائد المخلص المسؤول: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان مخلصاً مسؤولاً عن قيادته، فكان يراقب ربه في كل فعل وقول وقرار يتخذه تجاه نفسه وتجاه رعيته وتجاه عماله، حتى إن مسؤوليته تجاوزت بني الإنسان إلى بني الحيوان، فيروى أنه قال: «لو مات جملٌ ضياعاً على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه» (الطبقات الكبرى: 3/305)، ولعظيم شعوره بالمسؤولية تجاه رعيته، أقسم في عام الرمادة لما اشتد الجوع بالناس أن لا يتناول السمن حتى يأكله الناس، فيروى أنه أصاب الناس سنةٌ غلا فيها السمن، وكان عمر يأكل الزيت؛ فيقرقر بطنه، فيقول: «قرقر ما شئت، فوالله، لا تأكل السمن حتى يأكله الناس» (الزهد لأحمد بن حنبل، حديث رقم: 636)، ومن شدة مسؤوليته أنه لم يكن ينام إلا قليلاً، فيروى أنه قال لمعاوية بن خديج: «لئن نمت النهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي» (الزهد لأحمد بن حنبل، حديث رقم: 646).
2 القائد العادل المقسط: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه العدل بين المتخاصمين ورفع الظلم وإيصال الحق إلى أصحابه على اختلاف دينهم (المسلم وغيره)، وأنسابهم (العرب والعجم)، وأجناسهم (الرجال والنساء)، وألوانهم (الأبيض والأسود)، وطبقاتهم (الحاكم والمحكوم، الأمير والمأمور، الغني والفقير، الوضيع والشريف، القريب والبعيد، الصديق والعدو) حتى اقترن اسمه بالعدل، ومما يروى عن عدله رضي الله عنه أنه اختصم إليه مسلمٌ ويهوديٌ، فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق (موطأ مالك: 2/719)، ومن عدله رضي الله عنه إعادة الحد على ابنه عبد الرحمن تأديباً حين شرب الخمر بمصر متأولاً، فيروى أن «عبد الرحمن بن عمر شرب خمراً -متأولاً- وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث، وهما بمصر في خلافة عمر فسكرا، فلما أصبحا انطلقا إلى عمرو بن العاص، وهو أمير مصر، فقالا: طهرنا فإنا قد سكرنا من شرابٍ شربناه، فقال عبد الله: فذكر لي أخي أنه سكر فقلت: ادخل الدار أطهرك، ولم أشعر أنهما أتيا عمراً فأخبرني أخي أنه قد أخبر الأمير بذلك، فقال عبد الله: «لا يحلق القوم على رءوس الناس ادخل الدار أحلقك، وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحدود فدخل الدار، فقال عبد الله: فحلقت أخي بيدي، ثم جلدهم عمرٌو فسمع بذلك عمر فكتب إلى عمرٍو أن ابعث إلي بعبد الرحمن على قتبٍ ففعل ذلك، فلما قدم على عمر جلده، وعاقبه لمكانه منه» (مصنف ابن أبي شيبة، أثر رقم: 17047).
3 القائد الإداري المنظم: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان قائداً إدارياً منظماً مبدعاً ناجحاً، ففي عهده أنشئت الدواوين، فأنشأ ديوان الإنشاء، وهو ديوان الرسائل، ثم أنشأ ديوان العطاء، وديوان الجند الذي سجل فيه أسماء المقاتلين ووجهتهم ومقدار أعطياتهم وأرزاقهم، وديوان الجباية الذي يهدف إلى إحصاء خراج البلاد المفتوحة، وتنظيم الإنفاق في الوجوه التي يجب الإنفاق فيها، وفي عهده نظم الجيش، بكفالة معيشة الجنود وعائلاتهم، وحصر أعدادهم، وتنظيم رتبهم وأماكن تدريبهم، وفي عهده أنشئ نظام الحسبة حيث وضع أُسسَها واختصاصاتِها، وكان يقوم بها بنفسه، ثم أوكلها إلى رجل، أطلق عليه لقب (المحتسب( للنظر في الآداب العامة، وفي عهده أدخل نظام العَسَس للتجول والمراقبة والطواف ليلاً من أجل مساعدة القاضي في إثبات التهم وتتبع اللصوص وتنفيذ الأحكام ضد المذنبين وطلب أهل الفساد، وهو ما يعرف اليوم بـ (الشرطة)، وفي عهده تم تحديد مدة غياب الجنود عن زوجاتهم بأربعة أشهر، وفي عهده تم تعيين القضاة في البلاد المفتوحة، وفي عهده تم إقرار التجنيد الإجباري لمن يصلح للقتال ويقدر عليه وذلك في معركة القادسية، وفي عهده أرخ تاريخ المسلمين، وهو ما يعرف بـ (التاريخ أو التقويم الهجري)، وفي عهده تم تكريس مبدأ الشورى فاستشار كبار الصحابة، واستشار الرجال والنساء في كل مسألة لا يوجد فيها نص أو حديث، حتى أنه من تعظيمه لهذا المبدأ جعله في وصيته لمن يستخلف بعده، فجعل الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين.
4 القائد العبقري الاقتصادي: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه العبقرية في إدارة أموال واقتصاد الدولة، فقد قام رضي الله عنه بتطوير واستحداث أنظمة مالية في دولة الإسلام، سواء أكان ذلك في الموارد التي ترد للدولة، أو في المصروفات التي تصرفها الدولة أو في إيصال الحقوق المالية لرعايا الدولة، وقد تنوعت إيرادات الدولة ونفقاتها في عهده، نظراً لاتساع جغرافية الدولة، فقد كان من أهمها: الزكاة (وهي الركن الثالث من أركان الإسلام التي تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد إلى فقرائهم بحسب أنصبتها المعروفة، وكانت تصرف في أصنافها الثمانية المعروفة)، والجزية (وهي الضريبة التي تفرض على من دخل ذمة المسلمين من أهل الكتاب)، والخراج (وهي إيراد الأراضي التي افتتحها المسلمون عنوة وأوقفها الإمام لمصالح المسلمين على الدوام كما فعل عمر بأرض السواد)، وعشور التجارة (وهي الأموال التي يتم تحصيلها على التجارة التي تمر عبر حدود الدولة) وهذه الثلاث الجزية والخراج والعشور كانت تصرف في أعطيات الجند والعمال والخليفة وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار وأشراف الموالي والمولود حين ولادته وعطايا متفرقة كان يوزعها رضي الله عنه، والفيء (وهي التي حصل عيها المسلمون من أعدائهم من غير قتال)، والغنائم (وهي الأموال التي حصل عليها المسلمون من أعدائهم عن طريق الحرب والقتال) وكان الفيء والغنائم تصرف حسب التقسيم الوارد في كتاب الله، فهذه الستة هي أهم الموارد المالية للدولة في عهده رضي الله عنه، وفي عهده أصدرت النقود الإسلامية وأقطعت الأراضي الميتة للناس وذلك طلباً لاستصلاحها.
5 القائد الفقيه الملهم: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان قائداً عالماً معلماً مجتهداً فقيهاً، فقد عُرِف بعمق الفهم، والقدرة على التحليل، والبراعة في الاستنباط والتحليل، فله رضي الله عنه آراء فقهية اجتهادية في كثير من القضايا والنوازل التي استجدت في عهده، وقد اهتم رضي الله عنه اهتماماً عظيماً بالعلم ونشره بين الناس، فقد رويت عنه أقوال وحكم كثيرة في حث الناس وتوجيههم وتشجيعهم لطلب العلم وأخذ الحديث، وقد اهتم كذلك بجعل بعض مدن الإسلام مدارس تخرج العلماء والفقهاء والمحدثين، فجعل كلاً من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكة المكرمة والبصرة والكوفة والشام ومصر دوراً للعلم والتفقه في دين الله، وأرسل إلى كل واحدة منها عدداً من الصحابة يعلمون الناس أمور دينهم، وينشرون سنة نبيهم، فاشتهر بالتدريس والتعليم في مكة عبد الله بن عباس، وفي المدينة زيد بن ثابت، وفي البصرة أبو موسى الأشعري وأنس بن مالك وعمران بن حصين، وفي الكوفة عبد الله بن مسعود، وفي بلاد الشام معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء، وفي مصر عقبة بن عامر رضي الله عنهم أجمعين.
6 القائد الفاتح المنتصر: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه اتساع الدولة الإسلامية في عهده، فقد فتح المسلمون في عهده بلاداً كثيرة، حيث استكمل المسلمون في عهده فتح كامل بلاد العراق وفارس، فوقعت معارك عدة في فتح العراق ضد الفرس كمعركة النمارق ومعركة السقاطية بكسكر ومعركة باروسما ووقعة جسر أبي عبيد بقيادة أبي عبيد بن مسعود الثقفي، ووقعة البويب وعمليات الأسواق بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني، ووقعت معارك عدة في فتح بلاد فارس والمشرق، فوقعت معركة القادسية والمدائن وموقعة جلولاء ورامهرمز وتستر ومدينة جُنْدَيْ سابور ومعركة نهاوند (فتح الفتوح) بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، ثم فتحت مدينة أصبهان وهمذان والري وقوميس وجرجان وأذربيجان وخراسان واصطخر وفساوادر وكرمان وسجستان ومكران، وفي عهده رضي الله عنه فتحت كامل بلاد الشام، ففتحت مدينة دمشق ومدينة فِحْل وبيسان وطبريّة وحِمْص وقنِّسرين وقيسارية وفتحت القدس سنة (16ه) بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وفي عهده رضي الله عنه فتحت مصر وليبيا، ففتح المسلمون الفرما وبلبيس وأم دنين وحصن بابليون والإسكندرية وبرقة وطرابلس بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد كان الفاروق رضي الله عنه هو القائد العام للقوات الإسلامية في جميع هذه المعارك، وبذلك امتدت دولة الإسلام في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لتشمل مساحة شاسعة من الأرض يحدها من الشرق نهر جيحون والسند، ومن الغرب بلاد إفريقية وصحراؤها، ومن الشمال جبال آسيا الصغرى وأراضي أرمينية، ومن الجنوب المحيط الهادي وبلاد النوبة في دولة عالمية واحدة متعددة الأجناس والديانات والنحل والعادات (ينظر: الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين، ص: 231).
ختاماً:
رضي الله عن الصحابي الجليل عمر الفاروق، الذي كان خير صاحبٍ لنبينا صلى الله عليه وسلم، وخير قائدٍ وأميرٍ للمؤمنين، والذي عاش الناس تحت قيادته بعدل الإسلام واحتفظوا بحقهم في الحياة الكريمة، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور ناصر عيسى البلوشي – (كبير باحثين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي)