Screenshot 2023-12-26 at 12.07.08 PM

الظاهر بيبرس

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سنلتقي مع القائد العسكري الفذ: الظاهر بيبرس

الظاهر ركن الدين بيبرس، لقب بـأبي الفتوح، سلطان مصر والشام، ورابع سلاطين الدولة المملوكية، ومؤسسها الحقيقي، بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام، وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط.

 ولد بيبرس عام  1228م، وحقق خلال حياته العديد من الانتصارات، لعل أهمها ضد الصليبيين في معركة المنصورة سنة 1250م وضد المغول في معركة عين جالوت 1260م.

حكم بيبرس مصر بعد رجوعه من معركة عين جالوت، وتوفي 1277م، بعد رجوعه من معركة الأبلستين ضد المغول. أحيا خلال حكمه الخلافة العباسية في القاهرة، بعد ما قضى عليها المغول في بغداد، وأنشأ نُظُماً إداريةً جديدة في الدولة. اشتهر بيبرس بذكائه العسكري والدبلوماسي، وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط.

أصله ونشأته

تذكر جميع المصادر العربية والمملوكية الأصلية أنه تركي من القبجاق (كازاخستان حالياً) واسمه بيبرس اسم تركي مؤلف من «باي» (بالتركية: Bey)‏ أي أمير و«پارس» (بالتركية: Pars)‏ أي فهد، ويشير بعض الباحثين المسلمين في العصر الحديث إلى أن مؤرخي العصر المملوكي من عرب ومماليك كانوا يعتبرون الشركس من الترك، وأنهم كانوا ينسبون أي رقيق مجلوب من مناطق القوقاز والقرم للقبجاق، وذكر المقريزي بأنه وصل حماة مع تاجر، وبيع إلى الملك المنصور محمد حاكم حماة، لكنه لم يعجبه فأرجعه، وذهب التاجر به إلى سوق الرقيق بدمشق، وهو في الرابعة عشر من عمره، وباعه هناك بثمانمئة درهم، لكن الذي اشتراه أرجعه للتاجر لعيب خلقي كان في إحدى عينيه (مياه بيضاء)، فاشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري (صاحب الخانقاه في بركة الفيل بالسيدة زينب)، وبه سمي البندقداري. ثم انتقل بعد مصادرة ممتلكات سيده علاء الدين أيدكين إلى خدمة السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب بالقاهرة. ثم أعتقه الملك الصالح ومنحه الإمارة فصار أميراً. كان بيبرس ضخماً طويلاً ذا شخصية قوية، وصوته جهوري وعيناه زرقاوان، ويوجد بإحدى عينيه نقطة بيضاء، وقد يكون سبب زرقة عينيه أن أصله كان مختلطاً. كان شعار دولته «الأسد» وقد نقش صورته على الدراهم.

بزوغه

برز بيبرس عندما قاد جيش المماليك في معركة المنصورة ضد الصليبيين في رمضان من عام 1249م. فقد شن الفرنجة هجوماً مباغتاً على الجيش المصري، مما تسبب بمقتل قائد الجيش «فخر الدين بن الشيخ» فارتبك الجيش، وكادت تلحق به الهزيمة، إلا أن خطة معركة أو «مصيدة المنصورة» التي رتبها بيبرس، القائد الجديد للمماليك، وبموافقة شجرة الدر التي كانت الحاكمة الفعلية لمصر في تلك الفترة بعد موت زوجها سلطان مصر الصالح أيوب. فقاد الهجوم المعاكس في تلك المعركة ضد الفرنجة، وتسبب بنكبتهم الكبرى في المنصورة. التي أسر فيها الملك الفرنسي لويس التاسع وحبسه في دار ابن لقمان.

توران شاه

بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، استدعت شجرة الدر ابنه توران شاه من حصن كيفا، ونصبته سلطاناً على مصر ليقود الجيش المصري ضد القوات الصليبية الغازية. لكن ما إن انتهت الحرب، حتى بدأ توران شاه بمضايقة شجرة الدر، وظل يطالبها برد أموال ومجوهرات والده، وفي نفس الوقت توعد وهدد مماليك أبيه، واستبعدهم من المناصب، ووضع مكانهم أصحابه الذين أتوا معه من حصن كيفا. مما حدا بالمماليك إلى الإسراع في قتله.

بعد مقتل توران شاه، نصَّب المماليك شجرَةَ الدر سلطانةً، باعتبارها أرملة السلطان الصالح أيوب، وطلبوا من الأمراء الأيوبيين في الشام الاعتراف بسلطانها. فرفض أيّوبيّو الشام هذا التنصيب، لأن ذلك معناه نهاية دولتهم في مصر، وأيضاً لم يوافق الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد الذي اعترض على ولاية امرأة. فتسلم السلطنة عز الدين أيبك الذي تزوجها لكي يتمكن من الحكم. ولكن الأيوبيين لم يوافقوا على ذلك، وأرسلوا جيشاً إلى مصر بقيادة صاحب حلب ودمشق الناصر يوسف لاحتلالها وتحريرها من المماليك، ولكنهم هُزموا أمام المماليك، وفرّوا هاربين إلى الشام، مما مكن المماليك من تثبيت حكمهم في مصر.

صراع المماليك

بعد استتباب الأمر للمماليك في حكم مصر بقيادة السلطان أيبك، بدأ أمر أقطاي يستفحل، وأحس السلطان عز الدين أيبك بزيادة نفوذه، خاصة بعدما طلب من أيبك أن يفرد له مكاناً في قلعة الجبل، فقرر قتله، فاستدرجه إلى قلعة الجبل واغتاله هناك. ففر المماليك من مصر إلى سوريا والكرك وسلطنة الروم السلاجقة وأماكن أخرى، وكان في مقدمتهم بيبرس وقلاوون الألفي وبلبان الرشيدي وسنقر الأشقر الذين فرّوا إلى دمشق.

فرح الناصر يوسف بما حصل ورحب بهم، وحاول أن يستخدمهم ضد أيبك. استمرت العداوة بين الناصر يوسف وأيبك، فأرسل الناصر يوسف جيشه للهجوم على مصر بمساعدة المماليك البحرية الذين معه في هذه المرة، ولكن ما إن وصل حدود مصر حتى اضطر إلى أن ينسحب ويوافق على شروط أيبك التي كان من ضمنها إبعاد البحرية عن سوريا فرحلوا إلى الكرك. فاستقبلهم صاحب الكرك المغيث عمر أحسن استقبال، ووزع عليهم الأموال، وحاول الهجوم على مصر بدعم المماليك البحرية، ولكنه مني بهزيمة أمام أيبك وفرَّ راجعاً وكان ذلك سنة 1258م. وأثناء عودة المماليك منهزمين من مصر هاجموا غزة التي تعد تابعة للناصر يوسف، فهزموا الحامية التي بها وأسروا آمرها، فقوي أمرهم.

وفي أثناء تحرك البحرية في جنوب الشام، صادفوا في غور الأردن فرقة الشهرزورية التي فرت من العراق تحت ضغط التتار، فاتفقوا معهم وتزوج بيبرس امرأة منهم لتوثيق الاتفاق بالمصاهرة. مما حرك المخاوف عند الناصر منهم، فحرك عساكره إليهم، فهزم البحريةُ عسكرَ الشام، فركب الناصر بنفسه وبكل جيشه، ففرت البحرية إلى الكرك والشهرزورية إلى مصر. فتابع تحركه نحو الكرك وحاصرها، فأراد المغيث حل القضية سلمياً مع الناصر، فوافق الناصر على شرط تسليمه المماليك، وفي أثناء الحصار شعر بخطورة الموقف أحد مقدمي البحرية، وربما أذكاهم وأكثرهم أهلية للقيادة، وكان هو الظاهر بيبرس الذي يعرف بدقة أين يجب أن يكون في كل ظرف، فتسلل من قلعة الكرك ولجأ إلى الناصر يوسف الذي استقبله وعفا عنه. أما باقي المماليك فقد استلمهم الناصر من المغيث وأودعهم سجن قلعة حلب، وبقوا فيها حتى احتل التتار حلب وأخذوهم منها.

انتهت الخلافات بين الطاهر يوسف وأيبك على إثر وساطة قام بها ابن العلقمي وزير الخليفة المستعصم بالله، ونص الاتفاق على أن تسحب فلسطين من أملاك أيبك وتضم إلى يوسف، وأقطع بيبرس نابلس لإرضائه بعد استشاطته غضباً من الاتفاق بين يوسف وأيبك.

توجه المغول إلى حلب واستولوا عليها ودمروها، مما أثار موجة من الرعب في قلوب المسلمين وحكامهم، فمنهم من هرب إلى مصر، كما فعل صاحب حماة، ومنهم من فضل الاستسلام حقناً للدماء كما فعل حاكم حمص. ولم يبق من المدن المهمة سوى دمشق التي جمع حاكمها الناصر من الجيوش لمواجهة المغول، ثم ما لبثت تلك الجيوش أن انفضت من حوله، وذلك لأنه كان محتاراً فيما يفعل تجاه المغول، فما كان من المماليك الرافضين لتصرفاته المترددة إلا أن حاولوا قتله وتولية أخيه الملك الظاهر علي مكانه. فاكتشف الناصر تلك المؤامرة وفر ليلاً من المعسكر إلى قلعة دمشق وتحصن فيها، فلما علم مماليكه بهربه وافتضاح أمرهم ساروا نحو غزة برفقة بيبرس البندقداري، ومن غزة اتصل بسلطان المماليك الجديد قطز، فدعاه للعودة وأقطعه قليوب وأنزله بدار الوزارة وعظم شأنه لديه.

بيبرس السلطان

بعد مبايعة بيبرس على ملك مصر، دقت الطبول فرحاً بذلك، ودخل قلعة الجبل وجلس على كرسيها. وقد لقب نفسه أول مرة بالقاهر، فقال له الوزير: إن هذا اللقب لا يفلح مَنْ تَلَقَّبَ به. تلقب به القاهر بن المعتضد فلم تطل أيامه حتى خلع، وسملت عيناه، ولقب به القاهر صاحب الموصل فسم ومات، فعدل عنه حينئذٍ إلى الملك الظاهر.

صفاته

أهم ما كان يتصف به بيبرس: الشجاعة والإقدام والدهاء والقوة، والكرم وحب الخير والإحسان إلى الفقراء، وإكرام العلماء وسماع نصائحهم والسكوت على مخاشنتهم له في النصح، كما كان يفعل معه عز الدين بن عبد السلام، والنووي. وكان أسمر بحمرة، أشهل بزرقة، تام القامة، مليح الشكل، جوهري الصوت.

وفاته

توفي الظاهر بيبرس في 1/ 7/ 1277، ودفن في المكتبة الظاهرية بدمشق بعد حكم دام 17 سنة، تولى من بعده أكبر أولاده ناصر الدين الحكم، إلا أن أولاد بيبرس لم يدم لهم الحكم طويلاً، ثم تولى الحكم المنصور قلاوون.

إعداد: نادر نايف محمد

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض