د. إبراهيم عبد سعود الجنابي (واعظ بمديرية التوجيه المعنوي(
هي قيمة عليا في الحياة العسكرية، ذلكم أن العسكرية يناط بها العمل المسلح الذي يضمن دفع الأعداء ومنعهم من التمكن أو التسلط على مقدرات الدولة وشعبها ومكاسبها وممتلكاتها، وهذه المهمة العظمى لا بد من كونها منضبطة بأحكم الصفات والأحوال، وهذا ما يُعبَّرُ عنه بالحُنْكَة، وهي طول التجربة وتمام الحكمة وقوة العزم والحسم، ومنه جاء تسمية الرجل الحكيم المجرب الحازم محنّكاً، أي صاحب الحنكة في تصرفه وقوله وفعله.
والحنكة تكتسب بقوة الفهم وجودة العقل وقوة القلب، والضبط التام وطول التجربة والخبرة، يقال حنكته السن وأحنكته. إذا أحكمته التجارب والأمورُ. فهو مُحَنَّكٌ.
ومعنى الحُنْكَةُ: السن والتجربة وَالْبَصَر بالأمور وحنَكَتْه التجارب وَالسّن حَنْكا وحَنَكا، وأحْنكَتْهُ وحَنَّكَتْه واحتَنَكَتْه، هذبته.
وحَنّكتْه السنُّ إِذَا أَحكمتْه التجارِبُ والأُمور، فَهُوَ مُحَنَّك ومُحْنَك. ويَقُولُونَ هُمْ أَهل الحُنْك والحِنْك والحُنْكة أَي أَهل السِّنِّ والتجارِبِ. واحْتَنك الرجلُ أَيِ اسْتَحْكَمَ.
وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ: أَنه قَالَ لِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَدْ حَنَّكَتْك الأُمور، أَي رَاضَتْكَ وَهَذَّبَتْكَ، وأَصله مِنْ حَنَكَ الفَرس يَحْنُكه إِذَا جَعَلَ فِي حَنَكه الأَسفل حَبْلًا يَقُودُهُ بِهِ. ويقال رَجُلٌ حُنُك وامرأَة حُنُكة إِذَا كَانَا لَبِيبَيْنِ عَاقِلَيْنِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: رَجُلٌ مُحَنَّك وَهُوَ الَّذِي لَا يُسْتَقَلّ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا قَدْ عَضَتْهُ الأُمور. والمُحْتَنَك: الرَّجُلُ الْمُتَنَاهِي عَقْلُهُ وَسِنُّهُ. والحُنُك الْعُقَلَاءُ جَمْعُ حَنِيك. يُقَالُ: رَجُلٌ مَحْنوك وحَنِيك ومُحْتَنَك ومُحَنَّك إِذَا كَانَ عَاقِلًا. والحَنيك: الشَّيْخُ.
والعقل يزيد بالتجارب كاَلَّذِي يَحْصُلُ لِذَوِي العمر مِنْ الْحُنْكَةِ وَصِحَّةِ الرَّوِيَّةِ بِكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَمُمَارَسَةِ الْأُمُورِ. وَلِذَلِكَ حَمِدَتْ الْعَرَبُ آرَاءَ الشُّيُوخِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَشَايِخُ أَشْجَارُ الْوَقَارِ، وَمَنَاجِعُ الْأَخْبَارِ، لَا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ، وَلَا يَسْقُطُ لَهُمْ وَهْمٌ، إنْ رَأَوْك فِي قَبِيحٍ صَدُّوك، وَإِنْ أَبْصَرُوك عَلَى جَمِيلٍ أَمَدُّوك.
وَقِيلَ: عَلَيْكُمْ بِآرَاءِ الشُّيُوخِ فَإِنَّهُمْ إنْ فَقَدُوا ذَكَاءَ الطَّبْعِ فَقَدْ مَرَّتْ عَلَى عُيُونِهِمْ وُجُوهُ الْعِبَرِ، وَتَصَدَّتْ لِأَسْمَاعِهِمْ آثَارُ الْغَيْرِ.
وَقِيلَ فِي الْحِكَمِ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ نَقَصَتْ قُوَّةُ بَدَنِهِ وَزَادَتْ قُوَّةُ عَقْلِهِ. وَقِيلَ فِيهِ: لَا تَدَعُ الْأَيَّامُ جَاهِلًا إلَّا أَدَّبَتْهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَفَى بِالتَّجَارِبِ تَأَدُّباً وَبِتَقَلُّبِ الْأَيَّامِ عِظَةً. وَقَالَ الْبُلَغَاءِ: التَّجْرِبَةُ مِرْآةُ الْعَقْلِ، وَالْغِرَّةُ ثَمَرَةُ الْجَهْلِ.
الحُنكة العسكرية:
والمقصود بها طول التجربة في الحياة العسكرية وقوة التدريب على المهام القتالية، وخوض غمار الحرب، وكثرة الاطلاع والمتابعة للمستجدات والتزود بالعلوم العسكرية مع كل جديد، والاعتماد على ذوي الرأي والخبرة عند الحاجة للاستشارة في الأمور المهمة.
ومن أبرز مظاهر الحنكة العسكرية: التخطيط المنضبط لأداء الواجبات والمهمات، ثم التنفيذ بالدقة والإحكام لهذه المهمات، ومن ذلك جودة التدريب وشدة الانضباط في العمل العسكري بكافة صنوفه وأنواعه وأحواله. والطاعة التامة للأوامر والتوجيهات العسكرية.
ثمرات الحنكة العسكرية:
التمكن من تحقيق الأهداف المنوطة بالأعمال العسكرية على جميع الأصعدة.
تحقيق النصر في المعارك وردع الأعداء.
الضبط التام للعمل العسكري فيخلو من الإهمال والتقصير.
تقليل التكاليف المادة وتوفير الموارد المتاحة لإنجاز الأعمال العسكرية.
المحافظة على أرواح الجنود وحفظهم من الوقوع في الكمائن.
تحقيق الولاء التام للقيادة الرشيدة وللدولة وللقوات المسلحة وللوطن.