بقلم: الدكتور ناصر عيسى أحمد البلوشي
كبير الباحثين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
تحدثنا في مقال العدد الماضي عن مفهوم حروب الجيل الخامس، وأنها حروب تجمع بين أدوات العنف واللاعنف، وبين الصراع المسلح وغير المسلح، وعليه فإن أساليب التصدي لها يجب أن تكون شاملة لجميع نواحي الحياة سواء أكانت دينية أو اجتماعية أو صحية أو اقتصادية أو علمية، وتحدثنا عن شيء من أساليب التصدي لها في الشريعة الإسلامية، وهي نشر مبادئ ومفاهيم الشريعة الإسلامية الوسطية السمحة المعتدلة، وتحذير أفراد المجتمع من حرب الشائعات والأخبار الكاذبة.
ونتحدث في هذا العدد عن بقية أساليب التصدي لهكذا نوع من الحروب، فمن ذلك:
- العمل على تقوية اقتصاد الدولة، وتنويع مصادر الدخل، وتحقيق العيش السعيد لأفراد المجتمع، بتوفير الحاجات الضرورية لهم، من طعام وتعليم وصحة ومسكن وفرص عمل، والعمل على تقليل نسب الفقر والبطالة والفساد، فإن ذلك كله من شأنه أن يساهم في الاستقرار المجتمعي وكسب ولاء أفراد المجتمع.
ولا شك أن العمل على تقوية الاقتصاد هو من مقاصد الشريعة الإسلامية التي بينت في مصدريها القرآن والسنة التي اعتنت بهذا الجانب عناية فائقة، كما قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، فالله تعالى يدعو عباده إلى إعداد القوة في مواجهة التحديات والصعوبات والحروب، ومن أهم جوانب القوة والتي تتوقف عليها جميع جوانب القوة الأخرى: القوة المادية والاقتصادية؛ فالقوة الاقتصادية ركيزة أساسية للدولة في مواجهة المحن والخطوب، قال تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7)، فالله تعالى يأمر عباده أن ينفقوا مما آتاهم سبحانه، ومن أعظم ما ينفقه المرء على الآخرين أن يوفر لهم حاجاتهم الأساسية التي تتوقف عليها حياتهم الدنيوية.
- العمل على تعزيز تقنيات الأجهزة الأمنية، بتطويرها بما يواكب العصر، سواء أكانت تقنيات مراقبة ورصد الجرائم قبل وقوعها، أو تقنيات تحليل البيانات والمعلومات الخاصة بشبكات الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، كما قال سبحانه (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60)، ولا ريب أن من أهم جوانب إعداد القوة العمل على كل ما من شأنه الارتقاء بالأجهزة الأمنية.
- انضمام الدول الإسلامية أو العربية أو من يجمعها إقليم واحد لاتحاد (فدرالي أو كـونفـدرالــي) أو تحالف أو تعاون مشترك، بحيث تسطيع مواجهة التحديات والحروب التي قد تواجهها، من خلال التعاون العسكري الدفاعي المشترك، كما قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103)، وقال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) (آل عمران: 105)، وقال عليه الصلاة والسلام: «يد الله مع الجماعة» (الترمذي: 2166)، وقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» (الترمذي: 2165)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (مسلم: 2586). فهذه النصوص وغيرها تدل دلالة واضحة على حرص الشريعة على الوحدة والاتحاد والجماعة والاجتماع؛ لما في تحقيق ذلك من تعظيم القوة والهيبة وتحقيق الانتصار على الأعداء.
- تعزيز الدفاعات العسكرية للدولة، من خلال امتلاك أحدث الأنظمة الأمنية والدفاعية سواء أكانت برية أو جوية أو بحرية أو تقنية، ومحاولة صنع وابتكار هذه الأنظمة من قبل الدولة نفسها، وهذا مما حثت عليه الشريعة في قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، فالآية واضحة في الدعوة إلى إعداد القوة العسكرية في مواجهة أي تحد داخلي أو خارجي.
- سن القوانين والأنظمة التي تجرم الانضمام لحزب أو جماعة يقصد من وراء الانضمام إليها الدعوة إلى تقسيم المجتمع الواحد والإضرار بالتلاحم المجتمعي، بالإضافة إلى سن الأنظمة التي تجرم نشر الشبهات والأفكار والمعتقدات الفاسدة كالإلحاد والشرك والإرهاب والبدع الدينية بين أفراد المجتمع، والتشكيك في المصادر الدينية الأصيلة والعمل على الانتقاص من هيبة علماء الشريعة، وبالإضافة إلى سن القوانين والأنظمة التي تمنع ازدراء أفراد المجتمع والإساءة إليهم والسخرية منهم سواء في شرائعهم أو أجناسهم أو ألوانهم أو مذاهبهم الدينية؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة من دفع المفاسد والفتن والتقاتل والتفرقة، كما قال سبحانه: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: 108).
- تعزيز الرقابة الأمنية على منافذ الدولة البرية والبحرية والجوية؛ وذلك لمنع تهريب الممنوعات سواء أكانت مخدرات أو أطعمة ومشروبات أو أسلحة أو أشخاص أو مطبوعات ومسموعات ومرئيات مخالفة لنظام الدولة؛ وذلك لما في تعزيز الرقابة الأمنية من مصالح عظيمة للبلاد والعباد، بالإضافة إلى توعية أفراد المجتمع بجميع فئاتهم من شر ومفاسد هذه الممنوعات على صحتهم وأمن دولتهم.
وختاماً نسأل المولى العظيم أن يحفظ بلادنا وبلاد الإسلام من شر الحروب والفتن والمحن، ونسأله سبحانه أن يديم الأمن والأمان والخير والعز والسعادة على بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين.
والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.