تلعب الدبابات دوراً مهماً في تجهيز الجيوش والقوى العسكرية لأي دولة في العالم، إذ إنها أصبحت القوة الضاربة الرئيسية والعمود الفقري للقوات البرية بعد أن أثبتت جدارتها في حسم النزاعات والحروب في العديد من الدول، لذلك تتنافس القوى العالمية على تصنيع واقتناء أحدث وأقوى الدبابات وتحديثها باستمرار بما يتلاءم مع تطور أشكال وأنواع الأسلحة والمعارك ودخول التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بقوة في مجالها.
على الرغم من الركود الذي شهده سوق الدبابات خلال السنوات الماضية ولجوء الكثير من الدول إلى استخدام أسطولها القديم الذي لا يزال قيد الخدمة، كما تشير التقارير المتخصصة، إلا أن العديد من القوى العظمى مازالت تولى أهمية قصوى لهذا السلاح البري، لأهميته الاستراتيجية وكفاءته في أداء المهام.
وتعتبر روسيا من الدول التي تولي أهمية كبرى لصناعة الدبابات بمختلف أشكالها وأنواعها، حيث إنها أصبحت أكثر دولة في العالم تمتلك ترسانة ضخمة من الدبابات يصل عددها إلى 12950 دبابة متنوعة وفقاً لإحصائيات عام 2020 الصادرة عن مؤشر «جلوبال فايرباور» العالمي (Global Firepower).
ولا يدخر الجيش الروسي جهداً في إظهار قوته الدفاعية في مختلف الظروف والمناسبات والميادين، ويحرص الدب الروسي بشكل مستمر على عرض نماذج من ترساناته الحربية في العرض العسكري السنوي الشهير في الساحة الحمراء في موسكو بمناسبة إحياء ذكرى الانتصار على ألمانيا النازية.
وقد ظهرت خلال آخر عرض عسكري لموسكو بمناسبة الذكرى 75 لعيد النصر بتاريخ 24 يونيو الماضي، 2020 العديد من الآليات العسكرية الحديثة والمتطورة، ولعل أبرزها كان الدبابة الروسية الحديثة «تي 14 أرماتا» (T-14 Armata)، التي تتوقع لها موسكو والعديد من التقارير العسكرية الغربية أن تصبح «أقوى دبابة في العالم» لما تملكه من مواصفات فريدة.
وتجدر الإشارة إلى أن الظهور الأخير لدبابة «تي 14 أرماتا» لم يكن بالأمر الجديد، حيث إن الجيش الروسي يحرص باستمرار على إظهارها في المناسبات الوطنية وعرض خصائصها في المعارض العسكرية العالمية.
ولاقت الدبابة الروسية الحديثة «تي 14 أرماتا» اهتماماً غربياً واسعاً، وقد وصفتها المخابرات العسكرية البريطانية في وثيقة سرية عام 2016 بـ«الخارقة»، وقالت إنها «تمثل أكبر تطور نوعي في تصميم الدبابات في الـ50 سنة الماضية».
وتجمع الدبابة الروسية التي تصفها موسكو بـ«دبابة المستقبل» في مواصفاتها وقدراتها بين مجموعة كبيرة من مواصفات وقدرات جيل الدبابات الثالث والرابع والجيل الجديد، وتتراوح مدة خدمتها ما بين 25 و30 عاماً. وبدأت روسيا تزويد جيشها بـ«تي 14 أرماتا»، في مسعى للحصول على 2300 دبابة بحلول العام .2025
المواصفات والمميزات
يتولى فريق مصممي الدبابات من شركة «أورال فاغون زافود» (Uralvagonzavod) الروسية منذ العام 2009 العمل في مشروع «تي 14 أرماتا»، بمدينة «نيجني تاغيل» (Nizhny Tagil) بإقليم الأورال الروسي، وقد عرضت لأول مرة في عام .2015
وكشفت الشركة المصنعة للدبابة في سبتمبر عام 2013 عن مواصفات ومميزات الدبابة التي كان تصميمها يحاط بسرية شديدة.
وتقول الشركة المصنعة إن «أرماتا» تعد قاعدة مجنزرة ثقيلة متعددة الوظائف تستخدم كأساس لدبابة ومركبة قتالية مدرعة وآليات مدرعة أخرى.
وتسير دبابة «تي 14 أرماتا» على 7 عجلات مزدوجة، وقد صُممت لبقاء طاقمها داخلها لفترة طويلة، لذلك يوفر تصميمها كل أسباب الراحة، حيث يقول «إيليا بارانوف»، مسؤول مكتب «أورال» لتصميم آليات النقل، إنه تم تزويد الدبابة بمرحاض.
كما تستوعب قمرة القيادة في الدبابة طاقماً يتكون من 3 أشخاص، يجلسون ضمن كابينة منفصلة ومعدلة ومدرعة في مقدمة الدبابة (مصنوعة من مواد مركبة ومحمية بواسطة دروع متعددة الطبقات)، في حين توجد الذخيرة التي يتم تلقيمها للمدفع بصورة آلية في كبسولة منفصلة، كذلك الأمر بالنسبة إلى خزان الوقود.
قوة والسرعة والقدرة على المراوغة
وتتميز الدبابة «تي 14 أرماتا» بالقوة والسرعة والقدرة على المراوغة وصد الهجمات المضادة، وإدارة المعارك، وتصل مقاومة درعها إلى نحو 900 مليمتر، وترتفع الحماية الفولاذية في مقدمة الدبابة لتصل إلى 1400 مليمتر، كما أن دروع الدبابة مصنوعة من ألواح خزفية ومواد مركبة وفولاذ متين معروف باسم 44C-sv-Sh، وتحتوي جوانبها على حجاب مضاد للانفجار، كما أن شكلها ولونها الخاص يحدان من قدرة وسائل المراقبة على اكتشافها.
وتم تطبيق فكرة حرب الشبكات المركزية في الدبابة الروسية الحديثة يطلق عليه اسم «نظام أفغانيت للحماية النشطة» (Afganit active protection system)، بحيث إن أنظمتها ورادارها يساعدها على التعرف إلى الوجوه وتحديد الأهداف وتعديل اتجاه إطلاق النار والتعرف إلى القذائف والصواريخ المعادية عن بعد، كما أنها تحتوي على كاميرات حرارية عالية الدقة، تمنح طاقمها إمكانية الحصول على رؤية محيطية بانورامية لميدان المعركة بدرجة استدارة تبلغ 360 درجة في جميع الظروف الجوية، وأوقات الليل وفي الظلام، مع إمكانية تكبير صور الكاميرات حسب الضرورة. ويعمل الرادار البعيد المدى الخاص بالدبابة بتكنولوجيا هوائي يستطيع رصد الأهداف على بعد حوالي 100 كيلومتر بحسب الشركة المصنعة.
وتمتلك الدبابة «تي 14 أرماتا» نظام رصد للألغام المضادة للدبابات لتعطيلها، وزُودت أيضاً بنظام الملاحة «غلوناس» (GLONASS)، الذي يقدم دعماً غير محدود في الجو والبر والبحر والفضاء، كما أن الدبابة تمتلك القدرة على الاستكشاف والرؤية بالأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية.
وتم تجهيز «تي 14 أرماتا» ببرج آلي لا يحتاج إلى تدخل بشري، وتعد تركيبة البرج غير المأهول غير عادية بالنسبة للدبابات الروسية الكلاسيكية، إذ إنها تتشكل من صفائح مدرعة يتوزع بعضها تحت زوايا مختلفة عن البعض الآخر، الأمر الذي يزيد إلى حد كبير من تخفي الدبابة رادارياً وحرارياً.
وتحتوي الدبابة على مدفع رئيسي عيار 125 ملم، يمكنه إطلاق الصواريخ والقذائف على حد سواء، كما يمكنه إطلاق صواريخ موجهة بالليزر، ويوجد في الدبابة أيضاً مدفع رشاش بقطر 12.7 ملم، يعمل بالتحكم عن بعد، ومدفع رشاش عيار 7.62 ملم، كما يمكن ترقية المدفع الرئيسي للدبابة مستقبلاً بمدفع من عيار 152 ميليمتراً. أما مدى اكتشاف الهدف لدى الدبابة الروسية فيصل إلى أكثر من 5000 متر، في حين أن مدى مهاجمة الهدف فتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 7 آلاف متر.
ويقدر معدل الإطلاق المدفعي للقذائف بين 10-12 قذيفة في الدقيقة، وتستخدم قذائف ذات معدلات ثبات عالية يطلق عليها «فاكام – 1» (VACAM-1)، فيما تتسع قمرة الذخائر لأكثر من 40 قذيفة مدفعية أو مختلف أنواع الذخائر متعددة الوظائف، بالإضافة الأسلحة الثانوية كالرشاشات، كما يمكن لقذائف مدفع الدبابة أن تخترق تدريعاً سمكه 100 سم على بعد 2 كلم.
وتتراوح سرعة الدبابة ما بين 80 و90 كيلومتراً في الساعة، ومدى السير 500 كيلومتر، وتعمل بناقل حركة أوتوماتيكي وتم تزويدها بمحرك «ديزل» تتراوح قدرته ما بين 1200 و1500 حصان حسب الترقية والتحديث مع إمكانية استبدال المحرك خلال فترة وجيزة تبدأ من 30 دقيقة وتصل إلى 60 دقيقة كحد أقصى، كما أن خزانات الوقود الخاصة بالدبابة غير قابلة للاستبدال ومخفية وراء درع وجدار مضاد للتفجير.
ويصل وزن الدبابة مع الحمولة إلى نحو 55 طناً حيث تم تصميم هيكلها من سبائك صلب مطورة، أخف وزناً من المستخدم في أي دبابات أخرى، أما طولها فيصل إلى 10.8 متر وعرضها 3.9 متر وارتفاعها 3.3 متر.
التكلفة
يبلغ سعر دبابة «تي 14 أرماتا» نحو ثلاثة ملايين و700 ألف دولار أمريكي، وقد يرتفع السعر بناء على المواصفات المطلوبة. ويقول وزير الصناعة والتجارة الروسي «دنيس مانتوروف» إن دبابات « أرماتا» باهظة الثمن، بسبب التحديث والاختبارات الإضافية، ولكنه أكد أن السعر سينخفض مع زيادة حجم الإرسال والإنتاج.
الاختبارات الميدانية وآفاق التصدير
خضعت الدبابة الروسية الحديثة للعديد من الاختبارات الميدانية في ظروف القتال الحقيقية في سوريا، حسبما أعلن وزير الصناعة والتجارة الروسي، «دنيس مانتوروف»، في نهاية إبريل الماضي .2020
وكشف المسؤول الروسي «دينيس مانتوروف»، مطلع يونيو الماضي 2020، عن نية موسكو لإعداد دبابة «تي 14 أرماتا» لتسويقها خارج البلاد، وذلك استجابة للاهتمام الكبير الذي أبدته بعض البلدان والجيوش للحصول عليها.
وقال إن توريد نماذج معدلة وقابلة للتصدير من دبابة «تي 14» سيبدأ بعد تسلم الجيش الروسي لأول دفعة منها.
وقالت وسائل إعلام روسية إن الخبراء في الصناعة الحربية يدرسون حالياً مكونات وملامح دبابة «تي 14 أرماتا» التي يمكن تصديرها للخارج، فيما صرح في الصناعة الحربية الروسية بأن نموذجاً تصديرياً للدبابة قد تم إعداده فعلاً وحصل على ترخيص لبيعه خارج روسيا.
وعلى صعيد الاهتمام الدولي، قالت مجلة «ميلاتري ووتش» (Military Watch) العسكرية الأمريكية في تقرير لها إن 5 جيوش في العالم مرشحة للحصول على «تي 14 أرماتا» وهي الهند وفيتنام وبيلاروسيا ومصر إضافة إلى الجزائر.