Untitled design - 1

العقوبات الاقتصادية هل باتت أداة حاسمة في الحروب الحديثة؟

باتت‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬تشكل‭ ‬الأداة‭ ‬الأكثر‭ ‬تفضيلاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لصناع‭ ‬القرار‭ ‬لإدارة‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية،‭ ‬أو‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬التحديات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬حزماً‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الفرعية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬قدرات‭ ‬الخصم‭. ‬وتعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعمد‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬مع‭ ‬خصومها،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬واشنطن‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين،‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬طرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬ومستقبلها‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭.‬

ماهية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬

يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬وقف‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية‭ ‬الاعتيادية‭ ‬لأغراض‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬والأمنية‮»‬،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬شاملة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حظر‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬الكامل‭ ‬لدولة‭ ‬ما،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الحظر‭ ‬التجاري‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬كوبا،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬مستهدفة،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬العقوبات‭ ‬الذكية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬منع‭ ‬المعاملات‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬أو‭ ‬الأفراد‭ ‬المحددين‭. ‬وتتخذ‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أشكالاً‭ ‬مختلفة،‭ ‬تتضمن‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬وتجميد‭ ‬الأصول،‭ ‬وحظر‭ ‬التسليح،‭ ‬وتقييد‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬وخفض‭ ‬المساعدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬التجارية‭ ‬الصارمة‭. ‬

وعادةً‭ ‬ما‭ ‬تستهدف‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً‭ ‬تحقيق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إجبار‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكها،‭ ‬أو‭ ‬معاقبتها‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬والسياسات،‭ ‬أو‭ ‬احتواء‭ ‬تهديدات‭ ‬للأمن‭ ‬الدولي‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والمخدرات،‭ ‬ومنع‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬وحل‭ ‬النزاعات‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني‭. ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬تعد‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬التدخل،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬تعتبر‭ ‬خياراً‭ ‬أقل‭ ‬تكلفةً‭ ‬ومخاطرةً‭ ‬بين‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والحرب‭ ‬المباشرة،‭ ‬وتعتبرها‭ ‬بعض‭ ‬الأدبيات‭ ‬بمثابة‭ ‬الأداة‭ ‬الأكثر‭ ‬حسماً‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬العمل‭ ‬لعسكري‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬فرض‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬أثناء‭ ‬تقييم‭ ‬الدول‭ ‬لإجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬أكثر‭ ‬صرامة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬العقوبات‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬للكويت،‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬1990،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬المجلس‭ ‬قراراً‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬الغزو‭.‬

وباعتبار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬هو‭ ‬الهيئة‭ ‬المنوطة‭ ‬بإدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬للمجلس‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬المجموعات‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول،‭ ‬ويتم‭ ‬اقرار‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬بأغلبية‭ ‬أعضاء‭ ‬المجلس‭ ‬الخمسة‭ ‬عشر،‭ ‬وبشرط‭ ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬الفيتو‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬الدائمين‭ ‬بالمجلس،‭ ‬ويعد‭ ‬تجميد‭ ‬الأصول‭ ‬وحظر‭ ‬السفر‭ ‬وحظر‭ ‬الأسلحة‭ ‬أكثر‭ ‬أنواع‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬على‭ ‬دولتين‭ ‬فقط،‭ ‬هما‭ ‬روديسيا‭ ‬الجنوبية‭ (‬زيمبابوي‭ ‬حالياً‭) ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬لكنه‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬مرة،‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬ارتكزت‭ ‬غالبيتها‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬داخلية،‭ ‬مثل‭ ‬الصومال‭ ‬وليبيريا‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬استخداماً‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وقد‭ ‬تنشأ‭ ‬سياسة‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وإما‭ ‬التشريعية،‭ ‬حيث‭ ‬يطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬عادةً‭ ‬أمراً‭ ‬تنفيذياً‭ ‬يعلن‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬وطنية‭ ‬استجابة‭ ‬لتهديد‭ ‬خارجي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬الرئيس‭ ‬صلاحيات‭ ‬خاصة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬التهديد،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭. ‬ويدير‭ ‬مكتب‭ ‬مراقبة‭ ‬الأصول‭ ‬الأجنبية‭ (‬OFAC‭)‬،‭ ‬التابع‭ ‬لوزارة‭ ‬الخزانة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬33‭ ‬برنامجاً‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬كما‭ ‬تلعب‭ ‬بعض‭ ‬الوزارات‭ ‬الأخرى‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وزارات‭ ‬الخارجية‭ ‬والعدل‭ ‬والتجارة،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬أن‭ ‬تصنف‭ ‬جماعة‭ ‬ما‭ ‬كمنظمة‭ ‬إرهابية‭ ‬أو‭ ‬تصنف‭ ‬دولة‭ ‬كراعية‭ ‬للإرهاب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أخرى‭. ‬كذا،‭ ‬يمكن‭ ‬للكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬يقر‭ ‬تشريعات‭ ‬تفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬تعدل‭ ‬عقوبات‭ ‬قائمة‭. ‬ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬فرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنظمة‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬شاملة‭ ‬ضد‭ ‬كوبا‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬وإيران‭ ‬وروسيا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬12‭ ‬برنامجاً‭ ‬آخر‭ ‬يستهدف‭ ‬الأفراد‭ ‬والكيانات،‭ ‬وشكلت‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتجميد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬330‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬خطوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬نظراً‭ ‬لحجمها‭. ‬

من‭ ‬ناحية،‭ ‬أخرى،‭ ‬يفرض‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬تعرف‭ ‬عادةً‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬التدابير‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬والأمنية‭ ‬المشتركة‭ ‬للاتحاد‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬افتقار‭ ‬بروكسل‭ ‬لقوة‭ ‬عسكرية‭ ‬مشتركة،‭ ‬ينظر‭ ‬القادة‭ ‬الأوروبيون‭ ‬للعقوبات‭ ‬باعتبارها‭ ‬أداة‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬الخارجية،‭ ‬ويشترط‭ ‬أن‭ ‬تحظى‭ ‬سياسات‭ ‬العقوبات‭ ‬بإجماع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬وقد‭ ‬فرض‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬منذ‭ ‬نشأته،‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬مرة،‭ ‬بخلاف‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬جهة،‭ ‬غير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬تصدر‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

تطور‭ ‬استخدام‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية

تعود‭ ‬الممارسات‭ ‬الأولى‭ ‬لاستخدام‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الحصار‭ ‬القاري‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬على‭ ‬الجزر‭ ‬البريطانية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتزايد‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأداة‭ ‬لأدارة‭ ‬الحروب‭ ‬ارتبط‭ ‬بالأساس‭ ‬بالحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬عندما‭ ‬حاولت‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬عزل‭ ‬ألمانيا‭ ‬وحلفائها‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وحرمان‭ ‬اقتصاداتهم‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬والغذاء‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬استخدمت‭ ‬ألمانيا‭ ‬غواصاتها‭ ‬لتعطيل‭ ‬حركة‭ ‬الشحن‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي،‭ ‬لذا‭ ‬شكلت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬تحولاً‭ ‬جذرياً‭ ‬في‭ ‬المبدأ‭ ‬السائد‭ ‬آنذاك،‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الحروب‭ ‬عن‭ ‬التجارة‭ ‬والاقتصاد‭. ‬

كذا،‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأداة‭ ‬لإدارة‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬المادة‭ (‬16‭)‬،‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم،‭ ‬والتي‭ ‬نصت‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬جماعية‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬تشن‭ ‬حرباً‭ ‬عدوانية‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭. ‬ورغم‭ ‬الانتقادات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬لعصبة‭ ‬الأمم‭ ‬بأنها‭ ‬تفتقر‭ ‬للوسائل‭ ‬اللازمة‭ ‬لفرض‭ ‬القوة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬مؤسسي‭ ‬المنظمة‭ ‬كانوا‭ ‬مقتنعين‭ ‬بأنهم‭ ‬زودوا‭ ‬المنظمة‭ ‬بنوع‭ ‬جديد‭ ‬وحاسم‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬القمع،‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والتي‭ ‬وصفها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وودرو‭ ‬ويلسون،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1919،‭ ‬بأنها‭ ‬أقوى‭ ‬تأثيراً‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭ ‬ذاتها‭. ‬ومع‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ثمة‭ ‬اعتقاد‭ ‬سائد‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬أداة‭ ‬حاسمة‭ ‬للحروب،‭ ‬حيث‭ ‬يمكنها‭ ‬إرباك‭ ‬الخصوم‭ ‬دون‭ ‬تحمل‭ ‬تكاليف‭ ‬المواجهات‭ ‬العسكرية،‭ ‬رغم‭ ‬التداعيات‭ ‬السلبية‭ ‬لهذه‭ ‬الأداة‭ ‬على‭ ‬المدنيين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬هارولد‭ ‬نيكلسون،‭ ‬والذي‭ ‬أقر‭ ‬بالعواقب‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬الحصار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬المجر،‭ ‬خلال‭ ‬حكومة‭ ‬‮«‬بيلا‭ ‬كون‮»‬‭ ‬الشيوعية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬أشار‭ ‬نيكلسون‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬لاستخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأداة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محظورةً‭ ‬سابقاً،‭ ‬أضحت‭ ‬تشكل‭ ‬أداة‭ ‬محورية‭ ‬للحرب‭. ‬

وتشير‭ ‬الأدبيات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بدأت‭ ‬ترتبط‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬بإدارة‭ ‬الحروب،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الشاملة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أراد‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬الحلفاء‭ ‬أن‭ ‬يجعلوا‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬الناشئة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬مستقبلية‭ ‬ناشئة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قوة‭ ‬مكافئة‭ ‬لقوة‭ ‬الحرب‭ ‬ذاتها،‭ ‬لكنها‭ ‬أقل‭ ‬تكلفة‭ ‬من‭ ‬الأداة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وقد‭ ‬وجدوا‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أساليب‭ ‬الحصار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬طورت‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬قطع‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬منفذ‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬تتشابه‭ ‬مع‭ ‬ارتدادات‭ ‬الحرب،‭ ‬لكن‭ ‬بوسائل‭ ‬وتكلفة‭ ‬مختلفة‭. ‬

وتعكس‭ ‬التجارب‭ ‬التاريخية‭ ‬لاستخدام‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كإحدى‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬تأثيرات‭ ‬متباينة‭ ‬إزاء‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة،‭ ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬التأثير‭ ‬الرادع‭ ‬لهذه‭ ‬العقوبات‭ ‬كافياً‭ ‬لإثناء‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الصغيرة‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬باعتداءات‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬كان‭ ‬محدوداً‭ ‬للغاية‭ ‬إزاء‭ ‬الدول‭ ‬والإمبراطوريات‭ ‬الكبرى‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬اضطرت‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬تدخلها‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬ألبانيا،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1921،‭ ‬بعد‭ ‬تهديد‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬بفرض‭ ‬حصار‭ ‬اقتصادي‭ ‬عليها،‭ ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬تكرر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬حيث‭ ‬نجحت‭ ‬تهديدات‭ ‬الهيئة‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬صراع‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البلقان‭ ‬بين‭ ‬اليونان‭ ‬وبلغاريا‭. ‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬أن‭ ‬خضوع‭ ‬الدول‭ ‬والإمبراطوريات‭ ‬الكبرى‭ ‬لتأثير‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أقل‭ ‬احتمالية،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬واليابان‭ ‬بالتراجع‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬عمدت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬التوسع‭ ‬الإقليمي،‭ ‬باعتباره‭ ‬الأداة‭ ‬الحاسمة‭ ‬لتأمين‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬التي‭ ‬هددت‭ ‬العقوبات‭ ‬بحرمانهم‭ ‬منها،‭ ‬كالنفط‭ ‬والحديد‭ ‬والحبوب‭ ‬وغيرها‭. ‬كما‭ ‬عكست‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭ ‬تعد‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬لتأثيرات‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬مقارنة‭ ‬بالاقتصاديات‭ ‬الصناعية‭. ‬لكن،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬استثناءات‭ ‬مهمة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬والذي‭ ‬صمد‭ ‬أمام‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬عليه‭. ‬

طبيعة‭ ‬العقوبات

خلال‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬تم‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لمعالجة‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬منها‭ ‬تجنب‭ ‬اندلاع‭ ‬مواجهات‭ ‬عسكرية،‭ ‬وإرساء‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومعالجة‭ ‬القضايا‭ ‬البيئية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬أداة‭ ‬روتينية‭ ‬تستخدمها‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتغيير‭ ‬سلوك‭ ‬الدول‭ ‬المستهدفة‭. ‬

وكان‭ ‬تقرير‭ ‬أممي‭ ‬صادر‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثلث‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬باتوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬تخضع‭ ‬لأحد‭ ‬أشكال‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزى‭ ‬إلى‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كإحدى‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬حيث‭ ‬أضحت‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬تمثل‭ ‬شكلاً‭ ‬خفيفاً‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الإكراه،‭ ‬وباتت‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬تنظر‭ ‬لفكرة‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬محدودة،‭ ‬كحظر‭ ‬استيراد‭ ‬سلع‭ ‬محددة‭ ‬أو‭ ‬تجميد‭ ‬بعض‭ ‬الأصول،‭ ‬كتصعيد‭ ‬محدود‭ ‬نسبياً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬التضخم‭ ‬المفرط‭ ‬في‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المفروضة‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬تندرج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬العقوبات‭ ‬البسيطة‭ ‬ذات‭ ‬التأثير‭ ‬المحدود،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬أقل‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬العقوبات‭ ‬وشدتها‭ ‬بشكل‭ ‬حاد‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬حيث‭ ‬فرضت‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬ألف‭ ‬عقوبة‭ ‬اقتصادية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬مقابل‭ ‬حوالي‭ ‬2695‭ ‬عقوبة‭ ‬كانت‭ ‬مفروضة‭ ‬على‭ ‬موسكو‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬روسيا‭ ‬الدولة‭ ‬الأكثر‭ ‬خضوعاً‭ ‬للعقوبات‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭. ‬

بالتالي،‭ ‬باتت‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬ذات‭ ‬تأثيرات‭ ‬كبيرة‭ ‬وواسعة‭ ‬النطاق،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تتشابك‭ ‬فيه‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬المعقدة‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الأنظمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬المتشابكة‭ ‬في‭ ‬نسيج‭ ‬العلاقات‭ ‬المصرفية‭ ‬المحلية،‭ ‬والتي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬وضع‭ ‬حدود‭ ‬فاصلة‭ ‬بين‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المحلية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الدولي‭. ‬ومقارنة‭ ‬بالعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التاريخية،‭ ‬أصبحت‭ ‬العقوبات‭ ‬الحديثة‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعاً،‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬إلى‭ ‬الخدمات‭ ‬المصرفية‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والشحن،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنصات‭ ‬المالية،‭ ‬حتى‭ ‬أضحت‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سمة‭ ‬مميزة‭ ‬للجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬وتستخدم‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬الحديثة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الآليات،‭ ‬يتمثل‭ ‬أبرزها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭: ‬

‮١‬‭- ‬العقوبات‭ ‬المالية‭:‬‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬تجميد‭ ‬الأصول،‭ ‬ومنع‭ ‬المعاملات‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬البنوك،‭ ‬وتقييد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الدولار،‭ ‬ومنع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬سويفت‮»‬‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفع‭ ‬الأخرى،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬حظر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لبنك‭ (‬VTB‭) ‬الروسي‭.‬

‮٢‬‭- ‬العقوبات‭ ‬التجارية‭:‬‭ ‬وتنطوي‭ ‬على‭ ‬تقييد‭ ‬عمليات‭ ‬تصدير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات‭ ‬ورقائق‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬ومعدات‭ ‬الحوسبة‭ ‬الكمومية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬حظر‭ ‬استيراد‭ ‬المواد‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬قيام‭ ‬الصين‭ ‬بتقييد‭ ‬عملية‭ ‬تصدير‭ ‬بعض‭ ‬المعادن‭ ‬الأرضية‭ ‬النادرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

‮٣‬‭- ‬العقوبات‭ ‬القطاعية‭:‬‭ ‬والتي‭ ‬تستهدف‭ ‬صناعات‭ ‬بأكلمها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات،‭ ‬كالطاقة‭ ‬أو‭ ‬الدافع‭ ‬أو‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬المستهدفة‭ ‬بهذه‭ ‬العقوبات‭. ‬

‮٤‬‭- ‬العقوبات‭ ‬الثانوية‭:‬‭ ‬وهي‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬أطرافاً‭ ‬ثالثةً،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحلفاء‭ ‬أحياناً،‭ ‬ممن‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أو‭ ‬كيانات‭ ‬خاضعة‭ ‬للعقوبات،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬أو‭ ‬البنوك‭ ‬غير‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإيرانية‭ ‬الخاضعة‭ ‬للعقوبات‭.‬

‮٥‬‭- ‬عقوبات‭ ‬فردية‭:‬‭ ‬وهي‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬شخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬عسكرية‭ ‬بارزة،‭ ‬وكذا‭ ‬أفراد‭ ‬عائلاتهم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬أو‭ ‬تجميد‭ ‬الأصول‭.‬

بالتالي،‭ ‬بينما‭ ‬تم‭ ‬اعتبار‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬بمثابة‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحرب،‭ ‬بل‭ ‬يفوق‭ ‬تأثيرها‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة،‭ ‬ذهبت‭ ‬الأدبيات‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬للنظر‭ ‬إلى‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬باعتبارها‭ ‬بديلاً‭ ‬مثالياً‭ ‬للأداة‭ ‬العسكرية،‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬سادت‭ ‬قناعة‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تشكل‭ ‬أداة‭ ‬حاسمة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة،‭ ‬وترسخ‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التوسع‭ ‬المفرط‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭. ‬

فاعلية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية

تتباين‭ ‬الأدبيات‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأداة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬فبينما‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ذات‭ ‬الأهداف‭ ‬المحدودة‭ ‬نسبياً‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬احتماليةً‭ ‬للنجاح‭ ‬مقارنةً‭ ‬بتلك‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬تطلعات‭ ‬سياسية‭ ‬كبرى‭ ‬وبعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬النفوذ‭ ‬المالي‭ ‬للخطر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بفرضها،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬حال‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط‭. ‬وتشير‭ ‬الأدبيات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬اختلافات‭ ‬كبيرة‭ ‬بشأن‭ ‬ديناميكيات‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬خلالها‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬وأن‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬معين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تأثرها‭ ‬بمحددات‭ ‬عديدة‭. ‬

وقد‭ ‬أدت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬الجدل‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأداة‭ ‬لإدارة‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬فرغم‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬موسكو‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب،‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الأزمة‭ ‬ولم‭ ‬تغير‭ ‬موقف‭ ‬موسكو،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬تمكنت‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬أو‭ ‬التكيف‭ ‬معها،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بصادراتها‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬شهد‭ ‬نمواً‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭.‬6‭ % ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬تجاوزت‭ ‬نظيرتها‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬كما‭ ‬عمدت‭ ‬موسكو‭ ‬لزيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكرية‭ ‬بنحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحرب،‭ ‬ورغم‭ ‬التحذيرات‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إليها‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬يعكس‭ ‬استمرار‭ ‬قدرة‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬الالتفاف‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬الصارمة‭.‬

فرغم‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬الصارمة‭ ‬التي‭ ‬فرضها‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تأثيرات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭ ‬لدعم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬العقوبات،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬توجيه‭ ‬الطاقة‭ ‬وتحويل‭ ‬صادراتها‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬شرقاً،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬والهند،‭ ‬كما‭ ‬توسعت‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أسطول‭ ‬الظل‭ ‬لنقل‭ ‬النفط‭ ‬والالتفاف‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تطويرها‭ ‬أنظمة‭ ‬دفع‭ ‬بديلة‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬سويفت،‭ ‬منها‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬اتفاقيات‭ ‬المقايضة‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬العملات‭ ‬المحلية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الدولار‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬المتبادلة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لذلك‭ ‬ركزت‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬استبدال‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والسلع‭ ‬الغربية‭ ‬ببدائل‭ ‬محلية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استيرادها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬حليفة،‭ ‬ورغم‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الجودة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الأداء‭ ‬بدأ‭ ‬يتحسن‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭. ‬ورغم‭ ‬إشارة‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القيود‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لكنها‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تأثيرات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الطاقة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬الصناعية‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية،‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا‭. ‬كذا‭ ‬أفضت‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬التحالفات‭ ‬الروسية‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬أخرى،‭ ‬أبرزها‭ ‬الصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭. ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الصين،‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬بغية‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬استباقية‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات،‭ ‬حال‭ ‬تعرضت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مستقبلاً‭ ‬لعقوبات‭ ‬مماثلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬الأوروبيين‭.‬

وقد‭ ‬عكست‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الغربية‭ ‬الصارمة‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬لعزلها‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرمان‭ ‬البنوك‭ ‬الروسية‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬لنظام‭ ‬سويفت‭ ‬وتجميد‭ ‬أصول‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الروسي،‭ ‬إعادة‭ ‬إفراز‭ ‬لتجربة‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬على‭ ‬إيطاليا‭ ‬بعد‭ ‬تدخل‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬إثيوبيا،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬موقف‭ ‬روما،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتدابير‭ ‬اقتصادية‭ ‬لتقليل‭ ‬تأثير‭ ‬أي‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬مستقبلية،‭ ‬كما‭ ‬دفعت‭ ‬روما‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬العسكري،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬طبقتها‭ ‬ألمانيا،‭ ‬في‭ ‬ثلاثينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لتحقيق‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحصار‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬المستوردة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الهائلة‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬موسكو‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬الأخيرة‭ ‬نحو‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬الروسي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬إعلانها‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬التأهب‭ ‬النووي‭ ‬علناً،‭ ‬بما‭ ‬يمثل‭ ‬تهديداً‭ ‬ضمنياً‭ ‬بإمكانية‭ ‬تصعيد‭ ‬نووي‭ ‬محتمل،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬فرصه‭ ‬محدودة‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تعكس‭ ‬الجدلية‭ ‬القائمة‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تساؤلات‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بحدود‭ ‬تأثير‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬ارتدادات‭ ‬معاكسة،‭ ‬خاصةً‭ ‬وأن‭ ‬عواقب‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عندما‭ ‬فرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬شركة‭ ‬الألمنيوم‭ ‬‮«‬روسال‮»‬‭ ‬الروسية،‭ ‬المملوكة‭ ‬لأوليغ‭ ‬ديريباسكا،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تتوقع‭ ‬التداعيات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬ستتمخض‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬حلفائها‭ ‬الأوروبيين‭. ‬

وتشير‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬ثلث‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬ناجحة‭ ‬جزئياً‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬النجاح‭ ‬انخفضت‭ ‬إلى‭ ‬20‭ % ‬فقط‭ ‬خلال‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬رغم‭ ‬تزايد‭ ‬استخدام‭ ‬أداة‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬التجارب‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التهديد‭ ‬بالعقوبات‭ ‬يعد‭ ‬أقوى‭ ‬ردعاً‭ ‬من‭ ‬فرضها‭ ‬بعد‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭.‬

مستقبل‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية

أشار‭ ‬‮«‬نيكولاس‭ ‬مولدر‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المعنون‭ ‬بـ«السلاح‭ ‬الاقتصادي‭: ‬صعود‭ ‬العقوبات‭ ‬كأداة‭ ‬للحرب‭ ‬الحديثة‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬التاريخية‭ ‬للعقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تظهر‭ ‬أنها‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬نجاحاً‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتقويض‭ ‬القوة‭ ‬المالية‭ ‬للخصوم،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬ترسخ‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تسوية‭ ‬الخلافات‭. ‬وبالتالي‭ ‬فالاستخدام‭ ‬الفعال‭ ‬للعقوبات‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬التزام‭ ‬موثوق‭ ‬بإلغائها،‭ ‬عند‭ ‬تلبية‭ ‬المطالب‭. ‬وتشير‭ ‬بعض‭ ‬الأدبيات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬معايير‭ ‬رئيسية‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تقييم‭ ‬مدى‭ ‬فاعلية‭ ‬العقوبات‭ ‬يتمثل‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفتها‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة‭ ‬بها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬‮«‬ذكاء‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة،‭ ‬بحيث‭ ‬يتم‭ ‬تصميمه‭ ‬لتؤثر‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬المعنيين‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة،‭ ‬يضاف‭ ‬لذلك‭ ‬معيار‭ ‬أخر‭ ‬يرتبط‭ ‬بقدرة‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬انخراط‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬وتلك‭ ‬المستهدفة‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬عسكرية‭ ‬مستقبلية‭. ‬

وخلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬ازداد‭ ‬نطاق‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتعقيدها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬متأثرةً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بالنظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التشكيل،‭ ‬والذي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬المجزأة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬هناك‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحددات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأداة‭ ‬للحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬والمستقبلية،‭ ‬يتمثل‭ ‬أبرزها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

‮١‬‭- ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التعددية‭ ‬القطبية‭ ‬المرنة‭:‬‭ ‬يشهد‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن‭ ‬تحولاً‭ ‬مطرداً‭ ‬باتجاه‭ ‬تعددية‭ ‬قطبية‭ ‬مرنة،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد،‭ ‬والذي‭ ‬يتسم‭ ‬بدرجة‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬التنافسية،‭ ‬تتجه‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المختلفة‭ ‬لاستخدام‭ ‬أدواتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬بلورة‭ ‬أنظمة‭ ‬عقوبات‭ ‬متنافسة‭ ‬ومتبادلة‭.‬

‮٢‬‭- ‬تعاظم‭ ‬ثورة‭ ‬التجارة‭ ‬الإلكترونية‭: ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬صعود‭ ‬التجارة‭ ‬الرقمية‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬والتمويل‭ ‬اللامركزي،‭ ‬وانتشار‭ ‬العملات‭ ‬المشفرة،‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬فاعلية‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وصعوبة‭ ‬تنفيذها‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬بإمكان‭ ‬الكيانات‭ ‬التي‭ ‬يفرض‭ ‬عليها‭ ‬عقوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العملات‭ ‬المشفرة‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬التجارية،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬المصرفي‭ ‬التقليدي‭.‬

‮٣‬‭- ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬العقوبات‭ ‬الثانوية‭:‬‭ ‬تشير‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التوسع‭ ‬المطرد‭ ‬في‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬سيؤدي‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬إلى‭ ‬انزلاق‭ ‬الدول‭ ‬المحايدة‭ ‬إلى‭ ‬النزاعات،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬مضطرة‭ ‬للاختيار‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنافسة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تواجه‭ ‬مصافي‭ ‬التكرير‭ ‬الهندية‭ ‬التي‭ ‬تعالج‭ ‬النفط‭ ‬الروسي،‭ ‬وكذا‭ ‬البنوك‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬تسهل‭ ‬عمليات‭ ‬التجارة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭.‬

‮٤‬‭- ‬الاستثناءات‭ ‬الاستراتيجية‭:‬‭ ‬تشير‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الراهنة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بفرض‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬استثناءات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬رغم‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬فنزويلا،‭ ‬لكنها‭ ‬سمحت‭ ‬ببعض‭ ‬المعاملات‭ ‬النفطية‭ ‬لكراكاس،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬استقرار‭ ‬أسعار‭ ‬الأسواق،‭ ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬عمدت‭ ‬إليه‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والتي‭ ‬قامت‭ ‬بإعفاء‭ ‬بعض‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬الروسية‭ ‬لحماية‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬كأداة‭ ‬للحروب‭ ‬المستقبلية‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬معايير‭ ‬التقييم‭ ‬لمدى‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬الإكراه‭ ‬إلى‭ ‬التقييد،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نجحت‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬تقييد‭ ‬قدرات‭ ‬طهران‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬ودعم‭ ‬وكلائها‭ ‬الإقليميين،‭ ‬كما‭ ‬تمكنت‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬الصناعية‭ ‬الروسية،‭ ‬وكذا‭ ‬تقييد‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والتمويلية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬فشلت‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬في‭ ‬إكراه‭ ‬الدول‭ ‬المستهدفة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬سياساتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬العقوبات‭ ‬كأداة‭ ‬رئيسة‭ ‬للحرب‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لكنها‭ ‬ربما‭ ‬تفشل‭ ‬كأحد‭ ‬الأدوات‭ ‬الدبلوماسية‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬تشير‭ ‬التقديرات‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نموذج‭ ‬العقوبات‭ ‬الشاملة،‭ ‬الذي‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬التآكل،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تبقي‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بمثابة‭ ‬أداة‭ ‬رئيسية‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬الحديثة،‭ ‬خاصةً‭ ‬وأن‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬استخدامها‭ ‬الفعلي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬الردع‭.‬

عدنان‭ ‬موسى‭ ‬
‭‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض