THE PHYSICIAN LEADER OR THE ADMINISTRATIVE COMMANDER2 copy

الطبيب القائد أم الإداري القائد أيهما أفضل لقيادة الوحدات الطبية؟

على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬شكّل‭ ‬الإسناد‭ ‬الطبي‭ ‬العسكري‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مصير‭ ‬المعارك‭ ‬ونتائج‭ ‬الحروب،‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬أسست‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬أول‭ ‬مستشفى‭ ‬ميداني‭ ‬منظم‭ (‬الفاليتوديناريوم‭ ‬Valetudinarium‭) ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬الميلادي،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬الثوري‭ ‬الذي‭ ‬صاحب‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تأسيس‭ ‬أول‭ ‬نظام‭ ‬طبي‭ ‬عسكري‭ ‬متكامل،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالإنجازات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين،‭ ‬انخفضت‭ ‬معدلات‭ ‬الوفيات‭ ‬بين‭ ‬الجرحى‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬بفضل‭ ‬الإخلاء‭ ‬السريع‭ ‬والرعاية‭ ‬الجراحية‭ ‬المتقدمة‭.‬

في‭ ‬وقتنا‭ ‬الحاضر،‭ ‬أصبحت‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية‭ ‬عاملاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬مهماً‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬اللوجستي،‭ ‬بل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الكفاءات‭ ‬البشرية،‭ ‬وتأهيل‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬ميدان‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬أقصر‭ ‬وقت‭. ‬وفي‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تقليدية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬تقليدية،‭ ‬ستبقى‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬ركيزة‭ ‬للصمود‭ ‬العسكري‭ ‬ومقياساً‭ ‬لإنسانية‭ ‬الأمم‭ ‬وتقدمها‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبرز‭ ‬مسألة‭ ‬قيادة‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬العسكرية‭ ‬كتحدٍ‭ ‬بارز،‭ ‬فالبحث‭ ‬عن‭ ‬نموذج‭ ‬القيادة‭ ‬الأمثل‭ – ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬الغايات‭ ‬المطلوبة‭ ‬بأقل‭ ‬التكاليف‭ ‬الممكنة‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بالمستوى‭ ‬العلمي‭ ‬والمهني‭ ‬للكوادر‭ ‬الطبية‭ – ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مسألة‭ ‬إدارية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬أفضل‭ ‬استغلال‭ ‬للموارد‭ ‬البشرية‭ ‬وبحث‭ ‬عن‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأنفع‭ ‬للفاعلية‭ ‬القتالية‭ ‬والجاهزية‭ ‬المستدامة‭.‬

انفتاح‭ ‬الوحدة‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية

تُعدّ‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬جزءاً‭ ‬أساسياً‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬الإسناد‭ ‬القتالي،‭ ‬إذ‭ ‬تنفتح‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬لتقديم‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬العاجلة،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬الإخلاء‭ ‬الطبي‭. ‬وتشترك‭ ‬هذه‭ ‬الوحدات‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬الميدانية‭ ‬مع‭ ‬الوحدات‭ ‬القتالية‭ ‬الأخرى‭ ‬كوحدات‭ ‬المشاة‭ ‬أو‭ ‬المدفعية،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعملية‭ ‬اختيار‭ ‬الموقع‭ ‬الملائم‭ ‬للانفتاح‭. ‬فكما‭ ‬تحرص‭ ‬وحدات‭ ‬المشاة‭ ‬والمدفعية‭ ‬على‭ ‬اختيار‭ ‬مواقع‭ ‬تضمن‭ ‬الحماية،‭ ‬وسهولة‭ ‬الإمداد،‭ ‬وسرعة‭ ‬الانتشار‭ ‬والانفتاح‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬العمليات‭ ‬شاملاً‭ ‬التحميل‭ ‬والتنزيل‭ ‬والتركيب‭ ‬والفك‭ ‬للمنشآت‭ ‬الميدانية‭ ‬المتحركة،‭ ‬فإن‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬تراعي‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬ذاتها‭ ‬مع‭ ‬إضافة‭ ‬متطلبات‭ ‬خاصة‭ ‬بطبيعة‭ ‬عملها‭ ‬الإنساني‭ ‬والإسنادي‭. ‬

عادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬انفتاح‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الرئيسية‭ ‬كالسرايا‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الإدارية‭ (‬اللوجستية‭) ‬للتشكيلات‭ ‬الميدانية،‭ ‬ويُشترط‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬الوحدة‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬المنتخب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬طرق‭ ‬المواصلات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لتسهيل‭ ‬حركة‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬وعمليات‭ ‬الإخلاء‭ ‬إلى‭ ‬المستشفيات‭ ‬الخلفية،‭ ‬كما‭ ‬يُفضّل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بعيداً‭ ‬نسبياً‭ ‬عن‭ ‬مناطق‭ ‬القصف‭ ‬المباشر‭ ‬لضمان‭ ‬سلامة‭ ‬الكادر‭ ‬والمصابين‭. ‬ومن‭ ‬النقاط‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬الوحدات‭ ‬الميدانية‭ ‬الأخرى‭ ‬أيضاً‭ ‬تأمين‭ ‬الموقع‭ ‬من‭ ‬الأخطار‭ ‬المعادية،‭ ‬وسهولة‭ ‬وصول‭ ‬الإمدادات‭ ‬الطبية‭ ‬واللوجستية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬التموضع‭ ‬عند‭ ‬تغيّر‭ ‬الموقف‭ ‬التكتيكي‭. ‬وبهذا‭ ‬تمثل‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬نموذجاً‭ ‬فريداً‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الطابع‭ ‬الميداني‭ ‬العسكري‭ ‬والانضباط‭ ‬اللوجستي‭ ‬والإنساني،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬استمرارية‭ ‬الإسناد‭ ‬الطبي‭ ‬تحت‭ ‬مختلف‭ ‬الظروف‭ ‬العملياتية‭.‬

يتضح‭ ‬من‭ ‬الاشتراطات‭ ‬المتقدمة‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستلزم‭ ‬حصول‭ ‬القادة‭ ‬الميدانيين‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬تلك‭ ‬الشروط‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المجالات‭ ‬الطبية،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬زيادة‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬الميداني‭ ‬للقادة‭ ‬من‭ ‬التخصصات‭ ‬المغايرة‭ ‬للتخصصات‭ ‬الطبية‭. ‬تسهل‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬عملية‭ ‬تقبل‭ ‬قيادة‭ ‬الوحدة‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ضباط‭ ‬إداريين‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬التخصصات‭ ‬الطبية‭.‬

الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الإداري‭ ‬القائد

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬في‭ ‬الوحدات‭ ‬الميدانية‭ ‬الأمامية،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬القرارات‭ ‬الطبية‭ ‬السريعة‭ ‬حاسمة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الأرواح،‭ ‬يضيف‭ ‬ميزة‭ ‬لامتلاكه‭ ‬ميزة‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭ ‬للمخاطر‭ ‬السريرية‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬الأولويات‭ ‬العلاجية،‭ ‬كما‭ ‬يتمتع‭ ‬بمصداقية‭ ‬عالية‭ ‬لدى‭ ‬الفريق‭ ‬الطبي،‭ ‬لكونه‭ ‬واحداً‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬الخلفية‭ ‬المهنية‭ ‬والتدريبية‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نقص‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬المتخصصة‭ ‬وضغط‭ ‬الوقت،‭ ‬تأتي‭ ‬مسألة‭ ‬تحديد‭ ‬الأفضلية‭ ‬بين‭ ‬النموذجين‭: ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬والإداري‭ ‬القائد‭.‬

يعاني‭ ‬نموذج‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬من‭ ‬تحديات‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬ارتفاع‭ ‬التكلفة‭ ‬المباشرة‭ ‬والضمنية‭ ‬للكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬تكلفة‭ ‬الإداريين،‭ ‬إذ‭ ‬يتطلب‭ ‬إعداد‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬والتخصص،‭ ‬كما‭ ‬يُفقد‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬قدراته‭ ‬الإكلينيكية‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬تكليفه‭ ‬بمهام‭ ‬إدارية‭ ‬لصيقة‭ ‬بتكليفه‭ ‬بقيادة‭ ‬وحدة‭ ‬ميدانية‭. ‬تتصف‭ ‬تلك‭ ‬المهام‭ ‬والمسؤوليات،‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬أوقات‭ ‬السلم‭ ‬لكنها‭ ‬تشتد‭ ‬أثناء‭ ‬العمليات،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الاشتباكات‭ ‬وكثرة‭ ‬الإصابات،‭ ‬تتصف‭ ‬غالبية‭ ‬تلك‭ ‬المسؤوليات‭ ‬بكونها‭ ‬أقل‭ ‬تعقيداً‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬العلوم‭ ‬الطبية‭ ‬والمهارات‭ ‬الميدانية‭ ‬الطبية‭ ‬المطلوبة‭ ‬من‭ ‬الكادر‭ ‬الطبي‭ ‬عموماً،‭ ‬لكنها‭ ‬تتصف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بكونها‭ ‬تستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬من‭ ‬الطبيب‭! ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬التغافل‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬دعم‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬بضابط‭ ‬أو‭ ‬مساعد‭ ‬إداري‭ ‬يتولى‭ ‬الجوانب‭ ‬اللوجستية‭ ‬والإسناد‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬نموذج‭ ‬الإداري‭ ‬القائد‭ ‬يوفر‭ ‬إمكانية‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬النقاط،‭ ‬شريطة‭ ‬عدم‭ ‬الإخلال‭ ‬بالعائد‭ ‬النوعي‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬الطبيب‭ – ‬والكادر‭ ‬الطبي‭ ‬الميداني‭ – ‬من‭ ‬حيث‭ ‬جودة‭ ‬القرارات‭ ‬الطبية،‭ ‬وثقة‭ ‬الفريق،‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭. ‬يرتكز‭ ‬دور‭ ‬القائد‭ ‬الإداري‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الكفاءة‭ ‬التشغيلية‭ ‬وضبط‭ ‬الموارد،‭ ‬وضمان‭ ‬انسيابية‭ ‬الإمداد‭ ‬والاتصال،‭ ‬وهي‭ ‬عناصر‭ ‬مهمة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمليات‭. ‬يتمكن‭ ‬القائد‭ ‬الإداري‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬كافة‭ ‬موارد‭ ‬الوحدة‭ ‬الطبية‭ ‬بكفاءة‭ ‬قد‭ ‬تفوق‭ ‬قدرة‭ ‬القائد‭ ‬الطبيب،‭ ‬كما‭ ‬يستطيع‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬الطب‭ ‬واللوجستيات‭ (‬الإمداد‭ ‬الطبي‭ ‬الميداني‭ ‬شاملاً‭ ‬الإمداد‭ ‬بالمواد‭ ‬الطبية‭ ‬والأدوية‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬النفايات‭ ‬الطبية‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يكون‭ ‬متوفراً‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬لمهام‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬العام‭ ‬ومتطلبات‭ ‬انفتاح‭ ‬وإعادة‭ ‬انفتاح‭ ‬الوحدة‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬ضمن‭ ‬الأطر‭ ‬التنظيمية‭ ‬والعقائدية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تعتبر‭ ‬التكلفة‭ ‬المالية‭ ‬للعناصر‭ ‬الإدارية‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬عموماً،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فترات‭ ‬التدريب‭ ‬المطلوبة‭ ‬لتأهيل‭ ‬الإداري‭ ‬لتوليه‭ ‬مهام‭ ‬قيادة‭ ‬الوحدة‭ ‬الطبية‭ ‬أقصر‭ ‬وأقل‭ ‬كلفة‭ ‬وتعقيداً،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬خياراً‭ ‬مفضلاً‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأفضل‭ ‬للموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والمالية‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬يستلزم‭ ‬افتقار‭ ‬الإداري‭ ‬القائد‭ ‬لمهارات‭ ‬للطب‭ ‬الميداني‭ ‬والحاجة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬دقيقة‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الإصابات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬الطبية‭ ‬المعقدة‭ ‬تزويد‭ ‬العدد‭ ‬الملائم‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬المسخرين‭ ‬لتقديم‭ ‬الإسناد‭ ‬الطبي‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬من‭ ‬مستلزمات‭ ‬علاجية‭ ‬أو‭ ‬إنقاذ‭ ‬الأرواح‭ ‬فقط‭. ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬ضرورة‭ ‬تمكين‭ ‬الإداري‭ ‬القائد‭ ‬لقيادة‭ ‬الأطباء‭ ‬باحترام‭ ‬وكفاءة‭ ‬وتذليل‭ ‬كافة‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬تقديم‭ ‬العلاج‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬السلم‭ ‬والعمليات‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تلجأ‭ ‬لأسلوب‭ ‬هجين‭ ‬بتكليف‭ ‬القادة‭ ‬الأطباء‭ ‬بقيادة‭ ‬الوحدات‭ ‬الأمامية‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬القتالية‭ ‬المتقلبة،‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬هو‭ ‬الأنسب‭ ‬لقيادة‭ ‬الفرق‭ ‬الطبية‭ ‬بسبب‭ ‬سرعة‭ ‬القرار‭ ‬وخبرته‭ ‬السريرية‭ ‬الميدانية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬التجربتين‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬العسكرية‭ ‬الثابتة‭ ‬ومراكز‭ ‬القيادة‭ ‬والإسناد،‭ ‬فعمل‭ ‬القائد‭ ‬الإداري‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رئيس‭ ‬أطباء‭ ‬أو‭ ‬مستشار‭ ‬طبي‭ ‬يحقق‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬البعد‭ ‬الإداري‭ ‬والسريري‭.‬

متطلبات‭ ‬إعداد‭ ‬الإداري‭ ‬لقيادة‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية

علاوة‭ ‬على‭ ‬تأهيله‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬العسكرية‭ ‬العامة‭ (‬شاملة‭ ‬كافة‭ ‬متطلبات‭ ‬الانفتاح‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬ومهام‭ ‬حماية‭ ‬القود‭ ‬والشؤون‭ ‬اللوجستية‭ ‬العامة‭ ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬يعتمد‭ ‬نجاح‭ ‬نموذج‭ ‬الإداري‭ ‬القائد‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬تبنّيه‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تدريب‭ ‬القائد‭ ‬وتأهيليه‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬متعددة،‭ ‬أهمها‭:‬

1‭. ‬فهم‭ ‬اللغة‭ ‬الطبية‭ ‬والأساسيات‭ ‬الإكلينيكية‭ ‬لضمان‭ ‬تواصله‭ ‬الفاعل‭ ‬مع‭ ‬الكادر‭ ‬الطبي‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬تحت‭ ‬قيادته‭.‬

2‭. ‬استيعاب‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الطب‭ ‬العسكري‭ ‬ومبادئ‭ ‬الفرز‭ ‬لتصنيف‭ ‬المصابين‭ ‬أو‭ ‬المرضى‭ ‬حسب‭ ‬درجة‭ ‬خطورة‭ ‬حالتهم‭ ‬وأولوية‭ ‬تلقيهم‭ ‬للعلاج‭.‬

3‭. ‬إتقان‭ ‬لوجستيات‭ ‬الإمداد‭ ‬الطبي‭ ‬وإدارة‭ ‬سلسلة‭ ‬التوريد‭ ‬للإمداد‭ ‬بالمواد‭ ‬الطبية‭ ‬والأدوية‭ ‬وإدارة‭ ‬النفايات‭ ‬الطبية‭ ‬في‭ ‬الميدان‭.‬

4‭. ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬العوائق‭ ‬الإدارية‭ ‬أمام‭ ‬الفريق‭ ‬الطبي‭.‬

5‭. ‬فهم‭ ‬الثقافة‭ ‬الطبية‭ ‬والعلاقات‭ ‬الهرمية‭ ‬المهنية‭ ‬داخل‭ ‬الفرق‭ ‬العلاجية‭.‬

6‭. ‬التخطيط‭ ‬للطوارئ‭ ‬واستمرارية‭ ‬الأعمال‭ ‬أثناء‭ ‬الأزمات‭ ‬كالجوائح‭ ‬والهجمات‭ ‬الكيماوية‭ ‬والبيولوجية‭.‬

7‭. ‬تفهم‭ ‬عملية‭ ‬التطوير‭ ‬المهني‭ ‬والتخصصي‭ ‬للمهن‭ ‬الطبية‭ ‬المختلفة‭.‬

‭ ‬التوصيات

1‭. ‬دراسة‭ ‬تبنّي‭ ‬نموذج‭ ‬مرن‭ ‬ومشترك‭ ‬للقيادة‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬متطلبات‭ ‬الوظيفة‭ ‬الفعلية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للوحدات‭ ‬الميدانية‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬توسعته‭ ‬لتغطية‭ ‬كافة‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الطبية‭ ‬العسكرية‭ ‬بالعنصر‭ ‬القيادي‭ ‬الملائم،‭ ‬بحيث‭ ‬إذا‭ ‬تطلب‭ ‬المنصب‭ ‬وجود‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬فالمنطق‭ ‬يفرض‭ ‬التقيد‭ ‬به،‭ ‬إما‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬امكانية‭ ‬عدم‭ ‬شغل‭ ‬الأطباء،‭ ‬بتولي‭ ‬مهام‭ ‬إدارية‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬تحصيلهم‭ ‬العلمي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬توليتها‭ ‬لقادة‭ ‬إداريين،‭ ‬فالمنطق‭ ‬السليم‭ ‬والمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬يستدعيان‭ ‬تبني‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭.‬

2‭. ‬تطوير‭ ‬برامج‭ ‬تدريبية‭ ‬مخصصة‭ ‬للقادة‭ ‬الإداريين‭:‬‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تبني‭ ‬أسلوب‭ ‬الإداري‭ ‬القائد،‭ ‬ينبغي‭ ‬إنشاء‭ ‬برامج‭ ‬تأهيلية‭ ‬للضباط‭ ‬الإداريين‭ ‬لتأهيليهم‭ ‬لقيادة‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬لضمان‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬مستنيرة‭ ‬وداعمة‭ ‬للفريق‭ ‬الطبي‭.‬

3‭. ‬تعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الأطباء‭ ‬والإداريين‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬القيادة‭: ‬يجب‭ ‬إرساء‭ ‬ثقافة‭ ‬مؤسسية‭ ‬تشجع‭ ‬التعاون‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬الفئتين،‭ ‬بحيث‭ ‬تُبنى‭ ‬القرارات‭ ‬على‭ ‬التكامل‭ ‬لا‭ ‬التنافس،‭ ‬ويُستفاد‭ ‬من‭ ‬خبرة‭ ‬الطبيب‭ ‬الميدانية‭ ‬ومن‭ ‬كفاءة‭ ‬الإداري‭ ‬التنظيمية‭ ‬ضمن‭ ‬فريق‭ ‬قيادة‭ ‬موحد‭.‬

4‭. ‬تطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬القيادة‭ ‬والسيطرة‭ ‬الطبية‭ (‬Medical C2‭):‬‭ ‬دعم‭ ‬إنشاء‭ ‬أنظمة‭ ‬رقمية‭ ‬متكاملة‭ ‬لتنسيق‭ ‬الإخلاء‭ ‬والإمداد‭ ‬والاتصال‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬القيادية‭ ‬للمنظومة‭ ‬الطبية،‭ ‬بما‭ ‬يرفع‭ ‬كفاءة‭ ‬الأداء‭ ‬ويُقلل‭ ‬الأخطاء‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬التواصل‭ ‬أو‭ ‬ازدواجية‭ ‬القرار‭.‬

‭ ‬الخاتمة

يتضح‭ ‬أن‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬المفاضلة‭ ‬المطلقة‭ ‬بين‭ ‬الطبيب‭ ‬القائد‭ ‬والإداري‭ ‬القائد،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬والتكامل‭ ‬بين‭ ‬الكفاءة‭ ‬الطبية‭ ‬والفاعلية‭ ‬الإدارية‭. ‬فالوحدات‭ ‬الطبية‭ ‬الميدانية‭ ‬تمثل‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬إنقاذ‭ ‬الأرواح‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الجاهزية‭ ‬القتالية،‭ ‬وهي‭ ‬مسؤولية‭ ‬تتطلب‭ ‬قيادة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والانضباط‭ ‬والحس‭ ‬الإنساني‭ ‬والدقة‭ ‬التنظيمية‭.‬

لواء‭ ‬م‭/ ‬خالد‭ ‬علي‭ ‬السميطي

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض