Dark Eagle

النسر الأسود هل يتمكن من المواجهة الصينية في الإندوباسيفك؟

أجرى‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬مؤخراً‭ ‬تجربة‭ ‬ناجحة‭ ‬لنظام‭ ‬صاروخي‭ ‬جديد‭ ‬فرط‭ ‬صوتي‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭ (‬LRHW‭)‬،‭ ‬الملقب‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬سرعته‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التخفي‭ ‬وقوته‭ ‬الفائقة،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصميم‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬دفاعات‭ ‬الخصوم،‭ ‬بسرعة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الـ‭  ‬5‭ ‬ماخ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬ماهية‭ ‬وقدرات‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجديد،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬ومدى‭ ‬قدرة‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬قدرات‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭/ ‬منع‭ ‬الدخول‭ ‬‮«‬الصينية‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الانعكاسات‭ ‬المحتملة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬توازنات‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الإندوباسيفك‭.‬

‌ماهية‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬

‌في‭ ‬إطار‭ ‬التحركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتعزيز‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬الدفاعية،‭ ‬أجرى‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ديسمبر‭ ‬2024،‭ ‬تجربة‭ ‬ناجحة‭ ‬لنظامه‭ ‬الصارخي‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭ (‬LRHW‭)‬،‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬‮«‬كيب‭ ‬كانافيرال‮»‬‭ ‬لقوة‭ ‬الفضاء‭ ‬بفلوريدا،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مراكز‭ ‬العمليات‭ ‬الجوية‭ ‬والاختبارات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬رصد‭ ‬ناقلة‭ ‬ضخمة،‭ ‬مثبتة‭ ‬على‭ ‬شاحنة‭ ‬تكتيكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬M983‭)‬،‭ ‬كانت‭ ‬تضم‭ ‬الصاروخ‭ ‬الجديد‭ (‬LRHW‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬ظل‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات‭ ‬مصدر‭ ‬إحباط‭ ‬لدى‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بعدما‭ ‬بقي‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬متوقفاً‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬وتعثرت‭ ‬محاولات‭ ‬إطلاقه‭ ‬بشكل‭ ‬متكرر،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬فسره‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬آنذاك‭ ‬بوجود‭ ‬مشكلات‭ ‬هندسية‭ ‬ميكانيكية‭ ‬في‭ ‬منصة‭ ‬الإطلاق‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬لوكهيد‭ ‬مارتن‮»‬‭. ‬لذا،‭ ‬شكلت‭ ‬التجربة‭ ‬الناجحة‭ ‬للصاروخ،‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬تطوراً‭ ‬مهماً،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعدما‭ ‬ربطت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬التعثرات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬بتخلف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬المنافسة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭. ‬بالتالي،‭ ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬لتثبت‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬الإطلاق‭ ‬الأرضي‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬تغلب‭ ‬أخيراً‭ ‬على‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬عطلته‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬لتشكل‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬إطلاق‭ ‬لنظام‭ (‬LRHW‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬دمج‭ ‬منصة‭ ‬الإطلاق‭ ‬المتنقلة‭ ‬ومركز‭ ‬عمليات‭ ‬البطاريات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬نظام‭ ‬تشغيلي‭ ‬متكامل‭.‬

وبعد‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة،‭ ‬أطلق‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬أبريل‭ ‬2025،‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد،‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬مهمة‭ ‬تتعلق‭ ‬برمزية‭ ‬هذا‭ ‬الاسم،‭ ‬لتجسيد‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصوم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكمؤشر‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬سرعة‭ ‬الصاروخ‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التخفي‭. ‬ويشكل‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬تقدماً‭ ‬تكنولوجياً‭ ‬مهماً،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬لسرعات‭ ‬تتجاوز‭ ‬5‭ ‬ماخ‭ (‬خمسة‭ ‬أضعاف‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬إمكانية‭ ‬اعتراضه‭ ‬بواسطة‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬التقليدية‭ ‬شبه‭ ‬مستحيلة‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬فرط‭ ‬صوتي‮»‬‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬خمسة‭ ‬أضعاف‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭.‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعاون‭ ‬بين‭ ‬‮«‬مكتب‭ ‬القدرات‭ ‬السريعة‭ ‬والتقنيات‭ ‬الحيوية‮»‬‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وبرنامج‭ ‬‮«‬الأنظمة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بغية‭ ‬توفير‭ ‬سلاح‭ ‬يمكن‭ ‬نشره‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬براً‭ ‬وبحراً‭. ‬ويستهدف‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬استخدام‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬كنظام‭ ‬إطلاق‭ ‬أرضي‭ ‬متحرك،‭ ‬بمدى‭ ‬يصل‭ ‬لحوالي‭ ‬1725‭ ‬ميلاً،‭ ‬وسرعة‭ ‬قصوى‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭ ‬17‭ ‬ماخ‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬المعلن‭ ‬للنظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد،‭ ‬أعلن‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬الاختبار‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬مؤخراً‭ ‬للصاروخ‭ ‬الجديد‭ ‬شهد‭ ‬تغطية‭ ‬الصاروخ‭ ‬لحوالي‭ ‬2000‭ ‬ميل،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬إطلاقه‭ ‬في‭ ‬هاواي،‭ ‬وصولاً‭ ‬لنقطة‭ ‬اصطدامه‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬مارشال‭. ‬وعلى‭ ‬غرار‭ ‬بقية‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬بإمكان‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬أن‭ ‬يحلق‭ ‬حتى‭ ‬حافة‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬للأرض،‭ ‬ليتجاوز‭ ‬بذلك‭ ‬نطاق‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭.‬

وبالتالي،‭ ‬يعد‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬تكاملاً‭ ‬معقداً‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عناصر‭ ‬رئيسية،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الانزلاق‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ (‬C-HGB‭)‬،‭ ‬والصاروخ‭ ‬الذي‭ ‬يحمله،‭ ‬والمعدات‭ ‬الأرضية‭ ‬المتنقلة،‭ ‬والتي‭ ‬تسمح‭ ‬بإطلاقه‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مكان‭. ‬لكن‭ ‬تمثل‭ (‬C-HGB‭) ‬المكون‭ ‬الجوهري‭ ‬والقوة‭ ‬الفاعلة‭ ‬الرئيسية،‭ ‬والتي‭ ‬تعمل‭ ‬كرأس‭ ‬حربي‭ ‬مقذوف‭ ‬بطاقة‭ ‬حركية،‭ ‬وهو‭ ‬نتاج‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطيران‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاعه‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬‮«‬مركبة‭ ‬سانديا‭ ‬المجنحة‭ ‬ذات‭ ‬الطاقة‭ ‬العالية‭ ‬لإعادة‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكذا‭ ‬لبرنامج‭ ‬‮«‬الأسلحة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬المتقدم‮»‬،‭ ‬التابع‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬بإجراء‭ ‬اختبارات‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭. ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬يواجه‭ ‬تحديات‭ ‬تقنية‭ ‬هائلة‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭. ‬ويعد‭ (‬C-HGB‭) ‬برنامجاً‭ ‬مشتركاً،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تصميمه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومختبرات‭ ‬سانديا‭ ‬الوطنية،‭ ‬بينما‭ ‬تمت‭ ‬عملية‭ ‬تصنيع‭ ‬النماذج‭ ‬الأولية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شركة‭ (‬Dynetics‭)‬،‭ ‬التابعة‭ ‬لشركة‭ (‬Leidos‭).  ‬كذا،‭ ‬ينطوي‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬على‭ ‬معزز‭ ‬صاروخي‭ ‬ثنائي‭ ‬المراحل،‭ ‬تم‭ ‬تطويره‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شركتي‭ ‬‮«‬لوكهيد‭ ‬مارتن‮»‬‭ ‬و»نورثروب‭ ‬غرومان‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تصميم‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬لحمل‭ ‬صواريخ‭ (‬C-HGB‭)‬،‭ ‬وبمجرد‭ ‬انطلاقه،‭ ‬تنفصل‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬معزز‭ ‬التسارع،‭ ‬ليبدأ‭ ‬في‭ ‬الانزلاق‭ ‬عالي‭ ‬السرعة‭ ‬نحو‭ ‬الهدف،‭ ‬محتفظاً‭ ‬بسرعات‭ ‬تتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬5‭ ‬ماخ‭ ‬أثناء‭ ‬المناورة،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اعتراضه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الحالية‭. ‬ويتضمن‭ ‬كل‭ ‬نظام‭ ‬صاروخي‭ ‬أربعة‭ ‬قاذفات،‭ ‬يمكنها‭ ‬إطلاق‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬لثمانية‭ ‬صواريخ‭ ‬لكل‭ ‬بطارية‭.‬

نظام‭ ‬النسر‭ ‬الأسود‭ ‬والمركبات‭ ‬الانزلاقية‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية

‌‌هناك‭ ‬فئتان‭ ‬رئيسيتان‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬تتمثل‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬المركبات‭ ‬الانزلاقية‭ ‬المعززة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬الفئة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬دخلت‭ ‬الخدمة‭ ‬فعلياً‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬أما‭ ‬الفئة‭ ‬الثانية‭ ‬فتتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬صواريخ‭ ‬كروز‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يجري‭ ‬تطوير‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬روسيا،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬أي‭ ‬منها‭ ‬الخدمة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬

ويمثل‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬إحدى‭ ‬فئات‭ ‬الأسلحة‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مركبات‭ ‬الانزلاق‭ ‬المعززة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬التقنية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصميمها‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتنبؤ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصعب‭ ‬مواجهتها‭. ‬فعلى‭ ‬عكس‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬التقليدية،‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭ ‬قوساً‭ ‬مكافئاً‭ ‬عالياً‭ ‬عبر‭ ‬فراغ‭ ‬الفضاء،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬مركبة‭ ‬الانزلاق‭ ‬المعززة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‮»‬‭ ‬تتبع‭ ‬مساراً‭ ‬جوياً‭ ‬أكثر‭ ‬تسطحاً‭. ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطلاق‭ ‬معزز‭ ‬صاروخي‭ ‬ضخم،‭ ‬يعمل‭ ‬بالوقود‭ ‬الصلب،‭ ‬على‭ ‬مرحلتين،‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬سرعة‭ ‬الصاروخ‭ ‬بحيث‭ ‬تتجاوز‭ ‬5‭ ‬ماخ،‭ ‬أو‭ ‬حوالي‭ ‬3800‭ ‬ميل‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬ويدفعه‭ ‬إلى‭ ‬الطبقات‭ ‬العليا‭ ‬من‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭. ‬وعند‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬وسرعة‭ ‬محدد،‭ ‬ينفصل‭ ‬معزز‭ ‬السرعة‭ ‬ويتم‭ ‬إطلاق‭ ‬الحمولة‭ ‬نحو‭ ‬الهدف،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مركبة‭ ‬إسفينية‭ ‬الشكل‭ ‬غير‭ ‬مزودة‭ ‬بمحرك‭. ‬وبفضل‭ ‬الشكل‭ ‬الانسيابي‭ ‬وأسطح‭ ‬التحكم‭ ‬التي‭ ‬يزود‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الجسم،‭ ‬فإنه‭ ‬يجري‭ ‬مناورات‭ ‬جوية‭ ‬مهمة‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الانزلاق،‭ ‬كما‭ ‬يمكنه‭ ‬القيام‭ ‬بانعطافات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬وتغييرات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬الارتفاع،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سرعات‭ ‬هائلة‭. ‬وبفضل‭ ‬هذه‭ ‬السرعة‭ ‬الفائقة‭ ‬ومسار‭ ‬الطيران‭ ‬غير‭ ‬المنتظم،‭ ‬فإن‭ ‬اعتراض‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬يبدو‭ ‬مستحيلاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭ ‬الحالية‭. ‬

وعلى‭ ‬غرار‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬تمتلك‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬أيضاً‭ ‬أنظمة‭ ‬صاروخية‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬المركبات‭ ‬الانزلاقية‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‮»‬،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬نظام‭ (‬DF-ZF‭) ‬الصيني،‭ ‬الذي‭ ‬يُحمل‭ ‬عبر‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬DF-17‮»‬‭ ‬الباليستي‭ ‬متوسط‭ ‬المدى،‭ ‬وكذا‭ ‬نظام‭ (‬Avangard HGV‭) ‬النووي‭ ‬الروسي،‭ ‬والذي‭ ‬يطلق‭ ‬عبر‭ ‬أحدث‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬عابر‭ ‬للقارات‭ ‬في‭ ‬موسكو،‭ ‬وهو‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬Sarmat RS-28‮»‬‭.‬

ويعد‭ ‬إحدى‭ ‬أبرز‭ ‬مميزات‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬هو‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬والنقل،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬من‭ ‬منصة‭ (‬TEL‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬منصة‭ ‬ضخمة‭ ‬متحركة،‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬مقطورة‭ (‬M870A4‭) ‬معدلة،‭ ‬يتم‭ ‬سحبها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شاحنة‭ (‬Oshkosh M983‭ ‬Heavy Expanded Mobility Tactical Truck‭). ‬وتشكل‭ ‬قدرة‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬ميزة‭ ‬جوهرية،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬نشرها‭ ‬بشكل‭ ‬سريع،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬استهدافها‭. ‬

تنافس‭ ‬دولي‭ ‬متزايد‭ ‬لتطوير‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية

تم‭ ‬تصميم‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬سيناريوهات‭ ‬استراتيجية،‭ ‬تتماشى‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن،‭ ‬في‭ ‬محاولةٍ‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬للتهديدات‭ ‬وبدقة‭ ‬عالية‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭ ‬تسعى‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تفوقها‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تنامي‭ ‬قدرات‭ ‬خصومها‭ ‬الرئيسيين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استثمار‭ ‬الأخيرتين‭ ‬بكثافة‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

وتعود‭ ‬جذور‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬أعلنت‭ ‬عنه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مؤخراً،‭ ‬إلى‭ ‬بداية‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الضربة‭ ‬العالمية‭ ‬السريعة‭ ‬التقليدية‮»‬‭ (‬CPGS‭)‬،‭ ‬التابعة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والذي‭ ‬استهدف‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬رأس‭ ‬حربي‭ ‬تقليدي،‭ ‬وقد‭ ‬انبثق‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬برنامج‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬للأسلحة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ (‬AHW‭)‬،‭ ‬ورغم‭ ‬تعثر‭ ‬محاولات‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬فقد‭ ‬دفعت‭ ‬التطورات‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬التقدم‭ ‬اللافت‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬إلى‭ ‬اصدار‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬تفويض‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬برنامج‭ (‬AHW‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬صارم‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تعثر‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تأخير‭ ‬الإعلان‭ ‬الرسمي‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭. ‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬واجه‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬خلال‭ ‬الاختبارات‭ ‬الأولية،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬أعطال‭ ‬المعززات،‭ ‬وكذا‭ ‬المشكلات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمنصة‭ ‬الإطلاق،‭ ‬التي‭ ‬طورتها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬لوكهيد‭ ‬مارتن‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬بدت‭ ‬معظم‭ ‬المشكلات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بأنظمة‭ ‬الدعم،‭ ‬وليس‭ ‬بصاروخ‭ (‬C-HGB‭). ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬نشر‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬لكنه‭ ‬واجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النكسات‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬لتأخر‭ ‬نشره‭ ‬لقرابة‭ ‬العامين‭. ‬كذا،‭ ‬واجهت‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحديات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬واختبار‭ ‬مركبات‭ ‬انزلاقية‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ (‬ARRW‭) ‬و‭(‬AGM-183A‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬قيد‭ ‬التطوير‭ ‬ويبدو‭ ‬مستقبلها‭ ‬أكثر‭ ‬غموضاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تواجه‭ ‬اختباراتها‭ ‬المطولة‭.‬

وبالتالي،‭ ‬جاء‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأمريكي‭ ‬المتزايد‭ ‬بتطوير‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬استجابةً‭ ‬مباشرةً‭ ‬للتحولات‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العالمي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬أحرزته‭ ‬القوى‭ ‬المنافسة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬خاصةً‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭. ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬موسكو‭ ‬وبكين‭ ‬عن‭ ‬تطويرهما‭ ‬لصواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬عملياتية،‭ ‬فقد‭ ‬نشرت‭ ‬الصين‭ ‬صاروخ‭ (‬DF-17‭) ‬المتنقل‭ ‬والمزود‭ ‬بأسلحة‭ ‬تقليدية،‭ ‬كما‭ ‬عمدت‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬صاروخ‭ (‬DF-27‭)‬،‭ ‬بمدى‭ ‬أبعد‭. ‬كذا،‭ ‬أعلنت‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬تطويرها‭ ‬لصواريخ‭ ‬‮«‬أفانغارد‮»‬‭ ‬عالية‭ ‬الدقة،‭ ‬وصواريخ‭ ‬‮«‬كينزال‮»‬‭ ‬و»تسيركون‮»‬‭. ‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬باتت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬المهيمن‭ ‬المطلق‭ ‬على‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الفضاء‭ ‬والصواريخ،‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬تكافح‭ ‬لسد‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬مع‭ ‬خصومها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬واشنطن‭ ‬قد‭ ‬تخلفت‭ ‬عن‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬الحيوي‭. ‬وقد‭ ‬نظرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لهذه‭ ‬القدرات‭ ‬المتطورة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬باعتبارها‭ ‬تهديداً‭ ‬لها‭ ‬ولحلفائها‭. ‬لذا،‭ ‬يشكل‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬محاولات‭ ‬حاسمة‭ ‬لاستعادة‭ ‬قوة‭ ‬الردع‭ ‬الأمريكية‭. ‬

وقد‭ ‬عمدت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬مقارنة‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بصاروخ‭ ‬‮«‬أفنجارد‮»‬‭ ‬الروسي،‭ ‬وصاروخ‭ (‬DF-17‭) ‬الصيني،‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬جميعهاً‭ ‬تصنف‭ ‬باعتبارها‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الصاروخية‭ ‬تبدو‭ ‬مصممة‭ ‬لأغراض‭ ‬استراتيجية‭ ‬متباينة،‭ ‬فبينما‭ ‬يعد‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬أفانغارد‮»‬‭ ‬الروسي‭ ‬سلاحأً‭ ‬نووياً‭ ‬استراتيجياً،‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬مركبة‭ ‬ثقيلة‭ ‬مسلحة‭ ‬نووياً،‭ ‬تطلق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬مثبتة،‭ ‬بسرعة‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭ ‬20‭ ‬ماخ،‭ ‬يستهدف‭ ‬بالأساس‭ ‬ضمان‭ ‬اختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬للخصوم‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬موسكو‭ ‬النووية‭ ‬على‭ ‬الردع‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬يبدو‭ ‬صاروخ‭ (‬DF-17‭) ‬الصيني‭ ‬منافساً‭ ‬رئيسياً‭ ‬لصاروخ‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فكلاهما‭ ‬يعد‭ ‬نظاماً‭ ‬صاروخياً‭ ‬متنقلاً،‭ ‬ومزودان‭ ‬بأسلحة‭ ‬تقليدية،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تبقى‭ ‬هناك‭ ‬اختلافات‭ ‬جوهرية‭ ‬بينهما،‭ ‬فالصاروخ‭ ‬الصيني‭ ‬مصمم‭ ‬بالأساس‭ ‬لاستهداف‭ ‬السفن‭ ‬وحاملات‭ ‬الطائرات،‭ ‬ويشكل‭ ‬مكوناً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬استراتجية‭ (‬A2‭/‬AD‭) ‬الصينية،‭ ‬بمدى‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ (‬1118‭ – ‬1553‭) ‬ميلاً،‭ ‬وسرعة‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭ ‬5‭-‬10‭ ‬ماخ‭. ‬بينما‭ ‬تبدو‭ ‬أهداف‭ ‬الصاروخ‭ ‬الأمريكي‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعاً‭ ‬وأكثر‭ ‬تركيزاً‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المحصنة‭ ‬والثابتة،‭ ‬بنطاق‭ ‬يصل‭ ‬لـ‭ ‬1725‭ ‬ميلاً،‭ ‬وسرعة‭ ‬قصوى‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لـ‭ ‬17‭ ‬ماخ‭. ‬بالتالي،‭ ‬مقارنةً‭ ‬بروسيا‭ ‬والصين،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ترسانتها‭ ‬التشغيلية‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت،‭ ‬وبينما‭ ‬تركز‭ ‬الأنظمة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الردع،‭ ‬تستهدف‭ ‬الأنظمة‭ ‬الصينية‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تركز‭ ‬المقاربة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الضربات‭ ‬الدقيقة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الحاجة‭ ‬لدقة‭ ‬أعلى‭ ‬تعوض‭ ‬غياب‭ ‬الرؤوس‭ ‬النووية‭.‬

نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬وقدرات‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭/ ‬منع‭ ‬الدخول‭ ‬الصينية

تسعى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطويرها‭ ‬لنظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬المتقدمة‭ ‬للخصوم،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬استراتيجية‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭/ ‬منع‭ ‬الدخول‭ (‬A2‭/‬AD‭) ‬الصينية‭. ‬حيث‭ ‬تستهدف‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬التي‭ ‬طورتها‭ ‬بكين،‭ ‬إنشاء‭ ‬منطقة‭ ‬منيعة،‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬شبكة‭ ‬مكثفة‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬والدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬لمنع‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬البر‭ ‬الصيني‭. ‬لذا‭ ‬تعول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬لاختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬الصينية‭ ‬وتقويض‭ ‬استراتيجية‭ (‬A2‭/‬AD‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توظيف‭ ‬سرعة‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬وقدرته‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬المناورة،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬الصينية‭ ‬واستهداف‭ ‬المكونات‭ ‬الحيوية‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭/ ‬منع‭ ‬الدخول‭. ‬وبالتالي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطويرها‭ ‬لنظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬تستطيع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شن‭ ‬ضربة‭ ‬ثانية‭ ‬تستهدف‭ ‬المنشآت‭ ‬العسكرية‭ ‬الصينية‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بحماية‭ ‬كبيرة‭. ‬فحال‭ ‬اندلاع‭ ‬أي‭ ‬مواجهات‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬ستضطر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بحاملات‭ ‬طائراتها‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬خارج‭ ‬أنظمة‭ (‬A2‭/‬AD‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬تستطيع‭ ‬الصين‭ ‬إلحاق‭ ‬إضرار‭ ‬جسيمة‭ ‬بالقواعد‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬جاهزية‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تمركزه‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬أنظمة‭ (‬A2‭/‬AD‭) ‬الصينية،‭ ‬تشير‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬استخدام‭ ‬واشنطن‭ ‬لهذا‭ ‬النظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬ضد‭ ‬شبكة‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصينية‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تمكنت‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطيران‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬صاروخها‭ ‬الباليستي‭ ‬متوسط‭ ‬المدى‭ (‬DF-17‭)‬،‭ ‬المزود‭ ‬بمركبة‭ ‬انزلاقية‭ ‬تفوق‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬تشغيله‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬مروراً‭ ‬بنظام‭ (‬DF-27‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بمدى‭ ‬أطول‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬5000‭ ‬–‭ ‬8000‭ ‬كيلومتر،‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬بكين‭ ‬مدى‭ ‬استراتيجياً‭ ‬نووياً‭ ‬أو‭ ‬تقليدياً،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تهديد‭ ‬هاواي‭ ‬وجوام،‭ ‬بل‭ ‬وأجزاء‭ ‬من‭ ‬ألاسكا،‭ ‬وكذا‭ ‬صواريخ‭ (‬DF-21D‭) ‬و‭(‬DF-26‭) ‬ذات‭ ‬القدرة‭ ‬المزدوجة،‭ ‬وصاروخ‭ (‬YJ-21‭) ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقه‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬والذي‭ ‬عزز‭ ‬قدرة‭ ‬الضربات‭ ‬الصينية‭ ‬المضادة‭ ‬للسفن،‭ ‬وصولاً‭ ‬لنظام‭ ‬القصف‭ ‬المداري‭ ‬الجزئي‭ (‬FOBS‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬قدرة‭ ‬بكين‭ ‬على‭ ‬الدورات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬وضرب‭ ‬الأهداف‭ ‬من‭ ‬اتجاهات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭. ‬ومع‭ ‬التوجهات‭ ‬الصينية‭ ‬الحثيثة‭ ‬لدمج‭ ‬قدرات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الصينية‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت،‭ ‬باعتبارها‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لاستراتيجيتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بمنع‭ ‬الوصول‭ / ‬منع‭ ‬الدخول،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ربما‭ ‬يشكل‭ ‬تحدياً‭ ‬كبيراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للنظام‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬

نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬وتوازنات‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الإندوباسيفيك

جاء‭ ‬إعلان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬تطويرها‭ ‬لنظامها‭ ‬الصاروخي‭ ‬الجديد‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تطلعات‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬لنشر‭ ‬أسلحة‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬المتقدمة‭ ‬ومواجهة‭ ‬استراتيجة‭ ‬الصين‭ ‬‮«‬منع‭ ‬الوصول‭ / ‬منع‭ ‬الدخول‮»‬‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أعلنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نشر‭ ‬صاروخها‭ ‬الجديد‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬في‭ ‬أستراليا،‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬المشتركة‭ (‬Talisman Sabre‭) ‬لعام‭ ‬2025،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الآسيوية‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬واشنطن‭ ‬لتشديد‭ ‬الطوق‭ ‬الصاروخي‭ ‬حول‭ ‬الصين،‭ ‬وتوظيف‭ ‬المدى‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬لردع‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬لبكين،‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الردع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الإندوباسيفيك‭. ‬وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تخطط‭ ‬لنشر‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬غواصاتها‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬فرجينيا‮»‬،‭ ‬ومدمراتها‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬زوموالت‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2028،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتعزيز‭ ‬بنية‭ ‬الضربات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬التي‭ ‬يتبناها‭ ‬البنتاغون‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الإندوباسيفيك،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتماشي‭ ‬مع‭ ‬تكتيكات‭ ‬‮«‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬والانطلاق‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬أدوات‭ ‬فعالة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الردع‭ ‬دون‭ ‬تكبد‭ ‬تكاليف‭ ‬دبلوماسية‭ ‬نتيجةً‭ ‬للتمركز‭ ‬الدائم،‭ ‬حيث‭ ‬يساعد‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬وجود‭ ‬أمريكي‭ ‬متقدم‭ ‬ومستدام‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬مع‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬القابلة‭ ‬للتصعيد‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تعمل‭ ‬الأسلحة‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬قواعد‭ ‬الردع،‭ ‬وضغط‭ ‬الجدول‭ ‬الزمني‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬سريعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الخصوم،‭ ‬كما‭ ‬جعلت‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬شبكات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬التقليدية‭ ‬عتيقة‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬على‭ ‬مواجهتها‭. ‬إذ‭ ‬بمقدور‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬تتبع‭ ‬الرادار،‭ ‬واختراق‭ ‬أكثر‭ ‬الدروع‭ ‬الصاروخية‭ ‬تطوراً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬اهداف‭ ‬الخصوم‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬سيكون‭ ‬لدمج‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬في‭ ‬الترسانات‭ ‬البحرية‭ ‬انعكاسات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الحروب‭ ‬البحرية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬الهادئ،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬الساحة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لأي‭ ‬مواجهة‭ ‬محتملة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين،‭ ‬فقد‭ ‬دشنت‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬عصراً‭ ‬جديداً‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬البحرية،‭ ‬حيث‭ ‬تسود‭ ‬السرعة‭ ‬والدقة‭ ‬والمفاجأة‭ ‬على‭ ‬مسارات‭ ‬هذه‭ ‬الحروب،‭ ‬وتحدي‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬التقليدية،‭ ‬وإجبار‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬البحرية‭. ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬مخاطر‭ ‬استراتيجية‭ ‬ربما‭ ‬تفرزها‭ ‬الطبيعة‭ ‬التقليدية‭ ‬وغموض‭ ‬الرأس‭ ‬الحربي‭ ‬للنظام‭ ‬الصاروخي‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬فالخصم‭ ‬الذي‭ ‬سيكتشف‭ ‬إطلاق‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬الوقت‭ ‬الكافي‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التحديد‭ ‬الدقيق‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الرأس‭ ‬الحربي‭ ‬الذي‭ ‬يحمله‭ ‬الصاروخ‭ ‬تقليدياً‭ ‬أم‭ ‬نووياً،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬الخصم‭ ‬نحو‭ ‬رد‭ ‬نووي‭ ‬على‭ ‬هجوم‭ ‬أمريكي‭ ‬تقليدي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬زيادة‭ ‬خطر‭ ‬التصعيد‭ ‬النووي‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬يشكل‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬إشكالية‭ ‬أخرى‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حيث‭ ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬أغلى‭ ‬الذخائر‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الترسانة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬ميزانية‭ ‬الجيش‭ ‬لبرنامج‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2025‭ ‬حالي‭ ‬1‭.‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬كما‭ ‬ارتفعت‭ ‬التكلفة‭ ‬المقدرة‭ ‬لإطلاق‭ ‬أول‭ ‬نموذج‭ ‬أولي‭ ‬لبطارية‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬النسر‭ ‬الأسود‮»‬‭ ‬من‭ ‬2‭.‬54‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬2‭.‬69‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2025،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬كبيراً‭ ‬لهذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬مقارنة‭ ‬بالصواريخ‭ ‬المشابهة‭ ‬له،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تبلغ‭ ‬تكلفة‭ ‬الصاروخ‭ ‬الباليستي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬Trident‭ ‬II D5‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬من‭ ‬الغواصات،‭ ‬حوالي‭ ‬31‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭. ‬وتثير‭ ‬التكلفة‭ ‬المرتفعة‭ ‬لهذا‭ ‬النظام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬بأعداد‭ ‬كافية‭ ‬لردع‭ ‬الخصوم‭.‬

في‭ ‬الختام،‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القدرات‭ ‬المتنامية‭ ‬لروسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأسلحة‭ ‬فرط‭ ‬الصوتية‭ ‬يثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الارهاصات‭ ‬بشأن‭ ‬فاعلية‭ ‬الردع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الموسع،‭ ‬ورغم‭ ‬مساعي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاستعادة‭ ‬التوزان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تزويد‭ ‬ترسانتها‭ ‬الخاصة‭ ‬بخيارات‭ ‬الضربات‭ ‬الدقيقة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬التأخير‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬القدرات‭ ‬ربما‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬الميزة‭ ‬التنافسية‭ ‬لموسكو‭ ‬وبكين،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬واشنطن‭ ‬قوة‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬كانت‭ ‬تهيمن‭ ‬عليه‭ ‬سابقاً‭. ‬ولا‭ ‬تقتصر‭ ‬المخاطر‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬العسكري‭ ‬فقط،‭ ‬لكنها‭ ‬تتضمن‭ ‬أيضاً‭ ‬الأبعاد‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬فالطرف‭ ‬الذي‭ ‬سيتمكن‭ ‬من‭ ‬حسم‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القدرات‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬سيحظى‭ ‬بمصداقية‭ ‬الردع‭ ‬والهيمنة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭.‬

عدنان‭ ‬موسى
‭‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض