من المسلَّم به في التاريخ العسكري أن “كل حرب تشكل ميداناً لاختبار فاعلية وكفاءة منظومات الأسلحة المختلفة”، ولا يتوقف الأمر عند حدود الأطراف المتحاربة، ولكن تقوم أغلب أجهزة الاستخبارات العسكرية للدول المختلفة حول العالم بدراسة الحروب المعاصرة لاستخلاص الدروس المستفادة منها، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة التي أثبتت فاعليتها، وتلك التي أخفقت. ولعل وقائع الحرب الروسية – الأوكرانية، بالإضافة إلى المواجهات العسكرية المحدودة التي جرت بين الهند وباكستان، في مايو 2025، تقدم مثالاً واضحاً في هذا الإطار.
وارتباطاً بتطورات الحرب الروسية – الأوكرانية، وكذلك المواجهات المحدودة بين الهند وباكستان، تعددت المؤشرات في الآونة الأخيرة على تصاعد أهمية أسواق السلاح الآسيوية، وذلك على حساب المصادر التقليدية للتسليح، خاصة الدول الغربية، والتي كانت مهيمنة على هذا السوق على مدار العقود الأخيرة. وتجادل المقالة أن التوجه لمصادر التسليح الآسيوية قد لا يكون أمراً طارئاً، بل يكشف عن توجه جديد سوف يزداد على مدار الأعوام القادمة، وذلك بالاستناد إلى عدد من العوامل، والتي سوف يسعى هذا التحليل إلى تفصيلها.
هيمنة غربية قائمة!
بمراجعة البيانات الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سيبري» في مارس 2025، فإن الهيمنة الغربية على صادرات التسليح لم تتراجع، بل ازدادت، فقد تصاعد نصيب الولايات المتحدة من صادرات الأسلحة من حوالي 35 % إلى 43 % خلال الفترة 2020 – 2024 مقارنة بالفترة 2015 – 2019. ومع ذلك فإن التدقيق في هذه البيانات يكشف عن صورة مختلفة نسبياً، إذ إن النسبة الأكبر من هذه الصادرات خلال الفترة من 2020 وحتى 2024 قد توجهت إلى الدول الأوروبية، وذلك بنسبة 35 %، وليس الشرق الأوسط، والذي قدرت نسبة حيازته من الأسلحة الأمريكية بحوالي 33 %. وزادت نسبة شراء الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو للسلاح الأمريكي بحوالي الضعف في الفترة من 2020 – 2024، مقارنة بـ 2015 – 2019، فقد بلغت هذه الزيادة حوالي 105 %، وذلك في الوقت الذي زادت فيه الولايات المتحدة وحوالي 34 دولة أخرى لمبيعاتها من السلاح إلى أوكرانيا منذ العام 2022، أي منذ تاريخ الحرب الروسية – الأوكرانية.
يعني ما سبق أن أغلب مبيعات السلاح الأمريكي كانت متجهة بصورة أساسية إلى الجبهة الأوروبية، سواء لتعزيز دفاعاتها أو دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا. فقد أرسلت واشنطن ما لا يقل عن 123 مليار دولار من إجمالي المساعدات لأوكرانيا منذ الغزو الروسي الشامل في عام 2022. وشكلت المساعدات العسكرية 69 مليار دولار من ذلك، أو 56 % من إجمالي المساعدات الأمريكية، وفقاً لبيانات معهد كيل للاقتصاد العالمي، وهو مركز أبحاث ألماني يتابع عن كثب المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وعلى الرغم من دقة البيانات الصادرة عن مركز سيبري، فإنها قد لا تعكس الواقع بدقة، إذ إنها تقوم بتسجيل البيانات عن جميع صفقات وعمليات نقل الأسلحة التقليدية بالاعتماد على المصادر المفتوحة، أي أنه إذا لم تفصح الدول المصدرة والمستوردة للسلاح عن صفقاتها، فإنه لا يتم إدراجها ضمن قاعدة بيانات سيبري.
ويلاحظ أن العديد من الدول تفضل عدم الكشف عن وارداتها العسكرية، خاصة من روسيا، تجنباً للخضوع للضغوط الأمريكية، والتي تسعى إلى توظيف سلاح العقوبات ضد الدول التي تتعاقد على شراء الأسلحة الروسية، من خلال قانون «مكافحة خصوم الولايات المتحدة من خلال العقوبات» (كاتسا)، والذي كان الغرض الرئيسي منه هو معاقبة روسيا بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم، غير أن الولايات المتحدة توسعت في صياغته ليتضمن فرض عقوبات مختلفة على أعدائها، مالية وسياسية وعسكرية، عند قيامهم بخطوات تهدّد أمن الولايات المتحدة الأمريكية. ووظفته واشنطن، بشكل رئيسي، لتحجيم مبيعات السلاح الروسي، ففي العام 2018، فرضت واشنطن عقوبات على الجيش الصيني لأنه اشترى 10 طائرات مقاتلة من نوع «سو - 35» من شركة «سوخوي» الروسية في ديسمبر 2017.
وفي محاولة للوقوف بدقة على مبيعات السلاح الروسي، يمكن الرجوع إلى التصريحات الصادرة عن المسؤولين الروس، والتي تكشف عن واقع مختلف لصادرات السلاح الروسي، إذ أعلن مدير عام مؤسسة «روس أوبورون إكسبورت»، ألكسندر ميخييف، أن مجمع الصناعات العسكرية الروسي زاد إنتاجه ليغطي احتياجات الجيش والتصدير، وأن قيمة صادرات روسيا العسكرية في عام 2024 بلغت 57 مليار دولار، وذلك لتحافظ روسيا على المركز الثاني عالمياً في تصدير السلاح، والأول في إنتاجه. كما كشف ميخييف، في فبراير 2025، بأنه تم توقيع عقود إضافية بقيمة تزيد على 4.5 مليار دولار مع 15 دولة صديقة في مطلع العام 2025. ولعل من أبرز الأمثلة في هذا الإطار كشفت السعودية، في أواخر 2024، عن امتلاكها بالفعل لمنظومة الدفاع الجوي الروسية «بانتسير إس»، وذلك دون الكشف عن تفاصيل الصفقة، فقد تم تسريب معلومات عن الصفقة في مطلع 2025، بعد تسريب رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لشركة روس إلكترونيك، وهي شركة تابعة لشركة الدفاع الروسية المملوكة للدولة «روستيك».
أما الصين، فإنها تحتل المرتبة الرابعة كأكبر مصدر للأسلحة خلال الفترة من 2020 وحتى 2024، بنسبة 5.9% من صادرات الأسلحة العالمية، وفقاً لتقرير سيبري، كما بات هناك الآن حوالي 5 شركات صينية من أكبر 12 شركة دفاعية في العالم، وهي قفزة كبيرة، بالنظر إلى أنه لم يكن هناك شركة صينية دفاعية واحدة قبل عقد من الزمن. وتنتج هذه الشركات تقنيات متنوعة، بما في ذلك محركات الديزل والأنظمة الإلكترونية المتقدمة والغواصات والأنظمة المسيرة، مثل المركبات المسيرة تحت الماء والطائرات المسيرة.
ومرة أخرى، فإن بيانات سيبري عن صادرات السلاح الصيني قد لا تكون دقيقة بالكامل، فقد كشفت مصر عن امتلاكها لمنظومة الدفاع الجوي الصيني، «أتس كيو 9 بي»، في أبريل 2025، وذلك على وقع تصاعد التوتر مع إسرائيل بسبب حربها ضد قطاع غزة. وإذا ما تمت مراجعة موقع سيبري، فإنه سوف يتضح أن هذه الصفقة غير مسجلة ضمن قواعد بياناته، وهو ما يعني أن الصين تلجأ هي الأخرى لأسلوب إبرام صفقات سرية، وبالتالي، فإن الأرقام الحقيقية لمبيعات السلاح الصيني قد تكون أعلى من تلك المسجلة في سيبري. وفي الأقسام التالية سوف يتم استعراض العوامل التي قد تدفع العديد من الدول العربية إلى شراء السلاح من دول غير غربية.
تراجع كفاءة السلاح الغربي
تمثل الحروب والصراعات المسلحة اختباراً حقيقياً، ليس فقط للكفاءة القتالية والعقائد العسكرية للخصوم المتحاربين، ولكن كذلك إلى كفاءة منظومات التسليح التي يمتلكها الجانبان. صحيح أن كفاءة السلاح ترتبط بدرجة كبيرة بمستويات التدريب على استخدامه من جانب القوات المتلقية له، فإنه لا يمكن إغفال أن هذا العامل ينطبق على كافة الجيوش بلا استثناء، وبالتالي يمكن تحييده في التحليل، وذلك على أساس أن الدول، خاصة تلك التي تجمعها خصومة مع دول أخرى، تحافظ على مستوى عالٍ من الجاهزية والتدريب في مواجهة خصومها.
وتقدم الحرب الروسية – الأوكرانية مثالاً واضحاً في هذا الإطار، فقد قدمت الدول الغربية دعاية مبالغاً فيها حول مدى فاعلية السلاح الغربي، وقدرته ليس فقط على هزيمة الجيش الروسي وأسلحته في معارك عدة، بل وكذلك في الحرب نفسها، غير أن هذه الأنظمة الغربية، والتي كانت ستغير قواعد الحرب، وستجلب النصر لأوكرانيا، أخفقت في النهاية، وبشكل لم يكن متوقعاً.
وهناك أمثلة عديدة على مثل هذه المنظومات، مثل الطائرة المسيرة «سويتش بليد»، ودبابة «أم – 1» أبرامز، وصواريخ باتريوت للدفاع الجوي، ومدفع الهاوتزر «إم 777»، وقذيفة المدفعية الموجهة من عيار 155 ملم، وصواريخ هيمارس الدقيقة، والقنابل الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي، والطائرات المسيرة المزودة بالذكاء الاصطناعي من طراز «سكايدو» (Skydio)، فقد أرسلت كل هذه الأسلحة السابقة إلى المعركة، وكان مصيرها جميعاً الفشل. فالطائرة المسيرة من طراز سويتش بليد، التي تبلغ تكلفتها 60 ألف دولار، والتي تم إنتاجها بأعداد محدودة بسبب التكلفة، أثبتت عدم جدواها ضد الأهداف المدرعة، وسرعان ما تجاهلتها القوات الأوكرانية لصالح شراء نماذج تجارية صينية بقيمة 700 دولار تم طلبها عبر الإنترنت.
ولم تثبت دبابة أبرامز التي تبلغ تكلفتها 10 ملايين دولار فقط أنه يمكن استهدافها بسهولة من قبل الطائرات المسيرة الروسية، بل تعطلت مراراً وتكراراً، وسرعان ما تم سحبها من القتال، ولكن ليس قبل أن يقوم الروس بإعطاب العديد منها، والاستيلاء على واحدة على الأقل، والتي أخذوها إلى موسكو وأضافوها إلى عرض لأسلحة الناتو في حديقة موسكو التي تضمنت مدفع هاوتزر «إم 777»، وأسلحة أخرى من معدات الناتو.
وفي المقابل، اعترفت الدول الغربية نفسها بتفوق بعض منظومات السلاح الروسي. وليس أدل على ذلك، نجاح موسكو في تحييد أكثر أسلحة حلف الناتو تطوراً في أوكرانيا، مثل الذخائر الموجهة بدقة، والتي انخفضت فعاليتها من 95 % إلى 6 % فقط، وفقاً لخبير عسكري أوروبي رفيع المستوى، وذلك بسبب التفوق الروسي في الحرب الإلكترونية، وهو الأمر الذي أجبر أوكرانيا، في النهاية، على وقف استخدامها.
وأكد نفس الحقيقة، قائد الجيش الأوكراني السابق، الجنرال فاليري زالوجني، والذي كشف إن بعض القذائف الغربية منحت أوكرانيا تفوقاً كبيراً لكييف في مواجهة القوات الروسية، ولكن لفترة قصيرة فقط. وقد ذكر الجنرال زالوجني قذيفة «إكسكاليبور» كمثال رئيسي على السلاح الغربي الذي فقد فعاليته لأن نظام الاستهداف الخاص به يستخدم نظام تحديد المواقع العالمي، وهو نظام كان عرضة للتشويش الإلكتروني الروسي، مما أفقده فاعليته. ووصف مسؤولون ومحللون عسكريون أوكرانيون مشاكل مماثلة مع مجموعة ذخائر الهجوم المباشر المشتركة المعروفة باسم «جدام» (JDAM)، والقذائف المستخدمة مع نظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة، والمعروف باسم «هيمارس» (HIMARS)، وكلاهما يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي.
ولا يتوقف الأمر عند الذخائر دقيقة التوجيه، بل طال الأمر مقاتلات الجيل الرابع، مثل المقاتلة الأمريكية «إف 16»، فقد اعترفت القوات الجوية الأوكرانية أن المقاتلات الروسية وأنظمة الدفاع الجوي الروسية تتفوق على مقاتلات «إف 16»، وفقاً لبيان للمتحدث باسمها، يوري إجنات، في 3 يونيو 2025، إذ صرّح «لسوء الحظ، تمتلك روسيا اليوم مقاتلات ترى أبعد من ذلك وصواريخ تطير أبعد من ذلك. هذا حتى عند مقارنتها بمقاتلات «إف 16»، ولديهم أيضاً دفاعات جوية قوية تعمل جنباً إلى جنب مع المقاتلات». جاء هذا التصريح بعد أقل من شهر من خسارة سلاح الجو الأوكراني لمقاتلة ثالثة من هذا الطراز، والتي دمرت في 16 مايو خلال عملية دفاعية كان يقوم بها الجيش الأوكراني، وتهدف إلى اعتراض طائرات مسيرة أو صواريخ كروز روسية، كما أنه من اللافت أن خسارة المقاتلة الأمريكية، والتي حدثت في 12 أبريل، جاءت في عمق المجال الجوي الخاضع للسيطرة الأوكرانية، إذ تتجنب كييف استخدام المقاتلات الأمريكية في عمليات هجومية إدراكاً منها بأن فرص إسقاطها من جانب نظم الدفاع الجوي الروسية سوف تكون مرتفعة.
ومن جهة أخرى، مثّلت المواجهة الهندية – الباكستانية، بين 7 و10 مايو 2025، اختباراً غير متوقع لكفاءة السلاح الأوروبي في مواجهة نظيره الصيني. فقد تمكنت الطائرة الباكستانية من الجيل الرابع المتقدم «جيه- 10» صينية الصنع من إسقاط ثلاث طائرات رافال فرنسية الصنع، تابعة للهند. مثّل ذلك دعاية قوية للسلاح الصيني لعدة اعتبارات أولها أنه لا توجد دعاية أفضل لمقاتلة حربية من حالة قتال حقيقية، كما أن مقاتلات الرافال الفرنسية كانت حديثة، فقد تسلمتها نيودلهي في عام 2019، وأخيراً، فإن كلا المقاتلتين الفرنسية والصينية تنتميان إلى نفس الجيل، وهو الجيل الرابع المتقدم، وبالتالي، فإن الموجهة بينهما تعد مواجهة عادلة، وتكشف في النهاية عن تفوق المقاتلة الصينية على نظيرتها الفرنسية.
ولعل ما يجعل المواجهة السابقة اختباراً حقيقياً للمقاتلة الفرنسية هو أنه حتى هذا الاشتباك الجوي الأخير بين الهند وباكستان، كانت مشاركة المقاتلة الفرنسية المذكورة مقتصرة على غارات ضد أهداف أرضية في حروب غير متماثلة، كما في أفغانستان وليبيا. لذلك، فإن المواجهة الأخيرة أثارت تساؤلات حول مدى فاعلية أنظمة الحماية على متن مقاتلة «الرافال»، وعلى رأسها منظومة «سبيكترا» (Spectra) للتشويش الإلكتروني، والمصممة لحمايتها من التهديدات الصاروخية، والذي من المفترض أن يكون إحدى أبرز نقاط قوة المقاتلة الفرنسية، غير أن المواجهة الأخيرة شككت في فاعلية هذه المنظومة.
ولم تقف تداعيات المواجهات على خطط باكستان والهند المستقبلية للتسلح، بل انعكست على الأسواق الخارجية، فقد أكد نائب وزير الدفاع الإندونيسي، دوني إرماوان توفانتو، أن شراء المقاتلة الصينية «جي 10 سي»، قيد الدراسة الجادة حالياً، إذ أوضح في حديثه إلى وكالة الأنباء الوطنية الإندونيسية «أنتارا»، أنه «إذا كان أداء الطائرة جيداً، بناءً على تقييمنا، وتفي بالمعايير التي وضعناها، مع الأخذ في الاعتبار سعرها المعقول، فلماذا لا نأخذها بعين الاعتبار؟».
التفوق التكنولوجي الصيني:
باتت الصورة النمطية القديمة عن القوات المسلحة الصينية باعتبارها قوات تركز على الكمية على حساب النوعية صورة لا تعكس الواقع الحالي، وفقاً لمجلة الإيكونيميست الأمريكية. ففي السنوات الأخيرة حسّنت الصين من فعالية أسلحتها إلى حد أنها في بعض المجالات قد ضاهت أمريكا أو تفوقت عليها بالفعل. واستند التقرير الصادر عن المجلة إلى شهادات وتحليلات لمسؤولين سابقين في الجيش والاستخبارات الأمريكية، فقد أكد توم شوغارت، وهو ضابط بحري أمريكي متقاعد، أن أمريكا ليس لديها شيء مثل أنظمة الدفع الهجين الموجودة في الغواصات الصينية من طراز تشو. كما يشير أيضاً إلى سفينة هجومية برمائية صينية قيد الإنشاء، تسمى «تايب 076»، والتي ستكون الأكبر في العالم والوحيدة المجهزة لإطلاق الطائرات المسيرة. وبالنسبة للقوات الجوية الصينية، تنتج الصين الآن محركات نفاثة عالية الجودة تماثل تلك الموجودة في دول حلف الناتو، كما يقول بريندان مولفاني، من معهد دراسات الفضاء الصيني، وهو مركز أبحاث تابع للقوات الجوية الأمريكية. وباتت الصين الآن تنتج مقاتلات شبح بوتيرة أسرع من مثيلتها الأمريكية. وبالمثل، تحسنت نوعية الأسلحة التي تحملها، مثل القدرات المضادة للتشويش التي تتمتع بها الصواريخ الصينية جو-جو والصواريخ المضادة للسفن، وذلك وفقاً لجون كولفر، والذي كان يعمل سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وبالإضافة إلى التقييمات الأمريكية السابقة، تمكنت الصين من تطوير منظومات متقدمة تأخرت الدول الغربية في إنتاجها، مثل المقاتلتين الشبحيتين من الجيل السادس «جي 36» و«جي 50»، واللتين كشفت عنهما الصين، في 26 ديسمبر 2024، بعد أن قامت بطلعات تجريبية لهما، واللتان تجمعان بين قدرات التخفي والقدرة على حمل حمولة كبيرة، مما يتيح القيام بمهام جو – جو، وجو – أرض على مدى بعيد وبسرعات تفوق سرعة الصوت، وهو الأمر الذي يجعلها تحدياً هائلاً لأنظمة الدفاع الجوي الحديثة. ويأتي ذلك بالتزامن مع تقليص الولايات المتحدة لاستثماراتها في الجيل القادم من مقاتلات الهيمنة الجوية في إطار ميزانيتها الدفاعية الأخيرة. وتحركت واشنطن لمجاراة الصين، فقد منحت القوات الجوية الأمريكية، في مارس 2025، شركة بوينج الأمريكية عقداً لتصنيع مقاتلة الجيل السادس «إف 47».
وبالمثل، فإن الصين تعد من أكثر دول العالم تقدماً في مجال إنتاج الصواريخ الفرط صوتية، في حين أن الولايات المتحدة أنفقت حتى مارس 2024 حوالي 12 مليار دولار لتطوير مثل هذا السلاح، ولكنها أخفقت حتى ذلك التاريخ في إنتاج منظومة واحدة من هذه النوعية الجديدة من الصواريخ، وفقاً لجيفري ماكورميك، كبير محللي الاستخبارات في المركز الوطني للاستخبارات الجوية والفضائية الأمريكي، وذلك في شهادته التي أدلى بها أمام الكونجرس الأمريكي.
غياب القيود السياسية:
مثلت إحدى ركائز السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، هو ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على دول المنطقة. وتتواتر التصريحات والمواقف الأمريكية التي تؤكد التزامها بهذا المبدأ، فقد تعهد وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، في سبتمبر 2020 بالمساعدة في الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط، إذ أكد أثناء لقائه وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، وقتها أن: «حجر الزاوية في علاقتنا الدفاعية هو الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة». وفي يوليو 2022، جدد الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، التأكيد على «التزام الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع بالتفوق العسكري الإسرائيلي».
وأثناء زيارة ترامب إلى السعودية، في مايو 2025، أعلنت الرياض نيتها شراء ما قيمته 142 مليار دولار من الأسلحة.
وفي مقابل هذا الموقف الأمريكي، فإن القوى الدولية الأخرى، والتي تصنّع بالفعل مقاتلات الجيل الخامس، مثل روسيا والصين، عرضت على الدول العربية شراء مقاتلات الجيل الخامس منهما، كما تم تداول أنباء غير مؤكدة عن اهتمام مصر بشراء مقاتلة الجيل الخامس الصينية «جي 35»، خاصة بعد المواجهات العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان، والتي عززت الثقة في كفاءة المقاتلات الصينية عموماً.
وتعاقدت دولة الإمارات في المقابل على شراء مقاتلات التدريب الخفيف «إل 15 آي» من الصين، في أوائل عام 2022، كما بدأ التسليم في الربع الأخير من عام 2023، واشترت الإمارات والسعودية طائرات مسيرة صينية. ويؤشر هذا الأمر إلى أن الخيارات الدفاعية أمام الدول العربية باتت أكبر، خاصة مع عدم وجود أي موانع لدى الصين أو روسيا بإمداد دول الشرق الأوسط بمنظومات متقدمة، بعكس الموقف الأمريكي.
وبالمثل، فإن كوريا الجنوبية تمثل هي الأخرى خياراً مهماً للعديد من الدول العربية، خاصة مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك بسبب غياب أي قيود تفرضها سيؤول على صادراتها العسكرية. ففي فبراير 2022، وقعت شركة الدفاع الكورية هانوا صفقة بقيمة 1.55 مليار دولار أمريكي لبيع حوالي 200 مدفع هاوتزر ذاتي الدفع من طراز «كي 9 ثاندر» (K9 Thunder) إلى مصر، وفي عام 2022 أيضاً، وقّعت شركة «ليج نيكس 1» (LIG Nex1) عقوداً مع الإمارات العربية المتحدة لتصدير نظام صواريخ أرض-جو بقيمة 3.32 مليار دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، أبرمت هانوا وبونجسان وليج نيكس 1 صفقات مع المملكة العربية السعودية، تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 989 مليون دولار أمريكي، لقاذفات صواريخ متعددة وذخائر وأنظمة كهروبصرية.
ووقّعت شركة إتش دي هيونداي للصناعات اتفاقية مع شركة الصناعات البحرية الدولية ومقرها المملكة العربية السعودية لتقديم عطاء مشترك لبرنامج حكومي سعودي بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي لشراء خمس فرقاطات. وتجري مصر محادثات مع صناعة الدفاع الكورية الجنوبية وممثلين من هانوا وكاي، لاستكشاف شراء مقاتلة «إف آي 50»، ومقاتلة التدريب الخاصة بها «تي 50».
وفي التحليل النهائي، يعني ما سبق أنه من المحتمل أن تتجه دول المنطقة إلى تعزيز وارادتها من السلاح من الدول غير الغربية، خاصة الصين وكوريا الجنوبية، سواء بسبب امتلاكهما، خاصة الأولى، لقدرات عسكرية تقنية متقدمة، تضاهي نظيرتها الغربية، إن لم تتفوق عليها، في بعض المجالات، بالإضافة إلى ثبات كفاءة السلاح الصيني في مواجهة نظيره الغربي، كما اتضح من المواجهة الأخيرة بين الهند وباكستان، أو بسبب عدم وضع بكين وسيؤول لأي قيود على شراء الأسلحة، بعكس الوضع مع الولايات المتحدة الأمريكية.●
د. شادي عبدالوهاب أستاذ مشارك في كلية الدفاع الوطني