الموضوع الديني 618

المغيرة بن شعبة… أحد دهاة العرب

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سلنتقي مع القائد العسكري الفذ:

أبو عبدالله المغيرة بن شعبة الثقفي، من كبار الصحابة، ولد في ثقيف بالطائف، وبها نشأ، أسلم عام الخندق، من دهاة العرب، وذوي آرائها، اتصف بالشجاعة والمكيدة والدهاء.
قال عنه الطبري: كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً، وقال عنه الحافظ الذهبي: “من كبار الصحابة، شهد بيعة الرضوان، كان رجلاً طِوالاً، مهيباً، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل يوم القادسية”.

المغيرة بن شعبة بين الجاهلية والإسلام

روي عن المغيرة بن شعبة قوله: «كنا متمسكين بديننا ونحن سَدَنَة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم. فأجمع نفر من بني مالك على القدوم إلى المقوقس، وإهداء هدايا له، فعزمت على الخروج معهم، فسرنا حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخَلَنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك فأدناه، وأجلسه معه، ثم سأله: أكلكم من بني مالك؟ قال: نعم، سوى رجل واحد. فعرَّفه بي، فكنت أهون القوم عليه، وسُرَّ بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئاً لا ذِكْرَ له. وخرجنا، فأقبل بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم، ولم يعرض عليَّ أحد منهم مواساة، وخرجوا، وحملوا معهم الخمر، فكنا نشرب، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت، وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يُصدع ولكني أسقيكم. فلم ينكروا، فصرت أصبّ لهم الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكراً، فوثبت وقتلتهم جميعاً، وأخذت ما معهم» فقدمت على النبي، فوجدته جالساً في المسجد مع أصحابه، وعليَّ ثياب سفري، فسلمت، فعرفني أبو بكر، فقال النبي صلى الله غليه وسلم: «الحمد لله الذي هداك للإسلام»، قال أبو بكر: «أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم. قال: ما فعل المالكيون؟ قلت: قتلتهم، وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول الله ليخمسها. فقال النبي: “أما إسلامك فنقبله، ولا آخذ من أموالهم شيئاً، لأن هذا غدر، ولا خير في الغدر”. فأخذني ما قَرُب وما بعُد، وقلت: إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت الساعة. قال: “فإن الإسلام يجُبُّ ما كان قبله..»

المغيرة بن شعبة في الإسلام

تولى أمر الكوفة حتى قُتِل عمر، فاستمر في عهد عثمان حيناً ثم عزله، وقد اعتزل الفتنة أيام علي.

ملامح من شخصية المغيرة بن شعبة

كان من دهاة العرب، شهد اليمامة وفتوح الشام والعراق، ولّاه عمر البصرة، ففتح ميسان، وهمذان، وعدة بلاد.

وكان واحداً من دهاة العرب المشهورين حتى قيل له: مغيرة الرأي. حدث عنه بعض أصحابه قال: صحبت المغيرة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها.

وما غلبه أحد في الدنيا كما كان يقول إلا شاب من قبيلة بني الحارث بن كعب (وفي رواية «إلا فَتَى مُرَّة»)، حين خطب المغيرة امرأة فقال له الشاب: أيها الأمير لا تنكحها، فإني رأيت رجلاً يقبلها. فانصرف عنها، فتزوجها الشاب، فقال له المغيرة: ألم تقل إنك رأيت رجلاً يقبلها؟ قال: بلى، رأيت أباها يقبلها وهي صغيرة، حج بالناس سنة أربعين لما كان معتزلاً بالطائف.

بعض المواقف من حياة المغيرة بن شعبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يقول المغيرة بن شعبة: «بعثت قريش عام الحديبية عروة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلمه، فأتاه فكلمه، وجعل يمس لحيته، وأنا قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنّع في الحديد، فقال المغيرة لعروة: كُفَّ يدك قبل ألا تصل إليك. فقال: من ذا يا محمد؟ ما أفظه وأغلظه!!

وشهد المغيرة بيعة الرضوان والمشاهد بعدها، ولما قدم وفد ثقيف أنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم عنده، فأحسن ضيافتهم، وبعثه مع أبي سفيان بن حرب بعد إسلام أهل الطائف فهدما اللات. ولما دفن النبي صلى الله عليه وخرج علي من القبر الشريف ألقى المغيرة خاتمه وقال: يا أبا الحسن خاتمي، قال: انزل فخذه قال المغيرة: فمسحت يدي على الكفن فكنت آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان المغيرة بن شعبة يقول: أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت حين خرج القوم: إن خاتمي قد سقط في القبر. وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس عهداً به.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة

المغيرة بن شعبة مع عمر بن الخطاب

استعمل عمر بن الخطاب المغيرة بن شعبة على البحرين، فكرهوه، فعزله عمر، فخافوا أن يرده، فقال دهاتهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا. قالوا: مرنا. قال: تجمعون مئة ألف حتى أذهب بها إلى عمر، فأقول: إنَّ المغيرة اختان هذا، فدفعه إليَّ. قال: فجمعوا له مئة ألف، وأتى عمر، فقال ذلك. فدعا المغيرة، فسأله، قال: كذب، أصلحك الله، إنما كانت مئتي ألف. قال: فما حملك على هذا؟ قال: العيال والحاجة. فقال عمر للعِلج: ما تقول؟ قال: لا والله لأصدقَنك، ما دفع إليَّ قليلاً ولا كثيراً. فقال عمر للمغيرة: ما أردت إلى هذا؟ قال: الخبيث كذب عليَ، فأحببت أن أخزيه.

المغيرة بن شعبة مع علي بن أبي طالب

قال المغيرة بن شعبة لعلي بعد مقتل عثمان: اقعد في بيتك ولا تدعُ إلى نفسك، فإنك لو كنت في جحر بمكة لم يبايعوا غيرك.

أثر المغيرة بن شعبة على الآخرين

أرسل رستم إلى سعد بن أبي وقاص أن ابعث إلينا برجل نكلمه، فكان فيمن بعثه المغيرة بن شعبة، فأقبل إليهم وعليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، فأقبل المغيرة حتى جلس مع رستم على سريره، فوثبوا عليه وأنزلوه، فقال: قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب لا نستعبد بعضنا بعضاً، وإني لم آتكم، ولكن دعوتموني اليوم، وأن مُلْكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول. فقال الحاشية: صدق والله العربي. وقال الدهاقين: والله لقد رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعون إليه.

فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه وقال: «إن الله خالق كل شيء ورازقه، فمن صنع شيئاً فإنما هو يصنعه، وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد فنحن نعرفه، فالله صنعه بكم ووضعه فيكم، وأما الذي ذكرت فينا من سوء الحال والضيق والاختلاف فنحن نعرفه ولسنا ننكره، والله ابتلانا به والدنيا دولٌ، ولم يزل أهل الشدائد يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل الرخاء يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم.

بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الملك بن عمير، عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة، قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».

وعن المغيرة بن شعبة قال: «”كسفت الشمس على عهد رسول الله يوم مات إبراهيم، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم فصلوا وادعوا الله”.

من أقوال المغيرة بن شعبة

قال المغيرة بن شعبة: «اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا بقاء للنعم إذا كفرت، ولا زوال لها إذا شكرت».

وفاة المغيرة بن شعبة

توفي المغيرة بن شعبة بالكوفة سنة خمسين للهجرة، وهو ابن سبعين سنة.

إعداد: نادر نايف محمد

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض