الموضوع الديني 617

سيف الدين قطز.. بطل معركة عين جالوت وقاهر المغول

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سلنتقي مع القائد العسكري الفذ:

هو الملك المظفر سيف الدين قُطُز محمود بن ممدود بن خوارزمشاه، سلطان مملوكي، توفي  1260م، تولى المُلك سنة 1259م. يُعدّ قُطُز بطل معركة عين جالوت، وقاهر التتار المغول، ومُحرر القدس من التتار، كما يعد أحد أبرز ملوك مصر، وذلك على الرغم من أن فترة حكمه لم تدم سوى أقل من عام واحد، حيث نجح في إعادة تعبئة وتجميع الجيش الإسلامي، واستطاع إيقاف زحف التتار الذي كاد يقضي على الدولة الإسلامية، فهزمهم قُطُز بجيشه هزيمة كبيرة في عين جالوت، ولاحق فلولهم حتى حرر الشام بأكملها من سلطتهم.

نشأته

ولد قطز في أسرة ملكية بمملكة خوارزمشاه بفارس عام  123، وتمَّ اختطافه عقب انهيار الدولة الخوارزمية على يد التتار، وحُمل هو وغيره من الأطفال إلى دمشق.

وبيع عبداً في السوق لثري من أثرياء الشام، فرباه الثري وأحسن تربيته، فتعلم اللغة العربية وأصولها، وحفظ القرآن الكريم ودرس الحديث، وبعد موت الثري أصبح قطز مملوكاً لابن الثري، ولم يجد منه عناية وحسن تعامل، فبيع قطز لثري آخر من أثرياء الشام، وكان هذا الثري مدخلاً لقطز لدخول الحياة السياسية والجهاد ضد الصليبيين، فهذا الثري هو ابن واحد من أكبر معاوني العالِم العز بن عبد السلام، فتربى قطز تربية جديدة.

ثم طلب قطز من سيده أن يبيعه إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، ليندرج تحت سلك ممالكه، ووافق سيده على بيعه، وبعد أن بيع قطز إلى الملك الصالح عهد به إلى الأمير المملوكي عز الدين أيبك، فتربى قطز مثل باقي المماليك، حيث يتم إلحاقهم بمدرسة المماليك، ويتم تعليمهم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم حفظ القرآن الكريم ومبادئ الفقه الإسلامي، ثم فنون القتال من الرمي بالسهام والقتال بالسيوف، وركوب الخيل ووضع الخطط الحربية والتصرف في أمور الدولة، وقد ساعدت التربية الإسلامية والقتالية لقطز في سن الطفولة والشباب في تفوقه على أقرانه من المماليك الذين اشتراهم الملك الصالح، فقد نشأ على كراهية المغول.

شارك قطز جيش الملك الصالح في صد الحملة الصليبية السابعة، وتمثلت شجاعة المماليك في الانتصار الكبير الذي حققوه في معركة المنصورة عام  1250م، والتي أُسر فيها الملك لويس التاسع قائد الحملة، وقد وصف أحد المؤرخين المماليك في تلك المعركة بقوله: والله لقد كنت أسمع زعقات الترك كالرعد القاصف، ونظرت إلى لمعان سيوفهم وبريقها كالبرق الخاطف، فلله درُّهم فقد أحيوا في ذلك اليوم الإسلام من جديد.

تنصيبه سلطاناً لمصر

بدأ صدى طبول الحروب التتارية يتردد على حدود مصر، واقتربت رياح الغزو التتري لبلاد الشام ومصر، ولم يكن بوسع السلطان الصبي نور الدين علي أن يفعل شيئاً إزاء خطر التتار الداهم والقريب، ومع كل خبر جديد يصل عن وحشية التتار كانت الأحوال في مصر تزداد اضطراباً، ومع اقتراب جحافل التتار من الشام أرسل الملك الناصر رساله حملها المؤرخ والفقيه كمال بن العديم إلى مصر يستنجد بعساكرها، ولما قدم ابن العديم إلى القاهرة عُقد مجلس في القلعة حضره السلطان الصبي المنصور نور الدين علي، وحضره كبار أهل الرأي من العلماء والقضاة مثل قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري، والشيخ العز بن عبد السلام، وكان من بين الحاضرين سيف الدين قطز، وكان هذا الاجتماع آخر خطوات قطز نحو وصوله لعرش مصر وقتال التتار.

الإعداد لمواجهة التتار ومعركة عين جالوت

أصبح خطر التتار يهدد مصر بعد أن تمكنوا من الاستيلاء على جميع الإمارات والدول والأراضي الإسلامية، حتى وصلت سلطتهم إلى غزة، ولم يبقَ بينهم وبين مصر إلا معركة الحسم، بدأ المظفر قطز بالتحضير لمواجهة التتار، وكان أول أمر يقوم به هو إصداره عفواً عاماً وشاملاً عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي، وكانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز، فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار، وكانت المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية، ولها خبرة واسعة في الحروب، فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية الموجودة في مصر ستنشئ جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار، وكان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد الظاهر بيبرس إلى مصر  فاستقبله قطز استقبالاً لائقاً، وعظم شأنه وأنزله دار الوزارة، وأقطعه قليوب وما حولها من القرى، وجعله في مقدمة الجيوش في معركة عين جالوت.

رسالة هولاكو لقطز

عندما كان سيف الدين قطز منشغلاً بإعداد الجيش وتجهيزه، جاءته رسالة من هولاكو يحملها أربع رسل من التتار، بمثابة إعلان صريح بالحرب أو تسليم مصر للتتار، على إثر الرسالة عقد قطز مجلساً ضمّ كبار الأمراء والقادة والوزراء وبدأوا مناقشة فحوى الرسالة، كان قطز مصمماً على خوض الحرب ورافضاً لمبدأ التسليم، وقال قطز مقولته لما رأى من بعض الأمراء التراخي في مواجهة التتار: «أنا ألقى التتار بنفسي»، ثم قال: «يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين»، وقال: «من للإسلام إن لم نكن نحن»، بعد هذه الكلمات أيد الأمراء المماليك قرار قطز في المواجهة، ثم قرر قطز أن يقطع أعناق الرسل الأربعة الذين أرسلهم هولاكو، وأن يعلق رؤوسهم على باب زويلة في القاهرة.

معركة غزة

بدأ جيش المسلمين في مصر بالتجمع في منطقة الصالحية (تقع الآن في محافظة الشرقية)، وهي منطقة صحراوية واسعة تستوعب الفرق العسكرية المختلفة، ثم توجه قطز بجيشه إلى سيناء، ثم سلك طريق الساحل الشمالي لسيناء بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، كان هذا التحرّك في أوائل يوليو 1260م، كان قطز يتحرك على شكل الخطة التي سيواجه التتار بها، حيث إنه لا يتحرك إلا وقد رتّب جيشه بالترتيب الذي سيقاتل به العدو لو حدث قتال، وقد وضع على مقدمة جيشه ركن الدين بيبرس ليكون أول من يصطدم بالتتار، وكان سيف الدين قطز قد سلك في ترتيب جيشه خطةً جديدة، حيث كوَّن في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبياً على رأسها بيبرس، وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيراً عن بقية الجيش التي تسير خلفها، وتظهر نفسها في تحركاتها، بينما يتخفى بقية الجيش في تحركاته، فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش، فيكون استعدادهم على هذا الأساس، ثم يظهر بعد ذلك قطز على رأس الجيش الأساسي، وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له، اجتاز بيبرس سيناء ودخل فلسطين وتبعه قطز بعد ذلك في سيره.

مخطط لسير المعركة في عين جالوت

بدأ صراع لا مجال فيه للهرب أو المناورة، وبدأ التتار يقاتلون بكل شجاعة، ، فتراجع المسلمون تحت ضغط بسالة التتار، وبدأ تساقط الشهداء في جيش المسلمين، كان قطز في هذه الأثناء في مكانٍ عالٍ خلف الصفوف يراقب الوضع، ويوجه فرق الجيش لسد الثغرات، ولما رأى معاناة ميسرة الجيش دفع بقوة احتياطية لمساندتها، ولكن هذه القوة لم تغير في الأمر شيئاً أمام بسالة وقوة ميمنة التتار، ثم دفع بقوة احتياطية أخرى، ولكن الموقف تأزم بشكلٍ أكبر، عندها قرر قطز أن ينزل بنفسه لأرض المعركة، فرمى خوذته وأخذ يصرخ «وا إسلاماه… وا إسلاماه»، وخرجت أعداد كبيرة من التتار باتجاه الشمال، وخرج المسلمون في طلبهم، حتى وصل التتار الفارون إلى مدينة بيسان، وعندما وصل إليهم المسلمون، لم يجد التتار أمامهم إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم ويصطفوا من جديد، ودارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان، وقاتل التتار فيها قتالاً شديداً، ودارت الدائرة لهم، عندها كرر قطز ما فعله في عين جالوت وأخذ يصيح بالجند «وا إسلاماه… وا إسلاماه… وا إسلاماه»، وأقبل الجند على القتال وارتفعت راية الإسلام وهوت راية التتار، وبدأ جنود التتار في التساقط، وكانت نتيجة المعركة أن أُبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد.

إعداد: نادر نايف محمد

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض