603 Web Analyses Cover 2

المفاجأة الاستراتيجية .. لماذا تفشل الدول في التنبؤ بالهجمات العسكرية؟

تباين‭ ‬المنظرون‭ ‬السياسيون‭ ‬والعسكريون‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬دور‭ ‬المفاجأة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬المنظر‭ ‬العسكري‭ ‬الصيني،‭ ‬صن‭ ‬تسو،‭ ‬أعطاها‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة‭ ‬للفوز‭ ‬بالحروب،‭ ‬واعتبرها‭ ‬ميكيافيلي‭ ‬أنها‭ ‬أحد‭ ‬المكونات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للنصر،‭ ‬فإن‭ ‬كارل‭ ‬فون‭ ‬كلاوسفتز،‭ ‬المنظر‭ ‬العسكري‭ ‬البروسي،‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬خالف‭ ‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬وانتقص‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬المفاجأة‭ ‬كمعيار‭ ‬أساسي‭ ‬للنصر‭ ‬في‭ ‬الحروب‭. ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬العملي،‭ ‬فإن‭ ‬القادة‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فاجأهم‭ ‬عجزهم‭ ‬عن‭ ‬ترجمة‭ ‬الانتصار‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬نصر‭ ‬سياسي‭ ‬واستراتيجي‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬مرة‭.‬

من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬المزايا‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬المفاجأة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الهجوم‭ ‬الناجح‭ ‬غير‭ ‬المتوقع‭ ‬سوف‭ ‬يسهل‭ ‬تدمير‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬العدو‭ ‬بتكلفة‭ ‬أقل‭ ‬للمهاجم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اختلال‭ ‬التوازن‭ ‬العسكري‭ ‬للمدافع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬مؤقتاً‭. ‬وبعبارات‭ ‬أكثر‭ ‬عمومية،‭ ‬فإن‭ ‬الجانب‭ ‬الأدنى‭ ‬عددياً‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬أخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تركيز‭ ‬قوته‭ ‬العسكرية‭ ‬المتفوقة‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬الذي‭ ‬يختاره،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحسين‭ ‬احتمالية‭ ‬تحقيق‭ ‬نصر‭ ‬حاسم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬

وتحدث‭ ‬المفاجأة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬غالباً‭ ‬‮«‬الهجوم‭ ‬المفاجئ‮»‬،‭ ‬عندما‭ ‬يحدث‭ ‬صراع‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬المفاجأة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مستويات‭ ‬الحرب،‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والعملياتية‭ ‬والتكتيكية‭. ‬وتسعى‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬توضيح‭ ‬أنواع‭ ‬المفاجأة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وأسباب‭ ‬حدوثها،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬تجنبها‭.‬

أنواع‭ ‬الهجوم‭ ‬المفاجئ‭: ‬

يتمثل‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬إنزال‭ ‬هزيمة‭ ‬كبيرة‭ ‬بالخصم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يغير‭ ‬الوضع‭ ‬العسكري،‭ ‬ويحدد‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬نتيجة‭ ‬الصراع‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭ ‬الخصم‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬التكتم‭ ‬على‭ ‬تحركاته،‭ ‬بل‭ ‬واستخدام‭ ‬الخداع‭. ‬ووفقاً‭ ‬لهذا‭ ‬التعريف،‭ ‬فإن‭ ‬المقصود‭ ‬بالبعد‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬هنا،‭ ‬ليس‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬أو‭ ‬تورط‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬في‭ ‬الصراع،‭ ‬أي‭ ‬ليس‭ ‬طبيعة‭ ‬الفاعلين‭ ‬المتورطين،‭ ‬أو‭ ‬الأسلحة‭ ‬المستخدمة،‭ ‬ولكن‭ ‬يرتبط‭ ‬بهدف‭ ‬الهجوم‭ ‬وسياقه‭. ‬ويمكن‭ ‬التمييز‭ ‬هنا‭ ‬بين‭ ‬أربعة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

الهجوم‭ ‬العسكري‭ ‬المفاجئ‭:‬‭ ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬دولة‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الهجوم‭ ‬الياباني‭ ‬المفاجئ‭ ‬على‭ ‬الأسطول‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬بورت‭ ‬آرثر‭ ‬عام‭ ‬1904،‭ ‬أو‭ ‬الهجوم‭ ‬الياباني‭ ‬على‭ ‬ميناء‭ ‬بيرل‭ ‬هابر‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وفي‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬هذه،‭ ‬كان‭ ‬موقع‭ ‬الهجوم‭ ‬هو‭ ‬مكمن‭ ‬المفاجأة،‭ ‬وليس‭ ‬توقيته،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تدرك‭ ‬وقتها‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬قادمة‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭. ‬

وتمثلت‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬إخفاق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬توقع‭ ‬الهجوم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬استبعد‭ ‬إمكانية‭ ‬قيام‭ ‬طوكيو‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬ميناء‭ ‬بعيد،‭ ‬مثل‭ ‬بيرل‭ ‬هاربور،‭ ‬بسبب‭ ‬اعتقادهم‭ ‬بأن‭ ‬اليابانيين‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬هجوم‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬على‭ ‬مبنيي‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬البنتاجون‭ ‬باستخدام‭ ‬ثلاث‭ ‬طائرات‭ ‬مدنية‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭. 

فتح‭ ‬مسرح‭ ‬عملياتي‭ ‬جديد‭:‬‭ ‬يقصد‭ ‬بذلك‭ ‬فتح‭ ‬جبهة‭ ‬جديدة‭ ‬للحرب‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬صراع‭ ‬عسكري‭ ‬أوسع،‭ ‬مثل‭ ‬الغزو‭ ‬الألماني‭ ‬للنرويج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1940‭. ‬كما‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬شنّ‭ ‬القوات‭ ‬الشيوعية‭ ‬من‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية‭ ‬وفيت‭ ‬كونج،‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يناير‭ ‬1968،‭ ‬هجوماً‭ ‬عرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬تيت‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية‭ ‬وحلفائها‭ ‬الأمريكيين‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام،‭ ‬وأصبح‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬الصراع‭. ‬

فقد‭ ‬كان‭ ‬هجوم‭ ‬تيت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سلسلة‭ ‬مفاجئة‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬خلال‭ ‬مهرجان‭ ‬تيت،‭ ‬وهو‭ ‬مهرجان‭ ‬رأس‭ ‬السنة‭ ‬الفيتنامية‭. ‬وكان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الفيتنامية‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬إجازة‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬الهجمات،‭ ‬وفوجئ‭ ‬جيش‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية‭. ‬واستهدفت‭ ‬الحملة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مدينة‭ ‬وبلدة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العاصمة‭ ‬الجنوبية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬سايجون،‭ ‬والتي‭ ‬تسمى‭ ‬الآن‭ ‬مدينة‭ ‬هوشي‭ ‬منه‭. ‬ولاقى‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬شيوعي‭ ‬حتفهم‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الجنوبي‭ ‬من‭ ‬البلاد‭. ‬وكانت‭ ‬إجمالي‭ ‬الخسائر‭ ‬الفيتنامية‭ ‬الجنوبية‭ ‬والأمريكية‭ ‬محدودة‭ ‬مقارنة‭ ‬بخسائر‭ ‬قوات‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الخسارة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬هجوم‭ ‬تيت‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬دفة‭ ‬الحرب‭ ‬لصالح‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية،‭ ‬إذ‭ ‬بدأ‭ ‬الفيتناميون‭ ‬الجنوبيون‭ ‬يفقدون‭ ‬نفوذهم‭ ‬عندما‭ ‬تسلل‭ ‬مقاتلو‭ ‬الفيتكونج‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الريفية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬حكومة‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وساهم‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬في‭ ‬انتصار‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية‭ ‬على‭ ‬الجنوبية‭.‬

استخدام‭ ‬تكتيكات‭ ‬جديدة‭:‬‭ ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استخدام‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سائداً‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬مثل‭ ‬قصف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اليابان‭ ‬باستخدام‭ ‬القنابل‭ ‬النووية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري،‭ ‬قامت‭ ‬بعض‭ ‬الجيوش‭ ‬بمفاجئة‭ ‬أعدائها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬تكتيكات‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬استراتيجيات‭ ‬جريئة،‭ ‬أو‭ ‬توظيف‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الانضباط‭ ‬العسكري‭ ‬الصارم‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حروب‭ ‬نابليون‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إدخال‭ ‬تغيرات‭ ‬مؤسسية‭ ‬مكنته‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬جيش‭ ‬ضخم،‭ ‬والذي‭ ‬بدوره‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إلحاق‭ ‬هزائم‭ ‬كبيرة‭ ‬بخصومه،‭ ‬واحتلال‭ ‬كبرى‭ ‬المدن‭ ‬الأوروبية‭. ‬وبالمثل،‭ ‬مثلت‭ ‬الحرب‭ ‬الخاطفة‭ ‬التي‭ ‬طبقها‭ ‬الألمان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬مثالاً‭ ‬أخر‭ ‬للتكتيكات‭ ‬الجديدة‭. ‬

ويدخل‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬كذلك،‭ ‬نجاح‭ ‬طائرات‭ ‬الطوربيد‭ ‬اليابانية‭ ‬في‭ ‬إغراق‭ ‬السفينة‭ ‬الحربية‭ ‬‮«‬إتش‭ ‬إم‭ ‬إس‭ ‬أمير‭ ‬ويلز‮»‬‭ (‬HMS Prince of Wales‭) ‬والطراد‭ ‬القتالي‭ ‬‮«‬إتش‭ ‬إم‭ ‬إس‭ ‬ريبلس‮»‬‭ (‬HMS Repulse‭) ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬بيرل‭ ‬هاربور،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المفاجأة‭ ‬العسكرية‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجمع‭ ‬الناجح‭ ‬بين‭ ‬التكتيكات‭ ‬والتكنولوجيا‭. ‬وفشل‭ ‬كبار‭ ‬ضباط‭ ‬البحرية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بإمكانية‭ ‬تعرض‭ ‬السفن‭ ‬الحربية‭ ‬الكبرى‭ ‬لتهديد‭ ‬جوي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قائد‭ ‬فرقة‭ ‬العمل،‭ ‬الأدميرال‭ ‬توم‭ ‬فيليبس،‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭ ‬هذه‭ ‬السفن‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬سنغافورة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعم‭ ‬جوي،‭ ‬وتمكن‭ ‬اليابانيون‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬موقع‭ ‬قوة‭ ‬فيليبس‭ ‬وشنّوا‭ ‬عليها‭ ‬هجوماً‭ ‬باستخدام‭ ‬قاذفات‭ ‬الطوربيد،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬السفينتين‭ ‬و840‭ ‬بحاراً‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬وُصفت‭ ‬لاحقاً‭ ‬بأنها‭ ‬أرست‭ ‬‮«‬نهاية‭ ‬عصر‭ ‬البوارج‮»‬‭. ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬والصدمة‭ ‬اللاحقة‭ ‬عميقة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطواقم‭ ‬وكذلك‭ ‬الأفراد‭ ‬العسكريين‭ ‬والقادة‭ ‬السياسيين‭ ‬خارج‭ ‬المعركة‭ ‬المباشرة‭.‬

الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬المفاجئة‭:‬‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬البيئية‭ ‬المفاجئة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تولد‭ ‬مفاجأة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬مثل‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية،‭ ‬كالزلازل‭ ‬والبراكين‭ ‬والتسونامي،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تتطور‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬محدثة‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬كارثة‭ ‬التسونامي‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬المفاعل‭ ‬النووي‭ ‬الياباني‭ ‬فوكوشيما‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2011‭. ‬

أسباب‭ ‬الهجوم‭ ‬المفاجئ‭: ‬

بمراجعة‭ ‬آراء‭ ‬الخبراء‭ ‬والمنظرين‭ ‬العسكريين،‭ ‬والذين‭ ‬بنوا‭ ‬تقييماتهم‭ ‬من‭ ‬الخبرات‭ ‬السابقة‭ ‬للحروب،‭ ‬يمكن‭ ‬إيراد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬لوقوع‭ ‬الهجوم‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

خداع‭ ‬الخصم‭:‬‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسية‭ ‬للمفاجأة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬خداع‭ ‬الخصم‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬هنا‭ ‬إغفال‭ ‬رأي‭ ‬صن‭ ‬تسو،‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬الصيني،‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬كل‭ ‬الحروب‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الخديعة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مصطلحاً‭ ‬آخر،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬ضباب‭ ‬الحرب‮»‬‭ (‬Fog of War‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬صفة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الملازمة‭ ‬للحرب،‭ ‬أي‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الأطراف‭ ‬المتحاربة‭ ‬على‭ ‬التيقن‭ ‬من‭ ‬قدراتهم‭ ‬لحظة‭ ‬انتقالها‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬إلى‭ ‬التنفيذ،‭ ‬ولذلك‭ ‬قال‭ ‬مولتك‭ ‬الأكبر،‭ ‬وهو‭ ‬مشير‭ ‬بروسي،‭ ‬عبارته‭ ‬الشهيرة‭ ‬إنه‭: ‬‮«‬لا‭ ‬توجد‭ ‬خطة‭ ‬عمليات‭ ‬تستمر‭ ‬بعد‭ ‬المواجهة‭ ‬الأولى‭ ‬مع‭ ‬القوة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للعدو‮»‬‭.‬

ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬نوعين‭ ‬رئيسيين‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬العسكري،‭ ‬وهما‭ ‬‮«‬الهجوم‭ ‬المخادع‮»‬،‭ ‬و«التظاهر‭ ‬العسكري‮»‬،‭ ‬ويتمثل‭ ‬الهجوم‭ ‬المخادع‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بهجوم‭ ‬وهمي‭ ‬تماماً،‭ ‬أو‭ ‬محاكاة‭ ‬لبناء‭ ‬هجوم‭ ‬وشيك،‭ ‬أما‭ ‬التظاهر‭ ‬العسكري‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬القوات‭ ‬بشكل‭ ‬حقيقي،‭ ‬فالهدف‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬استدراج‭ ‬قوات‭ ‬العدو،‭ ‬وجر‭ ‬احتياطاته‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬هامشية،‭ ‬وتخاطر‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬بإمكانية‭ ‬فقدان‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬والمعدات‭ ‬العسكرية‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬قد‭ ‬يغامر‭ ‬بشن‭ ‬معركة‭ ‬تفقد‭ ‬فيها‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭ ‬والمعدات،‭ ‬ولذلك‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬توظيفها‭ ‬بشكل‭ ‬مقتصد،‭ ‬أو‭ ‬مقيد،‭ ‬وفي‭ ‬ظروف‭ ‬متطرفة‭.‬

ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬الخداع،‭ ‬قيام‭ ‬الحلفاء‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1944،‭ ‬بجمع‭ ‬عدد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الدبابات‭ ‬والطائرات‭ ‬المطاطية‭ ‬المزيّفة‭ ‬القابلة‭ ‬للنفخ‭ ‬بمنطقة‭ ‬كينت‭ ‬البريطانية‭ ‬لتضليل‭ ‬طائرات‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الألمانية،‭ ‬التي‭ ‬رصدت‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬الوهمية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تسريب‭ ‬معلومات‭ ‬خاطئة‭ ‬للألمان‭ ‬حول‭ ‬موقع‭ ‬الإنزال،‭ ‬إذ‭ ‬أوهموا‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الألمانية‭ ‬وأدولف‭ ‬هتلر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬سميت‭ ‬‮«‬الثبات‮»‬‭ ‬بحتمية‭ ‬وقوع‭ ‬الإنزال‭ ‬العسكري‭ ‬عند‭ ‬منطقة‭ ‬باد‭ ‬كاليه‭ ‬الفرنسية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الإنزال‭ ‬الحقيقية‭ ‬كانت‭ ‬بشواطئ‭ ‬نورماندي‭. ‬وبتلك‭ ‬الخطة‭ ‬نجح‭ ‬الحلفاء‭ ‬بقيادة‭ ‬واشنطن‭ ‬ولندن‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬إنزال‭ ‬135‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬نورماندي‭ ‬ليصنعوا‭ ‬بذلك‭ ‬رأس‭ ‬الجسر‭ ‬الذي‭ ‬سمح‭ ‬لهم‭ ‬خلال‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد‭ ‬بإنزال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬جندي،‭ ‬و50‭ ‬ألف‭ ‬عربة‭ ‬وآلية‭ ‬عسكرية،‭ ‬و100‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأخرى‭.‬

وبالمثل،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬سعت‭ ‬لشن‭ ‬هجومها‭ ‬المضاد‭ ‬ضد‭ ‬القوات‭ ‬الروسية،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاور‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الجبهة‭ ‬ضد‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬وشرق‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والممتدة‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬تقدر‭ ‬بحوالي‭ ‬600‭ ‬ميل،‭ ‬وذلك‭ ‬لتشتيت‭ ‬الدفاعات‭ ‬الروسية،‭ ‬وللتمويه‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ ‬الهجوم‭ ‬الرئيسية‭. ‬ولذلك‭ ‬سعت‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لشن‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬محاور،‭ ‬وهي‭ ‬مليتيبول‭ ‬وبيرديانسك‭ ‬وباخموت،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اعترضت‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التخطيط،‭ ‬وكانت‭ ‬تفضل‭ ‬أن‭ ‬تشن‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬هجومها‭ ‬على‭ ‬نقطة‭ ‬واحدة‭ ‬باتجاه‭ ‬بحر‭ ‬أزوف،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬جبهات،‭ ‬سوف‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬الكثافة‭ ‬النيرانية‭ ‬للقوات‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ويجعلها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬إحداث‭ ‬اختراق‭ ‬في‭ ‬الدفاعات‭ ‬الروسية‭. ‬وأياً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬فقد‭ ‬أخفق‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬المضاد‭ ‬إخفاقاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬واعترف‭ ‬أولكسندر‭ ‬سيرسكي،‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬بأن‭ ‬بلاده‭ ‬قيمت‭ ‬قدرات‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬بشكل‭ ‬خاطئ‭.‬

التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭:‬‭ ‬تلعب‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬المفاجأة‭ ‬بالحروب‭. ‬وتميل‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬عنصر‭ ‬المفاجأة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭. ‬ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمثلة،‭ ‬مثل‭ ‬إلقاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قنبلتين‭ ‬على‭ ‬مدينتي‭ ‬هيروشيما‭ ‬وناغازاكي،‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬بمثابة‭ ‬رسالة‭ ‬حول‭ ‬قوتها‭ ‬التدميرية،‭ ‬واستعداد‭ ‬واشنطن‭ ‬لاستخدامها‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تداعياتها‭ ‬الكارثية‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬المدنيين،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إجبار‭ ‬اليابان‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭. ‬

وعادة‭ ‬ما‭ ‬تأخذ‭ ‬المفاجأة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬أحد‭ ‬شكلين،‭ ‬وهما‭ ‬تبني‭ ‬الخصوم‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬مبتكرة،‭ ‬أو‭ ‬إخفاق‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لتوظيفها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصومها،‭ ‬وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬المفاجأة‭ ‬تتحقق‭ ‬نتيجة‭ ‬للتفوق‭ ‬التقني‭ ‬للخصوم،‭ ‬أو‭ ‬الإخفاق‭ ‬التقني‭ ‬لأحد‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬أنتجتها‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لتحقيق‭ ‬مفاجأة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصومها‭. ‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خبرة‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬دبابة‭ ‬ألمانية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬ليوبارد‭ ‬2،‭ ‬خلال‭ ‬أول‭ ‬ثلاث‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬المضاد،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬يراهن‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬مفاجأة‭ ‬عسكرية‭ ‬وتكبيد‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقاً‭ ‬للعقيد‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬النمساوية‭ ‬ماركوس‭ ‬ريزنر،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬الدبابات‭ ‬كانت‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تمكنت‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬أعداد‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬باستخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬لانتسيت‭. ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الميجور‭ ‬جنرال،‭ ‬فاديم‭ ‬سكيبيتسكي،‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬إذ‭ ‬صرح‭ ‬لصحيفة‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭  ‬2023‭ :‬‮«‬اليوم،‭ ‬يمكن‭ ‬اكتشاف‭ ‬طابور‭ ‬من‭ ‬الدبابات‭ ‬أو‭ ‬طابور‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المتقدمة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬إلى‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬وضربه‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬دقائق‭ ‬أخرى‭. ‬ولا‭ ‬تستغرق‭ ‬إمكانية‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬أثناء‭ ‬التحرك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬دقائق‮»‬،‭ ‬مضيفاً‭ :‬‮«‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬تحقيق‭ ‬المفاجآت‭ ‬صعباً‭ ‬للغاية‮»‬‭. ‬

العقلية‭ ‬السائدة‭:‬‭ ‬تتمثل‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬المفاجأة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الانغلاق‭ ‬العسكري،‭ ‬ورفض‭ ‬التجاوب‭ ‬مع‭ ‬المعطيات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬تحولات‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬الخصم،‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وجود‭ ‬ثقة‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬النفس،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الإحساس‭ ‬بالتفوق‭ ‬العسكري‭. ‬ويعضد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عدم‭ ‬اختبار‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قتالية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يعطي‭ ‬انطباعاً‭ ‬خاطئاً‭ ‬أو‭ ‬مبالغاً‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭. ‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬التقديرات‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬التشاؤم‭ ‬بشأن‭ ‬الخصم‭ ‬تمثل‭ ‬مشكلة‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬فإن‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬قدرات‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬التابعة‭ ‬للدولة‭ ‬القائمة‭ ‬بالهجوم‭ ‬تبدو‭ ‬هي‭ ‬الخطأ‭ ‬الأكثر‭ ‬تواتراً‭ ‬وتكلفة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري‭. ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التاريخية،‭ ‬فإن‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬الأمرين،‭ ‬أي‭ ‬تبني‭ ‬تصورات‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬التفاؤل‭ ‬عن‭ ‬الذات،‭ ‬وتقليل‭ ‬التهديدات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬الخصم،‭ ‬ووضع‭ ‬افتراضات‭ ‬غير‭ ‬صحيحة‭ ‬حول‭ ‬قدراته،‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬الهجوم‭ ‬المفاجئ‮»‬‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تأكيد‭ ‬الجنرال‭ ‬دوجلاس‭ ‬ماك‭ ‬آرثر‭ ‬للرئيس‭ ‬هاري‭ ‬ترومان،‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬1950،‭ ‬أن‭ ‬الصينيين‭ ‬لن‭ ‬يتدخلوا‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الكورية،‭ ‬وإذا‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك،‭ ‬فسوف‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬بأعداد‭ ‬صغيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسهل‭ ‬هزيمتهم‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التحذيرات‭ ‬التي‭ ‬تلقاها‭ ‬بشأن‭ ‬نية‭ ‬الصين‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬كوريا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الأدلة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬صينية‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬فإن‭ ‬ماك‭ ‬آرثر‭ ‬وكبار‭ ‬ضباط‭ ‬الاستخبارات‭ ‬تجاهلوا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحذيرات‭. ‬وترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هزيمة‭ ‬الجيش‭ ‬الثامن‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬يالو‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬نوفمبر‭ ‬1950،‭ ‬والتي‭ ‬أعقبها‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬وهو‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬كلف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حياة‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬الأمريكيين‭.‬

كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬المفاجآت‭:‬

يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الاستعداد‭ ‬للهجوم‭ ‬المفاجئ‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬اليسير،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬بمراجعة‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬أقوى‭ ‬الجيوش‭ ‬تعرضت‭ ‬لهجوم‭ ‬عسكري‭ ‬مفاجئ،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬التوصية‭ ‬بما‭ ‬يلي‭:‬

التأقلم‭ ‬السريع‭:‬‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬عوامل‭ ‬مواجهة‭ ‬الهجوم‭ ‬المفاجئ‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة،‭ ‬وتجنب‭ ‬الصدمة،‭ ‬إذا‭ ‬تكيف‭ ‬القادة‭ ‬والجنود‭ ‬بسرعة‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬غير‭ ‬المتوقع،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتجاههم‭ ‬لفهم‭ ‬ما‭ ‬يحدث،‭ ‬واختيار‭ ‬التكتيكات‭ ‬المناسبة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الهجوم،‭ ‬وتنفيذها‭ ‬بثبات‭. ‬وبغير‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬الإجراءات‭ ‬المناسبة‭ ‬أو‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سوف‭ ‬تتحول‭ ‬المفاجأة‭ ‬إلى‭ ‬صدمة‭ ‬وهزيمة‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭.‬

ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تجربة‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فبعد‭ ‬تراجع‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬أمام‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬في‭ ‬خاركيف،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الشطر‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬خيرسون،‭ ‬اتجهت‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬حساب‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬منها،‭ ‬والتي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬عدد‭ ‬كافٍ‭ ‬من‭ ‬القوات،‭ ‬ولذلك‭ ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬تجنيد‭ ‬حوالي‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬إضافي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬خطوط‭ ‬دفاعية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬فيما‭ ‬عرف‭ ‬باسم‭ ‬خط‭ ‬سوروفيكين،‭ ‬والذي‭ ‬دمر‭ ‬أغلب‭ ‬القوات‭ ‬والمعدات‭ ‬التي‭ ‬جهزتها‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لشن‭ ‬هجومها‭ ‬المضاد‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬2023‭. ‬وارتبط‭ ‬بذلك‭ ‬تأقلم‭ ‬روسيا،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬حسمها‭ ‬سريعاً،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬أعوام‭. ‬

الاستفادة‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬الآخرين‭:‬‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬معركة‭ ‬عسكرية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬دروساً‭ ‬مستفادة‭ ‬للجيوش‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتكتيكات‭ ‬الجديدة،‭ ‬التي‭ ‬ثبت‭ ‬نجاحها،‭ ‬أو‭ ‬إخفاقها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬فاعلية،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬أخفقت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأداء‭ ‬المتوقع‭ ‬منها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬دروس‭ ‬الماضي‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬قيمة،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬صياغتها‭ ‬بصورة‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬كذلك‭ ‬احتياجات‭ ‬المستقبل،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬والمستقبل‭ ‬تخاطر‭ ‬بالاستعداد‭ ‬فقط‭ ‬للحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬خاضتها،‭ ‬وليس‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تخوضها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬‭ ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الهجوم‭ ‬العسكري‭ ‬المفاجئ‭ ‬سوف‭ ‬يظل‭ ‬إحدى‭ ‬السمات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للمعارك،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تختفي‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬صراعات‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتجدد‭ ‬الحروب‭ ‬الإقليمية،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وتصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬تايوان،‭ ‬وتجدد‭ ‬المواجهات‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والفلسطينيين‭.‬

‮»‬‭ ‬د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب

‬أ(أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬بكلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬أبوظبي‭ (

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض