تغيرات المناخية copy

كيف تستعد الجيوش للتغيرات المناخية وتداعياتها؟ دراسة حالة للجيشين الفرنسي والكندي

في حين أنه لا يوجد صراع حتى اليوم يمكن له أن يُعزى إلى تغير المناخ وحده، إلا أنه مما لا شك فيه أن تغير المناخ سيفاقم المخاطر والتهديدات في المستقبل القريب، مما سيؤثر على السلم والأمن الدوليين، خصوصاً في الشرقين الأدنى والأوسط، وفي جنوب آسيا، وفي منطقة الساحل والصحراء، وفي القطب الشمالي أيضاً. 

لذا تدرك الدول أن تغير المناخ يغير بدوره، ولو تدريجياً، السياق الاستراتيجي الدولي، مما سيؤثر على المهام والقدرات العملياتية للقوات المسلحة. من هذا المنطلق ظهر مصطلح “الأمن المناخي” ليشمل كل ما يتعلق بتأثير تغير المناخ على السياق الاستراتيجي والتوازنات الجيوسياسية، ومهام الجيوش ووسائل تنفيذها لتلك المهام، فضلاً عن تدابير الاستشراف والتكيف الناتج عن تلك التغيرات. ومن هنا اهتمت الجيوش، ومن بينها الجيشان الفرنسي والكندي، بالمناخ وبالقضايا المتعلقة به وتأثيرها على القوات المسلحة ومستقبلها، بل وتؤيد الكثير من الدول تولي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذه القضية والمسائل المتصلة بها.

يعد إذاً تكيف الجيوش مع تغير المناخ أمراً بات مصيرياً ومشروعاً ضخماً وطويل الأمد يؤثر بلا شك في السياسة الدفاعية للدول ومستقبل جيوشها.  

في هذا السياق، يهدف هذا الملف للإجابة عن سؤال رئيسي وهو كيف تستعد الجيوش للتغيرات المناخية وآثارها؟ ويجيب عن ذلك من خلال دراسة حالة الجيشين الفرنسي والكندي، لما لهما من خبرة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها في هذا المجال. 

 

  أهم ملامح استعداد الجيش الفرنسي للتغيرات المناخية وتداعياتها 

تماشياً مع الإعلان المشترك لوزراء الدفاع “تغير المناخ والقوات المسلحة” الذي اعتمد في منتدى باريس للسلام في نوفمبر 2021 وبدعم من 26 دولة، قدمت هيئة الأركان العامة   الفرنسية إلى وزير الجيوش الفرنسية استراتيجية لإشراك القوات المسلحة بشكل مستدام في التكيف مع تغير المناخ. والتي من أهم ما ترتب عليها من استراتيجيات:  

1. الالتزام باستراتيجيةالدفاع الأخضرطويلة الأمد 

وذلك للمساهمة في تحقيق استراتيجية الحكومة الفرنسية التي تهدف لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة (التي تُعد العامل الرئيسي في ارتفاع درجات الحرارة في العالم وتغيُّر المناخ) لتصل لتحقيق الحياد الكربوني (صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون صفريّ) بحلول عام 2050. 

ونظراً لمشاركة الجيوش الفرنسية في عمليات متعددة، سواء على الأراضي الفرنسية أو في الخارج، يمكن لها أيضاً القيام بعمليات تساهم بحماية البيئة في تلك المناطق، مثل مشاركة الجيش الفرنسي في عمليات محاربة أنشطة البحث عن الذهب غير المشروعة، والتي تدمر غابات جويانا (أحد أقاليم ما وراء البحار الفرنسية)، والذي يعد خير مثال على مساهمة الجيوش الفرنسية في حماية البيئة، بما في ذلك التنوع البيولوجي.

2. تنفيذ سياسة أمن مناخي شاملة تساهم فيكسب الحرب قبل الحرب

 تدرك وزارة الجيوش الفرنسية أن تغير المناخ ستكون له انعكاساته على المستوى الاستراتيجي والتشغيلي والتكتيكي الذي يتحتم أن تأخذه الوزارة في الاعتبار في جميع مجالاتها وبيئات تدخلها، سواء على صعيد العمليات، أو عقيدتها العسكرية، أو التنظيمية، أو الموارد البشرية أو المعدات أو الدعم اللوجيستي أو الإعداد التشغيلي. لذا تخطط الوزارة لمنظومة خضراء شاملة تستطيع من خلالها أن تساهم جميع مؤسسات الوزارة المعنية في استراتيجية لا تهدف فقط للتكيف مع التغيرات المناخية، ولكنها تهدف أيضاً للحد منها بتعزيز الاستدامة البيئية والمناخية. ولكن الاستراتيجية تهدف في نهاية الأمر لتعزيز قدرة القوات المسلحة على تنفيذ المهام المنوطة بها والحفاظ على قدراتها التدخلية في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن وفي جميع الظروف للدفاع عن الأمة الفرنسية ومصالحها.. أي لكسب الحرب قبل الحرب.  

3. التغلب على تحديات تداعيات التغير المناخي على القوات المسلحة الفرنسية وذلك من خلال:

  السيطرة على تداعيات تغير المناخ على مهام وقدرات الجيوش الفرنسية.

  صمود البنى التحتية الدفاعية في فرنسا والخارج أمام تلك التغيرات.

• مراعاة خصوصية مهمة وزارة الجيوش الفرنسية في الجهود الجماعية، بحيث لا تؤثر جهودها في خفض انبعاثات الغازات وتحولات الطاقة، والمعايير القانونية المرتبطة بها، على أدائها التشغيلي وتفوقها.

4. التنسيق مع الوزارات الأخرى ومع الشركاء الدوليين

وبالخصوص في مجالات الاستشراف والإنتاج المعرفي والتكيف والحد من الانبعاثات، وذلك في استراتيجية تشكل جزءاً من استراتيجيات المناخ الخاصة بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي هذا الصدد التزمت الوزارة بخارطة طريق اعتمدها الاتحاد الأوروبي بشأن “تغير المناخ والدفاع” في يناير 2021، وكذلك بخطة عمل الناتو المتعلقة بتغير المناخ والأمن التي تم اعتمادها في يونيو 2021، والتي تهدف إلى إعداد الجيوش لمواجهة تغيرات المناخ على صعيد الدفاع والأمن. 

ولتنفيذ تلك الاستراتيجيات، تسعى وزارة الجيوش الفرنسية من خلال استراتيجيتها للمناخ والدفاع والتي أقرتها عام 2022 و2023 لتحقيق الأهداف التالية: 

  

1.  تنمية المعرفة والقدرات لاستشراف ومجابهة التحديات الاستراتيجية لتغير المناخ

فأبحاث المناخ تتطور كل يوم، كما تشهد نمواً كبيراً في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يتطلب متابعة هذا الإنتاج المعرفي وإمداد أجهزة ومؤسسات الجيش المختصة لتكون قادرة على توقع الآثار المتعددة لتغير المناخ بشكل أفضل على السياق الاستراتيجي، وعلى مهام وقدرات الجيوش، وهو أمر أصبح من الضروري القيام به. ومن أهم وسائل تحقيق هذا الهدف: 

رسم خرائط مخاطر المناخ

إذا كان الجيش الفرنسي كسائر الجيوش يجب أن يأخذ دائماً عوامل الأرصاد الجوية والأوقيانوغرافية في الاعتبار عند إجراء عملياته، فيجب عليه الآن أن يفعل الشيء نفسه فيما يتعلق بتغير المناخ وعواقبه، والتي تختلف بشكل كبير وفقاً للمناطق والبلدان. لذا تستهدف الوزارة وضع خريطة لمخاطر المناخ على المستويين الوطني والإقليمي، وفي المناطق التي شارك فيه الجيش الفرنسي أو يحتمل أن يشارك فيها بعلميات عسكرية. 

تعزيز أدوات الرصد والبحث والاستشراف

وذلك من خلال مراصد البحث والرصد التي أنشأتها على غرار: 

مرصد الدفاع والمناخ 

تم إنشاء هذا المرصد في عام 2016، وهو مؤسسة استشرافية تهدف إلى امداد وزارة القوات المسلحة بالنتائج الاستراتيجية والجيوسياسية لتغير المناخ، لا سيما فيما يتعلق بتأثيراته على المؤسسات الدفاعية ومهام وقدرات القوات المسلحة. 

مرصد تدفقات الطاقة والمواد 

تم إنشاؤه في عام 2019 لإمداد وزارة القوات المسلحة بالمعارف التي تعظم من قدرتها على توقع تطورات الطاقة وتأثيراتها الجيوسياسية والاستراتيجية ومراقبة استراتيجيات الطاقة للقوى العظمى، وسياسات انتقال الطاقة وأنماط عمل الشركات في مناطق مختلفة من العالم.

دعم البحث الاستراتيجي

تدعم الوزارة البحث الاستراتيجي حول التوقع والتكيف مع تغير المناخ وتحول الطاقة، لا سيما من خلال عقود الدراسة مع مراكز البحوث والمؤسسات العامة أو دعم أطروحات الدكتوراه. كما تعزز الوزارة علاقتها بمراكز أبحاث العلوم الاجتماعية الفرنسية وذلك لتحليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية والسياسية لتغير المناخ في مناطق العالم التي تهم فرنسا.

دعم المشاريع العلمية ذات الأهمية الدفاعية

تخطط وزارة القوات المسلحة لمواصلة دعم برامج البحث العلمي للمساهمة في توقع تأثيرات تغير المناخ التي من المحتمل أن تؤثر على مهامها.

وذلك من خلال برامج بحث مثل برنامج Kivi Kuaka  الذي يقوده المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي حول أنواع الطيور المهاجرة عبر المحيط الهادئ القادرة على المشاركة في الإنذار المبكر بالفيضانات والتسونامي والعواصف الاستوائية.

وبرنامج MICROPAC الذي يدرس هجرة الأسماك إلى المياه الأكثر برودة في شرق المحيط الهادئ تحت تأثير احترار المحيطات وتحمضها وعواقب ذلك على الأمن الغذائي والاقتصادي لبلدان جزر المحيط الهادئ وعلى هجرة أنشطة الصيد غير المشروع.

حشد جميع أصحاب المصلحة للمساهمة في الرصد والاستشراف

تسعى وزارة الجيوش الفرنسية إلى دمج جميع المؤسسات والفاعلين والمهتمين بقضايا المناخ وانعكاساتها على الجيوش مثل البعثات الدفاعية في الخارج، وكذلك أجهزة الاستخبارات والبعثات الخارجية والقوات الموجودة في الخارج للمساهمة في عمل التحليل والاستباق الاستراتيجي. 

إعادة التفكير الشامل في القضايا التشغيلية

كما شرعت الوزارة في التفكير الأولي بشأن تأثير تغير المناخ على العمليات والقدرات، فيما يتعلق على وجه الخصوص بما يلي:

– مراعاة تغير المناخ في تطورات السياق الاستراتيجي الدولي ومناطق الأزمات، حيث تنخرط الجيوش الفرنسية أو يحتمل أن تنخرط فيها، وتأثيرها على العمليات الحالية والمستقبلية

– عواقب الطلب المتزايد من الجيوش للتعاون والمساعدة في إدارة الأزمات الناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة (عمليات الإغاثة الإنسانية في أعقاب الكوارث الطبيعية وكذلك عمليات البحث والإنقاذ، سواء في الأراضي الوطنية أو في الخارج) أو تفشي الأوبئة، أو حتى لتقديم المساعدة للمشردين بسبب المناخ.

– آثار تغير المناخ على القدرات التشغيلية.

– السيطرة على المخاطر الصحية المرتبطة بتغير المناخ على العسكريين، سواء في التدريب أو في العمليات (درجات حرارة عالية جداً، وبرودة شديدة، ومخاطر مناخية، وتلوث بيئي، ومخاطر معدية، وما إلى ذلك).

استشراف المخاطر التي تؤثر على البنى التحتية الدفاعية 

من المرجح أن يؤثر تغير المناخ على البنى التحتية الدفاعية أو ذات الاستخدام المزدوج التي تعتمد عليها، وبالتالي على المهام التشغيلية التي تدعمها. وينتج عن ذلك مخاطر عدة منها: ارتفاع منسوب مياه البحر، زيادة موجات الحرارة والجفاف، وزيادة مخاطر نشوب حرائق، إمدادات مياه الشرب أو المياه المستخدمة في الصناعة، فيضانات وانهيارات أرضية واسعة النطاق، العواصف والأعاصير.

وفي هذا السياق، تهدف الاستراتيجية الفرنسية لرسم رؤية مستقبلية طويلة المدى لمجابهة نقاط الضعف المناخية للبنى التحتية العسكرية، في فرنسا والخارج وللاستشراف تتأثر مواقع التدريب وساحات القتال الحالية والمستقبلية العسكرية بتغير المناخ. 

2. الالتزام بديناميكية ناجعة للتكيف

وذلك من خلال الاستراتيجيات والمقاربات التالية: 

التكيف الضروري مع تغيير مسارح العمليات

التكيف مع البرد القارس (يجري بالفعل من الناحية التشغيلية)

بدأت الجيوش الفرنسية بالفعل في عملية التكيف مع تلك البيئات، كما يتضح من خلال تعزيز نشاط تلك الجيوش في منطقة القطب الشمالي على مدى السنوات العشر الماضية، والذي أصبح أكثر سهولة بسبب الذوبان المتسارع للجليد الذي فقد ثلاثة أرباع حجمه خلال الأربعين عاماً الماضية. ويتنبأ أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ باختفاء الجليد البحري الصيفي بحلول عام 2050. هذه الظاهرة لها تأثيراتها الاقتصادية، فيمكن الآن أكثر من أي وقت مضى الاستغلال الاقتصادي لتلك المنطقة وزيادة أنشطة النقل البحري بها، مما يؤدي لتطور الأنشطة العسكرية للبلدان المطلة على المحيط المتجمد الشمالي وأولئك الذين لديهم مصالح مشروعة هناك، مثل فرنسا.

لذا تسعى الوزارة لتطوير المعرفة الخاصة بالبيئات شديدة البرودة لبرودة وتطوير إجراءات التعاون العسكري مع معظم البلدان المطلة على المحيط المتجمد الشمالي، والمشاركة في التدريبات متعددة الجنسيات، ولا سيما التمرين المشترك للاستجابة للبيئات الباردة والتدريب الجوي، كما أنها تقوم بمناورات منتظمة في تلك المنطقة.

والاستمرار في التكيف مع ساحات الحرب الحارة

في مناطق العالم التي تعاني درجات حرارة عالية، لا سيما في الشرقين الأدنى والأوسط وإفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهندي والمحيط الهادئ، يعد أخذ تغير المناخ في الاعتبار ضرورة أيضاً. تؤثر الزيادة في عدد أيام الحرارة الشديدة على أداء المعدات والقدرات المادية للقوات المنتشرة وتقيد القرار التشغيلي. والجيوش الفرنسية موجودة بزخم في هذه الساحات. فهي تشارك في عمليات في منطقة الساحل والشرق الأوسط على وجه الخصوص، وهي ساحات شديدة المتطلبات من حيث المناخ. 

الاستعداد للمشاركة التشغيلية في البيئات الصعبة للغاية مناخياً

يمكن أن تظهر ساحات جديدة للتوتر الدولي أو تزداد حدتها تحت تأثير عواقب تغير المناخ. فيعتبر الوصول إلى المياه، على وجه الخصوص، عاملاً مسبباً للنمو وله أهمية حاسمة في العديد من المناطق، ولا سيما في الشرقين الأدنى والأوسط، وفي قطاع الساحل والصحراء وجنوب آسيا. يجب أن يؤدي هذا إلى النظر في إمكانية نشوب صراعات مفتوحة تتفاقم بسبب تغير المناخ بالإضافة إلى تداعياتها على فرنسا وأوروبا، مما يؤدي للتدخل في تلك المناطق الذي يتطلب التكيف مع تلك البيئات المناخية شديدة الصعوبة والتي يمكن أن تكون فريسة لضغوط اجتماعية واقتصادية شديدة بسبب الاضطرابات المناخية.

دمج تغير المناخ في نهج القدرة العسكرية

يمكن أن يؤثر تغير المناخ على أداء أو عمر أنظمة الأسلحة. فيمكن على سبيل المثال أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة المتزايدة في مسارح معينة للعمليات إلى إتلاف المحركات أو التشويش على الأجهزة الإلكترونية، والتأثير على قدرة حمل الطائرات ورحلاتها أو تشكل مخاطر على تخزين الذخيرة. يتطلب نشر القوات في الفضاءات القطبية أيضاً تكييف بعض المعدات.

على هذا النحو، تسعى الوزارة لتحديد المخاطر المناخية وتأثيراتها على الظروف التشغيلية من أجل ضمان أداء وموثوقية المعدات والبرامج التكنولوجية وتطوير قدرات مقاتليها لدمج تغير المناخ في نهج القدرة للمعدات ولجنودها. 

الابتكار في التكيف

ومن أمثلة ذلك: 

في الجو: يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى تضخيم تبخر المياه، وقد يكون وجود الغطاء السحابي أكبر وأكثر تواتراً، ويزيد من خطر حدوث تجمد في المرتفعات، مما يشكل مشكلة تتعلق بسلامة الطيران. لا تسمح أنظمة الحماية من الجليد الحرارية أو الهوائية الحالية بتركيبها على الطائرات الخفيفة (طائرات بدون طيار، وطائرات هليكوبتر خفيفة)، مما يحد من مجال استخدامها. تدعم وكالة ابتكار الدفاع (AID) المشاريع البحثية حول التقنيات المبتكرة الأخرى الأكثر اقتصاداً والتي يمكن دمجها لتحسين فعاليتها.

في الأرض: لا تسمح أنظمة الحماية من الجليد الحرارية أو الهوائية الحالية بتركيبها على الطائرات الخفيفة (طائرات بدون طيار، وطائرات هليكوبتر خفيفة)، مما يحد من مجال استخدامها تقوم خدمات الدعم أيضاً بتجربة أنظمة التبريد لتنظيم درجة حرارة تخزين الخلايا والبطاريات التي تستخدمها الأنظمة الموجودة على متن الطائرة والحد من تقادمها.

في البحر: يؤدي تراكم الكائنات الحية الدقيقة على سطح أجسام المباني والذي يتفاقم تحت تأثير تغير المناخ، إلى إبطاء حركة الملاحة نظراً للحاجة للتوقف مراراً في الموانئ للتنظيف. يتمثل التحدي التقني في تطوير دهانات عالية الأداء من أجل الحد من تلك الظاهرة، مع مراعاة الحد من التأثير على النظم البيئية البحرية، وفقاً للوائح الأوروبية الخاصة بمنتجات المبيدات الحيوية.

3. استدامة مساهمة الوزارة في الجهود الجماعية للحدد من الانبعاثات وتحول الطاقة

منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وضعت وزارة القوات المسلحة سياسة تنمية مستدامة، أسفرت عن اتخاذ تدابير قوية فيما يتعلق بحماية البيئة. مع أول استراتيجية وزارية لأداء الطاقة 2012.

وفي عام 2020، تبنت الوزارة استراتيجية الطاقة الدفاعية التي تحترم المعايير البيئية والتي تساهم في السياسات العامة للتنمية المستدامة وانتقال الطاقة مع ضمان عدم الاخلال بقدرات تدخل الجيوش في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن وفي جميع الظروف.

4. خلق ديناميكيات مثمرة من التعاون البيني (بين الوزرات والمؤسسات الوطنية) والدولي

في مواجهة التحدي العالمي لتغير المناخ، لا يمكن أن تكون الاستجابة إلا جماعية والتعاون الدولي هو أولوية للوزارة. ولكي يكون ذلك فعالاً، تطور الوزارة نهجاً شاملاً في داخل الوزارة نفسها بين مؤسساتها المتعددة وهكذا بين الوزارة والوزرات الفرنسية الأخرى لتنسيق متكامل ومستدام. 

ثانياً: أهم ملامح استعداد الجيش الكندي للتغيرات المناخية وتداعياتها

تقوم استراتيجية وزارة الدفاع المتعلقة بمجابهة التغيرات المناخية والحد منها واستهداف الاستدامة في كل ما يتصل بوزارة الدفاع على محورين:    

1. تنسيق الجهود مع الحلفاء: مركز التميز التابع لحلف الناتو لتغير المناخ والأمن على سبيل المثال

على المستوى الوطني، التزمت كندا بالفعل بمراعاة تغير المناخ في أنشطتها الأمنية والدفاعية، على النحو المبين في الوثائق الاستراتيجية مثل وثيقة PSE، وفي استراتيجية الطاقة الدفاعية والبيئة (SEED) واستراتيجية الحكومة الكندية الخضراء التي تسعي للتخفيف من حدة تغير المناخ في المستقبل من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك تلك الصادرة عن قطاع الدفاع. كما تهدف كندا للمساهمة في إيجاد حل عالمي وذلك بمواصلة العمل مع شركائها لمواجهة تحديات المناخ والأمن وعلى رأس الشركاء حلف الناتو الذي تمثل كندا أحد أركانه الرئيسيين.

في هذا السياق وافق الناتو رسمياً في مايو 2022 على اقتراح كندا الرسمي لإنشاء واستضافة مركز الناتو للتميز في مجال تغير المناخ والأمن بمدينة مدينة مونتريال الكندية.  

بصفته الحلف السياسي والعسكري الرائد في العالم، تؤمن بكندا بأن الناتو يمكن له أن يلعب دوراً رئيسياً في معالجة التداعيات الأمنية لتغير المناخ على مرونة المنشآت والمعدات العسكرية، وظروف التشغيل الصعبة أو المعقدة، وتغير طبيعة البيئة الاستراتيجية والجوانب الأخرى المتعددة، التي يفرض تغير المناخ عليها تحديات فريدة مما يؤثر على الجهات العسكرية والوكالات الأمنية المكلفة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

وتخطط وزارة الدفاع الكندية ليعمل مركز التميز بمثابة منصة يمكن من خلالها للفاعلين العسكريين والمدنيين تطوير وتحسين وتبادل المعرفة حول الآثار الأمنية والعسكرية لتغير المناخ.

2. الالتزام باستراتيجية التنمية المستدامة الفيدرالية (FSDA) من خلال استراتيجية وزارة الدفاع الخاصة بالطاقة والبيئة (SEED)

بموجب استراتيجية التنمية المستدامة الفيدرالية (FSDA) التي تهدف لتقييم شفاف بالالتزام بالتنمية المستدامة وخضوع المؤسسات الحكومية للمساءلة القانونية، تقدم وزارة الدفاع الكندية تقريراً دورياً تحت عنوان “نتائج استراتيجية الطاقة الدفاعية والبيئة (SEED)، لعرض التقدم المحرز في تنفيذ استراتيجيتها للتنمية المستدامة (الطاقة والبيئة للدفاع).

 تسعى الوزارة لتكون مستدامة بيئياً، وذلك بحوكمة استهلاكها من الطاقة بشكل أفضل وتقليل بصمتها البيئية عبر مجموعة واسعة من الأنشطة وذلك لتحقيق أربعة أهداف رئيسية: 1. تحسين كفاءة الطاقة 2. دمج التكيف مع تغير المناخ في برامج وزارة الدفاع 3. الوصول لكامل منشآت دفاعية مستدامة 4. تعزيز عمليات الشراء الخضراء للأسلحة والمعدات، وذلك للوصول لأن تكون صافي انبعاثات الوزارة صفراً. رغم إدراك الوزارة أنه لا يزال من الصعب العثور على حلول تكنولوجية ميسورة التكلفة ومتاحة تجارياً لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من العقارات والمعدات العسكرية.

تسعى وزارة الدفاع للتخلص من مواقعها الملوثة للبيئة وفقاً لسياسات تعطي الأولوية للتخلص من المواقع الأكثر خطورة على البيئة. كما تسعى لإدارة المواد الخطرة التي تقتنيها بحكم عملها بعناية طوال دورة حياتها، كما تسعى لتقليل استخدام تلك المواد حيثما أمكن، والبحث عن بدائل أقل خطورة تلبي احتياجات الدفاع.

كما بات من العقيدة الدفاعية الكندية أن تنفيذ مهمة الدفاع يعتمد على الإدارة السليمة للطاقة، وعلى مرونة البنية التحتية الرئيسية لتغير المناخ، والامتثال للمتطلبات التنظيمية البيئية، والإدارة المستدامة للأراضي والموارد للحفاظ على مجتمعات آمنة وصحية. وذلك من خلال دمج اعتبارات الطاقة والبيئة في أعمال وزارة الدفاع وبين العسكريين، بالإضافة إلى ضمان أن عمليات صنع القرار ستستمر بالأخذ في الاعتبار الاستدامة وكفاءة الطاقة.

تهدف استراتيجية وزارة الدفاع الخاصة بالطاقة والبيئة (SEED) إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية التالية: 

1. طاقة أقل إهداراً وأنظف: 

تعتمد القدرة الدفاعية على الطاقة لتشغيل أساطيل ومعدات القوات المسلحة الكندية. إنها ضرورية للجنود وتزود المعسكرات العسكرية، بعضها يقع في بيئات ذات ظروف صعبة أو قاسية تتطلب موارد طاقة كبيرة للغاية. يعمل الدفاع أيضاً ويحافظ على بنية تحتية متنوعة في جميع أنحاء البلاد، حتى أقصى الشمال حتى القطب الشمالي العالي. إن الوصول إلى الطاقة الكافية والموثوقة والميسورة التكلفة عندما وحيثما كانت هناك حاجة إليها هو أمر ضروري لضمان القدرة والاستعداد التشغيلي والاستدامة والاستجابة لفريق الدفاع للوفاء بما هو منوط به.

تهدف الوزارة لتقليل الطلب على الطاقة الدفاعية من خلال ضمان وجود أنظمة وعمليات لقياس الأداء، تحسين كفاءة الطاقة وتدابير توفير الطاقة في جميع جوانب أنشطة الدفاع، التحول إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون وأكثر استدامة، مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.

2. الحد من أخطار تغير المناخ: 

تقييم مخاطر تغير المناخ على برامج الدفاع والبنية التحتية الحيوية والأنشطة التشغيلية وغير التشغيلية والتدريب لضمان استعدادنا للتكيف مع المناخ المتغير.

3. تقليل البصمة البيئية الدفاعية

 تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتأثيرات البيئية الأخرى من مجموعة البنية التحتية وأساطيل ومعدات المركبات التجارية والتشغيلية.

بصفته أكبر مستهلك للطاقة وأكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة في الحكومة الفيدرالية، يلعب الدفاع دوراً رئيسياً في مساعدة حكومة كندا على تحقيق أهدافها المتصلة بمجابهة التغيرات المناخية وتحقيق الاستدامة، وذلك بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة من بنيتها التحتية وأساطيل مركباتها، حيثما أمكن، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. لذا تهدف الوزارة لاستخدام الكهرباء النظيفة بنسبة 100 % بحلول عام 2025 على أبعد تقدير عن طريق توليد الكهرباء المتجددة أو شرائها وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 على أقصى تقدير. 

4. التكيف مع تغير المناخ

يؤثر تغير المناخ في تواتر ومدة وعدد المخاطر والكوارث المتعلقة بالمناخ في كندا وحول العالم، مثل الفيضانات وحرائق الغابات والجفاف والظواهر الجوية الشديدة التي تهدد سلامة الكنديين والبنية التحتية. يجب أن يحافظ الدفاع على القدرة على الاستجابة لمجموعة من حالات الطوارئ، بما في ذلك المشاركة في الاستجابة السريعة للكوارث والمساهمة في عمليات البحث والإنقاذ حسب الحاجة مما يمكن له أن يسفر عن تعقيدات في بيئة الأمن العالمي.

كما تمثل منطقة القطب الشمالي مفترق طرق دولية مهمة حيث تتقاطع القضايا المتعلقة بتغير المناخ والتجارة الدولية والأمن العالمي. أدى تغير المناخ إلى ذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي والمحيط الأطلسي. مما سيؤدي إلى زيادة النشاط في القطب الشمالي، وزيادة الطلب على الأمن والحماية فيه.

نظراً للتأثيرات التي قد يخلفها تغير المناخ على البنية التحتية والعمليات العسكرية وسلامة العسكريين الكنديين، ستتخذ وزارة الدفاع خطوات للتخفيف من هذه المخاطر، منها الإدارة السليمة وصيانة البنية التحتية، سواء كانت القواعد والمنشآت التي يتدرب فيها الجيش وينفذ مهمته، أو شبكة الدعم الواسعة المطلوبة لصيانة وتشغيل المعدات وإسكان العسكريين، واستدامة المرونة في التكيف مع التغيرات المناخية. 

5. دمج الاستدامة في عملية صنع القرار 

بهدف زيادة الاستعداد التشغيلي والمرونة الدفاعية، حيث إن الطاقة والبيئة من الموارد الاستراتيجية التي، عند إدارتها بشكل فعال، تمكن وزارة الدفاع الكندية من القيام بواجبتها واستراتيجياتها في المستقبل.

الخاتمة 

لدى كل من الجيشين الفرنسي والكندي خطط واستراتيجيات طموحة للتحول لجيوش خضراء خلال السنوات القليلة القادمة، ولكن أكثر ما يمثل تحدياً أمام ذلك هو: أولاً عدم توفر أنواع الوقود المتجددة الموثوقة والمنخفضة أو المنعدمة الكربون على نطاق واسع حتى الآن لتشغيل كامل المعدات والمنشآت العسكرية الأساسية التي يحتاجها كلا الجيشين. كما تمثل الأزمات العالمية الاقتصادية منها والأمنية في عالم اليوم عائقاً ثانياً أمام تلك الخطط والاستراتيجيات، حيث إن تكلفة التحول الأخضر للجيوش مكلف لأقصى درجة على المدى القصير وحيث إن التحولات الأمنية المؤثرة في ميزان القوى تتعدد وتعمق. وأمام احتياجات اقتصادية أو أمنية ملحة ربما يتم تثبيط التوجه الأخضر للجيوش. 

الأستاذ الدكتور وائل صالح

خبير بمركز تريندز للبحوث والاستشارات

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض