israel-gaza-iron-dome

استراتيجية‭ ‬الإغراق‭ ‬الصاروخي:‭ ‬التطورات‭ ‬الناشئة‭ ‬والتحديات‭ ‬

تشهد‭ ‬الصناعات‭ ‬والاستراتيجيات‭ ‬العسكرية‭ ‬تطورات‭ ‬مستمرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬وتوفير‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬ممكنة‭ ‬من‭ ‬الحماية‭ ‬والتأمين‭ ‬ضد‭ ‬الأعداء‭ ‬أو‭ ‬الخصوم‭ ‬المنافسين‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬ومن‭ ‬المجالات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬اشتداد‭ ‬حدة‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬هو‭ ‬مجال‭ ‬البرامج‭ ‬الصاروخية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬المخصصة‭ ‬لمواجهتها،‭ ‬والتي‭ ‬شهدت‭ ‬بدورها‭ ‬تطورات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الصناعات‭ ‬والتقنيات‭ ‬المستخدمة‭ ‬فيها،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬استراتيجيات‭ ‬التوظيف،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬النظم‭ ‬الصاروخية‭ ‬هي‭ ‬السلاح‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬المعاصرة‭ ‬بالنظر‭ ‬لدورها‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مراكز‭ ‬القيادة‭ ‬والسيطرة‭ ‬والأهداف‭ ‬الحيوية‭ ‬لدى‭ ‬العدو‭ ‬عن‭ ‬بُعد‭ ‬وتمهيد‭ ‬الساحة‭ ‬لتسهيل‭ ‬مهمة‭ ‬باقي‭ ‬القوات‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية‭.‬

من‭ ‬بين‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬طورتها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬عسكرياً‭ ‬وحتى‭ ‬تلك‭ ‬الأقل‭ ‬تطوراً،‭ ‬واستخدمتها‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬الجماعات‭ ‬والفصائل‭ ‬المسلحة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‭ ‬لتحقيق‭ ‬نجاحات‭ ‬عسكرية‭ ‬باستخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬وصواريخ‭ ‬بدائية‭ ‬ولكنها‭ ‬أثبتت‭ ‬نجاعتها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.  ‬وتسعى‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬ماهية‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬وأهدافها‭ ‬وكيفية‭ ‬عملها،‭ ‬وتطور‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تطوير‭ ‬منظمات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي،‭ ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تطبقها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ولاسيما‭ ‬إيران‭ ‬والقوى‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭.‬

أهداف«الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬

تقوم‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ (‬MISSILE DUMPING‭) ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬مرة‭ ‬واحدة،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬بالدفعات‭ ‬الصاروخية،‭ ‬لإغراق‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭ ‬لدى‭ ‬الخصم‭ ‬أو‭ ‬العدو،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬اعتراض‭ ‬كل‭ ‬الصواريخ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إحداث‭ ‬اختراق‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬دفاعات‭ ‬العدو‭ ‬وإصابة‭ ‬الأهداف‭ ‬الحيوية‭ ‬المراد‭ ‬تدميرها‭.‬

وتستخدم‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأغلب‭ ‬ضد‭ ‬خصم‭ ‬أو‭ ‬عدو‭ ‬لديه‭ ‬منظومات‭ ‬متطورة‭ ‬مضادة‭ ‬للصواريخ،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬أن‭ ‬تُسقط‭ ‬جميع‭ ‬الصواريخ‭ ‬المهاجمة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬نسبة‭ ‬إصابتها‭ ‬للأهداف‭ ‬مائة‭ ‬بالمائة؛‭ ‬نظراً‭ ‬لكثافة‭ ‬النيران‭ ‬وعدم‭ ‬كفاية‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬لاعتراض‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬المهاجمة‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭. ‬كما‭ ‬تُستخدم‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬إصابة‭ ‬هدف‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تمتلك‭ ‬صواريخ‭ ‬بالدقة‭ ‬الكافية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬من‭ ‬إصابة‭ ‬الهدف‭ ‬المطلوب‭.‬

فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬تستهدف‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬تضليل‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭ ‬للخصم،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬تعددت‭ ‬منصات‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬المستخدمة‭ ‬وتنوعت‭ ‬مدياتها‭ ‬وتم‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬هدفاً‭ ‬للهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬بهدف‭ ‬تدميرها‭ ‬أو‭ ‬تحييدها‭ ‬بشكل‭ ‬يسهل‭ ‬استكمال‭ ‬قصف‭ ‬المنشآت‭ ‬والمرافق‭ ‬الحيوية‭ ‬والحساسة‭.‬

كفاءة‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي

منذ‭ ‬إطلاق‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬لأول‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬عام‭ ‬1943‭ (‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭) ‬واستخدام‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬بكثافة‭ ‬ضد‭ ‬بريطانيا‭ ‬وباقي‭ ‬الحلفاء،‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬تطورات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬منظومات‭ ‬الصواريخ‭ ‬الحربية‭ ‬وتلك‭ ‬المضادة‭ ‬لها‭. ‬وتركزت‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق،‭ ‬اللذين‭ ‬طورا‭ ‬قدراتهما‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬والتي‭ ‬تمكنا‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬الفضاء،‭ ‬وإطلاق‭ ‬حرب‭ ‬النجوم،‭ ‬وكذلك‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬المتطورة،‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬غالبية‭ ‬جيوش‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬سباق‭ ‬المنافسة‭ ‬مؤخراً‭.‬

ويتصدر‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬خمس‭ ‬دول‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي،‭ ‬وهي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والهند‭. ‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭: ‬

‮١‬‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأرضي‭ ‬GBMD‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬البالستية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬مخصص‭ ‬لحماية‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭. ‬

‮٢‬‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬أيجيس‮»‬‭ ‬للدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬البحري،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬مجموعة‭ ‬منصات‭ ‬إطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬وأجهزة‭ ‬رادار‭ ‬يتم‭ ‬تنصيبها‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬والمدمّرات‭ ‬الحربية‭.‬‭ ‬ويستهدف‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الصواريخ‭ ‬‮«‬التكتيكية‮»‬‭ ‬القصيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬المدى‭. ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬حلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭.‬

‮٣‬‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬‮«‬باتريوت‭ ‬PAC-3‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬استخدامه‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬،‭ ‬ويوجد‭ ‬حالياً‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬حلفاء‭ ‬واشنطن‭ ‬مثل‭: ‬ألمانيا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬واليونان‭ ‬ورومانيا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وتايوان‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬والكويت‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬مخصص‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬قصيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬المدى‭.‬

‮٤‬‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬ثاد‮»‬‭ ‬الدفاعي‭ ‬THAAD،‭ ‬المخصص‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬القصيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬كيلومتر‭ ‬خارج‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭.‬

روسيا‭:‬

‮١‬‭ ‬منظومة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والدرع‭ ‬الصاروخية‭ ‬‮«‬إس–‭ ‬500‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬منظومة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬والصواريخ‭ ‬فرط‭ ‬الصوتية،‭ ‬كما‭ ‬بمقدورها‭ ‬تعقب‭ ‬طائرات‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬حتى‭ ‬800‭ ‬كيلومتر‭ ‬وإصابة‭ ‬الأهداف‭ ‬بصواريخ‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬600‭ ‬كيلومتر‭.‬

‮٢‬‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬إس‭- ‬400‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬مكافئة‭ ‬لنظام‭ ‬ثاد‭ ‬الأمريكي‭. ‬وتستخدم‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬طيفاً‭ ‬واسعاً‭ ‬من‭ ‬الصواريخ،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬نظاماً‭ ‬متعدد‭ ‬المهام،‭ ‬وبمقدورها‭ ‬تدمير‭ ‬الطائرات‭ ‬الشبحية‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬بعيدة‭ ‬وتوجيه‭ ‬160‭ ‬صاروخاً‭ ‬وتدمير‭ ‬حتى‭ ‬80‭ ‬هدفاً‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭.‬

‮٣‬‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬إس‭- ‬300‮»‬‭ ‬المكافئة‭ ‬لنظام‭ ‬‮«‬باتريوت‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأنظمة‭ ‬انتشاراً‭ ‬لدى‭ ‬جيوش‭ ‬العالم،‭ ‬وأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬في‭ ‬اعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬منخفضة‭ ‬تصل‭ ‬حتى‭ ‬60‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬وبمدى‭ ‬يصل‭ ‬لأربعة‭ ‬كيلومترات‭. ‬وتتضمن‭ ‬الكتيبة‭ ‬الواحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬راداراً‭ ‬بعيد‭ ‬المدى‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الأهداف‭ ‬المعادية،‭ ‬وعربة‭ ‬قيادة‭ ‬لتحليل‭ ‬البيانات،‭ ‬و6‭ ‬عربات‭ ‬تعمل‭ ‬كمنصات‭ ‬إطلاق‭ ‬للصواريخ‭ (‬كل‭ ‬عربة‭ ‬تحمل‭ ‬6‭ ‬صواريخ‭) ‬وراداراً‭ ‬قصير‭ ‬المدى‭ ‬يقوم‭ ‬لتتبع‭ ‬الأهداف‭ ‬وتوجيه‭ ‬الصواريخ‭ ‬نحوها‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذه‭ ‬المنظومة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬24‭ ‬طائرة‭ ‬أو‭ ‬16‭ ‬صاروخاً‭ ‬باليستياً‭ ‬حتى‭ ‬مسافة‭ ‬250‭ ‬كيلومتراً‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭.‬

وبالإضافة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬اللتين‭ ‬تتصدران‭ ‬سباق‭ ‬التنافس‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخية،‭ ‬توجد‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬تشهد‭ ‬تطورات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬مثل‭:‬

الصين‭:‬

نجحت‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬منظومة‭ ‬HQ-9B‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬نموذجاً‭ ‬مطوراً‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬إس‭ ‬–‭ ‬300‭ ‬بي‭ ‬إم‭ ‬أو‭ ‬–‭ ‬2‮»‬‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تصنيعها‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينات‭. ‬وبمقدورها‭ ‬تدمير‭ ‬الأهداف‭ ‬الجوية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬250‭ ‬كيلومتراً‭. ‬أما‭ ‬صواريخها‭ ‬فتحلق‭ ‬بسرعة‭ ‬4‭.‬2‭ ‬ماخ‭ ‬وتمتلك‭ ‬أنظمة‭ ‬للتوجيه‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬الدقة‭. ‬

الهند‭:‬

‭ ‬تمتلك‭ ‬نظامين‭ ‬للدفاع‭ ‬هُما‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬بريتفي‮»‬‭ ‬للدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬PAD،‭ ‬والمخصصة‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬إلى‭ ‬80‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬ومنظومة‭ ‬دفاع‭ ‬الجو‭ ‬AAD،‭ ‬والمخصصة‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬منخفضة‭ ‬حتى‭ ‬30‭ ‬كيلومتراً‭ ‬على‭ ‬الأكثر،‭ ‬وهما‭ ‬أقل‭ ‬تطوراً‭ ‬وإمكانيات‭ ‬من‭ ‬نظرائهما‭ ‬لدى‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭.‬

إسرائيل‭:‬

‮١‬‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭:‬‭ ‬وهي‭ ‬منظومة‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬تكتيكية‭ ‬صممتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى،‭ ‬وقد‭ ‬ذاع‭ ‬صيتها‭ ‬أثناء‭ ‬الحروب‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬حماس‭ ‬واعتراضها‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬دولاً‭ ‬عدة‭ ‬لطلب‭ ‬شرائها‭. ‬وفي‭ ‬فبراير‭ ‬2020،‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬إجراء‭ ‬تجربة‭ ‬ناجحة‭ ‬لنسخة‭ ‬حديثة‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭.‬

‮٢‬‭ ‬منظومة‭ ‬مقلاع‭ ‬داوود‭: ‬وهي‭ ‬منظومة‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬مصممة‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬متوسطة‭ ‬المدى‭ ‬وتم‭ ‬تطويرها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وتستطيع‭ ‬التصدي‭ ‬لصواريخ‭ ‬يتراوح‭ ‬مداها‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬كلم،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬ترسانة‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬أو‭ ‬طائرات‭ ‬أو‭ ‬صواريخ‭ ‬كروز‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬منخفضة‭.‬‭ ‬ولا‭ ‬تمتلك‭ ‬تلك‭ ‬المنظومة‭ ‬ميزة‭ ‬تعدد‭ ‬المهام‭ ‬والقابلية‭ ‬للحركة‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬المنظومات‭ ‬الروسية،‭ ‬لكنها‭ ‬تمتلك‭ ‬ميزة‭ ‬مهمة‭ ‬أخرى‭ ‬وهي‭ ‬استخدامها‭ ‬لنظامي‭ ‬التوجيه‭ ‬الراداري‭ ‬والبصري‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬التقاط‭ ‬الهدف‭ ‬ومرافقته‭ ‬بفاعلية‭ ‬فائقة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬صواريخها‭ ‬تتميز‭ ‬بدقة‭ ‬عالية‭.‬

‮٣‬‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬آرو‮»‬‭: ‬وتتصدى‭ ‬للصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬والصواريخ‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬وتم‭ ‬تصميمها‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وأحدث‭ ‬طرازاتها‭ ‬‮«‬آرو‭ -‬‭ ‬3‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬يصل‭ ‬مدى‭ ‬صواريخها‭ ‬إلى‭ ‬2400‭ ‬كلم‭.‬

والسؤال‭ ‬المطروح‭ ‬هنا‭: ‬

هل‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬الدفاعية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬بفاعلية‭ ‬مع‭ ‬استراتيجية‭ ‬الإغراق‭ ‬الصاروخي؟‭ ‬تشير‭ ‬الوقائع‭ ‬والأحداث‭ ‬إلى‭ ‬استحالة‭ ‬إقامة‭ ‬درع‭ ‬وقاية‭ ‬يحمي‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية،‭ ‬وذلك‭ ‬لعدة‭ ‬عوامل‭ ‬منها‭:‬

‮١‬‭ ‬أكثر‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬القائمة‭ ‬حالياً‭ ‬تستطيع‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬العشرات‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬إطلاق‭ ‬كم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬يتجاوز‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬سيعني‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬إصابة‭ ‬الأهداف‭ ‬المتوخاة،‭ ‬لأن‭ ‬بعضها‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬اعتراضه‭.‬

‮٢‬‭ ‬تطور‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬والجوي‭ ‬يدفع‭ ‬الدول‭ ‬والقوى‭ ‬المنافسة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬الصاروخية‭ ‬وتكثيف‭ ‬هجماتها‭ ‬الصاروخية‭ ‬لتعوض‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬ستنجح‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدفاعية‭ ‬في‭ ‬اعتراضها‭ ‬وإسقاطها،‭ ‬بحيث‭ ‬تتمكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬حائط‭ ‬الحماية‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬الدفاعية‭.‬

‮٣‬‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬تلجأ‭ ‬عادة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬صواريخ‭ ‬محلية‭ ‬بدائية‭ ‬أو‭ ‬قليلة‭ ‬التكلفة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬المتطورة‭ ‬لاعتراض‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬يتم‭ ‬بتكلفة‭ ‬عالية‭ ‬جداً،‭ ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬استنزاف‭ ‬القدرات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للطرف‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬صواريخ‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬300‭ ‬و500‭ ‬و800‭ ‬دولار‭ ‬لكل‭ ‬صاروخ،‭ ‬بينما‭ ‬تتراوح‭ ‬تكلفة‭ ‬صواريخ‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬التي‭ ‬تعترضها‭ ‬بين‭ ‬50‭ – ‬100‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭. ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لصواريخ‭ ‬‮«‬باتريوت‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬ثمن‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭.‬

‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬في‭ ‬إيران‭:‬

تمثل‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬إحدى‭ ‬أوراق‭ ‬التهديد‭ ‬التي‭ ‬تلوح‭ ‬بها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصومها‭ ‬وأعدائها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬بالجديد،‭ ‬ففي‭ ‬أكتوبر‭ ‬2007،‭ ‬قال‭ ‬الجنرال‭ ‬محمود‭ ‬شاهارباجي،‭ ‬قائد‭ ‬مجموعة‭ ‬الصواريخ‭ ‬داخل‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬إن‭ ‬‮«‬إيران‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬11‭ ‬ألف‭ ‬صاروخ‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬العدو‭ ‬خلال‭ ‬الدقيقة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬تعرضها‭ ‬لأي‭ ‬هجوم‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قدرات‭ ‬إيران‭ ‬الصاروخية‭ ‬ليست‭ ‬متطورة‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فإن‭ ‬طهران‭ ‬تعتمد‭ ‬استراتيجية‭ ‬الكم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنتاج‭ ‬وتخزين‭ ‬ترسانة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬قصيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬وبعيدة‭ ‬المدى‭ ‬والتي‭ ‬يصل‭ ‬بعضها‭ ‬لنحو‭ ‬ألفي‭ ‬كيلومتر،‭ ‬بحيث‭ ‬تستخدم‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬عند‭ ‬الضرورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استهداف‭ ‬قواعد‭ ‬خصومها‭ ‬بكم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬يصعب‭ ‬اعتراضها‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬والجوي‭. ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬كفاءة‭ ‬ودقة‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬ترسانتها‭. ‬وضمن‭ ‬سعيها‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لجأت‭ ‬طهران‭ ‬إلى‭ ‬تزويد‭ ‬حلفائها‭ ‬الإقليميين‭ ‬الموالين‭ ‬لها،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬و»الحوثيين‮»‬‭ ‬وحركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬وربما‭ ‬بعض‭ ‬الميليشيات‭ ‬الشيعية‭ ‬العراقية‭ ‬الموالية‭ ‬لها،‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬لتقوم‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬بدور‭ ‬الداعم‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة،‭ ‬بحيث‭ ‬تتعدد‭ ‬منصات‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬وتغطي‭ ‬أكبر‭ ‬مساحة‭ ‬ممكنة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬الموالية‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هجمات‭ ‬عسكرية‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬تعتبرهم‭ ‬إيران‭ ‬خصومها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬برز‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭.‬

‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬صواريخ‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭:‬

نجحت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬رافائيل‮»‬‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحكومية‭ ‬المحدودة‭ ‬لأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬نظام‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬يستطيع‭ ‬اعتراض‭ ‬صواريخ‭ ‬‮«‬الكاتيوشا‮»‬‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬والفصائل‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتم‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬بطاريات‭ ‬أخرى‭ ‬منه‭ ‬خصوصاً‭ ‬قرب‭ ‬مدينتي‭ ‬عسقلان‭ ‬وأشدود‭ ‬وجنوب‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭ ‬وقرب‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬نتيفوت‮»‬‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬20‭ ‬كيلومتراً‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬غزة‭.‬

وتعمل‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تتبع‭ ‬المقذوفات‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬القادمة‭ ‬بواسطة‭ ‬رادار،‭ ‬ثم‭ ‬تحليل‭ ‬البيانات‭ ‬حول‭ ‬منطقة‭ ‬السقوط‭ ‬المحتملة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وحدة‭ ‬التحكم،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬أشارت‭ ‬نتيجة‭ ‬التحليل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصاروخ‭ ‬سيصيب‭ ‬هدفاً‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬مأهولة‭ ‬فإن‭ ‬منظومة‭ ‬التحكم‭ ‬ترسل‭ ‬إشارة‭ ‬أوامر‭ ‬إلى‭ ‬القاذفة‭ ‬لإطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬للاعتراض‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تجهيز‭ ‬كل‭ ‬بطارية‭ ‬برادار‭ ‬كشف‭ ‬وتتبع،‭ ‬ونظام‭ ‬تحكم‭ ‬بالإطلاق‭ ‬و3‭ ‬قاذفات‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬تحمل‭ ‬20‭ ‬صاروخاً‭.‬

وقد‭ ‬نجحت‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وإصابة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬والمدن‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬حيث‭ ‬أطلقت‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬والفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حوالي‭ ‬3000‭ ‬صاروخ‭ ‬خلال‭ ‬8‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬باتجاه‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬وإصابة‭ ‬العشرات،‭ ‬كما‭ ‬وصلت‭ ‬لأهداف‭ ‬بعيدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الحساب‭ ‬سابقاً،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬الجدل‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬حول‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التكلفة‭ ‬العالية‭ ‬التي‭ ‬تتكبدها‭ ‬إسرائيل‭ ‬للتصدي‭ ‬لصواريخ‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬البدائية‭ ‬قليلة‭ ‬التكلفة‭. ‬

خاتمة‭:‬

خلصت‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬ناشيونال‭ ‬إنترست‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تقييمها‭ ‬لإخفاق‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬صواريخ‭ ‬الفصائيل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬الأخيرة‭ ‬للقول‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬نظام‭ ‬دفاع‭ ‬صاروخي،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬متقدماً،‭ ‬يتمتع‭ ‬بحصانة‭ ‬كاملة‭ ‬ضد‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬المكثفة،‭ ‬وهذه‭ ‬الخلاصة‭ ‬تؤكد‭ ‬بمفهوم‭ ‬المخالفة‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإغراق‭ ‬الصاروخي‮»‬‭ ‬هي‭ ‬استراتيجية‭ ‬فاعلة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬طبقتها‭ ‬دول‭ ‬أو‭ ‬جماعات‭ ‬مسلحة،‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬توافر‭ ‬لديها‭ ‬ترسانة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تطورها،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يشجع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭ ‬واللجوء‭ ‬إليها‭ ‬مستقبلاً‭ ‬كإحدى‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الخصم‭ ‬وإرباك‭ ‬دفاعاته‭ ‬الاستراتيجية‭.‬●

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض