كشفت الصين مؤخراً عن سلاح اعتراضي جديد مضاد للطائرات المسيرة، وهو نظام «ستارة الرصاص» Bullet Curtain، القادر على مواجهة أحد أصعب التهديدات التي أفرزتها الحروب الحديثة، والتي تتمثل في الطائرات المسيرة التي تحلق على ارتفاعات منخفضة، ويعد هذا النظام الجديد منصة دفاعية نهائية تنطوي على جدار من الرصاص، الأمر الذي يعكس تحولاً في الاستراتيجية العسكرية الصينية نحو أنظمة الرد السريع وكثيفة العدد، والتي تركز على القوة النارية لردع التهديدات الجوية المتزايدة، كما أنها تشكل قفزة نوعية في تكنولوجيا الدفاع الجوي قصير المدى، وبالتالي يثير هذا النظام العديد من التساؤلات بشأن تداعياته على مستقبل الحروب الحديثة.
ماهية وقدرات نظام «ستارة الرصاص» الصيني
أعلنت الصين عن تطويرها نظاماً جديداً، يسمى نظام «ستارة الرصاص» Bullet Curtain، وهو سلاح جديد متعدد الفوهات، يطلق عليه أيضاً اسم «العاصفة المعدنية»، وهو عبارة عن جدار من المقذوفات عالية السرعة، يستهدف بالأساس اعتراض وتدمير الطائرات المسيرة، بل إن هناك بعض التقديرات ألمحت إلى أن النظام الصيني الجديد قادر على مواجهة العديد من التهديدات الجوية الأخرى، بما في ذلك الطائرات المقاتلة وصواريخ كروز وقذائف الهاون، وحتى الصواريخ الأسرع من الصوت، والتي تتجاوز سرعتها 7 ماخ، الأمر الذي قد يشكل تحولاً استراتيجياً في السباق الدولي الراهن بشأن حماية السفن الحربية من التهديدات فائقة السرعة.
ويستخدم نظام «ستارة الرصاص» الصيني براميل محملة مسبقاً، بالإضافة لتقنية إشعال إلكتروني، وذلك بهدف تنسيق وابل معقد من الذخائر خلال ميكروثانية. لكن تظل الميزة الأهم للنظام الصيني الجديد هي السبطانة (Canon) عيار 35 ملم والمجتمعة بإحكام، حيث يتكون النظام من 16 سبطانة، وهي مصممة لإطلاق ذخيرة بمعدل إطلاق يبلغ 400 ألف طلقة في الدقيقة، وهو معدل يتفوق بحوالي عشر مرات على أنظمة دفاع المنطقة (CIWS) القائمة حالياً، على غرار نظام (1130) الصيني، وبالتالي، يقوم النظام الصيني الجديد بإطلاق قذائف من عيار 35 ملم، تنفجر في الهواء مطلقةً مئات المقذوفات الأصغر حجماً، ما يجعلها تشكل ستارة واسعة قادرة على تحييد كافة التهديدات في منطقة الهدف، كما يتميز هذا النظام الجديد بقدرة عالية على الاستجابة لبيئات التهديد المتغيرة، وذلك من خلال دمج نظام الكشف البصري والرادار ونظام التحكم التكيفي في إطلاق النار.
تجدر الإشارة إلى أن نظام «ستارة الرصاص» يرتكز على جذور أسترالية، من خلال رؤية شركة «ميتال ستورم» الأسترالية، والتي كان قد أسسها «مايك أودواير» في تسعينات القرن الماضي، وقد حاولت الشركة الأسترالية تطوير نظام «العاصفة المعدنية»، وهو عبارة عن مقذوفات مركبة تُشعل إلكترونياً في براميل متعددة، بغية الوصول إلى معدلات إطلاق تبلغ حوالي مليون طلقة في الدقيقة، لكن الشركة فشلت في تحقيق هذا الهدف، حتى أنها أفلست في عام 2012. ورغم ذلك أثارت فكرتها بشأن هذا النظام اهتماما أمريكياً وصينياً متزايداً، لكن يبدو أن الصين نجحت في حسم هذا السباق لصالحها، وذلك من خلال شركة «نورينكو» للدفاع الحكومي، والتي أعادت إحياء رؤية نظام «العاصفة المعدنية» وطورتها بشكل كبير، حيث تشير بعض التقارير الغربية إلى أن النظام الصيني الجديد يتفوق على النموذج الأسترالي المقترح بعشرة أضعاف سرعة الإطلاق والمرونة التكتيكية، ويمكن دمج هذا النظام ضمن العديد من المنصات، بما في ذلك السفن الحربية والمركبات المدرعة، ناهيك عن المنشآت العسكرية الثابتة، ما يعني إمكانية النشر السريع عبر وحدات مختلفة من الجيش الصيني، ومن ثم تغطية الدفاع الجوي بما يتماشى مع بيئات عملياتية متنوعة.
وقد كشفت بعض التقارير الغربية أن نظام «ستارة الرصاص» الصيني الجديد قد تجاوز فعلياً مرحلة النموذج الأولي، بل ودخل في مرحلة الإنتاج الضخم، ما يعني أن الجيش الصيني ربما يستعد حالياً لبدء نشره على نطاق واسع، ويتسق هذا الطرح مع بعض التقديرات التي تشير إلى أن بكين في طريقها لبدء تصدير نظامها الجديد خلال الفترة المقبلة.
التحول نحو منهج اعتراض «طائرة إلى نقطة»
يتسم نظام «ستارة الرصاص» بمنهجية اعتراض مغايرة عن الأنظمة التقليدية، فبينما تركز الأخيرة على استهداف المقذوفات القادمة مباشرةً، يعتمد النظام الصيني الجديد على منهجية اعتراض «الطائرة إلى النقطة» plane-to-point، والتي تعمل على إغراق المسار المتوقع للتهديد باستخدام قوة نيران كثيفة تشكل جداراً من المقذوفات التي تغطي الأهداف القادمة بقوة نيران متداخلة، الأمر الذي يعزز فرص نجاح النظام في اعتراض المقذوفات، لا سيما في التعامل مع التهديدات الحديثة، كأسراب الطائرات المسيرة، والتي صممت بالأساس لإغراق أنظمة الدفاع النقطية، وكذا الأسلحة الأسرع من الصوت، والتي تتجاوز سرعتها أغلب الصواريخ الاعتراضية التقليدية.
بالإضافة لذلك يتميز النظام الصيني الجديد بميزة استراتيجية تتعلق بإعادة إمداد الذخيرة، فعلى عكس التعبئة التقليدية التي تتسم بالبطء الشديد، ومن ثم تعطيل عملية مواصلة العمليات، طور المهندسون الصينيون نظاماً لتخزين الذخائر في حاويات، تشكل كل حاوية وحدة قابلة للاستخدام مرةً واحدة من السبطانة المحملة مسبقاً، وبمجرد استهلاكها، يتم قذف كافة المجموعة واستبدالها بأخرى جديدة، الأمر الذي يعني تقليل وقت إعادة التعبئة إلى ثوانٍ محدودة بدلاً من دقائق، ومن ثم دعم قدرة النظام على القتال ومواجهة هجوم مستمر.
ويعكس نظام «ستارة الرصاص» تحولاً نسبياً في العقيدة الدفاعية الصينية، حيث من خلال تبني قناعات مفادها أن أنظمة الاعتراض الصاروخية، رغم فاعليتها، لا يمكنها الاستمرار في صد هجمات مكثفة ومتواصلة، خاصةً في ظل التكلفة العالية للصاروخ ومحدودية عددها، بيد أن النظام المدفعي الجديدة يمكنه إطلاق النار بتكلفة محدودة وبدرجة استمرارية أكبر.
وبالتالي، يشكل نظام «ستارة الرصاص» الصيني أول نظام مضاد للطائرات المسيرة قريب المدى في العالم، يمكنه تحقيق تدمير شامل لأسراب المسيرات خلال وقت قصير، حيث يوفر نظام القصف المزود به السلاح الصيني الجديد معدل إطلاق ناري غير مسبوق، مع قدرة على الحفاظ على سرعة إعادة التعبئة.
تربط بعض التقديرات نظام «ستارة الرصاص» الصيني الجديد بنظام «فالانكس» (Phalanx) الأمريكي، ويعد الأخير نظاماً آلياً مصمماً بالأساس لمواجهة التهديدات القريبة، ويعتمد أيضاً على منهجية اعتراض «الطائرة إلى الهدف»، وهو أحد نماذج أنظمة دفاع المنطقة (CIWS)، يستطيع إطلاق 4500 طلقة في الدقيقة، لكنه لا يعتبر نظام ستارة، بل يستخدم الرادار لتحديد الأهداف وتتبعها عبر استخدام مدفع رشاش، ورغم ذلك لا يزال استخدام هذا النظام محدوداً ضد التهديدات الناشئة كالطائرات المسيرة.
كيف يتميز نظام «ستارة الرصاص» عن الأنظمة التقليدية لمواجهة الطائرات المسيرة؟
يتماشى النظام الصيني الجديد مع أنواع مختلفة من القذائف عيار 35 ملم، بما في ذلك قذائف (AHEAD) القابلة للبرمجة والانفجار الجوي، حيث يمكن برمجة هذه القذائف للانفجار في نقطة محددة في الفضاء، وإطلاق قذائف فرعية، الأمر الذي يعزز من فرص إصابة الأهداف الأصغر، كالمسيرات، وكذا الأسرع والأكثر قدرة على المناورة. وبالتالي يشكل هذا النظام رادعاً قوياً ضد الضربات عالية السرعة وغير المأهولة، لا سيما مع التحولات اللافتة في العقيدة العسكرية العالمية التي أحدثتها المسيرات خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يتجلى بوضوح في الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي شهدت انتشاراً واسعاً للطائرات المسيرة، ما خلق حاجة ملحة لتطوير قدرات أكثر فاعلية مضادة لهذه المسيرات. فقد أثبتت هذه الحرب انخفاض فاعلية أنظمة الحرب الإلكترونية التقليدية في مواجهة الطائرات المسيرة، حيث طورت موسكو وكييف حلولاً بديلة لمقاومة تشويش أنظمة الحرب الإلكترونية، على غرار تطوير المسيرات التي تعمل بكابلات الألياف الضوئية. وبالتالي، تتطلع الصين للدروس المستفادة من هذه الحرب لاستباق التقنيات الدفاعية.
وكذا الحال بالنسبة للتوترات المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وبشكل أكثر تحديداً في مضيق تايوان، فمن ناحية، عمدت الولايات المتحدة إلى تعزيز حضورها هناك من خلال نشرها العديد من المسيرات المتطورة، على غرار (MQ-4C Triton) و(MQ-9B Reaper). وكانت عمليات المحاكاة التي أجرتها القوات الجوية الأمريكية ومؤسسة راند قد عكست الدور الحاسم لأسراب الطائرات المسيرة في سيناريوهات الدفاع عن تايوان، من خلال دورها كأجهزة استشعار وأجهزة تشويش، مع قدرتها على استنزاف الدفاعات الجوية للصين، مع إتاحتها المجال للطائرات المأهولة، كمقاتلات F35 القيام بعمليات خفية.
ومن ناحية أخرى، تدفع تايوان نحو دعم قدراتها الخاصة بالحروب غير المتكافئة اعتماداً على توسيع إنتاجها من الطائرات المسيرة، حيث تسعى وزارة الدفاع التايوانية إلى إنتاج نحو 3500 طائرة مسيرة محلية خلال الفترة المقبلة، كما تستعد تايبيه لإنشاء مركز جديد لاختبار وتطوير الطائرات المسيرة في مقاطعة تشيايي، بهدف تسريع عملية الابتكار وتهيئة سلسلة التوريد، وتضفي هذه السياقات المتشابكة ميزة استراتيجية لنظام «ستارة الرصاص» الصيني الجديد، إذ يفترض أن يتمكن هذا النظام من تحييد أسراب الطائرات المسيرة، وكذا المقذوفات السريعة والأكثر قدرة على المناورة، بشكل أسرع.
وفي هذا الإطار، صورت بعض التقديرات الفرق بين الأنظمة التقليدية والنظام الصيني الجديد في مواجهة أسراب الطائرات المسيرة بمحاولة استهداف ذبابة، فبينما تشبه طريقة الدفاع الجوي التقليدي في الاعتراض رمي هذه الذبابة بالحجارة المتتالية، أصبح نظام الاعتراض في نظام «ستارة الرصاص» الصيني أشبه برميها بمضرب ذباب يغطي كامل المنطقة التي يمكن أن تتحرك فيها، ما يعني توفير مظلة كاملة قادرة على صد هجوم مكثف.

إعادة صياغة المفهوم التقليدي لأنظمة الدفاع الجوي
يمكن للنظام الصيني الجديد أن يعيد صياغة المفهوم التقليدي لأسلحة الدفاع الجوي، فعلى عكس أنظمة الدفاع التقليدية القائمة على صواريخ اعتراضية تستهدف القضاء على التهديدات المتتالية، والتي يمكن استنزافها بشكل كبير من خلال موجات من المسيرات أو باستخدام وابل من الصواريخ، في المقابل، يتبنى النظام الصيني الجديد مبدأ «النيران الكثيفة» بدلاً من «الضربات الدقيقة» والاشتباك الانتقائي، حيث يعمل النظام الجديد على إغراق المجال الجوي بقوة نارية هائلة تمنع التهديدات من الدخول في هذا المجال.
وفي هذا السياق، رجحت العديد من التقارير الغربية أن تشهد الحروب المستقبلية اعتماداً مكثفاً على الطائرات المسيرة، وبالتالي يمكن أن تشهد هذه الحروب إطلاق آلاف المسيرات على هدف مشترك بطريقة منسقة، ما يجعل من الصعب على الدفاعات الجوية التقليدية اعتراض كافة الطائرات المسيرة المهاجمة.
لكن، تشكل عملية اعتراض الطائرات المسيرة إشكالية معقدة بالنسبة للمدفعية، وبينما أظهرت الدفاعات الجوية التقليدية فاعلية نسبية في مواجهة الطائرات المسيرة الفردية، فالدفاعات الجوية التقليدية للصين، على غرار صاروخ أرض جو (HQ-17) والمدفعية المضادة للطائرات (PGZ-95)، يمكنها استهداف أنواع محددة من المركبات الجوية غير المأهولة، لكنها تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع المسيرات منخفضة الارتفاع. كما أن أسراب المسيرات يصعب اعتراضها من قبل هذه الدفاعات التقليدية، فحتى إذا تم تحييد بعض المسيرات، إلا أن بعضها الآخر سيخترق على الأغلب الدفاعات ويصيب الأهداف المحددة، ومن هذا المنطلق يشكل نظام «ستارة الرصاص» الصيني قفزة نوعية في تكنولوجيا مكافئة أسراب الطائرات المسيرة.
وبالتالي، يمكن لنظام «ستارة الرصاص» الصيني أن يوفر دفاعاً جوياً قصير المدى للمدمرات والفرقاطات والسفن السطحية في المناطق البحرية المتنازع عليها، فبمقدورها توفير مدى فعال يبلغ حوالي ٣-٥ كيلومترات، ما يجعله مناسباً بشكل خاص لاعتراض التهديدات سريعة المناورة التي تستطيع الافلات من أنظمة الصواريخ طويلة المدى، وكذا الصواريخ التي تحلق فوق سطح البحر، خاصةً في ظل تنامي استخدام تكتيكات الصواريخ منخفضة الارتفاع. وبالتالي يوفر النظام الصيني الجديد منطقة آمنة قصيرة المدى للسفن، ما يجعلها قادرة على مواجهة عدة تهديدات قريبة في نفس الوقت.
كذا، تشير التقديرات إلى إمكانية دمج النظام الصيني الجديد أيضاً في الوحدات الأرضية المتنقلة، وكذا المنشآت الثابتة كالقواعد العسكرية وغيرها من البنى التحتية الاستراتيجية، ما يوفر منصة دفاعية واسعة النطاق وأكثر تكاملاً، الأمر الذي يمكن أن يعيد توازنات القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما يتوقع أن تكون له انعكاسات أوسع نطاقاً في الحروب المستقبلية والعقائد الهجومية للقوى المتنافسة.
وبالتالي، يوفر هذا النظام حلاً اقتصادياً لمشكلة مواجهة الطائرات المسيرة المكلفة والأكثر تعقيداً، من خلال الاعتماد على رصاصات رخيصة بدلاً من الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن التي تستخدمها أنظمة الدفاع الجوي التقليدية. وربما يساعد هذا الأمر في قدرة الصين على تسويق هذا النظام كبديل لأنظمة الدفاع الجوي التقليدية باهظة الثمن بالنسبة لكثير من الدول، لا سيما النامية. ورغم ذلك، ينطوي هذا النظام الصيني على عدد من التحديات الرئيسية، فالاستخدام الكثيف للذخيرة على سبيل المثال ربما يتمخض عنه أعباء لوجستية خلال المواجهات الممتدة. ومن ناحية أخرى، تتركز فاعلية النظام على التهديدات الجوية التي تحلق على ارتفاع منخفض أو متوسط، ومن ثم يتوقع أن يتم إلحاقه كجزء من منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات، وليس كنظام مستقل، وذلك بغية تعزيز فاعليته في تحقيق الأهداف.
وفي الختام، يتسق نظام «ستارة الرصاص» مع التحركات الصينية المتنامية نحو الحرب الذكية، والعمل على تعزيز قدراتها القتالية الذكية استعداداً للحروب مستقبلية، ومحاولة حسم التنافس التكنولوجي الراهن، ودمج هذه التقنيات ضمن استراتيجيتها الدفاعية والتي تستهدف التحول لقوة عظمى رائدة. كذا، يتوقع أن يؤدي هذا النظام الصيني الجديد إلى إعادة هيكلة أنظمة الدفاع الجوي القائمة، ويدفع الدول نحو إعادة النظر في استراتيجيتها الهجومية. ●
عدنان موسى (مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـــــ جامعة القاهرة)










