يحيى التليدي
كاتب وباحث سياسي
Yahya Al Talidi
Writer and Political Researcher

2023: بدايات صعبة ونهايات مأمولة

مع اقتراب بداية كل عام، تبدأ لعبة التوقعات والتنبؤ بما سيحدث، وهذا العام الجديد ليس استثناءً. وفي مجالات الاقتصاد والسياسة والشأن العام دأبت مراكز أبحاث ومؤسسات إعلام عالمية على استعراض قدراتها على حصر موضوعات تعتبرها ذات أولوية، فتستشرف احتمالات حدوثها وما ينبغي عمله حيالها. وتتباين درجة ثقة أصحاب التوقعات بتوقعاتهم عما سيحدث ودفاعهم عنها وفقاً لمدى اقتناعهم باستيعابهم لما حدث فعلاً في الماضي، فتجد أكثرهم إفراطاً في الثقة بتوقعاتهم عن المستقبل هم أكثرهم توهماً بفهمهم الكامل لأحداث الماضي. فنحن في عالم تكثر فيه البيانات وتندر فيه المعلومات المدققة وتُحتكر فيه المعرفة وتكاد تغيب عنه الحكمة في استخدامها.

منذ العام الماضي والعالم لم يستطع تجاوز أزمة فيروس “كورونا”، ولا آثار اجتياح روسيا لأوكرانيا، ولا أزمة سلاسل الإمداد، ولا حالة التضخم المتفاقم، بالرغم من الحلول والأدوات العديدة التي لجأت إليها البنوك المركزية حول العالم، سواء برفع معدلات الفائدة أو بالاتفاق مع البنك الدولي وصندوق النقد بالسماح لها بطباعة النقد من دون غطاء، حتى تتمكن من تغطية الالتزامات المالية المختلفة خلال الظروف القهرية الحادة التي يواجهها العالم، وذلك كان له الأثر السلبي الشديد جداً على معظم اقتصادات العالم، وظهر بشكل جلي في معدلات النمو الهزيلة وأداء الأسواق المالية المحبط.

كان لافتاً تصريح الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو خلال استضافة بلاده لقمة مجموعة العشرين في غاية الأهمية، وهو الذي قال فيه وبشكل مختصر، ولكنه ذو دلالة بالغة الدلالة والعمق والأهمية: “سنة 2023 ستكون سنة صعبة جداً، وإن الفوضى العالمية قد تكون عائقاً في عودة الاستقرار الاقتصادي”… قال تلك الكلمات في حضرة رموز القوى الاقتصادية الدولية، ولم يعترض على كلماته أي من الحضور، وهي مسألة تم تفسيرها بموافقة الحضور على ما قيل. وهذا يجعل من محاولة استشراف علامات وإشارات سنة 2023 مسألة مهمة وضرورية.

وعلى ما يبدو أن ساحة الطفرة الاقتصادية المقبلة التي ستؤسس لسباق اقتصادي كبير بين الدول الاقتصادية الكبرى ستكون القارة الإفريقية التي تضخ فيها كل من الصين والولايات المتحدة واليابان أرتالاً هائلة من الاستثمارات المختلفة وتقديم الهبات والدعم بشتى أشكاله. وهذا الحراك سيُحدث نقلة نوعية في مكونات العرض والطلب ويرفع معدلات النمو الاقتصادي بالقارة السمراء.

في شهر أبريل من هذا العام، ستتخطى الهند الصين كالدولة الأكبر من ناحية عدد السكان، ومع الاستمرار في تقهقر معدلات النمو الاقتصادي في الصين، هناك قلق في دوائر الاقتصاد الصيني عن أثر ذلك في خطة الصين للوصول إلى الاقتصاد الأكبر في العالم. هناك مناطق ساخنة من المهم متابعتها، أهمها تطورات الحرب الروسية الأوكرانية التي وفقاً لمواقف طرفي الأزمة حتى الآن يبدو أنها قد تمتد لعام آخر، وهناك مناطق أخرى تحتاج إلى المراقبة والمتابعة أيضاً لأنها قنابل موقوتة، مثل تايوان وكشمير والصحراء الغربية وحدود لبنان الجنوبية وكوريا الشمالية وتهديداتها المستمرة للدول الموجودة في محيطها.

ويبقى غول التضخم هو التحدي الأخطر، فتكلفة المعيشة المتصاعدة باتت عائقاً على معظم الناس حول العالم، وهذا سيسبب مخاوف لدى الحكومات من ارتفاع معدلات الشغب والجريمة وفقدان الأمان.

تبدو سنة 2023 أنها سنة ملغمة مليئة بالتحديات والمصاعب، ولكنها قد تكون فرصة لافتة ومهمة لبعض الدول لتجميد أو حتى طي بعض الخلافات السياسية العميقة التي قد تمنح مساحة مريحة لالتقاط الأنفاس والأمل. مع التحديات تأتي الفرص لمن يُعِدُّ لها جيداً ويُحسن استغلالها، وهذا ما قد توفره سنة 2023.

 

 

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض