خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

لبنان.. أزمة غياب الدولة

لم تكن تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي التي أخذت طابع الانحياز لميليشيات الحوثي الإرهابية، ومحاولة إسقاط مشروعية الدفاع عن النفس على الهجمات الإرهابية الحوثية التي تستهدف المملكة العربية السعودية، هي الأزمة التي قادت دول الخليج لاتخاذ إجراءات دبلوماسية تجاه لبنان، فهذه التصريحات كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وأفضت إلى كسر سياسة النَّفَس الطويل التي كانت تنتهجها المملكة العربية السعودية ودول الخليج بشكل عام تجاه السلوك السياسي اللبناني.

وبالتالي لا يمكن اختزال الإجراءات الدبلوماسية التي اتخذتها دول الخليج تجاه لبنان كرد فعل على تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، لأن الأزمة التي يعيشها لبنان ليست وليدة هذه التصريحات، بل هي تعود لسنوات طويلة، وهي أزمة غياب الدولة الحقيقية، والتي نتج عنها سيطرة السلوك الفوضوي والهمجي على السياسة اللبنانية، وبالتالي فإن أزمة لبنان هي ليست أزمة تصريحات غير عقلانية أطلقها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، بل هي أزمة غياب الدولة التي جعلت السياسة اللبنانية تحكمها الأهواء الشخصية التي تحاول تغليب مصلحة إرضاء حزب الله على مصلحة الدولة والمجتمع اللبناني وعلاقاته مع محيطه العربي والإقليمي.

في الفكر السياسي، ينظر إلى الدولة ككائن يؤثر ويتأثر بما يجري حوله في الإقليم، وبالتالي فإنه يقع على القيادات السياسي مهمة الحفاظ على التوازنات في علاقات الدولة مع محيطها الإقليمي، ولكن في الحالة اللبنانية، ونتيجة غياب الدولة الحقيقية، تلاشت “إرادة الكل” التي تؤمن بتغليب المصلحة العامة للدولة والمواطنين فوق أي اعتبارات أو مصالح أخرى، وحل محلها “إرادة الحزب”،  وبالتالي حدثت اختلالات في المعادلة  بدلاً من أن تكون “الدولة هي واقع الإرادة الجوهرية” أصبحت مصلحة الحزب، ونقصد هنا حزب الله، هي واقع الإرادة الجوهرية في السلوك السياسي اللبناني، وبالتالي انفرط عقد التوازنات في علاقات لبنان الخارجية، وهو بالتالي ما قاد إلى سيطرة الفوضوية والهمجية في السياسية اللبنانية.

تحتاج الحالة اللبنانية لإعادة تصحيح المسار، فالأزمة التي تعيشها لبنان لا يمكن معالجتها عبر الحفاظ على التوازنات التي أرسى قواعدها “اتفاق الطائف” بين كافة الطوائف اللبنانية، بل هي أزمة أعمق في جذورها تحتاج معالجتها إلى إرساء قواعد صلبة لإعادة تأسيس الدولة اللبنانية الحقيقية التي تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على التوازنات في الداخل والخارج اللبناني، فاستمرارية الحالة اللبنانية في طريق السيادة الفوضوية سوف تعمق من معاناة الشعب اللبناني الذي يدفع ثمن فاتورة الأزمة الاقتصادية التي كان السلوك السياسي اللبناني هو السبب الرئيسي في تعميق جذورها.

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض