مصطفى الزرعوني​
كاتب صحفي ومحلل سياسي

تحديات المحور الخليجي

طالما كانت منطقة الخليج موقعاً استراتيجية للقوى في محاولة بسط نفوذها لما تشكله من أهمية كبيرة من موارد وموقع جغرافي على قنوات مالية مهمة،وكونها دول ناشئة بمستوى نمو وتنموي كبير زاد ذلك من تحدياتها وخاصة في القرن الماضي .
والمحاولات دائماً ما تكون بقيادة أيدلوجية متغيرة حسب الأهداف مصحوبة بتموضع عسكري وتجاري وهو ما يرجعنا بالذاكرة إلى حالة ذروة القومية العربية وتقاربها مع الفكر الماركسي الروسي ما جعل الاتحاد السوفييتي يستغل ذلك في الستينيات والسبعينيات بتجنيد الكثير من أبناء المنطقة وتدريبهم ومدهم بالسلاح بالإضافة إلى تواجدهم عسكرياً في بعض الدول حتى وصولهم إلى أفريقيا ومن ثم غزو أفغانستان في عام 1979 ما أستدعى تدخلاً سريعاً من قبل الغرب مع دعم خليجي قوي وأدى إلى خروجها بعد عشرة أعوام وهي أحد الأسباب الرئيسية التي أسقطت الاتحاد بعده بعامين .
واستمرت هذه التحديات التوسعية للقوى الدولية وخاصة الإقليمية منها إن كانت من قبل إيران ودعمها لجماعات تنتمي لنفس المذهب مع اختلافات في العقيدة ولكنها حاولت استيعابهم خارجاً وتسليحهم في تحريك ما تطلق عليه “نشر الثورة” لتعيد بذلك السيناريو السوفيتي،ولكن جاء منافس أخر على الساحة وهي توجهات تركيا التي استغلت الدين وجماعة الإخوان المسلمين وما لها من تعاطف في بعض الدول العربية لتعمل طويلاً على دعمها.
ووجدت في فترة ما يطلق عليه الربيع العربي فرصاً للانتقال لمرحلة أخرى هي الأكثر شدة وتضع وتنشر قواعدها بشكل كبير حول الجزيرة العربية فتراهم في العراق وسوريا بحجة ردع الأكراد من الانفصال والتموضع في الصومال وقطر التي للأسف خرجت عن اللحمة الخليجية كثيراً بهذا الفعل والآن تحاول بشق الأنفس أن تخلق لها مكاناً في ليبيا .
ولكنها واجهت نكسات كبيرة من قبل الدول الخليجية الفاعلة بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في مصر بعد طرد الشعب لجماعة الإخوان المسلمين والأخرى في السودان بعد الإطاحة بالبشير وقد كانوا قريبين جداً من إقامة قاعدة عسكرية بحرية في جزيرة سواكن، مع تلاعبها بإتباعها من الإخوان المسلمين في اليمن لتضع يدها في الخصر الخلفي للجزيرة .
وهذه النظرة التركية التوسعية للمنطقة مستغلة المرتزقة والتكفيريين تواجه مشكلة كبيرة من الدخول إلى شعوب تؤمن بالدولة الوطنية و بدأت جماعتها المرتمية في بلاط السياسة من الإخوان المسلمين تواجه نكسات في مختلف الدول العربية وتضرب قواتها غير النظامية.
بل قد تواجه ضربتها النهائية مع دخولها في خلاف كبير مع الغرب بعد انتهاء مدة معاهدة لوزان الثانية التي حجمت تركيا بمنعها من التنقيب على النفط وحتى السيطرة والاستفادة اقتصادياً من الممرات المائية الدولية بين البحر الأسود وبحر مرمرة والمتوسط، وهذا التوسع الكبير الذي ترغب بالاستفادة منه تركيا إضافة إلى لما تقوم به حالياً قد يواجه نفس مصير حربها في اليونان عام 1922 بهزيمة قاضية .
ووسط ذلك كله تبقى منطقية الخليج مستقلة من أطماع الكثيرين الذين سقطت قواهم أمامها على مر القرن الماضي برغم كل ما ذكرنا من استغلال تعاطف أبنائها وبناء قواعد عسكرية وتدريب ومد بالسلاح وحروب اقتصادية وسياسية وتشويه سمعة فظلت قوية وسقوط الأعداء جاء مفاجئاً.

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض