يحيى التليدي
كاتب وباحث سياسي
Yahya Al Talidi
Writer and Political Researcher

الذكاء الاصطناعي وحروب المستقبل

عرف العالم منذ القدم شكلاً واحداً من الحرب العسكرية، وهو مواجهة القوات النظامية لدولة أو أكثر ضد القوات النظامية لدولة أخرى أو أكثر، وتسمى الحرب التقليدية التي تعتمد اعتماداً رئيسياً على القوات البرية المدعومة بعتادها العسكري بمختلف أشكاله. في العقد الأخير شاهدنا تحولاً ملحوظاً في السياسات العسكرية للدول وأسلوبها في تجهيز جيوشها دفاعياً وهجومياً، إذ اتجهت معظم الدول لرفع ميزانيات التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي على حساب ميزانيات الأجهزة والمعدات التقليدية وأعداد القوات النظامية، وأصبح العالم يترقب كيف ستكون حروب المستقبل وعتادها.

التفكير في نمط حروب المستقبل أو “الحروب الذكية” يبدو مثيراً للارتباك لدى معظم صناع القرار والقادة العسكريين، لأنه ببساطة يتطلب نمط إدارة مختلفاً تماماً للحروب والعمليات العسكرية عمّا تم اكتسابه في العقود الماضية من خلال الحروب التقليدية. والمتفق عليه أن إدارة حروب المستقبل سوف تعتمد أكثر على تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يتم تحويلها إلى منتج تقني قابل للاستخدام من جهة، وعلى تخيُّل ما الذي يمكن أن يحدث من تلك التطبيقات الذكية من جهة أخرى، ومن ثَمّ الاستعداد لها بشكل بشري وآلي جديد غير مُحدد المعالم حتى اللحظة. كما يتطلب بناء بنية تحتية أكثر ابتكاراً وسرعة في اتخاذ القرار في ظل ظروف شديدة التعقيد والإرباك، وفي ربط المهام بين أفرع القوات على الأرض، وفي صد الهجمات المحتملة على البنية التحتية المدنية والعسكرية معاً. وفي كل الأحوال هناك حاجة لاستثمارات هائلة سوف تؤثر حتماً على الموازنات المخصصة لسد الحاجات المجتمعية المتنامية، ومن هنا تبدو تلك الحروب المستقبلية ضد الإنسان سواء كموضوع للحرب، أو كفرد يتم تجاهل احتياجاته في الحياة استعداداً لتلك الحرب.

أيضاً هذا التقدم التكنولوجي المذهل وما يحققه من مكاسب عسكرية هائلة، ليس بمنأى عن الضرر. ذلك أن مجالات التقنية العلمية لم تعد حكراً على دولة دون أخرى. على سبيل المثال، صار بإمكان دولة صغيرة مثل كوريا الشمالية تهديد دولة عظمى مثل الولايات المتحدة. هذا الانتشار التقني عالمياً جعل من الممكن لدولة أن تتسلل إلكترونياً إلى نظام دفاعي لدولة أخرى، وتسبب له شللاً مؤقتاً، أو ربما إعاقة قاتلة.

في المستقبل القريب سيكون الحديث لدى المسؤولين عن سيادة الذكاء الاصطناعي لكل دولة قبل سيادتها الوطنية، وقد يكون لتلك المبادئ أولوية مختلفة تخدم مستخدم النظام الأذكى والأكثر تفاعلاً والخوض في مجالات الهيمنة البرمجية لتتمحور قوة الدولة الشاملة حول تطبيقات ومراكز بيانات ذكية قادرة على الهجوم والردع من وراء أبواب مغلقة، وبمجرد الضغط على أزرار إلكترونية.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض