الدكتورة/ هدى النعيمي
كاتبة عراقية
Dr. Huda Al-Nuaimy
Iraqi Writer

الدبلوماسية الرقمية.. تحولات في المشهد الدولي

أحدثت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ثورة في طريقة التواصل وتبادل المعلومات، مما أدى إلى تغيير المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العالم. إذ أدت هذه الثورة إلى تغييرات جوهرية في التعاملات الدبلوماسية، دون إغفال أهمية الدبلوماسية التقليدية في التفاعلات الدولية وبين ممثلي الدول، ففي عالم اليوم الشبكي والمترابط، يلعب الأفراد والمنظمات، كما البلدان، دوراً كبيراً في الشؤون الدولية.

وقد أدى ذلك إلى ظهور ما يشار إليه بالدبلوماسية الرقمية التي تعتمد بشكل أساسي على الاستخدام المتزايد لمنصات التواصل الاجتماعي من قبل دولة ما، من أجل تحقيق أهداف سياستها الخارجية وإدارة علاقاتها الدولية. وبالتالي أضحت الدبلوماسية الرقمية تتمثل في مستويين، أولهما وزارة الخارجية، وثانيهما السفارات المنتشرة في أنحاء العالم المختلفة.

ومن خلال العمل على هذين المستويين، يمكن للدول أن تصمم رسائل سياستها الخارجية ومصالحها القومية، مراعية الخصائص البشرية في مجتمعها، والاعتبارات التاريخية والثقافية والقيم والتقاليد، لتسهيل القبول الدولي بحراكها الخارجي والصورة التي تهدف إلى تحقيقها.

ولذا، تهتم الدبلوماسية الرقمية باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الدبلوماسيين لتسهيل تنفيذ أهداف السياسية الخارجية وتسيير متطلبات العمل الدبلوماسي، فضلاً عن الاستماع إلى الجمهور واستهدافه بالرسائل والتأثير في اتجاهات الحكومات والمنظمات عبر الإنترنت.

ولا شك في أن الاعتماد على النشاط الدبلوماسي الرقمي، إذا ما تم استخدامه بالطريقة الصحيحة، سيساعد السفارات والممثليات الدبلوماسية، على التعريف بدولهم، ويسهل عملية العثور على المعلومات والتواصل مع الزملاء عبر البريد الإلكتروني، فضلاً عن التفاوض بشأن مسودات النصوص عبر حوار إلكتروني، ولهذا يستخدم الدبلوماسيون، اليوم وبشكل متزايد،  منصات الشبكات الاجتماعية المختلفة مثل المدونات وFacebook وTwitter وغيرها، إذ أضافت وسائل التواصل الاجتماعي بُعداً مهماً للدبلوماسية، وهو ما جعل الاتصال سريعاً للغاية ومباشراً.

وينظر الكثير من الباحثين إلى الدبلوماسية الرقمية بوصفها دبلوماسية تقليدية تعتمد على وسيلة مختلفة، عبر توظيف الشبكة العنكبوتية لتأمين التواصل والنشر والمشاركة والتقييم بطرق جديدة ومثيرة للاهتمام.

كما يسهم النقاش الرقمي، في توسيع نطاق التواصل المباشر بين المجتمع المدني والحكومات ومع الأفراد المؤثرين، حيث يتمتع الكثير من المتابعين بحضور رقمي مهم، ويتشاركون الآراء والتجارب عبر الشبكة. ليكون هذا النقاش وسيلة متعددة الاتجاهات ومصدراً لإغناء المعلومات.

ولهذا، تشارك الدبلوماسية الرقمية مثيلتها التقليدية في تحقيق ذات المهام، من جمع للمعلومات وإعداد التقارير حول الظروف والتطورات داخل البلد المضيف، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الودية بين الدول وترسيخ أسس المصالح المشتركة.

ولا يجانب الصواب من يقول، إن الدبلوماسية الرقمية طورت أشكال ممارساتها، لتكون أكثر قابلية على فهم الثقافات والمواقف والسلوكيات، وبناء وإدارة العلاقات، والتأثير في الأفكار وحشد التأييد لتعزيز المصالح والاهداف، عبر الحوار والنقاش.

ومن هنا، أفضى إشراك الجمهور في مناقشة مواضيع ذات صلة بالعلاقات الدولية إلى زيادة عدد المشاركين في الشؤون الدبلوماسية الدولية، ليشمل الأشخاص العاديين، الذين قد يأخذ الدبلوماسيون بآرائهم لتعزيز لتسليط الأضواء حول قضايا بعينها، أو للاطلاع على وجهات نظر مختلفة.

وبالمعنى نفسه، يتم دعم الأنشطة الدبلوماسية بشكل متزايد بواسطة شبكة الإنترنت، واعتبار الأخيرة بمنزلة أداة دبلوماسية فريدة، يمكن بموجبها “الإعلان” ليس فقط عن المواقف بشأن القضايا المختلفة، ولكن لترويج الأفكار في أرجاء المعمورة.

ويمكننا القول، إن الدبلوماسية تتكيف على الدوام، وتستجيب إلى متغيرات عالم يتزايد فيه الترابط بين الجميع، فالقدرة على جمع المعلومات ومشاركتها إلى جماهير واسعة بمعدلات غير مسبوقة أدت إلى خلق فرص جديدة للقادة أو السياسات والإدارات الحكومية، لطرح الآراء ووضع جداول الأعمال خارج القنوات التقليدية.

 

Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض