خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

الأزمة الأوكرانية.. المبادرة الصينية

تأخذ الحرب الروسية الأوكرانية منعطفاً جديداً مع طرح الصين مبادرتها لتسوية سياسية، حيث كشفت الصين عن وثيقة تنطوي على 12 بنداً، يمكن القول إنها جاءت لتدعم التقدم الروسي العسكري على الأرض. برغم أن بنود الوساطة بدأت بالتأكيد على احترام سيادة الدول واستقلالها ووحدة أراضيها. إلا أنها شددت على أن المصالح والمخاوف الأمنية لكل الدول يجب أن تُحمل على محمل الجد، وأن تُعالج بصورة صحيحة، وشددت على وقف العقوبات الأحادية، وهي بنود تصب في مصلحة الطرف الروسي.

المنعطف الجديد الذي تأخذه الحرب الروسية الأوكرانية ليس على مستوى التطورات الداخلية بل هي على مستوى التطورات الخارجية، حيث ظل المربع المتحالف مع أوكرانيا منذ بداية الأزمة هو من يتولى زمام المبادرة في لعب دور الوساطة بشأن الأزمة الأوكرانية، وبالتالي فإن الدول الغربية التي فشلت في تغيير ميزان القوى لصالحها على الأرض الأوكرانية تحاول عبر لعب دور الوساطة لتحقيق مكاسب تصب في مصلحة صورتها الدولية، حتى وإن فشلت أدوار الوساطة التي يلعبها الطرف المتحالف مع أوكرانيا، إلا انها تعبر عن وجود نشاط سياسي متحرك، وبالتالي تحاول توظيفه لمصلحة خلق صورة جديدة لهذه الدول، تعبر عن رغبتها في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

إن اتجاه الصين إلى لعب دور الوساطة، لا يعني أن هناك اختراقاً في جدار التحالف الروسي الصيني، لأن بنود الوساطة الصينية تمت صياغتها بطريقة تحافظ على مصالح الطرف الروسي، حيث شددت على أن المصالح والمخاوف الأمنية لكل الدول يجب أن تُحمل على محمل الجد،  ولا يعبر عن تباعد في وجهات نظر الطرفين تجاه الأحداث في أوكرانيا، بل بالعكس هي محاولة من هذا التحالف للسيطرة على الأحداث في أوكرانيا عسكرياً وسياسياً، وبالتالي تضييق الخناق على الطرف المتحالف مع أوكرانيا من تحقيق مكاسب سياسية، بعد أن فشل في تحقيق مكاسب عسكرية.

منذ بداية الأزمة الأوكرانية، كانت الصين لاعباً رئيسياً في دعم التحركات الروسية، من خلال التشديد على أهمية تفهم المخاوف الروسية، وبالتالي فإن الصين كانت لاعباً نشيطاً سياسياً ودبلوماسياً في حماية الخطوة التي اتخذتها روسيا تجاه أوكرانيا، وبالتالي فإن الوساطة الصينية التي طُرحت مؤخراً لا يمكن النظر لها في سياق آخر غير هذا السياق، وبالتالي فهي تعبر عن تقاسم الأدوار بين الطرفين الروسي المتقدم عسكرياً على الأرض والصيني الذي يحاول أن يستحوذ على الساحة الدبلوماسية.

أما عن إمكانية نجاح الوساطة الصينية، فإن الصين تعتمد في ذلك على عاملين، العامل الأول هو السمعة الدولية، فمن المعروف أن الوسيط الناجح يجب أن يكون مقبولاً من طرفي الصراع، وبالتالي فإن الصين التي استثمرت كثيراً في التسويق لمبادئها الكونفوشيوسية القائمة على نشر السلام ونبذ الحرب والتعاون والتناغم لبناء المجتمع العالمي، تحظى بالقبول الدولي، نظراً لمكانتها المتصاعدة في النظام الدولي الجديد، وبالتالي فهي مهيأة أكثر لأن تلعب دور الوسيط، العامل الآخر هو عامل الوقت، فالوساطة الصينية تأتي في وقت فشلت فيه جميع الحلول السياسية التي قدمها الطرف المتحالف مع أوكرانيا، كما أنها تأتي في وقت استنزفت فيه أوكرانيا عسكرياً، ما يجعل لدى القادة الأوكرانيين القابلية للحل السياسي، بعكس ما كانت عليه الأمور في بداية الحرب، والتي كانت العقلية الأوكرانية تميل أكثر إلى لغة التحدي والمقاومة العسكرية.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض