الدكتورة/ هدى النعيمي
كاتبة عراقية
Dr. Huda Al-Nuaimy
Iraqi Writer

استراتيجية التنين الإفريقية: احتمالات لهيكلة النظام العالمي؟

على خلفية المنافسة العالمية المتصاعدة بين بكين والغرب، تمت صياغة الاستراتيجية الصينية الجديدة لإفريقيا، والتي لم تعد تنظر إلى القارة الإفريقية على أنها مصدر للطاقة والمواد الخام فحسب، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي الذي تطمح بكين إلى تشكيله خلال العقود المقبلة.

وتعد هذه الاستراتيجية تراكماً لحراك صيني ابتداءً من منتصف الخمسينات من القرن الماضي، قدمت بكين بموجبه مساعدات فنية ومالية لدعم حركات التحرير الثورية الإفريقية المناهضة للاستعمار. أما في حقبة الإصلاح والانفتاح، فقد انصب الاهتمام الصيني على التنمية الاقتصادية والوصول إلى مصادر الطاقة والموارد الطبيعية الإفريقية.

على أن الاستراتيجية الصينية حيال القارة الإفريقية شهدت إعادة تشكيل جوهرية في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 استناداً إلى تحولات القوة، ما حملها على اعتماد النهج الاستباقي لجهة ترسيخ النفوذ الصيني هناك، لتكون القارة الإفريقية حجر الزاوية في سياسة الشد والجذب الصينية-الأمريكية.

لذا، يصف الاستراتيجيون الصينيون إفريقيا بأنها “خط خارجي” محتمل يمكن أن تستخدمه بكين لإزعاج أو تحويل انتباه الولايات المتحدة، واحتواء استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ. ناهيك عن إفساح المجال لها في تنشيط استثماراتها في الموانئ الإفريقية والجيوب الاقتصادية المحيطة بها، وصولاً إلى توسيع عمليات انتشارها البحري في المستقبل.

واستكمالاً لما سبق، تواصل الصين اهتمامها الشديد بتأمين الوصول إلى المواد الخام وإمدادات الطاقة، في الوقت الذي تستكشف فيه الفرص الاقتصادية الأوسع التي قد تقدمها إفريقيا في المستقبل. إذ تشكل البلدان الإفريقية في نهاية المطاف جزءاً في نموذج اقتصادي يدعى “الدوران المزدوج”، الذي يعد أحد أهدافه إنشاء نظام اقتصادي فرعي آمن وقابل للحياة ومنفصل إلى حد كبير عن الغرب.

كما يحتل البعد الأيديولوجي مساحة كبيرة في استراتيجية التنين الإفريقية، مترافقاً مع تزايد رغبة بكين في إبراز “تجربتها” كمصدر للإلهام ينبغي على الدول الإفريقية الأخذ به، ومقارنة سياساتها بالإخفاقات التي شهدها المسار الديمقراطي الليبرالي الذي تروج له الدول الغربية.

في منحى آخر، تعتبر الدول الإفريقية رصيداً تصويتياً للصين في المؤسسات الدولية لإضفاء الشرعية على مفاهيمها ومبادراتها على المسرح العالمي، وتعزيز مكانتها كرائدة على مستوى العالم. حيث تأمل بكين في استمرار دعم الدول الإفريقية لها كلما تعرضت لضغوط دولية في القضايا الخلافية.

وليست “مبادرة الحزام والطريق” إلا خطوة في طريق ترسيخ مكانة بكين قوة مهيمنة ومركزية في العالم، وإعادة رسم خريطته، بواسطة خطوط سكك حديدية وجسور جديدة، وكابلات ضوئية وشبكات “الجيل الخامس للخليوي”، إنها استراتيجية لن تتورط في صراعات مفتوحة أو تنزلق في نزاعات عسكرية.

Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض