The-style-is-candid-image-photography-with-natural copy

مستقبل الحروب المضادة للغواصات

لطالما‭ ‬شكلت‭ ‬الهيمنة‭ ‬البحرية‭ ‬محدداً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬حفاظ‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬عسكرية‭ ‬عالمية‭. ‬ومنذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بمقدور‭ ‬السفن‭ ‬السطحية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬دون‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الغواصات‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الحديثة،‭ ‬تنامى‭ ‬دور‭ ‬الغواصات‭ ‬وأضحت‭ ‬تشكل‭ ‬مكوناً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬بري‭ ‬كبير‭. ‬وحتى‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬أي‭ ‬مواجهات‭ ‬عسكرية،‭ ‬تظل‭ ‬قدرة‭ ‬الغواصات‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬حيوية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تُكتشف،‭ ‬بمثابة‭ ‬قيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬هائلة‭ ‬للقوى‭ ‬الدولية‭ ‬المتنافسة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬باتت‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحييد‭ ‬قوة‭ ‬الخصوم‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬تشكل‭ ‬هدفاً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬للقوى‭ ‬الكبرى‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬زادت‭ ‬الأهمية‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬وبدأت‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المتنافسة‭ ‬توظيف‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والقدرات‭ ‬البحرية‭ ‬الجديدة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

لا‭ ‬يزال‭ ‬الجدل‭ ‬قائماً‭ ‬بين‭ ‬الأدبيات‭ ‬المختلفة‭ ‬بشأن‭ ‬تأريخ‭ ‬تصميم‭ ‬أول‭ ‬غواصة،‭ ‬إذ‭ ‬يرجعها‭ ‬البعض‭ ‬للغواصة‭ ‬التي‭ ‬صممها‭ ‬‮«‬وليام‭ ‬بورن‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1578،‭ ‬بينما‭ ‬يربطها‭ ‬آخرون‭ ‬بالغواصة‭ ‬التي‭ ‬جربها‭ ‬‮«‬كورنيليوس‭ ‬جاكوبزون‭ ‬دريبل‮»‬‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬التايمز‭ ‬عام‭ ‬1620،‭ ‬لكن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأدبيات‭ ‬تتفق‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬غواصة‭ ‬تم‭ ‬استخدامها‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬كانت‭ ‬غواصة‭ ‬‮«‬السلحفاة‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬صممها‭ ‬‮«‬ديفيد‭ ‬بوشنيل‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1775‭. ‬أما‭ ‬أول‭ ‬غواصة‭ ‬حديثة‭ ‬فثمة‭ ‬إجماع‭ ‬بين‭ ‬الأدبيات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تنسب‭ ‬لـــ‭ ‬‮«‬جون‭ ‬فيليب‭ ‬هولاند‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬سُجل‭ ‬الاستخدام‭ ‬الأول‭ ‬الفعال‭ ‬للغواصات‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬عندما‭ ‬تمكنت‭ ‬الغواصة‭ ‬الألمانية‭ ‬‮«‬U-9‮»‬‭  ‬من‭ ‬إغراق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البوارج‭ ‬البريطانية،‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬سبتمبر‭ ‬1914،‭ ‬كما‭ ‬لعبت‭ ‬غواصات‭ ‬‮«‬Unterwasser Boat‮»‬‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬نقطةً‭ ‬فاصلةً‭ ‬في‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الحروب‭ ‬البحرية،‭ ‬حيث‭ ‬أظهرت‭ ‬الغواصات‭ ‬قدرة‭ ‬استثنائية‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬المفاجأة‭ ‬للخصوم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التأثير‭ ‬بشكل‭ ‬حاسم‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الحروب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬الغواصات‭ ‬كفاعل‭ ‬حيوي‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬هيكلة‭ ‬طبيعة‭ ‬الاشتباكات‭ ‬والحروب‭ ‬البحرية‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للغواصات‭ ‬تنبثق‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬سماتها‭ ‬المميزة،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬الصمت‭ ‬والسرية‭. ‬فعلى‭ ‬عكس‭ ‬السفن‭ ‬السطحية،‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬أهدافها‭ ‬وتحدد‭ ‬مواقعها‭ ‬ثم‭ ‬تشتبك‭ ‬معها،‭ ‬فإن‭ ‬الغواصات‭ ‬تتبنى‭ ‬نهجاً‭ ‬تشغيلياً‭ ‬أكثر‭ ‬استراتيجيةً،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬تنصب‭ ‬شباكها‭ ‬كالعناكب،‭ ‬وتنتظر‭ ‬أهدافها‭ ‬بصبر‭ ‬كبير‭.‬

وفي‭ ‬بدايات‭ ‬استخدام‭ ‬الغواصات‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬طريقة‭ ‬فعالة‭ ‬لاكتشافها‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تغوص‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬فقد‭ ‬اعتبرها‭ ‬‮«‬جون‭ ‬هولاند‮»‬‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬الشبح‭ ‬البحري‮»‬،‭ ‬لذا‭ ‬اعتمدت‭ ‬التكتيكات‭ ‬الأولية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الغواصات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬إجبار‭ ‬الغواصة‭ ‬على‭ ‬الصعود‭ ‬للسطح‭ ‬لمهاجمتها‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬سفينة،‭ ‬امتداداً‭ ‬لتكتيكات‭ ‬القتال‭ ‬بين‭ ‬السفن‭ ‬الحربية،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الغواصات‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الصعود‭ ‬للسطح‭ ‬بشكل‭ ‬متكرر‭.‬

وخلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬أدوات‭ ‬جديدة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬قدرة‭ ‬الغواصات‭ ‬على‭ ‬الغوص‭ ‬لأعماق‭ ‬أكبر‭ ‬والاستمرار‭ ‬لفترة‭ ‬أطول‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬لذا‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬السونار‭ ‬النشط‮»‬‭ (‬ASDIC‭) ‬لرصد‭ ‬البصمة‭ ‬الصوتية‭ ‬للغواصة،‭ ‬وتحديد‭ ‬موقع‭ ‬الهدف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬أساس‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قنابل‭ ‬العمق،‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭. ‬كذا،‭ ‬بدأ‭ ‬استخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬صائدي‭ ‬الغواصات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدامها‭ ‬أسلحة‭ ‬مضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬رادار‭ ‬الطائرات‭ ‬ليصبح‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأدوات‭ ‬فعاليةً‭ ‬في‭ ‬مطاردة‭ ‬الغواصات‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تطورت‭ ‬قدرة‭ ‬الغواصات‭ ‬وأصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬هدوءاً‭ ‬وقدرةً‭ ‬على‭ ‬المناورة،‭ ‬والاستمرار‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬لفترات‭ ‬أطول،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فرض‭ ‬الحاجة‭ ‬لتكتيكات‭ ‬جديدة‭ ‬مضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬خلال‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬لذا‭ ‬ظهرت‭ ‬الطوربيدات‭ ‬الموجهة‭ ‬والأكثر‭ ‬تطوراً،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬مارك‭ ‬48‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تحدد‭ ‬الأهداف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رصد‭ ‬إشارات‭ ‬الضوضاء‭ ‬الخاصة‭ ‬بالغواصات‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استخدام‭ ‬اجهزة‭ ‬استشعار،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً،‭ ‬كنظام‭ ‬‮«‬المراقبة‭ ‬الصوتية‮»‬‭ (‬SOSUS‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مصفوفات‭ ‬هيدروفون‭ ‬مثبتة‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬البحار،‭ ‬يتم‭ ‬توصيلها‭ ‬بكابلات‭ ‬بحرية‭ ‬إلى‭ ‬منشآت‭ ‬على‭ ‬الشاطئ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬الغواصات‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬تعد‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ (‬ASW‭) ‬محدداً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية،‭ ‬وهي‭ ‬مصصمة‭ ‬بالأساس‭ ‬لكشف‭ ‬الغواصات‭ ‬المعادية‭ ‬وتتبعها‭ ‬وتحييدها‭. ‬ويبقى‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬لعمليات‭ (‬ASW‭) ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬منع‭ ‬غواصات‭ ‬الخصوم‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمهاجمة‭ ‬السفن‭ ‬السطحية،‭ ‬أو‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ،‭ ‬وكذا‭ ‬تعطيل‭ ‬خطوط‭ ‬الإمداد‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬عززت‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الغواصات،‭ ‬وجعلتها‭ ‬أكثر‭ ‬هدوءاً‭ ‬وسرعة،‭ ‬ناهيك‭ ‬زيادة‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الفتك،‭ ‬تطورت‭ ‬أدوات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬حتى‭ ‬أضحت‭ ‬مجالاً‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬وتشابكاً‭. ‬

وتنطوي‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬الرئيسية،‭ ‬تتمثل‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

-1‭ ‬الكشف‭ ‬والتتبع‭:‬‭ ‬يتمثل‭ ‬المحدد‭ ‬الرئيسي‭ ‬للأنظمة‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬وتتبع‭ ‬الغواصات‭ ‬المعادية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬المصممة‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬الخفاء،‭ ‬ويعد‭ ‬السونار‭ ‬هو‭ ‬الأداة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للكشف‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬حيث‭ ‬يصدر‭ ‬السونار‭ ‬النشط‭ ‬موجات‭ ‬صوتية‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬هيكل‭ ‬الغواصة،‭ ‬بينما‭ ‬يرصد‭ ‬السونار‭ ‬السلبي‭ ‬الأصوات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬الغواصة،‭ ‬كأصوات‭ ‬المحرك‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬حديثة‭ ‬للسونار،‭ ‬كالمصفوفات‭ ‬المقطورة‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاستشعر‭ ‬المثبتة‭ ‬على‭ ‬هياكل‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬السونار،‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬آليات‭ ‬أخرى‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬الغواصات،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬‮«‬أنظمة‭ ‬كشف‭ ‬الشذوذ‭ ‬المغناطيسي‮»‬‭ (‬MAD‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تستخدم‭ ‬غالباً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الطائرات‭ ‬لكشف‭ ‬اضطرابات‭ ‬المجال‭ ‬المغناطيسي‭ ‬للأرض،‭ ‬والناتجة‭ ‬عن‭ ‬هيكل‭ ‬الغواصة‭. ‬كذا،‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬أنظمة‭ ‬الكشف‭ ‬بالأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬أو‭ ‬المراقبة‭ ‬البصرية‮»‬،‭ ‬وكذا‭ ‬‮«‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬غير‭ ‬الصوتية‮»‬،‭ ‬كتقنيات‭ (‬LIDAR‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الليزر،‭ ‬لتحديد‭ ‬هوية‭ ‬الغواصات‭ ‬المعادية،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحليل‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السطحية‭.‬

-2‭ ‬منصات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭: ‬تنطوي‭ ‬أنظمة‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المنصات‭ ‬الرئيسة،‭ ‬تتمثل‭ ‬أبرزها‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭:‬

•‭ ‬السفن‭ ‬السطحية‭:‬‭ ‬إذ‭ ‬تشكل‭ ‬الفرقاطات‭ ‬والمدمرات‭ ‬والطرادات‭ ‬المزودة‭ ‬بأجهزة‭ ‬السونار‭ ‬والصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬والطوربيدات‭ ‬المكون‭ ‬الأساسي‭ ‬لأنظمة‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬السفن‭ ‬السطحية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬استشعارها‭ ‬لاكتشاف‭ ‬وتتبع‭ ‬الغواصات‭ ‬المعادية‭.‬

•‭ ‬الطائرات‭:‬‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬طائرات‭ ‬الدوريات‭ ‬البحرية‭ ‬بنشر‭ ‬أجهزة‭ ‬سونار‭ ‬وطوربيدات‭ ‬بهدف‭ ‬تغطية‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تساعد‭ ‬المروحيات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفن‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬قدرات‭ ‬استجابة‭ ‬سريعة‭ ‬مضادة‭ ‬للغواصات‭.‬

•‭ ‬الغواصات‭:‬‭ ‬تبقى‭ ‬الغواصات‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬المنصات‭ ‬الفعالة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الغواصات،‭ ‬فهناك‭ ‬غواصات‭ ‬هجومية‭ ‬يتم‭ ‬تصميمها‭ ‬بالأساس‭ ‬لاصطياد‭ ‬غواصات‭ ‬الخصوم،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تزويدها‭ ‬بأجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬متطورة‭ ‬وتقنيات‭ ‬عالية‭ ‬للتخفي،‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬تتبع‭ ‬الخصوم‭ ‬والاشتباك‭ ‬معها‭.‬

•‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭:‬‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تنامي‭ ‬استخدام‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الحديثة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المركبات‭ ‬الجوية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ (‬UAVs‭)‬،‭ ‬والسفن‭ ‬السطحية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ (‬USVs‭)‬،‭ ‬والمركبات‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ (‬UUVs‭).‬

-3‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭:‬‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬لتحييد‭ ‬الغواصات،‭ ‬فبمجرد‭ ‬اكتشاف‭ ‬الغواصة،‭ ‬تبدأ‭ ‬الأنظمة‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الأسلحة،‭ ‬منها‭ ‬الطوربيدات‭ ‬الخفيفة،‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬والطائرات،‭ ‬والثقيلة،‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬من‭ ‬الغواصات‭. ‬أيضاً،‭ ‬هناك‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬أنظمة‭ (‬ASROC‭) ‬الأمريكية،‭ ‬والألغام‭ ‬الهجومية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬بالإضافة‭ ‬لذلك‭ ‬تبقى‭ ‬القنابل‭ ‬العميقة،‭ ‬رغم‭ ‬تراجع‭ ‬وتيرة‭ ‬استخدامها،‭ ‬أداة‭ ‬قابلة‭ ‬للاستخدام‭ ‬ضد‭ ‬الغواصات‭.‬

نهج‭ ‬قابل‭ ‬للتطوير

من‭ ‬خلال‭ ‬الطرح‭ ‬السابق،‭ ‬تعود‭ ‬أصول‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬عندما‭ ‬برزت‭ ‬الغواصات‭ ‬كتهديد‭ ‬كبير‭ ‬لسفن‭ ‬الحلفاء،‭ ‬وتنامى‭ ‬دور‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬استجابةً‭ ‬للتطورات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسونار‭ ‬وقنابل‭ ‬الأعماق‭ ‬وأنظمة‭ ‬القوافل‭ ‬المنسقة،‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬تكتيكات‭ ‬‮«‬زمرة‭ ‬الذئاب‮»‬‭ ‬الخاصة‭ ‬بالغواصات‭. ‬كذا،‭ ‬شهدت‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬الابتكارات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬فقد‭ ‬طرحت‭ ‬الغواصات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬وتلك‭ ‬المزودة‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬تحديات‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمكافحة‭ ‬الغواصات‭.‬

أيضاً،‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تزايد‭ ‬صعوبة‭ ‬اكتشاف‭ ‬الغواصات‭ ‬الحديثة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزى‭ ‬إلى‭ ‬التطورات‭ ‬المتنامية‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬التخفي‭ ‬والهدوء،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬أنظمة‭ ‬‮«‬الدفع‭ ‬المستقل‭ ‬عن‭ ‬الهواء‮»‬‭ (‬AIP‭)‬،‭ ‬والطلاءات‭ ‬المتطورة‭ ‬للهياكل،‭ ‬والتي‭ ‬تقلل‭ ‬البصمة‭ ‬الصوتية‭ ‬للغواصات‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬الأكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬والتي‭ ‬تفرضها‭ ‬الغواصات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬بسبب‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بالكهرباء‭ ‬والديزل،‭ ‬لكنها‭ ‬مزودة‭ ‬بقدرات‭ ‬محسنة‭ ‬للتخفي‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تمثل‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬ذاتها‭ ‬عوامل‭ ‬مضاعفة‭ ‬للتعقيدات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬والتي‭ ‬ترتبط‭ ‬بتدرجات‭ ‬الملوحة‭ ‬والضوضاء‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬البحرية‭ ‬والشحن‭ ‬البحري،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الطبقات‭ ‬الحرارية‭ ‬للمحيطات‭ ‬والبحار،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬حجب‭ ‬بصمات‭ ‬الغواصات،‭ ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬المناطق‭ ‬الساحلية‭ ‬والمياه‭ ‬الضحلة‭ ‬تحدياً‭ ‬خاصاً‭ ‬لعمليات‭ ‬مكافحة‭ ‬الغواصات،‭ ‬بسبب‭ ‬الأصوات‭ ‬المرتفعة‭.‬

وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬شهدت‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬تطورات‭ ‬متزايدة‭ ‬عبر‭ ‬السنوات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الهائلة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتنامي‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وأنظمة‭ ‬التعلم‭ ‬الآلي،‭ ‬والتي‭ ‬ساعدت‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬معالجة‭ ‬بيانات‭ ‬السونار،‭ ‬وتمييز‭ ‬إشارات‭ ‬الغواصات‭ ‬عن‭ ‬الأصوات‭ ‬البحرية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بل‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بسلوك‭ ‬الغواصات،‭ ‬استناداً‭ ‬للبيانات‭ ‬التاريخية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬التتبع‭. ‬كذا،‭ ‬زاد‭ ‬اعتماد‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬البيانات‭ ‬المنبثقة‭ ‬من‭ ‬منصات‭ ‬متعددة،‭ ‬والتي‭ ‬تنشئ‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الأنظمة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬المراقبة‭ ‬البحرية‭ ‬المتكامل‮»‬‭ (‬IUSS‭) ‬التابع‭ ‬للبحرية‭ ‬الأمريكية‭. ‬بالإضافة‭ ‬لذلك،‭ ‬ساعد‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الانتشار‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬ودعم‭ ‬أنظمة‭ ‬المراقبة‭ ‬الأكثر‭ ‬استدامة‭. ‬على‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬الكمومية‭ ‬الناشئة‭ ‬ستوفر‭ ‬درجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬الحساسية‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الغواصات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحروب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭.‬

الأهمية‭ ‬الاستراتيجية

في‭ ‬إطار‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬المتزايد‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬والتي‭ ‬تلعب‭ ‬فيها‭ ‬الغواصات‭ ‬البحرية‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بإمكان‭ ‬البحرية‭ ‬السطحية‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأساليب‭ ‬التقليدية‭ ‬لكشف‭ ‬وتتبع‭ ‬غواصات‭ ‬الخصم‭ ‬أو‭ ‬المركبات‭ ‬البحرية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة،‭ ‬لذا‭ ‬يعالج‭ ‬هيكل‭ ‬‮«‬العمليات‭ ‬البحرية‭ ‬الموزعة‮»‬‭ ‬Distributed Maritime Operations‭ (‬DMO‭) ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تصور‭ ‬السفن‭ ‬الغواصات‭ ‬والمنصات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجموعات‭ ‬صغيرة‭.‬

وتستهدف‭ ‬‮«‬العمليات‭ ‬البحرية‭ ‬الموزعة‮»‬‭ ‬تعقيد‭ ‬استراتيجيات‭ ‬وعي‭ ‬الخصوم‭ ‬بالوضع‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬الاشتباك،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬نشر‭ ‬وتوزيع‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬عملياتي‭ ‬واسع،‭ ‬قد‭ ‬يمتد‭ ‬لمئات‭ ‬الأميال‭ ‬بين‭ ‬المركبات‭ ‬البحرية‭ ‬المختلفة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬عمدت‭ ‬شركة‭ (‬Thales Defense‭ & ‬Security‭) ‬TDSI‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬مفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬الموزعة‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬لدعم‭ ‬قوة‭ ‬بحرية‭ ‬أكثر‭ ‬انتشاراً‭ ‬ومرونة،‭ ‬بإمكانها‭ ‬تبادل‭ ‬سريع‭ ‬لمعلومات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬مع‭ ‬تنسيق‭ ‬الاستجابات‭ ‬عبر‭ ‬ساحة‭ ‬معركة‭ ‬واسعة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬المستقلة،‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬والاتصالات‭ ‬المتقدمة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لأجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬الشبكية‭. ‬

بالتالي،‭ ‬ترتكز‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬الموزعة‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬والمؤثرات‭ ‬الأصغر‭ ‬والأكثر‭ ‬انتشاراً،‭ ‬والتي‭ ‬تثبت‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬بحرية‭ ‬ذاتية‭ ‬التشغيل،‭ ‬بتكلفة‭ ‬معقولة،‭ ‬وكميات‭ ‬كبيرة،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬إنشاء‭ ‬هيكل‭ ‬مرن‭ ‬وقابل‭ ‬للتكيف،‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬تكامل‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬المتقدمة،‭ ‬وأنظمة‭ ‬الاتصالات‭ ‬وهياكل‭ ‬القيادة،‭ ‬ودمج‭ ‬المنصات‭ ‬المأهولة‭ ‬وغير‭ ‬المأهولة،‭ ‬وجمع‭ ‬البيانات‭ ‬من‭ ‬منصات‭ ‬متعددة،‭ ‬بما‭ ‬يوفر‭ ‬لمتخذي‭ ‬القرار‭ ‬صورة‭ ‬شاملة‭ ‬للمشهد‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭. ‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬الموزعة‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬محدداً‭ ‬حيوياً‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬البحرية‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الهائلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المتنافسة‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬غواصاتها‭ ‬المتقدمة،‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬قدرات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬متعددة،‭ ‬مما‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الخصوم‭ ‬فكرة‭ ‬تعطيل‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية‭. ‬فمن‭ ‬شأن‭ ‬الأنظمة‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬الموزعة‭ ‬أن‭ ‬تعزيز‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الوعي‭ ‬والاستجابة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬حسم‭ ‬الصراعات‭ ‬عالية‭ ‬المستوى‭. ‬

منطقة‭ ‬الإندوباسيفيك

تشهد‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭ (‬الإندوباسيفيك‭)‬،‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬خاص‭ ‬بالغواصات،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬كانت‭ ‬75‭ % ‬من‭ ‬غواصات‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬الأمريكية‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬كما‭ ‬تعد‭ ‬الغواصات‭ ‬إحدى‭ ‬أكثر‭ ‬المنصات‭ ‬البحرية‭ ‬تنوعاً‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تدركه‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المتنافسة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تعمل‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الغواصات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬قواتها‭ ‬البحرية‭ ‬من‭ ‬66‭ ‬غواصة‭ ‬إلى‭ ‬76‭ ‬غواصة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030‭. ‬كما‭ ‬عمدت‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تركيز‭ ‬عملياتها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬كيفية‭ ‬إجراء‭ ‬عمليات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬بفعالية‭ ‬عبر‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استراتيجية‭ ‬منع‭ ‬الدخول‭/ ‬منع‭ ‬الوصول‭ ‬الصينية‭. ‬

وتتبع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تتبع‭ ‬الغواصات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الإندوباسيفيك‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الخطوات،‭ ‬تبدأ‭ ‬بتوفير‭ ‬اتصال‭ ‬أولي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكة‭ ‬هيدروفون‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الماء،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬نظام‭ ‬المراقبة‭ ‬البحرية‭ ‬المتكامل‭ (‬IUSS‭)‬،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشبكة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬دقيق‭ ‬للغواصات‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬نصف‭ ‬قطرها‭ ‬يبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬97‭ ‬كيلومتراً‭ (‬60‭ ‬ميلاً‭)‬،‭ ‬لكنها‭ ‬تعتمد‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬الإشارات‭ ‬لوسائل‭ ‬الكشف‭ ‬الأخرى‭. ‬وعندما‭ ‬تقوم‭ ‬مصفوفة‭ ‬ثابتة‭ ‬بارسال‭ ‬إشارات،‭ ‬يتم‭ ‬إرسال‭ ‬طائرة‭ ‬دوريات‭ ‬بحرية‭ ‬لتحديد‭ ‬موقع‭ ‬الهدف،‭ ‬مستخدمة‭ ‬السونار‭ ‬أو‭ ‬أجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬كاشف‭ ‬الشذوذ‭ ‬المغناطيسي‭. ‬وقد‭ ‬تحاول‭ ‬الطائرة‭ ‬ملاحقة‭ ‬الهدف،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استخدام‭ ‬طوربيدات‭ ‬خفيفة‭ ‬الوزن،‭ ‬كطوربيد‭ (‬MK-54‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يمكنها‭ ‬نقل‭ ‬الاتصال‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬تتبع‭ ‬أخرى،‭ ‬كالغواصة‭ ‬أو‭ ‬الفرقاطة‭.‬

وتنطوي‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬على‭ ‬تحديين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬يتمثل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬كل‭ ‬اتصال‭ ‬لتشغيل‭ ‬عدة‭ ‬أصول‭ ‬تتبع،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬عملية‭ ‬التوسع،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تحتاج‭ ‬طائرات‭ ‬الدوريات‭ ‬البحرية‭ (‬MPA‭) ‬إلى‭ ‬إبقاء‭ ‬نحو‭ ‬12‭-‬14‭ ‬طائرة‭ ‬دورية‭ ‬بحرية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬P-8‭) ‬لتوفير‭ ‬تغطية‭ ‬مستمرة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬تحقيقه‭. ‬أما‭ ‬التحدي‭ ‬الثاني‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬اعتماد‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬على‭ ‬الأصول‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بدوريات‭ ‬بحرية،‭ ‬وإذا‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬احتواء‭ ‬تهديدات‭ ‬غواصة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬جوي‭ ‬متنازل‭ ‬عليه،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المقاربة‭ ‬ستصبح‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق‭. ‬وهذه‭ ‬الوضعية‭ ‬تنطبق‭ ‬فعلياً‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬إذ‭ ‬تتطلب‭ ‬عملية‭ ‬احتواء‭ ‬إحدى‭ ‬الغواصات‭ ‬الصينية‭ ‬عند‭ ‬نقاط‭ ‬الاختناق،‭ ‬كقناة‭ ‬باشي،‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬طائرات‭ ‬الدوريات‭ ‬البحرية‭ (‬MPA‭) ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬الذي‭ ‬يهيمن‭ ‬عليه‭ ‬الجيش‭ ‬الصيني‭. ‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬ورغم‭ ‬عدم‭ ‬استثمار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ (‬ASROC‭)‬،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬الاستثناءات‭ ‬القليلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬تمكنت‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬صاروخ‭ (‬YU-8‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬مداه‭ ‬لحوالي‭ ‬50‭ ‬كيلومتراً‭. ‬وكانت‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬خصصت‭ ‬موارد‭ ‬كبيرة‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬لبناء‭ ‬قوة‭ ‬بحرية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬منافسة‭ ‬الهيمنة‭ ‬البحرية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ،‭ ‬ورغم‭ ‬سرعة‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬لكن‭ ‬القدرات‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬ظلت‭ ‬تمثل‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬نسبية‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬بدأت‭ ‬تضيق‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬خلال‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فرغم‭ ‬أن‭ ‬أنظمة‭ ‬الصين‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تفتقر‭ ‬للخبرة‭ ‬العملياتية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬نظيرتها‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬متعدد‭ ‬الطبقات‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬الفجوة‭ ‬مع‭ ‬نظيرتها‭ ‬الأمريكية‭.‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التكتيكات‭ ‬المتطورة،‭ ‬ومهارات‭ ‬متقدمة‭ ‬للمشغلين،‭ ‬فالنهج‭ ‬الصيني‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬المتقدمة‭ ‬والاستجابة‭ ‬السريعة‭. ‬وتعتمد‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬السونار‭ ‬النشط‭ ‬لمواجهة‭ ‬تخفي‭ ‬الغواصات‭ ‬المعادية،‭ ‬وذلك‭ ‬خلافاً‭ ‬للاستراتيجية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬السونار‭ ‬السلبي،‭ ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬الصين‭ ‬للتفوق‭ ‬على‭ ‬مزايا‭ ‬التخفي‭ ‬والهدوء‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬الغواصات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحلفائها‭. ‬وتستند‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬النشر‭ ‬الواسع‭ ‬لسفينة‭ ‬‮«‬كورفيت‮»‬‭ ‬من‭ ‬طراز‭ (‬056A‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬مركبة‭ ‬محسنة‭ ‬صممت‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬ومزودة‭ ‬بسونار‭ ‬متغير‭ ‬العمق‭ (‬VDS‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يتحقق‭ ‬التكامل‭ ‬مع‭ ‬مروحية‭ (‬Z-9‭)‬،‭ ‬ورغم‭ ‬الحمولة‭ ‬المحدودة‭ ‬لهذه‭ ‬المروحية،‭ ‬لكنها‭ ‬توفر‭ ‬ناقلاً‭ ‬جوياً‭ ‬لنشر‭ ‬السونار‭ ‬وكشف‭ ‬التهديدات،‭ ‬كما‭ ‬يساعد‭ ‬صاروخ‭ ‬‭(‬YU-8‭) ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬مدى‭ ‬سفينة‭ ‬‮«‬كورفيت‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬الفرصة‭ ‬للاشتباك‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تضطر‭ ‬المروحية‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬طوربيداتها‭ ‬الخاصة‭.‬‭ ‬بالإضافة‭ ‬لذلك،‭ ‬عمدت‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭ ‬إلى‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المركبات‭ ‬البحرية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬لتوسيع‭ ‬شبكة‭ ‬استشعارها‭.‬

الاستعداد‭ ‬للمعركة‭ ‬المستقبلية

عادت‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ (‬ASW‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬مجالاً‭ ‬للمناورات‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬واقتصرت‭ ‬على‭ ‬مشغلي‭ ‬السونار‭ ‬وقادة‭ ‬السفن‭ ‬الحربية،‭ ‬لتبرز‭ ‬كنقطة‭ ‬ارتكاز‭ ‬رئيسية‭ ‬لسياسات‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأخير،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬بدأت‭ ‬تتغير‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬حيث‭ ‬تشهد‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تحولاً‭ ‬جذرياً،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والمنصات‭ ‬ذاتية‭ ‬التشغيل،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تكامل‭ ‬البيانات‭ ‬الآنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬الغواصات‭ ‬وتتبعها‭ ‬وتحييدها‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬تظهر‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬قدرات‭ ‬هائلة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالغواصات،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬الغواصات‭ ‬الروسية‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت،‭ ‬كغواصة‭ ‬‮«‬‭ ‬Yasen-M‮»‬‭ ‬وكذا‭ ‬الغواصات‭ ‬الصينية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الممرات‭ ‬البحرية‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيطين‭ ‬الهندي‭ ‬والهادئ‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قدرات‭ ‬الغواصات‭ ‬الروسية‭ ‬والصينية‭ ‬باتت‭ ‬تتجاوز‭ ‬التوقعات،‭ ‬وتتحدى‭ ‬التدابير‭ ‬المضادة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬الرصد‭ ‬إلى‭ ‬التحييد‭ ‬السريع،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬تحالفات‭ ‬واشنطن‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬غواصات‭ ‬‮«‬سوريو‮»‬‭ ‬اليابانية،‭ ‬وغواصات‭ ‬‮«‬كولينز‮»‬‭ ‬الأسترالية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬طرحت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الأمريكية‭ ‬توصيات‭ ‬لاستعادة‭ ‬التفوق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الهجومية،‭ ‬وزيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬وأنظمة‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬الموزعة‮»‬‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬الغواصات‭ ‬المعادية‭ ‬وتتبعها‭ ‬وتحييدها‭. ‬حيث‭ ‬توفر‭ ‬التقنيات‭ ‬المتطورة‭ ‬للمركبات‭ ‬المستقلة،‭ ‬وكذا‭ ‬شبكات‭ ‬الاتصالات‭ ‬وأجهزة‭ ‬السونار‭ ‬القابلة‭ ‬للنشر،‭ ‬فرصاً‭ ‬هائلة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬غواصات‭ ‬الخصوم‭ ‬وتتبعها،‭ ‬حيث‭ ‬تستغل‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الهجومية‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬الغوصات‭ ‬المعادية،‭ ‬وتسمح‭ ‬لقوات‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬بقمع‭ ‬غواصات‭ ‬الخصم‭ ‬بفعالية‭ ‬أكبر‭ ‬وتكلفة‭ ‬أقل،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالاستراتيجيات‭ ‬التقليدية‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭.‬

وتركز‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الهجومية‭ ‬التي‭ ‬اقترحتها‭ ‬التقارير‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬الحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬الاختناق‭ ‬والمياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬للخصوم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬التهديد‭ ‬في‭ ‬المحيطات‭ ‬المفتوحة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراقبة‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬للغواصات،‭ ‬وشن‭ ‬هجمات‭ ‬سريعة‭ ‬ضدها‭ ‬حال‭ ‬اندلاع‭ ‬أي‭ ‬صراع‭.  ‬بالتالي،‭ ‬يعتمد‭ ‬الاستعداد‭ ‬للمعركة‭ ‬المستقبلية‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬التقنيات‭ ‬الناشئة‭ ‬والحديثة‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬التقليدية،‭ ‬فبينما‭ ‬تلعب‭ ‬الأنظمة‭ ‬المستقلة،‭ ‬المدعومة‭ ‬بتقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬استمرارية‭ ‬المراقبة‭ ‬والاشتباكات،‭ ‬يمكن‭ ‬للأسلحة‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬وأنظمة‭ ‬الطاقة‭ ‬الموجهة‭ ‬أن‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحييد‭ ‬الغواصات‭ ‬على‭ ‬مسافات‭ ‬بعيدة‭. ‬

ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬تواجه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الغربيون‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬للتحول‭ ‬إلى‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬يتعلق‭ ‬أبرزها‭ ‬بالتكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬للمشتريات‭ ‬وتشغيل‭ ‬الأنظمة‭ ‬التقليدية‭ ‬الراهنة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬والتي‭ ‬تركز‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬المأهولة،‭ ‬ومع‭ ‬ثبات‭ ‬ميزانيات‭ ‬الدفاع،‭ ‬وربما‭ ‬انخفاضها،‭ ‬سيحول‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬تبني‭ ‬مفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬تعتمد‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الغواصات‭ ‬تشكل‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬البحرية‭ ‬ومستقبل‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬لقدرات‭ ‬الغواصات،‭ ‬تعمل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الأنظمة‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات،‭ ‬بالتالي،‭ ‬يعتمد‭ ‬مستقبل‭ ‬الحروب‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬استباق‭ ‬التطورات،‭ ‬ونجاحها‭ ‬في‭ ‬دمج‭ ‬أحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬بالفعل،‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬قدرات‭ ‬الاستشراف‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخوارزميات‭ ‬ومنطق‭ ‬الآلة‭.‬

عدنان‭ ‬موسى‭  ‭‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض