كتاب العدد584

طريقة الصين في الحرب البحرية: منطق ماهان وقواعد ماو

تفترض الدراسة أن الخبير الجيواستراتيجي والمؤرخ الأمريكي ألفريد ثاير ماهان، يقدِّم “منطق” الاستراتيجية البحرية الصينية، وهو الذي يدفع الصين إلى حشد الأساطيل البحرية والتجارية، والتجارة الدولية، والقواعد البحرية الأمامية، أي التمتع بخصائص القوة البحرية. أما الزعيم الصيني، ماو تسي تونج، فهو يقدِّم “القواعد” التي سينفِّذ جيش التحرير الشعبي من خلالها عملياته البحرية الخارجية، أمَّا وين هيوز، كابتن البحرية الأمريكي، فقد طوَّر النماذج العامة الثلاثة بشأن تكتيكات الأساطيل، بحسب التفضيلات الاستراتيجية الصينية، وهو ما تتطرَّق إليه الدراسة بالتفصيل، وتخلص إلى نتيجة مفادها أن القادة الصينيين يميلون إلى البدء بشنِّ الهجمات المتفرِّقة، تليها الهجمات المتسلسلة، فالهجمات المكثفة، أو المحتشدة. ويُمَكِّن قادة البحرية الأمريكية، من خلال الاطلاع على التفضيلات الصينية، أن يقفوا على الكيفية التي سيشنُّ بها هذا الخصم البحري المرتقب حربه.

مستقبل الجيش الصيني 

ويقدِّم وين هيوز إلى أفراد البحرية الأمريكية دليلاً لخوض المعارك البحرية في آسيا، فجيش التحرير الشعبي، أي الجيش الصيني، الذي تزداد احتمالات أن يصبح، دون غيره، خصم البحرية الأمريكية، تزداد قدرته على دمج الحرب البحرية فوق السطح وتحته، (أي في السفن والغواصات)، مع الحرب الجوية، لإيجاد دفاع قوي في وجه التهديدات المحمولة بحراً، من تلك التي تواجه الصين. وتتغيَّر البيئة الاستراتيجية في المياه الآسيوية بوتيرة تتسم بالفوضى. وين هيوز وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تكيِّف أساليبها وأسلحتها على وجه السرعة، إذا كانت تأمل المحافظة على التفوق البحري، الذي عاد بالفائدة على مصالحها، وعلى المنطقة، على مدى الأعوام الستين، أو أكثر الماضية.

التحديات الصينية 

وتمثل تحليلات هيوز، في كتابه “تكتيكات الأساطيل والمعارك الساحلية”، أساساً لتحليل التحديات التي تمثِّلها التكتيكات الصينية المضادة للسفن. ولكن الكتاب لا يتطرَّق عموماً إلى المسائل العملياتية، كما أنه يخلو من السياق السياسي، والسياق الثقافي، والسياق الاستراتيجي. وهو، كأي نظرية جيدة، يمكن تكييفه ليناسب مختلف الظروف، ولكن هناك جانب تقني لا ريب فيه لتلك الروايات التي تُعَدُّ من الضرورات في مؤسسات التدريب التابعة للبحرية الأمريكية. أمَّا الجانب السلبي في النـهـج التجريدي للحروب البحرية، فيُمَثَّل بأن أطروحات هيوز، لدى تناولها بمعزل عن أي شيء آخر، توحي بقوة أن التكنولوجيا هي التي تقرر نتائج المواجهات العسكرية البحرية، فأساطيل العدو تقاتل بضراوة في أعالي البحار، مستعينةً بكمٍّ كبير من الأسلحة الدقيقة التوجيه. والقتال بالقرب من شواطئ العدو من شأنه تعقيد الأمور، فالدفاعات الساحلية قد تطلق صواريخ سطح–سطح على القوات الأمريكية، كما قد تطلق الطائرات المنطلقة من قواعد برية صواريخ مضادة للسفن من أعلى. وقد تتربَّص الغواصات الساكنة التي تعمل بالديزل والكهرباء في الأسفل، انتظاراً لفرصة إطلاق الطوربيدات. وفي جميع الأحوال يعمد كلا الطرفين إلى الاستعانة بكل ما في حوزته من سلاح وذخيرة، ويكون النصر، على الأرجح، من نصيب الطرف الذي يسدِّد الضربة الأولى. 

وأما بالنسبة إلى هيوز، فإن محدِّدات المعارك البحرية العالية التقنية هي:

أولاً: “فاعلية عمليات الاستطلاع”، وهو ما يعني الاستخدام المتقن لأجهزة الاستشعار بنوعيها البحري والبري، وللنظم القتالية، ولوسائل الربط الحاسوبي لتبادل المعلومات.

وثانياً: “مدى الأسلحة”، أو القدرة على توجيه الضربات من مسافات بعيدة.

وثالثاً: التكتيكات التي تحددها فاعلية عمليات الاستطلاع، والمدى الذي تصل إليه أسلحة الأسطول. والوصف الذي يقدمه هيوز دقيق، من دون شك، ولكنه محدود، فما سيحدِّد نتائج أي اشتباك بحري بين الجانبين الصيني والأمريكي بشكل أكبر كثيراً من مدى الصواريخ هو فاعلية أجهزة الكشف، أو خوارزميات الكشف من أجل الاشتباك. 

التكتيكات الصينية

وعموماً تتناول الدراسة الصين بصفتها خصماً محتملاً، بغية تعزيز معرفة القوات الأمريكية بالغايات والطرائق والوسائل التي يُحتمل أن توجِّه الجهود الصينية في أوقات الأزمات، أو الحروب. وترى الدراسة ما يأتي:

– يساعد منطق ماهان الجيوسياسي على إعطاء استراتيجية الصين البحرية دفعة، ومن الممكن أن يؤدي إلى مواجهة مسلحة ضد الولايات المتحدة الأمريكية. 

– يمثِّل بحر الصين الجنوبي المسرح البحري، الذي تزداد الاحتمالات بأن تنشر فيه بكين قواتها المسلحة، ويتضمَّن ذلك هجمات الأسلحة المشتركة المصمَّمة لمقابلة دفاعات قوات المهمات الأمريكية والتفوق عليها، بغية تحقيق أهدافها الجيوسياسية والاستراتيجية.

– ستهتدي التكتيكات والممارسات العملياتية الصينية بمؤلفات ماو تسي تونج، إذا نشب صدام مسلَّح قبالة تايوان، أو في بحر الصين الجنوبي، أو في أي مكان آخر. 

– ستدمِج القوات الصينية نظم الأسلحة الحديثة والقديمة في هجمات “تقليدية” و”غير تقليدية” مشتركة، إذ ستنفِّذ أعمالاً شديدة الهجومية، لخدمة أهدافها الدفاعية الاستراتيجية، ولن تكون الهجمات الجوية الوسيلة الوحيدة التي تنفِّذ بها القوات عملياتها.

– ومن بين السيناريوهات التكتيكية الثلاثة، التي يقترحها وين هيوز، قد يفضِّل مخططو البحرية الصينية وقادتها الهجمات المتفرقة، تليها الهجمات المتسلسلة، فالهجمات المكثفة.

الخلاصة

ويخلص مؤلف الدراسة إلى التنبيه على أنه لا يتوقَّع نشوب حرب بحرية في آسيا. والمجال رَحْب بشأن الجدل حول نيات الصين ورؤيتها لمصيرها البحري، وليس في وسع واشنطن إغفال التفكير للمستقبل والاستعداد، لكونها ترى ـــ فقط ـــ أن احتمال وقوع صدام ضد الصين ضعيف. ومن خلال تدارس المنطق والقواعد في القوة البحرية الصينية، على هذا الأساس، يمكن خبراء الاستراتيجية الأمريكيين تصوُّر الكيفية التي سيدافع بها سلاح البحرية، التابع لجيش التحرير الشعبي، عن نفسه في المياه الآسيوية، عن طريق إقامة دفاع متكامل ضد الحاملات التابعة للبحرية الأمريكية، وقوات مهمَّاتها البرمائية.

معلومات المؤلف

جيمس هولمز

– أستاذ كرسي جيه. سي. وايلي للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية

– عضو في هيئة التدريس بكلية الشؤون العامة والدولية في جامعة جورجيا

– ضابط سابق في البحرية الأمريكية متخصِّص بحرب السطح

– آخر ضابط مدفعية في التاريخ يستخدم مدافع السفن الحربية في الحروب، إذ كان ذلك في أثناء حرب الخليج الأولى في عام 1991

– نال جائزة مؤسسة كلية الحرب البحرية في عام 1994، حين كان الأول ضمن طلاب دفعته

– من مؤلفاته كتاب “النجم الأحمر فوق المحيط الهادئ” الذي صنَّفته مجلة ذا أتلانتك أفضل كتاب للشهر في عام 2010، ويُعَدُّ من الكتب الثابتة في قائمة البحرية للقراءة 

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2011

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض