الحرب عن بعد copy

الحرب عن بُعد: دور التكنولوجيا في الحرب

بدأ الخيال العلمي يتحول واقعاً حربياً من خلال تحول هائل في التقنية العسكرية، يؤثر في المعارك، وفي السياسة، والاقتصاد، والقوانين، والأخلاقيات المحيطة بالحرب. وخلال العقد الأول من القرن الجديد، كان هناك الآلاف من المنظومات الروبوتية مستخدمة في العراق، وكان الطيارون الجالسون في نيفادا يقتلون الإرهابيين في أفغانستان عن بُعد، وكان العلماء يناقشون درجة الذكاء والدموية في برمجة اختراعاتهم الروبوتية؛ وكثير من أشهر مؤلفي قصص الخيال العلمي يقدِّمون خدمات استشارية إلى البنتاجون بشأن الجيل الآتي من الأسلحة الروبوتية.
التقنيات الحديثة وأثرها في الحروب
ومع تلك التقنيات ازدادت سهولة بدء الحروب، وانتزاع العنصر البشـري من ميادين القتال؛ إذ إن خفض التكلفة البشرية للحرب يغري بمزيد من الحروب، كما تتقوَّض الديمقراطية بإبعاد الشعب عن قرار الحرب، ويَقل تَقيُّد الحروب بالضوابط الأخلاقية.
والمفارقة أن تلك التقنيات من شأنها أن تسبب الضرر لمن اخترعوها، حيث بدأت الدول الأخرى، وكذلك الإرهابيون، في صنع أسلحتهم الروبوتية الخاصة، أو شرائها، ما قد يقوِّض التفوق العسكري الأمريكي، إذ يستفيد الأعداء والجماعات الإرهابية مجاناً من استثمارات الدول والصناعات لتطوير التقنيات، مثل الإنترنت وبرامج تحديد المواقع، في تخطيط عملياتهم، واختيار أهدافهم.
الروبوتات الحربية
وتتيح الروبوتات الحربية رقابة مستمرة، في مختلف الأوقات والأجواء، وتتمتع بدقة متناهية في إصابة الأهداف، ولعل أهم مزاياها هي إمكانية المخاطرة بها، والاقتراب من مصادر الخطر، وتعدُّد مهامها، فهي منصات يمكن تركيب أي شيء عليها من الكاميرات إلى الأسلحة. كما تتحمَّل الروبوتات ظروفاً فوق طاقة الجسم البشري، مثل المناورات الحادَّة بالطائرات، وتقلبات الموج القصوى، ويمكنها التواصل وتبادل المعلومات بسرعة فائقة باستخدام لغة برامجية مشتركة. ويسعى سلاح الجو الأمريكي إلى تشغيل 45 % من أسطوله المستقبلي من القاذفات الكبيرة من دون طيار، ويعتقد بعضهم أن الطائرات الصغيرة غير المأهولة ستشكل 75 % من القوات الجوية المستقبلية للجيش، كما بنت الولايات المتحدة عدداً من الأنظمة غير المأهولة للاستخدام في الفضاء، ما فتح الباب أمام سباق تسلح جديد.
وينفي المعنيون فكرة منح الروبوتات القدرة على إطلاق النار ذاتيّاً، ويقولون إن الروبوتات ستحتاج إلى الإذن البشري لإطلاق النار، ولكن قد يصعب ذلك عمليّاً لصعوبة التحكم البشـري المتزامن في عدد كبير من الروبوتات، مع ضيق وقت المعركة، وكثافة البيانات التي تجمعها الروبوتات وتعالجها، ولكن يخشى كثيرون احتمالات عطب الروبوتات، أو اختلال البرمجة، أو تداخل الإشارات، أو سوء تفسير المعلومات، ليطلق الروبوت المسلح النار في غير موضعها، مع إمكانية تدخُّل العدو وتشويشه على الروبوتات.
ويسعى الجيش الأمريكي إلى أن تكون قواته روبوتية أساساً بحلول عام 2025، وتنص إحدى الخطط على أن تشمل المفارز 150 جنديّاً و2000 روبوت، وستتمتع الروبوتات باستقلالية جزئية أو كاملة ضمن حدود المهمة؛ ومع أن المحارب البشري لن يندثر؛ فإنه لن يحتكر قرارات الحرب، وضمنها قرارات الحياة أو الموت.
وستتغير ديموغرافيات الجيش نتيجة لتزايد استخدام الروبوتات؛ فمع زيادة استقلالية المنظومات وحداثتها أصبحت تتطلَّب تدخلاً بشريّاً أقل، وتدريباً أقل لمشغليها من الرجال والنساء، وتضطلع القوات الأحدث سنّاً بأدوار كانت تقتصر على قوات أكبر سنّاً ورتب أعلى، كما تُمكّن التقنيات الجديدة كبار السن أو مصابي الحروب من مواصلة القتال، وقد تزودهم الأجهزة التعويضية الحديثة بقدرات أكثر من الطبيعية، ولأن الطائرات تطير في الواقع من قواعد بمناطق الحروب، فإن فريق الدعم “المدني” يكون معرَّضاً لخطر مادي يفوق ما يتعرض له الطيارون “العسكريون” الذين يطيّرونها من نيفادا، ولا يتعرَّضون إلا لخطر “افتراضي”.
ومن شأن المنظومات الروبوتية أن تضعف الروح المعنوية للعدو، ففكرة الموت على يد آلة خاضعة للتحكُّم فيها من بُعد تثبّط الهمة، ويستطيع الجيل الجديد من المنظومات غير المأهولة زرع الرعب والارتباك من خلال إكسابها مظهراً أو صوتاً مخيفاً، ولكن سرعان ما يتكيف العدو مع الأسلحة الجديدة، وقد تُفهَم منها رسائل غير مرغوب فيها، مثل حساسية القوات الأمريكية للقتل؛ فتزداد الرغبة في قتل الأمريكيين حتى في داخل الولايات المتحدة، كما يؤدي استخدام القوة بإفراط، وإصابة المدنيين، إلى تنفير الحلفاء وجلب الأعداء، ويُعقّدان شروط بناء هيكليات السلام بعد الحرب.
وتتطلب الثورة الروبوتية ثورة قانونية مقابلة، فالتقنيات الجديدة تتجاوز قواعد تنظيم الحروب، ولا تجد اهتماماً كبيراً من المنظمات المعنية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، التي تنظر إليها بصفتها تقنيات مستقبلية جدّاً، بينما يتجنَّب صانعو الروبوتات وموظفو الوكالات الحكومية الحديث عن المراجعات الأخلاقية والقانونية لهذه الأسلحة الجديدة، كما يخشى الجنود “عرقلة” القانون لمهماتهم.
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: الحرب عن بُعد: دور التكنولوجيا في الحرب
المؤلف: بيتر سينجر
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
الصفحات: 825
سنة النشر: 2010
معلومات المؤلف: بيتر سينجر
زميل أول في مؤسسة بروكينجز، عمل من قبل استشارياً لدى وزارتي الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية والكونجرس، له كتابان سابقان هما الشركات المحاربة: صعود الصناعة العسكرية المخصخصة, وأطفال في حرب، نُشرت له دراسات في صحيفة نيويورك تايمز ومجلة فورين أفيرز.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض