صورة-كتاب-الاستراتيجية-العسكرية copy

الاستراتيجية العسكرية سياسة وأسلوب الحرب

يسعى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬أبرز‭ ‬تحدٍّ‭ ‬يواجه‭ ‬الاستراتيجيين،‭ ‬وهو‭ ‬تحديد‭ ‬هدف‭ ‬الحرب‭.‬

وقد‭ ‬توصل‭ ‬القائد‭ ‬الألماني‭ ‬الشهير‭ ‬كارل‭ ‬فون‭ ‬كلاوزفيتز‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬العدو‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة‭ ‬ممكنة،‭ ‬لكنه‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬يتعذَّر‭ ‬تحقيقه‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان؛‭ ‬لأن‭ ‬العدو‭ ‬ليس‭ ‬طرفاً‭ ‬ساكناً؛‭ ‬ولذلك‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬بديل‭. ‬لقد‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬عمل‭ ‬سياسي‭ ‬محض؛‭ ‬فالخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬أهداف‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬أيضاً‭. ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬هي‭ ‬عمل‭ ‬سياسي‭ ‬محض،‭ ‬يستلزم‭ ‬نجاحه‭ ‬ممارسة‭ ‬حسن‭ ‬تقدير‭ ‬الأمور؛‭ ‬فأهم‭ ‬المقومات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسلح‭ ‬بها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬جيداً‭ ‬دوافع‭ ‬عدوه‭ ‬لخوض‭ ‬الحرب،‭ ‬ومدى‭ ‬قوة‭ ‬تلك‭ ‬الدوافع‭. ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬لن‭ ‬يجدي‭ ‬تفوق‭ ‬الوسائل‭ ‬الفنية‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬صعوبة‭ ‬هذه‭ ‬المهمة،‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بالحروب‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬لليقين؛‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ميل‭ ‬متواصل‭ ‬لدى‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اليقين‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬الأساليب‭ ‬العسكرية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬واختزال‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬ممارسة‭ ‬للاستخدام‭ ‬الكفء‭ ‬للقوة،‭ ‬مع‭ ‬تهميش‭ ‬الاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬ويصبح‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إقامة‭ ‬سلام‭ ‬جديد‭. ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬بصفتها‭ ‬مشروعاً‭ ‬عسكرياً‭ – ‬فنياً‭ ‬هو‭ ‬أسلوب‭ ‬يفرز‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحوال،‭ ‬ولا‭ ‬يغني‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬الاستعدادات‭ ‬الخاصة‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬المسلحة‭ ‬ضمن‭ ‬السياق‭ ‬السياسي‭ ‬الأوسع؛‭ ‬فالقوة‭ ‬تفرز‭ ‬قوة،‭ ‬وكل‭ ‬أسلوب‭ ‬له‭ ‬أسلوب‭ ‬مقابل،‭ ‬وهكذا‭ ‬ترتفع‭ ‬وتيرة‭ ‬العنف‭ ‬بشكل‭ ‬تصبح‭ ‬فيه‭ ‬التكاليف‭ ‬النهائية‭ ‬للحرب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إليها‭ ‬أساساً‭. ‬

ويخلص‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقاربة‭ ‬تحليلية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬المناهج‭ ‬التاريخية‭ ‬ونظريات‭ ‬صنع‭ ‬القرار؛‭ ‬وذلك‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الحلقات‭ ‬التاريخية‭ ‬المختلفة‭ ‬لممارسة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬منذ‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عام‭ ‬1789،‭ ‬وحتى‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬مع‭ ‬التركيز،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حالة،‭ ‬على‭ ‬استخلاص‭ ‬طبيعة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬محدَّدة‭ ‬من‭ ‬الاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ – ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬حينها،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬كانت‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الاعتبارات‭ ‬ناجحة‭. ‬أي‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬صياغة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬سياسية‭ ‬وفنية‭ ‬مختلفة‭ ‬ومتعددة،‭ ‬مع‭ ‬افتراض‭ ‬عقلانية‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

ولملاءمة‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة،‭ ‬قُسِّم‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬سبعة‭ ‬فصول،‭ ‬حيث‭ ‬يبيِّن‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬كيف‭ ‬أدت‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬مساحة‭ ‬أمام‭ ‬الأسلوب‭ ‬العسكري‭ ‬ليمارس‭ ‬دوراً‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭. ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني؛‭ ‬فيحلل‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬حرب‭ ‬توحيد‭ ‬ألمانيا‭ ‬وما‭ ‬تلاها،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬ويبيِّن‭ ‬كيف‭ ‬نجح‭ ‬بسمارك‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬جيش‭ ‬بروسيا‭ – ‬المتفوق‭ ‬عسكرياً‭ – ‬لبناء‭ ‬وحدة‭ ‬ألمانيا‭ ‬السياسية‭. ‬ويبين‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬تكاليف‭ ‬الحرب‭ ‬الحديثة‭ – ‬كما‭ ‬أظهرت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭- ‬أسهمت‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬الأهمية‭ ‬السياسية‭ ‬للحرب‭. ‬ويُعنى‭ ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ ‬بالاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1941‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1961،‭ ‬ويبين‭ ‬كيف‭ ‬تغير‭ ‬الأسلوب‭ ‬العسكري‭ ‬تجنباً‭ ‬للتكاليف‭ ‬الباهظة‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬الحروب‭ ‬حتى‭ ‬الرمق‭ ‬الأخير؛‭ ‬حيث‭ ‬ركزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬قواتها‭ ‬الممَيكَنة‭ ‬البرية‭ ‬والجوية‭ ‬المتطورة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحرز‭ ‬السبق‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬ويستعرض‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬تطور‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بشأن‭ ‬الحرب‭ ‬النووية،‭ ‬التي‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬العدوان‭ ‬السوفييتي‭ ‬يمكن‭ ‬ردعه‭ ‬بالتهديد‭ ‬بشن‭ ‬عمل‭ ‬انتقامي‭ ‬نووي‭. ‬ويدرس‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬تطور‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬الحرب‭ ‬التقليدية‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬فيناقش‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬شُنَّت‭ ‬وسط‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعها‭ ‬بإمكانية‭ ‬تجاوز‭ ‬مشكلة‭ ‬استهداف‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬بالقوة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬أسلوب‭ ‬عسكري‭ ‬متطور‭ ‬لإعادة‭ ‬هندسة‭ ‬العالم،‭ ‬وبناء‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬معادٍ‭ ‬للنظريات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تعريض‭ ‬الإرهابيين‭ ‬للهجوم‭ ‬المباشر‭. ‬

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض