Screenshot 2025-11-29 at 12.31.06 AM

سمنة الأطفال

تُعدّ سمنة الأطفال من القضايا الصحية التي تزداد انتشاراً عاماً بعد عام، حتى أصبحت تُصنّف عالمياً كأحد أهم التحديات التي تواجه الصحة العامة، والمفارقة أن هذا الخطر غالباً ما يُغلف بمفاهيم اجتماعية خاطئة، إذ ما زال كثير من الناس يربطون الوزن الزائد عند الطفل بالصحة الجيدة والعافية، بينما تكشف الحقائق الطبية عكس ذلك تماماً.

فزيادة الوزن في مرحلة الطفولة لا تعني بالضرورة صحة أو نمواً سليماً بل قد تكون مؤشراً مبكراً لمشكلات صحية ونفسية تمتد حتى مرحلة البلوغ والتي قد تؤثر في جودة حياة الطفل ومستقبله.
السمنة ليست مجرد مظهر خارجي بل حالة طبية تنتج عن تراكم مفرط للدهون في الجسم نتيجة اختلال التوازن بين ما يتناوله الطفل من سعرات حرارية وما يستهلكه من طاقة، ومع مرور الوقت يتحول هذا الخلل البسيط إلى مشكلة مزمنة.

أسباب السمنة عند الأطفال

تتعدد أسباب السمنة عند الاطفال وتتشابك ولا يمكن حصرها في عامل واحد فهي نتاج تفاعل بين الوراثة، والعادات الغذائية، والعوامل النفسية والبيئية.

العوامل الوراثية: تلعب دوراً واضحاً في قابلية الطفل لاكتساب الوزن خصوصاً إذا كان أحد الوالدين يعاني من السمنة.

العوامل النفسية والاجتماعية: بعض الأطفال يتناولون الطعام كرد فعل للتوتر أو القلق أو الملل، وقد تساهم بعض الأدوية مثل مضادات الاكتئاب في زيادة الوزن.

العوامل الصحية: هناك حالات نادرة ترتبط باضطرابات هرمونية كخمول الغدة الدرقية أو اضطرابات النمو.

العوامل البيئية: تُعد اليوم من أبرز الأسباب المؤدية للسمنة بين الأطفال، إذ تغيّر نمط الحياة بشكل ملحوظ مع تطور التكنولوجيا فقلّت الحركة اليومية، وكثر الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات وحلت

 الأجهزة الإلكترونية محل النشاط البدني الطبيعي، ونتيجة لذلك بات كثير من الأطفال يستهلكون سعرات حرارية عالية دون بذل جهد كافٍ لحرقها، إلى جانب الإفراط في تناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، مقابل ضعف الإقبال على الخضروات والفواكه الطازجة التي تُعدّ مصدراً أساسياً للتغذية المتوازنة.

الانعكاسات الصحية والنفسية

لا تقتصر السمنة على الزيادة في الوزن بل تترك آثاراً عميقة على صحة الطفل الجسدية والنفسية، فالأطفال المصابون بالسمنة أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، ودهون الكبد، واضطرابات التنفس أثناء النوم، وأمراض القلب في عمر مبكر، كما أن زيادة الوزن تجهد المفاصل والعظام، وتحدّ من القدرة على الحركة والنشاط.

أما من الناحية النفسية فغالباً ما يعاني الطفل من مشاعر الخجل والعزلة وقد يتعرض للتنمّر من أقرانه، وهذه التجارب تترك أثراً طويل الأمد في ثقته بنفسه وصورته عن جسده مما يجعله أكثر عرضة للاكتئاب أو اضطرابات الأكل في المستقبل وهنا تكمن خطورة السمنة لأنها تمسّ الجسد والنفس في آنٍ واحد.

الوقاية تبدأ من البيت

الوقاية من سمنة الأطفال مسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة فالطفل يتعلّم من الملاحظة أكثر مما يتعلّم من التوجيه المباشر، فإذا اعتاد أن يرى والديه يتناولان الوجبات السريعة يومياً أو يكثران من المشروبات الغازية فسيتبنى السلوك ذاته دون وعي، لذلك يعدّ تصحيح النمط الغذائي للأسرة بأكملها الخطوة الأولى نحو الوقاية.

ومن المهم أن تكون الوجبات المنزلية متوازنة وتحتوي على الخضروات والفواكه والبروتينات الصحية مع تقليل السكريات والمقليات، كما يجب تجنّب استخدام الطعام كوسيلة للترغيب أو العقاب لأن ذلك يربط الأكل بالمشاعر وليس بالحاجة الجسدية، وهذا وبالإضافة إلى أن هناك بعض النقاط يجب مراعاتها للوقاية من سمنة الأطفال نذكر أهمها:

تنمية الوعي الغذائي

من المفيد إشراك الأطفال في اختيار مكونات الطعام وإعداد الوجبات فذلك يعزّز إحساسهم بالمسؤولية ويجعلهم أكثر تقبّلاً للأطعمة الصحية، فعندما يشعر الطفل أن اختياره محترم يصبح أكثر استعداداً لتجربة الخضروات أو الفواكه الجديدة ويتحوّل الأكل الصحي من واجب إلى عادة ممتعة.

ضبط وقت الشاشة وزيادة النشاط البدني

توصي منظمة الصحة العالمية بألّا يتجاوز وقت استخدام الأجهزة الإلكترونية ساعتين يومياً للأطفال مع ضرورة تخصيص وقت كافٍ للأنشطة البدنية، وليس المقصود فقط ممارسة الرياضة المنتظمة بل أي نشاط يحرّك الجسم مثل المشي، أو اللعب في الحديقة، أو ركوب الدراجة، فالحركة اليومية مهما كانت بسيطة تساعد في تنظيم الوزن وتعزز صحة القلب والعظام.

الدعم النفسي والتواصل الإيجابي

من الأخطاء الشائعة أن يواجه الأهل الطفل المصاب بالسمنة بالنقد أو السخرية فهذا السلوك يزيد من معاناته النفسية لذلك يجب احتواء الطفل والتحدث معه بلغة إيجابية تشجعه على التغيير من دون إشعاره بالذنب، وعلينا أن نتذكر أن الدعم العاطفي أساس النجاح في أي خطة صحية فالطفل يحتاج إلى من يفهمه لا من يحاسبه.

التدخل الطبي لعلاج سمنة الأطفال

في بعض الحالات لا تكفي الاجراءات الوقائية السابقة ويصبح من الضروري استشارة طبيب الأطفال أو اختصاصي التغذية لتقييم الحالة ووضع خطة غذائية مناسبة لعمر الطفل واحتياجاته، فالمتابعة الدورية ضرورية لمراقبة نموه وضمان حصوله على كل العناصر الغذائية التي يحتاجها من دون إفراط في السعرات.

نحو مستقبل صحي لأطفالنا

سمنة الأطفال ليست قدراً لا يمكن تغييره بل يمكن الوقاية منها والسيطرة عليها بوعي جماعي يبدأ من الأسرة ويمتد إلى المدرسة والمجتمع، المطلوب أن نغيّر نظرتنا القديمة التي تربط الوزن بالصحة، وأن نفهم أن العافية الحقيقية تكمن في التوازن والاعتدال، وإنّ بناء جيلٍ صحي لا يعتمد على الحرمان أو القسوة بل

على الوعي، والقدوة الحسنة، والمثابرة على تبنّي نمط حياة متوازن يضمن للطفل نمواً سليماً جسدياً ونفسياً، فكل خطوة صغيرة نحو غذاء صحي وحركة منتظمة هي استثمار في صحة أبنائنا ومستقبلهم.

الدكتورة بدرية الحرمي، استشارية الصحة العامة

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض