Earth at he night. Abstract wallpaper. City lights on planet. Civilization. Elements of this image furnished by NASA

مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية

أجرت‭ ‬فرنسا‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬تدريبات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركائها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬كألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وتمت‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬آستر‭ ‬إكس‮»‬‭ ‬وأجريت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬وحضرها‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون،‭ ‬بشكل‭ ‬افتراضي،‭ ‬وشاركت‭ ‬فيها‭ ‬مؤسسات‭ ‬عسكرية‭ ‬ومدنية‭ ‬ضمن‭ ‬تمرين‭ ‬متكامل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الفضاء‭ ‬ضد‭ ‬أعداء‭ ‬افتراضيين‭ ‬يهددون‭ ‬المصالح‭ ‬الفرنسية،‭ ‬واستهدفت‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭ ‬بالأساس‭ ‬تقييم‭ ‬قدرة‭ ‬فرنسا‭ ‬وحلفائها‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬أقمارها‭ ‬الاصطناعية‭.‬

وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أحدث‭ ‬المظاهر‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬المخاوف‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬تزايد‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء،‭ ‬والتهديدات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمثلها،‭ ‬وكيفية‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬الاعتماد‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القضايا‭ ‬التنموية‭ ‬والحياتية،‭ ‬وهي‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬ستحاول‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬إالقاء‭ ‬الضوء‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحاور‭ ‬التالية‭:‬

أولاً‭: ‬دلالات‭ ‬الخطوة‭ ‬الفرنسية‭:‬

تنطوي‭ ‬الخطوة‭ ‬الفرنسية‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬المهمة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭:‬

تنامي‭ ‬النظر‭ ‬للفضاء‭ ‬باعتباره‭ ‬ساحة‭ ‬للتنافس‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬وأداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية‭ ‬للدول،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يجب‭ ‬الاستعداد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬كافة‭ ‬السيناريوهات‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭. ‬وكانت‭ ‬وزيرة‭ ‬الجيوش‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فلورانس‭ ‬بارلي‭ ‬قد‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬لها‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬أكدت‭ ‬خلاله‭ ‬ضرورة‭ ‬‮«‬العبور‭ ‬من‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬ملكية‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬العلوم،‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬القوى‭ ‬تتنافس‭ ‬ضمنه‭ ‬حول‭ ‬الهيمنة‭ ‬العالمية‮»‬‭. ‬ويبرز‭ ‬هنا‭ ‬أيضاً‭ ‬تصريح‭ ‬قائد‭ ‬أركان‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الفرنسي‭ ‬الجنرال‭ ‬فيليب‭ ‬لافيني‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2018،‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬فيه‭: ‬اذا‭ ‬خسرنا‭ ‬حرب‭ ‬الفضاء،‭ ‬فاننا‭ ‬سنخسر‭ ‬الحرب‭ ‬ببساطة‭.‬

تعدد‭ ‬مصادر‭ ‬التهديد‭ ‬العسكري‭ ‬الفضائي‭ ‬وضرورة‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستباقي‭ ‬لمواجهتها،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يمكن‭ ‬تبينه‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الواسعة‭ ‬والسيناريوهات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬ركزت‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭. ‬فهذه‭ ‬التدريبات‭ ‬الافتراضية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬18‭ ‬سيناريو‭ ‬متخيلاً‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬سيناريو‭ ‬متخيل‭ ‬لأزمة‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬تملك‭ ‬مؤهلات‭ ‬فضائية‭ ‬وبلد‭ ‬آخر‭ ‬تربطه‭ ‬معاهدة‭ ‬دفاع‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬فرنسا‭ ‬تجد‭ ‬فرنسا‭ ‬نفسها‭ ‬بموجبه‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬حرب‭ ‬يتحرك‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬هدف،‭ ‬وتتمخض‭ ‬عنه‭ ‬تهديدات‭ ‬باختراق‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬الفرنسي‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬سيناريو‭ ‬افتراضي‭ ‬بقيام‭ ‬دولة‭ ‬معادية‭ ‬بالتعرّض‭ ‬إلى‭ ‬قمر‭ ‬اصطناعي‭ ‬فرنسي‭ ‬أو‭ ‬بسقوط‭ ‬حطام‭ ‬أقمار‭ ‬صناعية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفرنسية‭ ‬تهدد‭ ‬السكان‭ ‬المدنيين‭. ‬وشملت‭ ‬المناورات‭ ‬كذلك‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الخاصة‭ ‬بفرنسا‭ ‬وحلفائها‭ ‬والتي‭ ‬بمقدورها‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬تهديدات‭ ‬تستهدفها‭ ‬من‭ ‬مسافة‭ ‬تتعدى‭ ‬الثلاثة‭  ‬آلاف‭ ‬كيلومتر‭.‬

حرص‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬موقعها‭ ‬ضمن‭ ‬خريطة‭ ‬القوى‭ ‬المهيمنة‭ ‬فضائياً‭. ‬فهذه‭ ‬التدريبات‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬خطة‭ ‬استراتيجية‭ ‬فرنسية‭ ‬تستهدف‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تحول‭ ‬فيه‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬تنافس‭ ‬شرسة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهي‭ ‬تعكس‭ ‬رغبة‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الشاسع،‭ ‬وهي‭ ‬الرغبة‭ ‬التي‭ ‬عكستها‭ ‬سلسلة‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬إنشاء‭ ‬قيادة‭ ‬عسكرية‭ ‬مخصصة‭ ‬للفضاء‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬هيكل‭ ‬تنظيمي‭ ‬جديد‭ ‬داخل‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬والجيوش‭ ‬الفرنسية،‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬السيطرة‭ ‬الكلية‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية‭ ‬ومجابهة‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحدق‭ ‬بالمنظومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وتغير‭ ‬اسم‭ ‬رئاسة‭ ‬أركان‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الفرنسي‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬أركان‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬والفضاء،‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬يرسم‭ ‬حدوداً‭ ‬جديدة‭. ‬كما‭ ‬تضع‭ ‬فرنسا‭ ‬موازنة‭ ‬سنوية‭ ‬بملياري‭ ‬يورو‭ ‬مخصصة‭ ‬لمسائل‭ ‬الفضاء‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية،‭ ‬ورغم‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الميزانية،‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬القوى‭ ‬المتصدرة‭ ‬للمشهد،‭ ‬وهي‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ (‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭) ‬والصين‭ (‬10‭ ‬مليارات‭) ‬وروسيا‭ (‬4‭ ‬مليارات‭) ‬بحسب‭ ‬أرقام‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭.‬

‬تعكس‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭ ‬رغبة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬استقلاليتها‭ ‬وموقعها‭ ‬القيادي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬الفضائي،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬فرنسا‭ ‬تشارك‭ ‬فقط‭ ‬كبلد‭ ‬ضيف‭ ‬في‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬قامت‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بقيادة‭ ‬التدريب‭ ‬الفضائي‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬تولوز‭. ‬وهذه‭ ‬التدريبات‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وتأتي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يكثر‭ ‬فيه‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬بناء‭ ‬أوروبا‭ ‬لقدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬المستقلة‭.‬

ثانياً‭: ‬مظاهر‭ ‬الاتجاه‭ ‬المتنامي‭ ‬نحو‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭:‬

الحديث‭ ‬عن‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد،‭ ‬وإنما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬عندما‭ ‬أطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكى‭ ‬الأسبق‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬النجوم‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬برنامج‭ ‬لتطوير‭ ‬نظام‭ ‬دفاعي‭ ‬صاروخي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬أحدث‭ ‬التقنيات‭ ‬لإحباط‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالصواريخ‭ ‬البالستيةورصد‭ ‬لإنجاز‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬موازنة‭ ‬قدرها‭ ‬26‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬ورداً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬طور‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬برنامجاً‭ ‬باسم‭ ‬قاتل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬تمت‭ ‬تجربته‭ ‬بنجاح‭ ‬عندما‭ ‬نجح‭ ‬صاروخ‭ ‬تسيركون‭ ‬2‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مركبة‭ ‬فضاء‭ ‬اعتراضية،‭ ‬وفي‭ ‬سبتمبر‭ ‬1985‭ ‬أطلقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬صاروخاً‭ ‬مضاداً‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬من‭ ‬طائرة‭ ‬مقاتلة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬إف‭ ‬15‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬تدمير‭ ‬قمرها‭ ‬سولوفيند‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصين،‭ ‬فقد‭ ‬أجرت‭ ‬الاختبارات‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬صواريخها‭ ‬المضادة‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2005،‭ ‬وفي‭ ‬يناير‭ ‬2007،‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مركبة‭ ‬الفضاءFY-1C‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬باستخدام‭ ‬صاروخ‭ ‬أرضي‭ ‬مضاد‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭.‬

وفي‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تنامى‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬بدعوى‭ ‬حماية‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بعد‭ ‬تزايد‭ ‬أهمية‭ ‬الفضاء‭ ‬وتوظيفه‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التنموية‭ ‬المختلفة‭. ‬ففي‭ ‬سبتمبر‭ ‬2019،‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬تأسيس‭ ‬القيادة‭ ‬الفضائية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتكون‭ ‬الذراع‭ ‬العملية‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وخلال‭ ‬مراسم‭ ‬التدشين‭ ‬وصف‭ ‬ترامب‭ ‬الفضاء‭ ‬باعتباره‭ ‬أحدث‭ ‬ساحة‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وحدد‭ ‬مهمة‭ ‬هذه‭ ‬القيادة‭ ‬الفضاية‭ ‬في‭ ‬‮«‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬ردع‭ ‬العدوان‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الفضاء‮»‬‭.‬وفي‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه،‭ ‬التحقت‭ ‬الهند‭ ‬بمجموعة‭ ‬الدول‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬قمر‭ ‬صناعي‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬باستعمال‭ ‬صاروخ،‭ ‬ووصف‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الهندي‭ ‬ناريندرا‭ ‬مودي‭ ‬بلاده‭ ‬بأنها‭ ‬قوة‭ ‬فضائية‭ ‬كبرى‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬تجربة‭ ‬إسقاط‭ ‬القمر‭ ‬الصناعي‭ ‬التابع‭ ‬لها‭ ‬باستخدام‭ ‬دفاعياتها‭ ‬الصاروخية‭. ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬2020‭ ‬أكدت‭ ‬قيادة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأمريكية،‭ ‬امتلاكها‭ ‬‮«‬أدلة‮»‬‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬موسكو‭ ‬اختباراً‭ ‬غير‭ ‬مدمر‭ ‬لسلاح‭ ‬مضاد‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬ترسل‭ ‬مركبة‭ ‬غير‭ ‬مأهولة‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬القمر‭. ‬ونتيجة‭ ‬نجاح‭ ‬المهمة،‭ ‬واسمها‭ ‬‮«‬تشانغ‭ ‬5‮»‬،‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬مواد‭ ‬من‭ ‬القمر،‭ ‬وأول‭ ‬دولة‭ ‬تقوم‭ ‬بذلك‭ ‬خلال‭ ‬الـ40‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭. ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬اتفقت‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬محطة‭ ‬فضاء‭ ‬مشتركة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭. ‬وبعد‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬ثاني‭ ‬دولة‭ ‬تضع‭ ‬مركبة‭ ‬فضاء‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬المريخ‭. ‬وفي‭ ‬يونيو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬أرسلت‭ ‬الصين‭ ‬أول‭ ‬ثلاثة‭ ‬رواد‭ ‬فضاء‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬مهمة‭ ‬مأهولة‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭. ‬وتهدف‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬قوة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬بحلول‭ ‬2030‭.‬

ومنذ‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬تم‭ ‬إجراء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬اختباراً‭ ‬لأنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬المضادة‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ (‬ASAT‭) ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬مختلفة،‭ ‬وهو‭ ‬معدل‭ ‬اختبار‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬منذ‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وهذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬المتنامي‭ ‬نحو‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬تغذية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬المهمة،‭ ‬أبرزها‭:‬

حالة‭ ‬التنافس‭ ‬المستعر‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الفضاء،‭ ‬وأزمة‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬تجاه‭ ‬نوايا‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الاتهامات‭ ‬المتبادلة‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬بتعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية،‭ ‬والتحذيرات‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬بتطوير‭ ‬خدمات‭ ‬فضائية‭ ‬‮«‬قوية‭ ‬وقادرة‮»‬‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بأنشطة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والمراقبة‭ ‬والاستطلاع،‭ ‬والاتهامات‭ ‬الصينية‭ ‬والروسية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬بعد‭ ‬قيامها‭ ‬بتأسيس‭ ‬فرع‭ ‬‮«‬القوة‭ ‬الفضائية‮»‬‭ ‬كفرع‭ ‬سادس‭ ‬لقواتها‭ ‬الفضائية،‭ ‬والاتهامات‭ ‬الفرنسية‭ ‬والغربية‭ ‬لروسيا‭ ‬بالتجسس‭ ‬على‭ ‬القمر‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬أثينا‭-‬فيدوس‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2017‭.‬

‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬تكنولوجيات‭ ‬صاروخية‭ ‬متطورة‭ ‬ولديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬امتلاكها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬أقمار‭ ‬التجسس،‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬جميعها‭ ‬تهديداً‭ ‬لقدرات‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الفضائية‭.‬

تزايد‭ ‬أهمية‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬فالتطورات‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬قطاع‭ ‬الفضاء‭ ‬أصبحت‭ ‬مكوناً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الثورة‭ ‬المعرفية‭ ‬والتطبيقات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬حياتهم،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬شبكات‭ ‬الإنترنت‭ ‬عالية‭ ‬السرعة‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وأنظمة‭ ‬الاتصالات‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬سهلت‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬البشر‭. ‬كما‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التطبيقات‭ ‬المبتكرة‭ ‬مثل‭ ‬نظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬العالمي‭ (‬GPS‭) ‬وإنترنت‭ ‬الأشياء،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬التنموية‭ ‬الجديدة‭ ‬مثل‭ ‬سياحة‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتاحة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفوائد‭ ‬والمزايا‭ ‬التنموية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬لخدمة‭ ‬البشر‭.‬

ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬شهدت‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفضاء‭ ‬تسارعاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬الاحصائيات‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬إلى‭ ‬تضاعف‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬بنحو‭ ‬16‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2019‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الخمسة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الحالية؛‭ ‬إذ‭ ‬ارتفعت‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2000‭-‬2004‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬35‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬من‭ ‬2010‭ ‬الى‭ ‬2014،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬16‭.‬84‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2015‭-‬2019‭.‬

‬تنامي‭ ‬أعداد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬الفضاء،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬نحو‭ ‬90‭ ‬بلداً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بإطلاق‭ ‬أقمار‭ ‬اصطناعية‭ ‬لأغراض‭ ‬مختلفة،‭ ‬وتمتلك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬دولة‭ ‬وكالات‭ ‬فضائية‭ ‬وطنية‭ ‬اليوم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تخشى‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬موقعها‭ ‬المهيمن‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬الفضاء‭ ‬العالمي‭.‬

‬الأهمية‭ ‬الحاسمة‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬يمثلها‭ ‬الفضاء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تحقيق‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬للدول،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخبارية‭ ‬وتحديد‭ ‬المواقع،‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭ ‬الأسلحة‭ ‬والتشويش‭ ‬على‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬أو‭ ‬استهدافها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬وتعطيل‭ ‬الاتصالات،‭ ‬والتجسس‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬والأدوار‭ ‬الحاسمة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استثمار‭ ‬الفضاء‭ ‬فيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وفي‭ ‬الفضاء‭.‬

ثالثاً‭:  ‬الاستعداد‭ ‬لسيناريوهات‭ ‬حروب‭ ‬الفضاء‭ ‬وكيفية‭ ‬تفاديها‭:‬

ثمة‭ ‬اتفاق‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬الباحثين‭ ‬والخبراء‭ ‬العسكريين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الفضاء‭ ‬باتت‭ ‬أمراً‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه،‭ ‬وأن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬مسألة‭ ‬وقت،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬مستويات‭ ‬أقل،‭ ‬مثل‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬والتجسس‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬الاستعداد‭ ‬لهذه‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية‭. ‬وتتم‭ ‬هذه‭ ‬الاستعدادات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أسلوبين‭ ‬رئيسيين‭:‬

الأول‭: ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬وأنظمة‭ ‬المحاكاة‭ ‬التخيلية،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلتها‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية‭ ‬التي‭ ‬أجرتها‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2021‭ ‬بمشاركة‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬أخرى،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التوضيح‭.‬

الثاني‭: ‬تطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬استهداف‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬وتدميرها‭ ‬والتشويش‭ ‬عليها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أنظمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬وأجهزة‭ ‬التشويش‭ ‬والهجمات‭ ‬السيبرانية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬والمحطات‭ ‬الأرضية‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها،‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬أشعة‭ ‬الليزر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعطيل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬وحتى‭ ‬استخدام‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭ (‬فضاء‭- ‬أرض‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تعكف‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬تطويرها‭ ‬حالياً‭.‬

ولكن‭ ‬التساؤل‭ ‬المحوري‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تفادي‭ ‬هذه‭ ‬السيناريوهات‭ ‬التدميرية،‭ ‬وتشجع‭ ‬التوجهات‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬باعتباره‭ ‬ساحة‭ ‬للتعاون‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستخدامات‭ ‬السلمية‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭.‬

الخطوة‭ ‬الأولى‭: ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬توجهات‭ ‬ومواقف‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬نفسها،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يبدو‭ ‬مثالياً،‭ ‬لأن‭ ‬الطبيعة‭ ‬التنافسية‭ ‬هي‭ ‬الحاكمة‭ ‬والمهيمنة‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭.‬

الخطوة‭ ‬الثانية‭: ‬وضع‭ ‬قواعد‭ ‬قانونية‭ ‬منظمة‭ ‬لاستخدامات‭ ‬الفضاء‭ ‬السلمية‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مظاهر‭ ‬لعسكرة‭ ‬الفضاء‭. ‬إن‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬الدولي‭ ‬الحالي‭ ‬يبدو‭ ‬متساهلاً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ضمنياً،‭ ‬تجاه‭ ‬تطوير‭ ‬واختبار‭ ‬ونشر‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفضائية،‭ ‬فمعاهدة‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬لعام‭ ‬1967‭ ‬لم‭ ‬تحظر‭ ‬وضع‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬قيود‭ ‬محددة‭ ‬على‭ ‬اختبار‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬أسلحة‭ ‬غير‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬ينطبق‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الأنشطة‭ ‬الفضائية‭ ‬وبالتالي‭ ‬يُحظَر‭ ‬الاعتداء‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬يُحظَر‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬توافق‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬استخداماً‭ ‬للقوة‭ ‬أو‭ ‬هجوماً‭ ‬مسلحاً‭ ‬ضد‭ ‬القدرات‭ ‬الفضائية‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إجماع‭ ‬دولي‭ ‬حول‭ ‬قواعد‭ ‬السلوك‭ ‬للقيام‭ ‬بالأنشطة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬أثناء‭ ‬أوقات‭ ‬السلم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الأخرى،‭ ‬والعتبة‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬لإطلاق‭ ‬رد‭ ‬مسلح‭ ‬مشروع‭ ‬كشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬هناك‭ ‬غموض‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬هدفاً‭ ‬عسكرياً‭ ‬مشروعاً‭ ‬أثناء‭ ‬النزاع،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الإطار‭ ‬القانوني‭ ‬الدولي‭ ‬بما‭ ‬يكفل‭ ‬حظر‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭. ‬

الخطوة‭ ‬الثالثة‭: ‬تعزيز‭ ‬التحركات‭ ‬الدولية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستخدامات‭ ‬السلمية‭ ‬للفضاء‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬الربح‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭.‬

إن‭ ‬صراعات‭ ‬العالم‭ ‬المشتعلة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬للفضاء‭ ‬الواسع،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الاستعداد‭ ‬لحروب‭ ‬الفضاء‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعاون‭ ‬والاستفادة‭ ‬المشتركة‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬الفضاء‭ ‬للمجالات‭ ‬التنموية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهنا‭ ‬يبدو‭ ‬صوت‭ ‬الحكمة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مهم‭. ‬

الدكتور‭ – ‬فتوح‭ ‬هيكل‭ ‬
(مدير‭ ‬الأبحاث‭ – ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات)

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض