589 Web Analysis A1

مستقبل الناتو في ضوء المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف

شكلت‭ ‬قمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلنطي ‭)‬ناتو) ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الإسبانية‭ ‬مدريد‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬28‭-‬30‭ ‬يونيو‬2022‭ ‬، نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحلف‭ ‬العسكري‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ومهامه‭ ‬واستراتيجياته‭ ‬المستقبلية،‭ ‬فبعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬استمرار‭ ‬الحلف‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬مصدر‭ ‬التهديد‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬من‭ ‬أجله،‭ ‬بتفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وتلاشي‭ ‬الخطر‭ ‬الشيوعي،‭ ‬جاءت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لتعيد‭ ‬الزخم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لهذا‭ ‬الحلف‭ ‬وتمنحه‭ ‬مبررات‭ ‬جديدة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للبقاء‭ ‬والاستمرارية‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬للتطور‭ ‬وتعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬للحلف‭ ‬وزيادة‭ ‬تماسكه‭ ‬الداخلي،‭ ‬وتحديث‭ ‬استراتيجيته‭ ‬الدفاعية‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬للتطورات‭ ‬الراهنة‭ ‬والمستقبلية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬تبني‭ ‬قمة‭ ‬مدريد‭ ‬مفهوماً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬جديداً‭ ‬للحلف،‭ ‬يرسم‭ ‬ملامح‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬مبادئه‭ ‬التوجيهية‭ ‬وأولوياته‭ ‬للفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الأعوام‭ (‬2030-2022‭)

انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تناقش‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬ما‭ ‬طرحته‭ ‬الوثيقة‭ ‬الجديدة‭ ‬للحلف‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬ومفهومه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬وأولوياته‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬والأدوات‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬الحلف‭ ‬لامتلاكها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬حددتها‭ ‬الوثيقة،‭ ‬ومستقبل‭ ‬الحلف‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭.‬

تطور‭ ‬استراتيجية‭ ‬الحلف‭ ‬العسكرية

تأسس‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬ناتو‭) ‬في‭ ‬4‭ ‬أبريل‭ ‬1949،‭ ‬كتحالف‭ ‬أمني‭ ‬جماعي‭ ‬يستهدف‭ ‬توفير‭ ‬الدفاع‭ ‬الجماعي‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬دوله‭ ‬الأعضاء‭ ‬عبر‭ ‬الوسائل‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬الحلف‭ ‬لأي‭ ‬تهديد‭ ‬أو‭ ‬اعتداء‭ ‬خارجي‭. ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬بالأساس‭ ‬لمواجهة‭ ‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشكله‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الخطر‭ ‬الشيوعي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا‭ ‬آنذاك‭. ‬

وقد‭ ‬بدأ‭ ‬الحلف‭ ‬بـ‭ ‬12‭ ‬دولة‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬تأسيسه،‭ ‬هي‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وبلجيكا‭ ‬وكندا‭ ‬والدنمارك‭ ‬وفرنسا‭ ‬وآيسلندا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬ولوكسمبورغ‭ ‬وهولندا‭ ‬والنرويج‭ ‬والبرتغال‭. ‬ثم‭ ‬انضمت‭ ‬إليه‭ ‬تركيا‭ ‬واليونان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1952‭ ‬وألمانيا‭ ‬الغربية‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬ثم‭ ‬إسبانيا‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الحلف‭ ‬رحلة‭ ‬التوسع‭ ‬شرقاً‭ ‬بضم‭ ‬14‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الكتلة‭ ‬الشرقية‭ ‬عقب‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬ونهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬ليصل‭ ‬عدد‭ ‬أعضاء‭ ‬الحلف‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثين‭ ‬عضواً‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬2022،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الدول‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬الذي‭ ‬اسسه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬كتحالف‭ ‬مناهض‭ ‬للناتو،‭ ‬ودول‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجالها‭ ‬الحيوي،‭ ‬وهو‭ ‬وما‭ ‬اعتبرته‭ ‬الأخيرة‭ ‬مصدر‭ ‬تهديد‭ ‬خطير‭ ‬لأمنها‭ ‬القومي‭.‬

  • وتوضح‭ ‬الخريطة‭  ‬مراحل‭ ‬توسع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬المختلفة‭ ‬وترتيب‭ ‬انضمام‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬الناتو‭ ‬وفقا‭ ‬لعام‭ ‬الانضمام‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الحلف‭ ‬العسكرية،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬بدورها‭ ‬تغيرات‭ ‬وتطورات‭ ‬مختلفة‭ ‬بحسب‭ ‬طبيعة‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬ورؤيته‭ ‬لمصادر‭ ‬التهديد‭ ‬والخطر‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يواجهها‭. ‬فعقب‭ ‬تأسيس‭ ‬الحلف‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬ارتكزت‭ ‬استراتيجيته‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬سياسة‭ ‬ردع‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديد‭ ‬السوفييتي‭ ‬بالأساس،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التهديد‭ ‬النووي‭ ‬الذي‭ ‬يشكله‭. ‬واستندت‭ ‬سياسة‭ ‬الردع‭ ‬هذه‭ ‬إلى‭ ‬المادة‭ ‬5‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬واشنطن‭ ‬المؤسسة‭ ‬للحلف‭ ‬والتي‭ ‬تؤسس‭ ‬لمبدأ‭ ‬الدفاع‭ ‬الجماعي‭ ‬حيث‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يتفق‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬مسلح‭ ‬على‭ ‬عضو‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الحلف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬يعدّ‭ ‬هجوماً‭ ‬يستهدف‭ ‬جميع‭ ‬الأعضاء‭ ‬وسيتخذ‭ ‬كل‭ ‬عضو‭ ‬الإجراء‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬ضرورياً،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المسلحة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬إرساء‭ ‬الأمن‭ ‬وضمانه‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‮»‬‭.‬

ورغم‭ ‬تغير‭ ‬المفاهيم‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬عليها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العسكرية‭ ‬للحلف‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العامة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الردع‭ ‬والدفاع‭ ‬الجماعي‭. ‬وتم‭ ‬تأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬مفهوم‭ ‬استراتيجي‭ ‬تبناه‭ ‬الحلف‭ ‬وأعلنه‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬1949،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬أول‭ ‬وثيقة‭ ‬إطارية‭ ‬تحدد‭ ‬التوجّهات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للمنظمة‭. ‬وفي‭ ‬عامي‭ ‬1952‭ ‬و1957‭ ‬تبنى‭ ‬الحلف‭ ‬ثاني‭ ‬وثالث‭ ‬مفهوم‭ ‬استراتيجي‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬وركز‭ ‬المفهومان‭ ‬بصورة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬الوثيقتان‭ ‬ضرورة‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬يكون‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬بحرب‭ ‬تستخدم‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬حتى‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬منها،‭ ‬وبحيث‭ ‬يكون‭ ‬الرد‭ ‬بقوة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬لردع‭ ‬العدو‭ ‬وإقناعه‭ ‬بأنه‭ ‬سيتكبد‭ ‬خسائر‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬العدوان،‭ ‬فيما‭ ‬عرف‭ ‬بـ»استراتيجية‭ ‬الانتقام‭ ‬الشامل‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬تعرضت‭ ‬لاختبار‭ ‬مصداقية‭ ‬برهن‭ ‬أن‭ ‬تطبيقها‭ ‬صعب‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬طرح‭ ‬استراتيجية‭ ‬بديلة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬استراتيجية‭ ‬الرد‭ ‬المرن‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الرد‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعطاء‭ ‬الحلف‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وجود‭ ‬تهديد‭ ‬لسيادة‭ ‬واستقلال‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الحلف‭ ‬والتدرج‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬بحسب‭ ‬التحدي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرد‭ ‬النووي‭ ‬وسيلة‭ ‬أخيرة‭ ‬للردع‭.‬

ومع‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وانتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬بدأت‭ ‬التساؤلات‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬ومدى‭ ‬جدوى‭ ‬استمراره‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬أصلاً‭ ‬لمواجهته،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬بدأ‭ ‬الحلف‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬مفاهيمه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬مع‭ ‬ترافق‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬مطلع‭ ‬عقد‭ ‬التسعينات‭ ‬وما‭ ‬رتبته‭ ‬من‭ ‬تهديدات،‭ ‬مثل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬يوغسلافيا‭ ‬وكوسوفو،‭ ‬التي‭ ‬مثلت‭ ‬تحدياً‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬اضطر‭ ‬معه‭ ‬للتدخل‭ ‬فيها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بمراقبتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬ظاهرة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬والتحديات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬البيئة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭.‬

‭ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬سعى‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجيات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬تستجيب‭ ‬لمعطيات‭ ‬البيئة‭ ‬الأمنية‭ ‬العالمية‭ ‬المتغيرة،‭ ‬وتحاول‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬حل‭ ‬معضلة‭ ‬الحلف‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬الاتساق‭ ‬بين‭ ‬ميثاقه‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬التدخل‭ ‬خارج‭ ‬أراضيه‭ ‬ومواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬الناشئة‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬تهدد‭ ‬مصالح‭ ‬أعضائه‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبنى‭ ‬الحلف‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الخامس‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬والذي‭ ‬يثني‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬خصوم‭ ‬قدامى‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬اتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفييتية‭. ‬كما‭ ‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬وثيقة‭ ‬تأسيسية‭ ‬مهمة‭ ‬بين‭ ‬الناتو‭ ‬وروسيا،‭ ‬تمثل‭ ‬التزاماً‭ ‬مهماً‭ ‬للحلف‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ينوي‭ ‬ولا‭ ‬يخطط‭ ‬ولا‭ ‬يعتزم‭ ‬نشر‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬تخزينها‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬أعضاء‭ ‬جدد‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬أصدر‭ ‬الحلف‭ ‬مفهومه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السادس،‭ ‬والذي‭ ‬أضاف‭ ‬مهمة‭ ‬جديدة‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬هي‭ ‬‮«‬إدارة‭ ‬الأزمات‮»‬،‭ ‬وأكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬اعتباره‭ ‬الإطار‭ ‬الكوني‭ ‬‮«‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬المصالح‭ ‬الأمنية‭ ‬للحلف‭ ‬ودوله‭ ‬بسبب‭ ‬مخاطر‭ ‬تتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬أحد‭ ‬أعضائه،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية،‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة،‭ ‬وإعاقة‭ ‬تدفق‭ ‬الموارد‭ ‬الحيوية‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‮»‬‭. ‬ووفقاً‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬فقد‭ ‬اتسعت‭ ‬مجالات‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬للحلف‭ ‬لتشمل‭ ‬الأسباب‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وعمليات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬ومنع‭ ‬الانتشار‭ ‬النووي،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬أوروبا‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬الإرهاب‭ ‬ذكر‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السادس،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬التهديدات‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعامين‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001‭ ‬عندما‭ ‬هزت‭ ‬تفجيرات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬قلب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الدولة‭ ‬القائدة‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬ليجد‭ ‬الحلف‭ ‬نفسه‭ ‬مضطراً‭ ‬للتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وبالفعل‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬جري‭ ‬فيها‭ ‬تفعيل‭ ‬‮«‬المادة‭ ‬5‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬معاهدة‭ ‬واشنطن‮»‬‭ – ‬بند‭ ‬الدفاع‭ ‬الجماعي‭ – ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1949‭.‬

واستجابة‭ ‬لهذا‭ ‬التغير،‭ ‬والتغيرات‭ ‬الأخرى،‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬البيئة‭ ‬الأمنية‭ ‬الدولية‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬أصدر‭ ‬الناتو‭ ‬مفهومه‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السابع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬والذي‭ ‬ركز‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬باعتبارها‭ ‬أحد‭ ‬العناصر‭ ‬المركزية‭ ‬للدفاع‭ ‬الجماعي،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬مسألة‭ ‬محاربة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬‮«‬وعبر‭ ‬العالم‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬تعهد‭ ‬بالسعي‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬ولكنه‭ ‬قرر‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الرادع‭ ‬النووي‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬اعتبرت‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬غير‭ ‬مرجح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬لكن‭ ‬الترسانات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬تبقى‭ ‬الضمانة‭ ‬القصوى‭ ‬لأمن‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭.‬

وأعادت‭ ‬الوثيقة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السادس‭ ‬والمتعلقة‭ ‬بإدارة‭ ‬الأزمات،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬خارج‭ ‬أراضي‭ ‬الناتو‭ ‬قد‭ ‬تهدد‭ ‬مصالحه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الناتو‭ ‬التدخل‭ ‬حيثما‭ ‬أمكنه‭ ‬وعندما‭ ‬تقتضي‭ ‬الحاجة‭ ‬ذلك‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬اندلاع‭ ‬الأزمات‭ ‬أو‭ ‬إدارتها،‭ ‬حال‭ ‬وقوعها،‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬انتهائها‭.‬

وربما‭ ‬كان‭ ‬التغيير‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬تضمنه‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السابع‭ ‬للناتو،‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬وصف‭ ‬روسيا‭ ‬بأنها‭ ‬شريك‭ ‬استراتيجي،‭ ‬وتم‭ ‬السماح‭ ‬لها‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬قمة‭ ‬الحلف‭ ‬في‭ ‬لشبونة‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬وهو‭ ‬تغيير‭ ‬جوهري‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحلف‭ ‬تأسس‭ ‬بالأساس‭ ‬لمواجهة‭ ‬التهديد‭ ‬السوفييتي (الروسي).‬

الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬والمفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬للحلف

مثّلت‭ ‬أزمة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬2022‭ ‬مفترق‭ ‬طرق‭ ‬أمام‭ ‬الناتو‭ ‬وفرصة‭ ‬لإظهار‭ ‬فعاليته‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬دوره‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬واجه‭ ‬فيها‭ ‬الحلف‭ ‬شكوكاً‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬استمراريته،‭ ‬بعد‭ ‬اختفاء‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬لمواجهته‭ ‬وهو‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق،‭ ‬إلى‭ ‬درجة،‭ ‬دفعت‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الحلف‭ ‬وتفكيكه،‭ ‬فيما‭ ‬اعتبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬أن‭ ‬الحلف‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬موت‭ ‬دماغي‮»‬‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الناتو‭ ‬لم‭ ‬يتدخل‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭- ‬الأوكرانية،‭ ‬فإن‭ ‬دوره‭ ‬كان‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬توسع‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الحلف‭ ‬ولاسيما‭ ‬الشرقية،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬صمود‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عسكرياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬والذي‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬روسيا‭ ‬نصراً‭ ‬عسكرياً‭ ‬سريعاً‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تخطط‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬الباحثين‭ ‬والمتابعين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬أعادت‭ ‬الزخم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للحلف‭ ‬وأكدت‭ ‬أهميته‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لدوله‭ ‬الأعضاء‭ ‬ولشعوبها‭.‬

وكان‭ ‬إحدى‭ ‬النتائج‭ ‬المباشرة‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭- ‬الأوكرانية‭ ‬أن‭ ‬تراجعت‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد،‭ ‬الدولتان‭ ‬غير‭ ‬المنتسبتين‭ ‬تاريخياً‭ ‬إلى‭ ‬الناتو،‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬موقفهما‭ ‬الحيادي،‭ ‬والتقدم‭ ‬بطلب‭ ‬للانضمام‭ ‬للحلف‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬مدريد‭ ‬أواخر‭ ‬يونيو‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬الطلب‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬الحلف‭ ‬وصادقت‭ ‬عليه‭ ‬بالفعل‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭. ‬وأكد‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدعم‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬أهمية‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬الأوروبية‭ ‬ومدى‭ ‬اقتناع‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بأهمية‭ ‬الحلف‭ ‬وبدوره‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬أوروبا‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬أمنها‭.‬

كما‭ ‬سمح‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬الروسي‮»‬‭ ‬أيضاً‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬نقص‭ ‬مساهمة‭ ‬الأوروبيين‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الحلف،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬ألمانيا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬الموقف‭ ‬الألماني‭ ‬الذي‭ ‬أعلنه‭ ‬المستشار‭ ‬أولاف‭ ‬شولتز‭ ‬في‭ ‬27‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬بإجراء‭ ‬مراجعة‭ ‬تاريخية‭ ‬للسياسة‭ ‬الدفاعية‭ ‬الألمانية،‭ ‬وإضافة‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬يورو‭ ‬إلى‭ ‬رصيد‭ ‬ميزانية‭ ‬الدفاع،‭ ‬وتأكيد‭ ‬أن‭ ‬برلين‭ ‬ستخصص‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬وحتى‭ ‬2024‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لجيشها،‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تلح‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭.‬

باختصار،‭ ‬جاءت‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لتعيد‭ ‬الزخم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وتؤكد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬دوره،‭ ‬وحرص‭ ‬أعضائه‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬دوره‭ ‬المستقبلي‭ ‬باعتباره‭ ‬الضامن‭ ‬لأمن‭ ‬الأوروبيين‭.‬

وانعكس‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الثامن‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬الحلف‭ ‬خلال‭ ‬قمة‭ ‬مدريد‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬2022‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنها‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬السلام‭ ‬وتغيير‭ ‬البيئة‭ ‬الأمنية‭ ‬المحيطة‭ ‬بالحلف‭ ‬بشكل‭ ‬خطير،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬يمثل‭ ‬أكبر‭ ‬تهديد‭ ‬مباشر‭ ‬لأمن‭ ‬الحلفاء‭ ‬والسلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الأطلسية‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬شريكاً‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬السابق‭.‬

كما‭ ‬دفعت‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬أوجدتها‭ ‬الحرب‭ ‬بدول‭ ‬الحلف‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬تعاونها‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الردع‭ ‬والدفاع،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الناتو‭ ‬سيستمر‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الردع‭ ‬والدفاع‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬عبر‭ ‬تطوير‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬وصاروخي‭ ‬متكامل‭ ‬بهدف‭ ‬‮«‬حرمان‭ ‬أي‭ ‬خصم‭ ‬محتمل‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فرص‭ ‬محتملة‭ ‬للعدوان‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيتطلب‭ ‬تعزيز‭ ‬الجاهزية‭ ‬الجماعية‭ ‬للأعضاء،‭ ‬وتحسين‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬والاستجابة‭ ‬والتكامل‭. ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬النووي‭ ‬أعادت‭ ‬الوثيقة‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬بقيت‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬موجودة،‭ ‬فإن‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬سيبقى‭ ‬تحالفاً‭ ‬نووياً‭. ‬كما‭ ‬اعتبرت‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المحتمل‭ ‬للمواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬والبيولوجية‭ ‬والإشعاعية‭ ‬والنووية‭ ‬ضد‭ ‬الناتو‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أطراف‭ ‬معادية‭ ‬وغير‭ ‬حكومية‭ ‬لايزال‭ ‬يشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬لأمن‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭. ‬ولمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات‭ ‬والمخاطر،‭ ‬أكدت‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬الحلف‭ ‬سيتجه‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬عملية‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬وتعزيز‭ ‬الدفاعات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والابتكار‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬التقنيات‭ ‬الناشئة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تعزيز‭ ‬المرونة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحلف‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬العسكرية‭ ‬وغير‭ ‬العسكرية‭. ‬ولم‭ ‬تكتف‭ ‬الوثيقة‭ ‬بالتهديدات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬أبرزتها‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والتي‭ ‬أوجدت‭ ‬بيئة‭ ‬أمنية‭ ‬شبيهة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬بفترة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وإنما‭ ‬أفردت‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬لما‭ ‬يوصف‭ ‬بالتهديدات‭ ‬اللامتماثلة،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭:‬

1‭ ‬- التهديد‭ ‬الإرهابي،‭ ‬الذي‭ ‬وصفته‭ ‬الوثيقة‭ ‬الجديدة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬التهديد‭ ‬المباشر‭ ‬غير‭ ‬المتكافئ‭ ‬لأمن‭ ‬مواطنينا‭ ‬والسلام‭ ‬والازدهار‭ ‬الدوليين‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬سعى‭ ‬المنظمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬إلى‭ ‬مهاجمة‭ ‬الحلفاء‭ ‬أو‭ ‬تحريضهم‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬عليهم،‭ ‬وقيامهم‭ ‬بتوسيع‭ ‬شبكاتهم‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدراتهم‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬جديدة‭ ‬لتحسين‭ ‬وصولهم‭ ‬وقدرتهم‭ ‬الفتاكة‭.‬

2‭ ‬- التهديدات‭ ‬السيبرانية‭ ‬والفضائية،‭ ‬حيث‭ ‬أشارت‭ ‬الوثيقة‭ ‬إلى‭ ‬سعى‭ ‬ما‭ ‬وصفتها‭ ‬بـ‮«‬الجهات‭ ‬الخبيثة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الحيوية‭ ‬لدول‭ ‬الحلف‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬خدماتها‭ ‬الحكومية‭ ‬واستخراج‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬وسرقة‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬وإعاقة‭ ‬أنشطتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاستخدام‭ ‬الآمن‭ ‬والوصول‭ ‬غير‭ ‬المقيد‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬والفضاء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬يعد‭ ‬مفتاحاً‭ ‬للردع‭ ‬والدفاع‭ ‬الفعالين‭. ‬ووصلت‭ ‬الوثيقة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬التعرض‭ ‬لهجمات‭ ‬سيبرانية‭ ‬خبيثة‭ ‬أو‭ ‬عمليات‭ ‬عدائية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬أو‭ ‬قادمة‭ ‬منه‭ ‬يصلح‭ ‬سبباً‭ ‬لتفعيل‭ ‬المادة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬واشنطن‭ ‬المؤسسة‭ ‬للناتو‭ ‬الخاصة‭ ‬بالدفاع‭ ‬الجماعي‭ ‬المشترك‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بهذه‭ ‬الهجمات‭.‬

3‭ ‬- التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬وقد‭ ‬أولى‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬للحلف‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬ذكر‭ ‬‮«‬تغير‭ ‬المناخ‮»‬‭ ‬11‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الوثيقة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬وثيقة‭ ‬عام‭ ‬2010‭. ‬واعتبرت‭ ‬الوثيقة‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬عميق‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الحلفاء،‭ ‬واصفاً‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬وتهديد‭ ‬مضاعف،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الصراع‭ ‬والهشاشة‭ ‬والمنافسة‭ ‬الجيوسياسية‮»‬‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬التغيرات‭ ‬اللافتة‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬فللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬يصنف‭ ‬الحلف‭ ‬الصين‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬تحدياً‮»‬‭ ‬لأمن‭ ‬ومصالح‭ ‬وقيم‭ ‬دوله‭ ‬الأعضاء،‭ ‬متهماً‭ ‬بكين‭ ‬بالسعي‭ ‬إلى‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والصناعية‭ ‬الرئيسية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الحيوية‭ ‬والمواد‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وسلاسل‭ ‬التوريد،‭ ‬واستخدام‭ ‬نفوذها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لخلق‭ ‬التبعيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وتعزيز‭ ‬نفوذها،‭ ‬والسعي‭ ‬لتقويض‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القواعد‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجالات‭ ‬الفضائية‭ ‬والإلكترونية‭ ‬والبحرية،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬بشأن‭ ‬استراتيجية‭ ‬الصين‭ ‬وأهدافها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬زيادة‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭. ‬كما‭ ‬انتقدت‭ ‬الوثيقة‭ ‬تعميق‭ ‬الصين‭ ‬شراكاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭. ‬وفي‭ ‬إشارة‭ ‬لافتة‭ ‬وذات‭ ‬دلالة‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن،‭ ‬شارك‭ ‬قادة‭ ‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وأستراليا‭ ‬ونيوزيلندا‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬مدريد‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬نظرائهم‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭ ‬الثلاثين‭ ‬تأكيداً‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬الحلف‭ ‬خلف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تركيز‭ ‬الاهتمام‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭.‬

مستقبل‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد

لقد‭ ‬أعطت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭- ‬الأوكرانية‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬زخماً‭ ‬جديداً‭ ‬وأعادت‭ ‬إليه‭ ‬الاعتبار‭ ‬كأبرز‭ ‬وأهم‭ ‬وأقوى‭ ‬تحالف‭ ‬دفاعي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فيما‭ ‬جاء‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬للحلف‭ ‬2022‭ ‬ليضع‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬ووضع‭ ‬الحلف‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الالتزام‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬بتعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الردع‭ ‬والدفاع‭ ‬للحلف‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬مزيج‭ ‬متكامل‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬النووية‭ ‬والتقليدية‭ ‬والصاروخية‭ ‬تكملها‭ ‬القدرات‭ ‬الفضائية‭ ‬والإلكترونية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التهديدات‭ ‬اللامتماثلة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قضايا‭ ‬الإرهاب‭ ‬والأمن‭ ‬السيبراني‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬التعهد‭ ‬بتسريع‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬لدول‭ ‬الحلف‭ ‬وتكييف‭ ‬هيكل‭ ‬قيادة‭ ‬الناتو‭ ‬لعصر‭ ‬المعلومات‭ ‬وتعزيز‭ ‬دفاعاته‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وشبكاته‭ ‬وبنيته‭ ‬التحتية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الابتكار‭ ‬وزيادة‭ ‬استثماراتنا‭ ‬في‭ ‬التقنيات‭ ‬الناشئة‭ ‬والمعطلة‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬بقابلية‭ ‬بالتفوق‭ ‬الشامل،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬جهود‭ ‬توقع‭ ‬الأزمات‭ ‬بهدف‭ ‬منعها‭ ‬أو‭ ‬إدارتها‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يضر‭ ‬بأمن‭ ‬دول‭ ‬الحلف،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬مواصلة‭ ‬سياسة‭ ‬الباب‭ ‬المفتوح‭ ‬والتوسع‭ ‬لضم‭ ‬دول‭ ‬حليفة‭ ‬جديدة،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التعهدات‭ ‬والالتزامات‭ ‬التي‭ ‬ضمنتها‭ ‬وثيقة‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الجديد‭ ‬للناتو،‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬جميعها‭ ‬أن‭ ‬الناتو‭ ‬سيعزز‭ ‬وضعه‭ ‬المستقبلي‭ ‬بوصفه‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬الأكبر‭ ‬والأقوى‭ ‬عالمياً‭ ‬والأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬ردع‭ ‬التهديدات‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬تضمنته‭ ‬هذه‭ ‬الوثيقة‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬بالناتو‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬هنا‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬الحلف‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬الصين‭ ‬للتقارب‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحالف‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذي‭ ‬ينظر‭ ‬إليهما‭ ‬باعتبارهما‭ ‬مصدر‭ ‬تهديد،‭ ‬وقد‭ ‬يعيد‭ ‬حالة‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬بين‭ ‬قطب‭ ‬أطلسي‭ ‬وقطب‭ ‬صيني‭ – ‬روسي‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬اتجاه‭ ‬الحلف‭ ‬لتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬عملياته‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬لتغطي‭ ‬مناطق‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬عليه،‭ ‬وقد‭ ‬يثر‭ ‬الانقسامات‭ ‬بين‭ ‬دوله‭ ‬الأعضاء‭ ‬بشأن‭ ‬جدوى‭ ‬هذا‭ ‬التوسع،‭ ‬ولاسيما‭ ‬إذا‭ ‬اتجه‭ ‬الوضع‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭.‬

لكن‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الحالي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية،‭ ‬وما‭ ‬تضمنه‭ ‬المفهوم‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للحلف‭ ‬من‭ ‬تعهدات‭ ‬والتزامات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬فإن‭ ‬السيناريو‭ ‬الأقرب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬سيعزز‭ ‬من‭ ‬قدراته‭ ‬وتماسكه‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مكانته‭ ‬باعتباره‭ ‬التحالف‭ ‬العسكري‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭.‬

‮»‬‭ ‬د‭. ‬فتوح‭ ‬هيكل ‬(مدير‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات)

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض