578 Analysis 1-1

قوى الإقناع والدعاية في السلم والحرب

يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬الدعاية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬المحاولة‭ ‬المتعمدة‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬آراء‭ ‬الفئة‭ ‬المستهدفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقل‭ ‬الأفكار‭ ‬والقيم،‭ ‬لإقناعهم‭ ‬بهدف‭ ‬محدد‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تصمم‭ ‬بصورة‭ ‬واعية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصلحة‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬ورؤسائهم،‭ ‬سواء‭ ‬بطريق‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭. ‬والدعاية،‭ ‬وفقا‭ ‬لهذا‭ ‬التعريف،‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬الحقائق‭ ‬بصورة‭ ‬موضوعية،‭ ‬وعن‭ ‬التعليم،‭ ‬الذي‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬تفتيح‭ ‬أذهان‭ ‬الطلبة‭. ‬وهدف‭ ‬الإعلام‭ ‬هو‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭: ‬إقناع‭ ‬الفرد‭ ‬أو‭ ‬الجماهير‭ ‬بوجهة‭ ‬نظر‭ ‬واحدة،‭ ‬وسد‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬أية‭ ‬خيارات‭ ‬غيرها‭.‬

على‭ ‬المدى‭ ‬القريب،‭ ‬قد‭ ‬تضع‭ ‬الدعاية‭ ‬الجمهور‭ ‬المستهدف‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬موجة‭ ‬حماس،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تصبح‭ ‬أقل‭ ‬فعالية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الأبعد،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬لديه‭ ‬الوقت‭ ‬والفرصة‭ ‬للتشكيك‭ ‬في‭ ‬افتراضاتها‭ ‬ومسلماتها‭. ‬وعلى‭ ‬حد‭ ‬ملاحظة‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء،‭ ‬فإنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الدعاية‭ ‬عقلانية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬فقد‭ ‬تتعرض‭ ‬لخطر‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬مملة،‭ ‬واذا‭ ‬كانت‭ ‬عاطفية‭ ‬أو‭ ‬حادة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬فقد‭ ‬تبدو‭ ‬سخيفة‭ ‬ومدعاة‭ ‬للسخرية‭. ‬ولكي‭ ‬تنجح‭ ‬الدعاية‭ ‬وتسير‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬الأخرى‭ ‬للتفاعل‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬العقل‭ ‬والعاطفة‭.‬

وفي‭ ‬الدعاية،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ناجح‭ ‬فهو‭ ‬مسموح‭ ‬به،‭ ‬وهي‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬وعلنية‭ ‬وإما‭ ‬خفية‭ ‬ومستترة،‭ ‬بيضاء‭ ‬أو‭ ‬سوداء،‭ ‬صادقة‭ ‬أو‭ ‬كاذبة،‭ ‬جادة‭ ‬أو‭ ‬ساخرة،‭ ‬عقلانية‭ ‬أو‭ ‬عاطفية‭. ‬ومسؤولو‭ ‬الدعاية‭ ‬يقيِّمون‭ ‬الظروف‭ ‬والفئة‭ ‬الموجهة‭ ‬إليها‭ ‬الدعاية،‭ ‬ويستخدمون‭ ‬كل‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬يرون‭ ‬أنها‭ ‬الأنسب‭ ‬والأكثر‭ ‬فعالية‭. ‬ودائماً‭ ‬ما‭ ‬تستخدم‭ ‬الدعاية‭ ‬أحدث‭ ‬أساليب‭ ‬الاتصال،‭ ‬ففي‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬استخدمت‭ ‬الصحافة،‭ ‬وفي‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬استخدمت‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬والسينما،‭ ‬وأما‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬فقد‭ ‬استخدم‭ ‬فيها‭ ‬التلفزيون‭. ‬وفضلاًعن‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬أيضاً‭ ‬ظهور‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الجماهيرية‭ ‬الحديثة،‭ ‬حيث‭ ‬ظهرت‭ ‬إلى‭ ‬الوجود‭ ‬الوسائط‭ ‬الرئيسية‭ ‬للاتصالات‭ ‬الجماهيرية‭:‬‭ ‬الصحافة،‭ ‬والإذاعة،‭ ‬والفيلم‭ ‬السينمائي،‭ ‬والتلفزيون‭ ‬والإنترنت،‭ ‬فحققت‭ ‬ثورة‭ ‬الاتصالات‭ ‬بذلك‭ ‬قفزة‭ ‬فلكية،‭ ‬وكان‭ ‬امتزاج‭ ‬الحرب‭ ‬بوسائط‭ ‬الاتصال‭ ‬الجماهيرية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬الدعاية‭ ‬الحديثة‭ ‬للحرب‭ ‬أهميتها‭ ‬وتأثيرها‭. ‬

إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدعاية‭ ‬والحرب‭ ‬قائمة‭ ‬منذ‭ ‬زمان‭ ‬بعيد،‭ ‬ولطالما‭ ‬شكلت‭ ‬الدعاية‭ ‬أداة‭ ‬هجوم‭ ‬ودفاع‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬متساوية‭ ‬أحياناً،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التأثير،‭ ‬مع‭ ‬أدوات‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬تتجاوز‭ ‬أعتى‭ ‬وسائل‭ ‬التدمير،‭ ‬لكونها‭ ‬قد‭ ‬تنفذ‭ ‬إلى‭ ‬العقول‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭. ‬وأثناء‭ ‬الحروب،‭ ‬تفرض‭ ‬الصراعات‭ ‬الساخنة‭ ‬قوانينها‭ ‬ونواميسها‭ ‬الخاصة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المتداخلة‭ ‬في‭ ‬النزاع،‭ ‬لكنها‭ ‬تثير،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإعلامي،‭ ‬إشكاليات‭ ‬مهنية‭ ‬حساسة،‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬والتعقيد‭.‬

ومع‭ ‬بدء‭ ‬الحرب،‭ ‬تطلق‭ ‬حملات‭ ‬الترهيب‭ ‬والتضليل‭ ‬والتشويه‭ ‬للحقائق،‭ ‬والتلاعب‭ ‬المنظم‭ ‬بجميع‭ ‬مصادر‭ ‬المعلومات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬تصبح‭ ‬الدعاية‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الحرب‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المقصود‭ ‬بالدعاية‭ ‬الحربية‭ ‬هو‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدعاية‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬القوات‭ ‬المعادية،‭ ‬قادة‭ ‬وجنوداً،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬القوات‭ ‬الصديقة‭ ‬نفسها،‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬برفع‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية،‭ ‬وتحصين‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬ضد‭ ‬الدعاية‭ ‬الموجهة‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العدو‮»‬‭. ‬

الدعاية‭ ‬وفن‭ ‬الإقناع

الإقناع‭ ‬هو‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬المواقف،‭ ‬والمعتقدات،‭ ‬والنيات،‭ ‬والدوافع،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬سلوك‭ ‬شخص‭ (‬أو‭ ‬مجموعة‭) ‬تجاه‭ ‬حدث‭ ‬معين،‭ ‬فكرة،‭ ‬شيء،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرين،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬كلمات‭ ‬مكتوبة‭ ‬أو‭ ‬منطوقة‭ ‬لنقل‭ ‬المعلومات،‭ ‬والمشاعر،‭ ‬أو‭ ‬بمزيج‭ ‬منهما‭. ‬والإقناع‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬الأساليب‭ ‬المرافقة‭ ‬لغيرها‭ ‬مما‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬العواطف‭ ‬والمشاعر‭ ‬وعلى‭ ‬النواحي‭ ‬الوجدانية‭ ‬لدى‭ ‬المستهدف‭. ‬ويمكن‭ ‬تعريف‭ ‬الإقناع‭ ‬وتحديد‭ ‬معناه‭ ‬كمصطلح‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬الجهد‭ ‬المنظم‭ ‬المدروس‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬مختلفة‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬الآخرين‭ ‬وأفكارهم‭ ‬بحيث‭ ‬يجعلهم‭ ‬يقبلون‭ ‬ويوافقون‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معين،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المعرفة‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لذلك‭ ‬الجمهور‭ ‬المستهدف‮»‬‭.‬‭ ‬والإقناع‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والفكر‭ ‬بهدف‭ ‬دفع‭ ‬الفرد‭ ‬أو‭ ‬الجمهور‭ ‬لتقبل‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬معينة،‭ ‬بينما‭ ‬تهدف‭ ‬الدعاية‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬عواطف‭ ‬ومشاعر‭ ‬ذلك‭ ‬الجمهور‭. ‬

والإقناع‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مباشراً‭ ‬وإما‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭. ‬والإقناع‭ ‬المباشر‭ ‬يخاطب‭ ‬الفرد‭ ‬أو‭ ‬الجمهور‭ ‬بشكل‭ ‬تلقائي‭ ‬بدون‭ ‬مواربة‭ ‬أو‭ ‬مداراة‭ ‬مما‭ ‬يستثير‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬دفاعات‭ ‬المتلقي،‭ ‬ويجعله‭ ‬يبدي‭ ‬تصلباً‭ ‬ومقاومة‭ ‬نفسية‭ ‬متزايدة،‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عدم‭ ‬قبول‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬المطروحة‭. ‬أما‭ ‬الإقناع‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬فيكون‭ ‬متوارياً‭ ‬ولكنه‭ ‬ذكي،‭ ‬يدفع‭ ‬المتلقي‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬الأمور‭ ‬بنفسه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬بصدد‭ ‬الموضوع‭ ‬المطروح‭ ‬مما‭ ‬يشعره‭ ‬بالرضا‭ ‬والراحة‭ ‬النفسية‭. ‬ويعتبر‭ ‬الإقناع‭ ‬ناجحاً‭ ‬إذا‭ ‬صدرت‭ ‬القرارات‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬المستهدفة‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬موازية‭ ‬لما‭ ‬يطرح‭ ‬من‭ ‬مواضيع،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القرارات‭ ‬تسير‭ ‬مع‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المراد‭ ‬تبنيها‭. ‬وكذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الإقناع‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طوعياً،‭ ‬وإما‭ ‬قسريا،ً‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬غسيل‭ ‬الدماغ‭. ‬

لقد‭ ‬نجحت‭ ‬الدعاية،‭ ‬بوصفها‭ ‬أحد‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية،‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬مجموعة‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأصول‭ ‬أو‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الإقناع‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الدعاية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬فن‭ ‬الإقناع،‭ ‬ويمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬تلك‭ ‬القواعد‭ ‬أو‭ ‬الأصول‭ ‬في‭ ‬ثلاثة،‭ ‬هي‭: ‬كسب‭ ‬مظهر‭ ‬الصدق‭ ‬لكسب‭ ‬ثقة‭ ‬الجمهور‭ ‬المتلقي‭ ‬المراد‭ ‬إقناعه،‭ ‬ثم‭ ‬البساطة‭ ‬والتكرار‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أذهان‭ ‬ومشاعر‭ ‬الناس‭ ‬بسرعة،‭ ‬والنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬ذاكرتهم‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تتذكر‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬استوعبته‭ ‬بسهولة‭ ‬وبكثرة،‭ ‬ثم‭ ‬استخدام‭ ‬الرموز‭ ‬وضرب‭ ‬الأمثلة،‭ ‬فالذاكرة‭ ‬البشرية‭ ‬يسهل‭ ‬أن‭ ‬تختزن‭ ‬وأن‭ ‬تستدعي‭ ‬الصور‭ ‬ذات‭ ‬الدلالات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بمخزون‭ ‬الذاكرة‭ ‬الموروث‭ ‬أو‭ ‬المكتسب‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصياغة‭ ‬لأصول‭ ‬الدعاية‭ ‬أو‭ ‬قواعدها‭ ‬تفقد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬موضوعيتها‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي،‭ ‬حيث‭ ‬تتجلى‭ ‬الفروق‭ ‬الدقيقة‭ ‬بين‭ ‬مظهر‭ ‬الصدق‭ ‬والصدق‭ ‬ذاته،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬البساطة‭ ‬والدهاء،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الرموز‭ ‬المثيرة‭ ‬لغرائز‭ ‬العدوان،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تستدعي‭ ‬نبيل‭ ‬المعاني‭ ‬أو‭ ‬رفيع‭ ‬القيم‭. ‬وتتسم‭ ‬الدعاية‭ ‬أيضاً‭ ‬بأنها‭ ‬فن‭ ‬إقناع‭ ‬الآخرين‭ ‬بأن‭ ‬يسلكوا‭ ‬اتجاهاً‭ ‬أو‭ ‬سلوكاً‭ ‬معيناً‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الأفكار‭ ‬الدعائية‭. ‬واستخدام‭ ‬كلمة‭ ‬الإقناع‭ ‬هنا‭ ‬تستبعد‭ ‬أية‭ ‬محاولات‭ ‬للتأثير‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬الجبر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬القوة،‭ ‬كالتهديد،‭ ‬أو‭ ‬التخويف،‭ ‬أو‭ ‬الضغط‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك،‭ ‬لكي‭ ‬يدفع‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬إتيان‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يريدون،‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تندرج‭ ‬بحال‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الدعاية‭. ‬

بداية‭ ‬استخدام‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬الدعاية‮»‬‭ ‬

يعود‭ ‬أصل‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الدعاية‮»‬‭  ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬قبضتها‭ ‬وهيمنتها‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الكاثوليكية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬نفوذها‭ ‬فيها،‭ ‬وقام‭ ‬البابا‭ ‬جريجوري‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ (‬حوالي‭ ‬1572‭ – ‬1585‭) ‬بتشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬من‭ ‬الكرادلة،‭ ‬وكلفهم‭ ‬بمهمة‭ ‬نشر‭ ‬المذهب‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬وتنظيم‭ ‬الشؤون‭ ‬الكنسية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬غير‭ ‬الكاثوليكية‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1622،‭ ‬جعل‭ ‬البابا‭ ‬جريجوري‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬دائمة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مجمع‭ ‬مقدس‭ ‬لنشر‭ ‬المسيحية‭ ‬وادارة‭ ‬البعثات‭ ‬التبشيرية‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وكانت‭ ‬تمول‭ ‬من‭ ‬حصيلة‭ ‬‮«‬ضريبة‭ ‬الخاتم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬كاردينال‭ ‬يتم‭ ‬تعيينه‭. ‬وهكذا،‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬مجمع‭ ‬رسمي‭ ‬للدعاة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬هيئة‭ ‬مكلفة‭ ‬بتحسين‭ ‬عملية‭ ‬نشر‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الدعاية‮»‬‭ ‬تطلق‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬منظمة‭ ‬تؤسس‭ ‬لنشر‭ ‬مذهب‭ ‬ما،‭ ‬ثم‭ ‬أطلقت‭ ‬على‭ ‬المذهب‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬نشره،‭ ‬وأطلقت‭ ‬أخيراً‭ ‬على‭ ‬الأساليب‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬والنشر‭.‬

الدعاية‭ ‬والحرب‭ ‬النفسية

الحرب‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬تبادل‭ ‬منظم‭ ‬للعنف،‭ ‬ولكن‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬عملية‭ ‬اقناع،‭ ‬وبينما‭ ‬تهاجم‭ ‬الأولى‭ ‬الجسد،‭ ‬فإن‭ ‬الثانية‭ ‬تنقض‭ ‬على‭ ‬العقل،‭ ‬والأولى‭ ‬حسية،‭ ‬بينما‭ ‬الثانية‭ ‬نفسية‭. ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬الحرب،‭ ‬تهاجم‭ ‬الدعاية‭ ‬والعمليات‭ ‬النفسية‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الجسد‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إليه،‭ ‬حيث‭ ‬تحاولان‭ ‬رفع‭ ‬معنويات‭ ‬أحد‭ ‬الجانبين،‭ ‬ونسف‭ ‬إرادة‭ ‬القتال‭ ‬لدى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭. ‬وترسم‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬خططها‭ ‬لإقناع‭ ‬الناس‭ ‬بأن‭ ‬يخوضوا‭ ‬القتال‭. ‬والحرب‭ ‬النفسية،‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬هي‭ ‬الدعاية‭ ‬المخططة‭ ‬لإقناع‭ ‬الطرف‭ ‬المقابل‭ ‬ألا‭ ‬يخوض‭ ‬القتال‭. ‬وأسلحة‭ ‬العقل‭ ‬هذه،‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬أصبحت‭ ‬معقدة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬التقنية‭ ‬وعلم‭ ‬النفس‭. ‬والدعاية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الحديثة‭ ‬لنشر‭ ‬وترويج‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬والأخبار‭ ‬بغرض‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬نفسية‭ ‬الأفراد‭ ‬وخلق‭ ‬اتجاهات‭ ‬معينة‭ ‬لديهم‭. ‬والدعاية،‭ ‬كأحد‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية،‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬متنوعة،‭ ‬طبقاً‭ ‬للأهداف‭ ‬ولنوع‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬الموجهة‭ ‬إليهم‭. ‬فهي‭ ‬تستهدف‭ ‬الاقتناع‭ ‬بالنصر‭ ‬وإقناع‭ ‬العدو‭ ‬بهزيمته،‭ ‬وتشكيكه‭ ‬بمبادئه‭ ‬ومعتقداته‭ ‬الوطنية‭ ‬والروحية،‭ ‬وبذر‭ ‬بذور‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أفراده‭ ‬في‭ ‬شرعية‭ ‬قضيتهم‭ ‬والإيمان‭ ‬بها‭. ‬

استخدام‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الحرب

أثناء‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬إنجلترا،‭ ‬كانت‭ ‬الدعاية‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منشورات‭ ‬ورسائل‭ ‬إخبارية‭ ‬مطبوعة،‭ ‬توزع‭ ‬بصورة‭ ‬منتظمة،‭ ‬كأداة‭ ‬مساندة‭ ‬للعمليات‭ ‬الحربية،‭ ‬وكان‭ ‬جيش‭ ‬كرومويل‭ ‬معنياً‭ ‬بنشر‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينية‭ ‬والسياسية،‭ ‬بنفس‭ ‬قدر‭ ‬عنايته‭ ‬تقريباً‭ ‬بالنصر‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬القتال‭. ‬وتزايد‭ ‬استخدام‭ ‬الدعاية‭ ‬بصفة‭ ‬مستمرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الصراعات‭ ‬العقائدية،‭ ‬كحرب‭ ‬الاستقلال‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والثورة‭ ‬الفرنسية‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قامت‭ ‬الفصائل‭ ‬‮«‬الجيروندية‮»‬‭ (‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الفصائل‭ ‬تابعة‭ ‬للحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ ‬وسموا‭ ‬كذلك‭ ‬لأن‭ ‬قادة‭ ‬الحزب‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬جيروند‭) ‬أثناء‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بتوزيع‭ ‬منشورات‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬الأعداء،‭ ‬تدعوهم‭ ‬إلى‭ ‬الهرب‭ ‬من‭ ‬الخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬مقابل‭ ‬منحهم‭ ‬مكافآت‭.‬

وفي‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الحروب‭ ‬النابليونية،‭ ‬وحتى‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬أوروبا‭ ‬أية‭ ‬حروب‭ ‬ثورية،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعاية‭ ‬قوية‭ ‬ومكثفة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬القومي‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬قليلة‭. ‬وفي‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1918،‭ ‬استخدم‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬الدعاية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬كسلاح‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الحرب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬معناها‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬سيىء‭ ‬وضار‭. ‬وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تجاهل‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬كعامل‭ ‬جوهري‭ ‬وحاسم‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬سياسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬كما‭ ‬أدرك‭ ‬المسؤولون‭ ‬أن‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬عامل‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

‭ ‬وبدأت‭ ‬الدعاية‭ ‬تبرز‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬كأداة‭ ‬رئيسية‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬واستمرت‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬التصاعد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬أوجها‭ ‬بإنشاء‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1917،‭ ‬كما‭ ‬أنشئت‭ ‬إدارة‭ ‬مستقلة‭ ‬للدعاية‭ ‬المعادية‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الرقابة‭ ‬المشددة‭ ‬والحملات‭ ‬الدعائية‭ ‬المنظمة‭ ‬بدقة،‭ ‬أمكن‭ ‬تسخير‭ ‬الصحافة‭ ‬والأفلام‭ ‬والمنشورات‭ ‬والملصقات،‭ ‬والتنسيق‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬بطريقة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل،‭ ‬لنشر‭ ‬الموضوعات‭ ‬الموافق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬رسمياً‮»‬‭. ‬وظل‭ ‬الإجماع‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬صامداً‭ ‬وقائماً،‭ ‬ويرجع‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬إلى‭ ‬مهارة‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الدعاية‭ ‬والرقابة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب،‭ ‬بدأ‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المواطنين‭ ‬العاديين،‭ ‬الذين‭ ‬أدركوا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬التعتيم،‭ ‬عن‭ ‬عمد،‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬القتال،‭ ‬خلف‭ ‬الشعارات‭ ‬الوطنية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬الدعاية‭ ‬عن‭ ‬وحشية‭ ‬العدو‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنقل‭ ‬صوراً‭ ‬ملفقة‭ ‬ومتكررة‭ ‬عن‭ ‬الفظائع‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرتكبها‭. ‬كما‭ ‬شعر‭ ‬المواطنون‭ ‬أنهم‭ ‬خدعوا‭ ‬لأن‭ ‬تضحياتهم‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأرض‭ ‬الجديرة‭ ‬بالأبطال‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬وعدوا‭ ‬بها‭. ‬وأصبحت‭ ‬الدعاية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالأكاذيب،‭ ‬وتم‭ ‬إلغاء‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام،‭ ‬ونظرت‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬الدعاية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬خطيرة،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬السياسية،‭ ‬وغير‭ ‬مقبولة،‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السلم‭.  ‬وكانت‭ ‬الدعاية،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬المسؤولين‭ ‬البريطانيين،‭ ‬في‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭: ‬‮«‬هي‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬ضلت‭ ‬طريقها‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬كراهية‭ ‬الدعاية‭ ‬عميقة‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬حاولت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬توعية‭ ‬المواطنين‭ ‬بشأن‭ ‬معسكرات‭ ‬الاعتقال‭ ‬النازية،‭ ‬نظر‭ ‬الكثيرون‭ ‬بعين‭ ‬الشك‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المعلومات‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬دعاية‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يصدقوها‭.‬

ووفرت‭ ‬الدعاية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬مصدراً‭ ‬خصباً‭ ‬للألمان‭ ‬للقيام‭ ‬بدعاية‭ ‬مضادة‭ ‬لمعاهدات‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬فرساي،‭ ‬وقال‭ ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬كفاحي‮»‬‭ ‬Mein Kampf‭: ‬في‭ ‬عام‭ ‬1915،‭ ‬بدأ‭ ‬العدو‭ ‬دعايته‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬جنودنا،‭ ‬وابتداء‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1916،‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الدعاية‭ ‬مكثفة‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر،‭ ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬عام‭ ‬1918،‭ ‬تضخمت‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬غيوم‭ ‬عاصفة،‭ ‬وبإمكاننا‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬نلمس‭ ‬آثار‭ ‬هذا‭ ‬الإغواء‭ ‬التدريجي،‭ ‬وقد‭ ‬تعلم‭ ‬جنودنا‭ ‬أن‭ ‬يفكروا‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬أراد‭ ‬العدو‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يفكروا‭ ‬بها‭”.‬

‭ ‬وادعى‭ ‬هتلر‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الألماني‭ ‬لم‭ ‬يهزم‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬القتال،‭ ‬وانما‭ ‬استسلم‭ ‬لتحطيم‭ ‬روحه‭ ‬المعنوية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تغذيها‭ ‬الدعاية‭ ‬البريطانية‭ ‬الماهرة،‭ ‬وبذلك‭ ‬قدم‭ ‬شرعية‭ ‬تاريخية‭ ‬لأسطورة‭ “‬الطعنة‭ ‬من‭ ‬الخلف‭”. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬الدعاية‭ ‬البريطانية،‭ ‬أو‭ ‬البلشفية،‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬ألمانيا،‭ ‬فإن‭ ‬الكثيرين‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬تجربة‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬1914‭- ‬1918‭ ‬كانت‭ ‬ناجحة‭ ‬للغاية،‭ ‬وقدمت‭ ‬مثالاً‭ ‬حذت‭ ‬حذوه‭ ‬حكومات‭ ‬أخرى‭. ‬وقد‭ ‬أشاد‭ ‬هتلر‭ ‬نفسه‭ ‬بالبريطانيين‭ ‬عندما‭ ‬كتب‭ ‬قائلاً‭: “‬لم‭ ‬تدرك‭ ‬ألمانيا‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬سلاح‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬بينما‭ ‬استخدمه‭ ‬البريطانيون‭ ‬بمهارة‭ ‬فائقة‭ ‬وتدبير‭ ‬بارع‭”. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مستغرباً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أول‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬هتلر‭ ‬عقب‭ ‬توليه‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1933‭ ‬إنشاء‭ ‬وزارة‭ ‬للدعاية‭ ‬وتعيين‭ ‬جوبلز‭ ‬وزيرا‭ ‬لها‭. ‬وكان‭ ‬الزعيم‭ ‬النازي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬الدعاية‭ ‬هي‭ ‬لفت‭ ‬أنظار‭ ‬الجماهير‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬وعمليات‭ ‬وضروريات‭ ‬معينة،‭ ‬وبذلك‭ ‬توضع‭ ‬أهميتها،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬أمام‭ ‬أنظارهم،‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدعاية‭ ‬بسيطة،‭ ‬وأن‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬النقاط،‭ ‬وأن‭ ‬تتكرر‭ ‬كثيراً،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬العاطفية،‭ ‬كالحب‭ ‬والكراهية‭. ‬وانتهى‭ ‬هتلر‭ ‬إلى‭ ‬رأي‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬استمرارية‭ ‬الدعاية‭ ‬وتقديمها‭ ‬بالأسلوب‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤديا‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ “‬تكاد‭ ‬تفوق‭ ‬فهمنا‭”.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬النازيين،‭ ‬كان‭ ‬البلاشفة‭ ‬يميزون‭ ‬بين‭ ‬الإثارة‭ ‬والدعاية‭. ‬ففي‭ ‬روسيا‭ ‬السوفييتية،‭ ‬كانت‭ ‬الإثارة‭ ‬معنية‭ ‬بالتأثير‭ ‬على‭ ‬الجماهير،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأفكار‭ ‬والشعارات،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الدعاية‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الماركسية‭- ‬اللينينية،‭ ‬ويعود‭ ‬هذا‭ ‬التمييز‭ ‬إلى‭ ‬رأى‭ ‬الخبير‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1892‭: “‬رجل‭ ‬الدعاية‭ ‬يقدم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬لشخص‭ ‬واحد،‭ ‬أو‭ ‬لعدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الأشخاص،‭ ‬وأما‭ ‬المثير‭ ‬أو‭ ‬المهيج‭ ‬فيقدم‭ ‬فكرة‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬عدداً‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬ولكنه‭ ‬يقدمها‭ ‬للجماهير‭ ‬كلها‭”. ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬يعتبر‭ ‬النازيون‭ ‬الدعاية‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الموالين‭ ‬للحزب،‭ ‬بل‭ ‬وسيلة‭ ‬لإقناع‭ ‬جميع‭ ‬الألمان،‭ ‬وتلقينهم‭ ‬المبادئ‭ ‬والأفكار،‭ ‬وغرسها‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭.‬

قوى الإقناع والدعاية في السلم والحرب

الدعاية‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬جوبلز

يقول‭ ‬جوزيف‭ ‬جوبلز‭ (‬أشهر‭ ‬مثال‭ ‬لرجل‭ ‬الدعاية‭ ‬الألماني‭ ‬سيىء‭ ‬السمعة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬هتلر‭): ‬‮«‬الدعاية‭ ‬كلمة‭ ‬متهمة‭ ‬ظلماً‭ ‬ومفترى‭ ‬عليها‭ ‬بشدة،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يساء‭ ‬فهمها،‭ ‬ويستعملها‭ ‬الشخص‭ ‬العادي‭ ‬غير‭ ‬المتخصص‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬وضيع،‭ ‬بل‭ ‬وكريه،‭ ‬وهذه‭ ‬الكلمة‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬تترك‭ ‬مذاقاً‭ ‬مراً‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬جوبلز‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عقب‭ ‬تعيينه‭ ‬مباشرة‭ ‬وزيراً‭ ‬للإرشاد‭ ‬القومي‭ ‬والدعاية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬حكومة‭ ‬شكلها‭ ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬عام‭ ‬1933،‭ ‬وهو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يؤديه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬لتأكيد‭ ‬هذا‭ “‬المذاق‭ ‬المر‭” ‬واستمراره‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬جوبلز‭ ‬أضاف‭ ‬قائلاً‭: “‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقنع‭ ‬شخصاً‭ ‬واحداً‭ ‬بضرورة‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬أعرف‭ ‬نفسية‭ ‬هذا‭ ‬الشخص،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬أفهم‭ ‬كيف‭ ‬أعزف‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬أفهمها‭”. ‬ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬أن‭ ‬جوبلز‭ ‬أخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬مهمة‭ ‬القيام‭ ‬بتخليص‭ ‬الدعاية‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة،‭ ‬كأن‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ “‬الأكاذيب‭”‬،‭ ‬أو‭ “‬الخداع‭”‬،‭ ‬أو‭ “‬غسيل‭ ‬المخ‭”‬،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ارتباط‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الناس‭ ‬بالسلبيات‭ ‬يعود،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬إلى‭ ‬الدعاية‭ ‬النازية‭. ‬وكانت‭ ‬أنشطة‭ ‬وأعمال‭ ‬الدعاية‭ ‬الألمانية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬جوبلز‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً‭ ‬وتقدماً‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬1914‭- ‬1918‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬استخدمها‭ ‬جوبلز‭ ‬إقامة‭ ‬محطات‭ ‬إذاعة‭ ‬وهمية‭ “‬للطابور‭ ‬الخامس‭”‬،‭ ‬موحياً‭ ‬بأنها‭ ‬تذيع‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬بريطانيا،‭ ‬والاستعانة‭ ‬ببريطانيين‭ ‬موالين‭ ‬للنازي‭ ‬لإذاعة‭ ‬دعاية‭ ‬من‭ ‬برلين،‭ ‬وقد‭ ‬ردت‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بإقامة‭ ‬إذاعة‭ “‬الدعاية‭ ‬السوداء‭”‬،‭ ‬وكان‭ ‬بعض‭ ‬العاملين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬اليهود‭ ‬والمنفيين‭ ‬الألمان‭ ‬المعادين‭ ‬للنازية‭.‬

دروس‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية

في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬للنازيين‭ ‬وزارة‭ ‬للدعاية،‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬السوفييت‭ ‬لجنة‭ ‬للدعاية‭ ‬تابعة‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وكان‭ ‬لدى‭ ‬البريطانيين‭ ‬وزارة‭ ‬للإعلام،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬مكتب‭ ‬للإعلام‭ ‬الحربي‭. ‬وبعد‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬وضعت‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ “‬ثورة‭ ‬اتصالات‭” ‬أكبر‭. ‬وقام‭ ‬أساتذة‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬وعلماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬بوضع‭ ‬نظريات‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬البشر‭ ‬والمجتمع‭ ‬الحديث،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬قيام‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬تسوده‭ ‬النزعة‭ ‬الاستهلاكية،‭ ‬والأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬والقمعية‭. ‬وقد‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬متشابهون،‭ ‬ومن‭ ‬السهل‭ ‬قيادتهم‭ ‬والتأثير‭ ‬عليهم،‭ ‬بينما‭ ‬النظرة‭ ‬التشاؤمية‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الكبير‭ ‬شددت‭ ‬على‭ ‬الشعور‭ ‬بالاغتراب‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل،‭ ‬وتراجع‭ ‬الدين‭ ‬والروابط‭ ‬الأسرية،‭ ‬والتدهور‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬كما‭ ‬اعتبرت‭ ‬الجماهير‭ ‬عموماً‭ ‬لامبالية‭ ‬بالسياسة،‭ ‬وغير‭ ‬متحمسة‭ ‬لها،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ميالة‭ ‬إلى‭ ‬التعصب‭ ‬العقائدي،‭ ‬ومعرضة‭ ‬للتلاعب‭ ‬بها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستمالة‭ ‬والتأثير‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تغيرت‭ ‬النظرة‭ ‬إلى‭ ‬الدعاية،‭ ‬وأصبح‭ ‬ينظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ “‬وصفة‭ ‬سحرية‭”‬،‭ ‬أو‭ “‬حقنة‭ ‬تحت‭ ‬الجلد‭”‬،‭ ‬تتغلغل‭ ‬إلى‭ ‬أفكار‭ ‬الجماهير،‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬آرائهم‭ ‬وسلوكهم‭.‬

وقد‭ ‬عارض‭ ‬بعض‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬القاتمة،‭ ‬وقالوا‭ ‬إن‭ ‬الدعاية‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬المجتمع‭ ‬الكبير‭ ‬المنقسم‭ ‬إلى‭ ‬مجموعات‭ ‬صغيرة‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬آلية‭ ‬لدغدغة‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬ووسيلة‭ ‬للضبط‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬عالم‭ ‬اجتماع‭ ‬فرنسي‭ ‬بتطوير‭ ‬هذا‭ ‬الرأي،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬المجتمع‭ ‬التقني‭ ‬قد‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬الناس‭ ‬وتحكم‭ ‬فيهم‭ ‬لدرجة‭ ‬أنهم‭ ‬يشعرون‭ ‬الآن‭ “‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الدعاية‭”. ‬ووفقاً‭ ‬لهذا‭ ‬الرأي،‭ ‬فإن‭ ‬الدعاية‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬فعالة‭ ‬عندما‭ ‬ترسخ‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬الموجودة‭ ‬أصلاً‭. ‬وهكذا،‭ ‬حل‭ ‬نموذج‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬محل‭ ‬فكرة‭ “‬الحقنة‭ ‬تحت‭ ‬الجلد‭”‬،‭ ‬ويسلم‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬بتأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يدرك،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أن‭ ‬الأفراد‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬أشخاص‭ ‬من‭ ‬طبقتهم‭ ‬أو‭ ‬جنسهم‭ ‬ممن‭ ‬يقومون‭ ‬بتشكيل‭ ‬الآراء،‭ ‬وذلك‭ ‬لتثبيت‭ ‬أفكارهم‭ ‬واتجاهاتهم‭. ‬ويتفق‭ ‬معظم‭ ‬الكتاب‭ ‬والباحثين‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬تثبت‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تغير،‭ ‬وأنها‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬فعالية‭ ‬عندما‭ ‬تتمشى‭ ‬مع‭ ‬الآراء‭ ‬والمعتقدات‭ ‬القائمة‭ ‬لدى‭ ‬الأشخاص‭ ‬المستهدفين‭ ‬منها‭. ‬وهذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬يبرز‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬الخاطئة‭ ‬الشائعة‭ ‬عن‭ ‬الدعاية‭. ‬ويعتقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬فن‭ ‬الإقناع،‭ ‬ولا‭ ‬تهدف‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الأفكار‭ ‬والاتجاهات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬معنية‭ ‬بترسيخ‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬القائمة،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تحسينها،‭ ‬أو‭ ‬التركيز‭ ‬عليها‭.‬

والمفهوم‭ ‬الخاطئ‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬لا‭ ‬تضم‭ ‬إلا‭ ‬أكاذيب‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬الدعاية‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الحقيقة،‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الكذب‭ ‬الصريح‭ ‬والحقيقة‭ ‬المنتزعة‭ ‬من‭ ‬سياقها،‭ ‬مروراً‭ ‬بأنصاف‭ ‬الحقائق‭. ‬وأثناء‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات،‭ ‬كحرب‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت،‭ ‬أعاد‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬أذهان‭ ‬الشعب‭ ‬البريطاني‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬دنكرك‭ ‬Dunkirk،‭ ‬أو‭ ‬الهجوم‭ ‬الجوي‭ ‬الخاطف‭ ‬والمفاجئ‭ ‬Blitz،‭ ‬أو‭ ‬روح‭ ‬حرب‭ “‬فوكلاند‭”‬،‭ ‬وأكدوا‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬خفض‭ ‬التضخم‭ “‬بجرة‭ ‬قلم‭”‬،‭ ‬ووعدوه‭ ‬بعدم‭ ‬زيادة‭ ‬الضرائب‭ “‬طالما‭ ‬ظلت‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬السلطة‭” ‬وأن‭ “‬الجنيه‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬جيوبكم‭” ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تخفض‭ ‬قيمته،‭ ‬وبدأ‭ ‬المسؤولون‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1997‭ ‬في‭ ‬حث‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬أنفسهم‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ “‬بريطانيا‭ ‬الهادئة‭”. ‬فالدعاية‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬عن‭ ‬الورم‭ ‬الخبيث،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭.‬

الدعاية‭ ‬والحروب‭ ‬المعاصرة

لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬حظيت‭ ‬الدعاية‭ ‬الحربية‭ ‬باهتمام‭ ‬الناس‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬الحروب‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تطور‭ ‬الإمكانات‭ ‬التقنية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬المدنيون‭ ‬يجدون‭ ‬أنفسهم‭ ‬أمام‭ ‬إعلام‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬وكل‭ ‬طرف‭ ‬يستخدم‭ ‬أحدث‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬العصر‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬والوسائل‭ ‬التي‭ ‬مكنت‭ ‬المتلقي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬مشاركاً‭ ‬في‭ ‬الأحداث،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬متابع‭ ‬سلبي،‭ ‬فأصبح‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬قاعات‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭. ‬ووجد‭ ‬الناس‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعارك،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلفزيون،‭ ‬والأقمار‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬والشبكات‭ ‬الإذاعية،‭ ‬وشبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬النابوليونية‭ ‬وحرب‭ ‬الاستقلال‭ ‬الأمريكية‭ ‬كانتا‭ ‬نذيراً‭ ‬بوصول‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬بسبب‭ ‬حجم‭ ‬ومستوى‭ ‬المشاركة‭ ‬الشعبية،‭ ‬فإن‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬اختلفت‭ ‬بقدر‭ ‬ملحوظ‭ ‬عن‭ ‬الصراعات‭ ‬السابقة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬اتساعها‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬تأثر‭ ‬المدنيين‭ ‬بها‭ ‬ومساهمتهم‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬خطها‭ ‬الأول،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الحرب‭ ‬شأناً‭ ‬يهم‭ ‬كل‭ ‬مواطن،‭ ‬ونضالاً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البقاء‭ ‬القومي‭ ‬يتطلب‭ ‬تعبئة‭ ‬جميع‭ ‬موارد‭ ‬الدولة،‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والصناعية‭ ‬والبشرية‭ ‬والنفسية،‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر،‭ ‬أو‭ ‬تجنب‭ ‬الهزيمة‭.‬

وجاءت‭ ‬فنون‭ ‬الحرب‭ ‬الحديثة‭ ‬بالمعارك‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬أشد‭ ‬قرباً‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المواطنين‭ ‬العاديين‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬احتمالات‭ ‬تعرض‭ ‬المدنيين‭ ‬للقصف‭ ‬بالقنابل،‭ ‬وأصبح‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬التجنيد‭ ‬الإجباري،‭ ‬والإنذار‭ ‬من‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية،‭ ‬وتقنين‭ ‬وتحديد‭ ‬كميات‭ ‬الطعام‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الحيوية‭ ‬المؤثرة‭. ‬ووجد‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬العاديون،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬ليتأثروا‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬بالحروب‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬جنود‭ ‬محترفون‭ ‬في‭ ‬أراض‭ ‬بعيدة،‭ ‬وجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬يتأثرون‭ ‬مباشرة‭ ‬بما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬من‭ ‬أحداث‭. ‬وبالتالي،‭ ‬أصبحت‭ ‬روحهم‭ ‬المعنوية،‭ ‬وإرادة‭ ‬القتال‭ ‬والمقاومة‭ ‬لديهم‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الجماعي‭ ‬الشامل،‭ ‬رصيداً‭ ‬عسكرياً‭ ‬وحربياً‭ ‬مهماً،‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬النظر‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬باعتبارها‭ ‬رياضة‭ ‬الملوك‭ ‬والنبلاء،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬أصبحت،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬كليمينصو‭ (‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬فرنسا‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭) “‬أمراً‭ ‬أكثر‭ ‬خطراً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬للجنرالات‭”.‬

وفي‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بشأن‭ ‬كوسوفو‭ ‬أدرك‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭ ‬أهمية‭ ‬التلاعب‭ ‬بالأنباء‭ ‬لمصلحة‭ ‬كل‭ ‬منهما،‭ ‬وفضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬أحدث‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاتصالات‭ ‬وأكثره‭ ‬تقدماً،‭ ‬وهو‭ ‬الإنترنت،‭ ‬استغل‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الدعاية‭. ‬وعندما‭ ‬قرر‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ “‬ناتو‭” ‬إعلان‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الصرب،‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬تبرير‭ ‬أسباب‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬‮«‬الأهداف‭ ‬الإنسانية‮»‬‭ ‬لحملة‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬التي‭ ‬شنها،‭ ‬وعلى‭ ‬دقة‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كرر‭ ‬المتحدث‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحلف،‭ ‬عبارة‭: ‬‮«‬قضيتنا‭ ‬عادلة‮»‬‭. ‬كما‭ ‬استغل‭ ‬الزعيم‭ ‬الصربي،‭ ‬ميلوسيفيتش،‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لأغراض‭ ‬الدعاية،‭ ‬وسمح‭ ‬لمراسلي‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ ‬وشبكة‭ ‬CNN‭ ‬الإخبارية‭ ‬بالاستمرارية‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الأخبار‭ ‬من‭ ‬بلجراد،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬إحداث‭ ‬انقسام‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بإذاعة‭ ‬قصص‭ ‬عن‭ ‬مدنيين‭ ‬أبرياء‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭. ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬الدعاية‭ ‬فعالية‭ ‬وأشدها‭ ‬تأثيراً‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التحقق‭ ‬منها‭ ‬وتأكيد‭ ‬صحتها،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬دفاعي‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬أو‭ ‬الانتقادات‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الدعائية‭ ‬عندما‭ ‬اضطر‭ ‬للاعتراف‭ ‬بصحة‭ ‬بعض‭ ‬الادعاءات‭ ‬الصربية‭ ‬عن‭ ‬وقوع‭ ‬ضحايا‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬كوسوفو‭ ‬سوى‭ ‬أحدث‭ ‬حرب‭ ‬تعززت‭ ‬فيها‭ ‬الأهمية‭ ‬المحورية‭ ‬للدعاية‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬تلك‭ ‬الأهمية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تتزايد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عولمة‭ ‬الإعلام‭. ‬

‮»‬‭ ‬لواء‭ ‬د‭. ‬علي‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬رجب‭

(باحث‭ ‬عسكري‭ ‬وخبير‭ ‬استراتيجي‭(

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض