Chinese East sea

عمليات المنطقة الرمادية للبحرية الصينية

أدت‭ ‬المصالح‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬البحرية‭ ‬لآسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬حتماً‭ ‬إلى‭ ‬وقوعها‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1949‭. ‬وقد‭ ‬رسمت‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬خطوط‭ ‬المعركة‭. ‬في‭ ‬الشرق،‭ ‬عندما‭ ‬وقعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬معاهدات‭ ‬دفاع‭ ‬جماعي‭ ‬مع‭ ‬الفلبين‭ (‬في‭ ‬عام‭ ‬1951‭) ‬ومع‭ ‬اليابان‭ (‬في‭ ‬عام‭ ‬1960‭) ‬بهدف‭ ‬وقف‭ ‬مد‭ ‬الشيوعية‭. ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬المواجهة‭ ‬حول‭ ‬وضع‭ ‬تايوان‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬مصدر‭ ‬توتر‭ ‬شديد‭.‬

شهدت‭ ‬التسعينات‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬الحسابات‭ ‬المعقدة‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين،‭ ‬وبحلول‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أظهرت‭ ‬المواجهات‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬الإقليميين‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭  ‬الصين‭ ‬لتطوير‭ ‬بحرية‭ ‬المياه‭ ‬الزرقاء‭ ‬مع‭ ‬فرض‭ ‬القوة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬بأكملها‭ ‬أصبحت‭ ‬مركزية‭ ‬للتخطيط‭ ‬العسكري‭ ‬الصيني‭. ‬يرى‭ ‬المراقبون‭ ‬الآن‭ ‬الموقف‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬واعية‭ ‬للعمليات‭ ‬‮«‬الهجينة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الرمادية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تحقق‭ ‬الصين‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬مكاسب‭ ‬استراتيجية‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭. ‬تم‭ ‬وصف‭ ‬التحول‭ ‬الملحوظ‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العسكرية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭ ‬التابع‭ ‬للبحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬البحرية‭ ‬الرمادية‭ ‬الصينية‮»‬‭.‬

الخلفية‭ ‬التاريخية

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تطورها‭ ‬كدولة‭ ‬مركزية‭ ‬بفترة‭ ‬زمنية‭ ‬كبير‭ ‬سبقت‭ ‬ظهور‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى‭ ‬للغرب،‭ ‬لم‭ ‬تُظهر‭ ‬الصين‭ ‬أبداً‭ ‬اهتماماً‭ ‬كبيراً‭ ‬بتطوير‭ ‬بحرية‭ ‬قوية‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬العميقة‭. ‬بالأحرى،‭ ‬كانت‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬قوى‭ ‬استعمارية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭. ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬الدولة‭ ‬الشيوعية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬اقتصادها‭ ‬للنمو‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمؤسس‭ ‬الصين‭ ‬الحديثة،‭ ‬دينغ‭ ‬شياو‭ ‬بينغ،‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1978‭ ‬فصاعداً،‭ ‬ويشير‭ ‬التفكير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬التقليدي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬بدأت‭ ‬بالتفكير‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬عسكري‭ ‬أكثر‭ ‬توسعية‭ ‬وميلاً‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬وضع‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬تطلعاتها‭ ‬كقوة‭ ‬عظمى‭ ‬قادرة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬تحدي‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

في‭ ‬التسعينات،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬عاملان‭ ‬رئيسيان‭ ‬شكلا‭ ‬سياسة‭ ‬الصين‭ ‬تجاه‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭. ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬اكتشاف‭ ‬حقول‭ ‬نفط‭ ‬وغاز‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭. ‬في‭ ‬دخول‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ (‬UNCLOS‭) ‬حيز‭ ‬النفاذ،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تطبيقها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭. ‬تمت‭ ‬صياغتها‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬والاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصين‭. ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسية‭ ‬لاتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬آلية‭ ‬تحكيم‭ ‬محايدة‭ ‬بشأن‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭.‬

وأدت‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬خط‭ ‬الفواصل‭ ‬التسع‮»‬‭ (‬الغامض‭) ‬سيئ‭ ‬السمعة‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬تم‭ ‬طرح‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رسام‭ ‬خرائط‭ ‬قومي‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬الأربعينات،‭ ‬وهو‭ ‬يرسم‭ ‬حدود‭ ‬المياه‭ ‬الزرقاء‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬معظم‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬خارج‭ ‬الهوامش‭ ‬الساحلية‭ ‬المباشرة‭ ‬للولايات‭ ‬الإقليمية‭ ‬للفلبين‭ ‬وماليزيا‭ ‬وبروناي‭ ‬وفيتنام‭. ‬تدعي‭ ‬الصين‭ ‬أنها‭ ‬تتمتع‭ ‬بالسيادة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المعدنية‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬البحرية‭ ‬الضخمة،‭ ‬وقد‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬ومتزايد‭ ‬في‭ ‬البحار‭. ‬وتأثرت‭ ‬تايوان‭ ‬أيضاً،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬خطر‭ ‬الصراع‭ ‬المحتمل‭ ‬على‭ ‬الجزيرة‭.‬

في‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينات،‭ ‬أدت‭ ‬أزمة‭ ‬حول‭ ‬تايوان‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بنشر‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات،‭ ‬إندبندنس‭ ‬ونيميتز‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬التزاماتها‭ ‬تجاه‭ ‬حلفائها‭ ‬العسكريين‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬واجهت‭ ‬الفرقاطات‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية‭ ‬السفينة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إمبيكابل،‭ ‬عندما‭ ‬أبحرت‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬هاينان‭ ‬الصينية‭. ‬شهد‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬بداية‭ ‬رواية‭ ‬صينية‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬حول‭ ‬مطالباتها‭ ‬بالسيادة‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬وبحر‭ ‬الصين‭ ‬الشرقي،‭ ‬معلنة‭ ‬عن‭ ‬استراتيجية‭ ‬بحرية‭ ‬‮«‬دفاعية‮»‬‭ ‬جديدة‭ ‬بقيادة‭ ‬الميليشيات‭ ‬البحرية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الشعبية‭ (‬PAFMM‭). ‬وتلا‭ ‬ذلك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحوادث،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مواجهات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬السفن‭ ‬الفلبينية‭ ‬والفيتنامية‭ ‬واليابانية،‭ ‬إجراء‭ ‬اختبارات‭ ‬صاروخية‭ ‬استفزازية‭ ‬مضادة‭ ‬للسفن‭ ‬بشكل‭ ‬دوري،‭ ‬والضم‭ ‬الواضح‭ ‬للجزر‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬ولكن‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬مثل‭ ‬سلاسل‭ ‬جزر‭ ‬باراسيل‭ ‬وسبراتلي‭. ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأخيرة،‭ ‬قامت‭ ‬الصين‭ ‬ببناء‭ ‬إنشاءات‭ ‬على‭ ‬الجزر‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2013‭ ‬و2017‭ ‬وبناء‭ ‬مهبط‭ ‬طائرات‭ ‬جديد‭ ‬مهم،‭ ‬مما‭ ‬وفر‭ ‬للطائرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الصينية‭ ‬قاعدة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

أدى‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬سبراتلي‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬قررت‭ ‬الفلبين‭ ‬إحالة‭ ‬الصين‭ ‬رسمياً‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بموجب‭ ‬أحكام‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭. ‬بموجب‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬صدر‭ ‬الحكم‭ ‬ضد‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2016‭. ‬شمل‭ ‬الحكم‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬النقاط،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬رفض‭ ‬مبادئ‭ ‬‮«‬خط‭ ‬الفواصل‭ ‬التسع»؛‭ ‬وأن‭ ‬جزر‭ ‬سبراتلي‭ ‬والجزر‭ ‬المجاورة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخضع‭ ‬للحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الحصرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬بمفردها،‭ ‬لأنها‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفنية‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬مؤهولة‭ ‬بالسكان‭. ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬رفضت‭ ‬الحكم‭ ‬ووصفته‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬ورق‭ ‬المهملات‮»‬‭. ‬كما‭ ‬زعم‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلبيني،‭ ‬رودريغو‭ ‬دوتيرتي،‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الصيني‭ ‬لي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬هدده‭ ‬شخصياً‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬محاولة‭ ‬الفلبين‭ ‬استغلال‭ ‬احتياطيات‭ ‬الغاز‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬بنك‭ ‬ريد‭.‬

مفهوم‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية

يرى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعلقين،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬إريكسون‭ ‬ومارتينسون،‭ ‬محررا‭ ‬الكتاب‭ ‬الأخير‭ ‬للمعهد‭ ‬البحري‭ ‬الأمريكي‭ ‬حول‭ ‬أنشطة‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬التغييرات‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الصيني‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬كدليل‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬استراتيجي‭ ‬كلاسيكي‭ ‬في‭ ‬بكين‭ ‬نحو‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬‮«‬للحرب‭ ‬الهجينة‮»‬‭. ‬ففي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬كان‭ ‬الخبير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العسكري‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس،‭ ‬صن‭ ‬تزو،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬أن‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬لتحقيق‭ ‬النصر‭ ‬العسكري‭ ‬هي‭ ‬تجنب‭ ‬الصراع‭ ‬الكبير‭ ‬تماماً‭.‬

بدلاً‭ ‬من‭ ‬‮«‬عقيدة‭ ‬جيراسيموف‮»‬‭ ‬المُختلف‭ ‬عليها‭ ‬والتي‭ ‬يُزعم‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬نشرتها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬والتي‭ ‬يُنظر‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬الأنشطة‭ ‬البحرية‭ ‬الأخيرة‭ ‬للصين‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬استراتيجية‭ ‬إبداعية‭ ‬لشن‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬منخفضة‭ ‬الوتيرة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬والشرقي،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬إضافية‭ ‬دون‭ ‬إثارة‭ ‬اندلاع‭ ‬أعمال‭ ‬عدائية‭ ‬مفتوحة‭. ‬يوصف‭ ‬الهدف‭ ‬أحياناً‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬أفعال‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الحرب‮»‬‭. ‬أو‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬بدون‭ ‬دخان‭ ‬أسلحة‮»‬‭. ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬يمكن‭ ‬استخدام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬لتطبيق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬فائدة‭ ‬في‭ ‬إبطال‭ ‬هيمنة‭ ‬القوة‭ ‬النارية‭ ‬التقليدية‭ ‬للقوى‭ ‬الغربية‭. ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬عدم‭ ‬وضوح‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الميليشيات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬أو‭ ‬الجهات‭ ‬الغامضة‭ ‬الأخرى،‭ ‬استخدام‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬النفسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬لخوض‭ ‬معارك‭ ‬إعلامية،‭ ‬واستخدام‭ ‬القدرات‭ ‬السيبرانية،‭ ‬حيث‭ ‬تنطبق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬القانونية‭ ‬والتعريفية‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭  ‬الهجمات‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تشكل‭ ‬‮«‬أعمالاً‭ ‬حربية‮»‬‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشمل‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأخرى‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬القانونية‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬استغلال‭ ‬أوجه‭ ‬الغموض‭ ‬والتعقيدات‭ ‬القانونية‭ ‬والتنظيمية،‭ ‬وتوريط‭ ‬الخصوم‭ ‬في‭ ‬نقاشات‭ ‬طويلة‭ ‬وغير‭ ‬مثمرة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭ ‬ووكالات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

في‭ ‬السياق‭ ‬البحري‭ ‬الصيني،‭ ‬يؤكد‭ ‬إريكسون‭ ‬ومارتنسون‭ ‬استخدام‭ ‬بكين‭ ‬سفن‭ ‬خفر‭ ‬السواحل‭ ‬وسفن‭ ‬الميليشيات‭ ‬‮«‬شبه‭ ‬البحرية‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬سفن‭ ‬PAFMM‭ ‬لإثارة‭ ‬المواجهات،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬فرقاطات‭ ‬بحرية‭. ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬المعلوماتي،‭ ‬تستخدم‭ ‬الصين‭ ‬خطابا‭ ‬إعلاميا‭ ‬مزدوجا،‭ ‬حيث‭ ‬تؤكد‭ ‬إصرارها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬السيطرة‭ ‬الإقليمية‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تلك‭ ‬الموجوة‭ ‬في‭ ‬خط‭ ‬الفواصل‭ ‬التسعة‭ ‬وتتبنى‭ ‬خطابا‭ ‬مغايرا‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الصينية‭ ‬الناطقة‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬حيث‭ ‬تصف‭ ‬الصين‭ ‬بأنها‭ ‬عضو‭ ‬مسؤول‭ ‬و«سلمي‮»‬‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬كما‭ ‬تخلق‭ ‬لغة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حماية‭ ‬الحقوق‭ ‬البحرية‮»‬‭ ‬ضباباً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬بشأن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الإجراءات‭ ‬الدفاعية‭ ‬والهجومية،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬اتجاه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للحرب‭ ‬الباردة‭. ‬وعلى‭ ‬جبهة‭ ‬الحرب‭ ‬القانونية،‭ ‬تشير‭ ‬المزاعم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تلعب‭ ‬لعبة‭ ‬مزدوجة‭ ‬معقدة‭. ‬فمن‭ ‬ناحية،‭ ‬سوف‭ ‬ترى‭ ‬ميزة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كعضو‭ ‬مسؤول‭ ‬وملتزم‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬مع‭ ‬الامتثال‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬عليها‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التأكيد‭ ‬مراراً‭ ‬وتكراراً‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭. ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر٬‭ ‬توجه‭ ‬الصين‭ ‬ترهيبا‭ ‬عسكريا‭ ‬للدول‭ ‬الأصغر‭ ‬وذات‭ ‬المستوى‭ ‬الدفاعي‭ ‬الأدنى‭ ‬مثل‭ ‬فيتنام‭ ‬والفلبين‭ ‬حتى‭ ‬لاتختصم‭ ‬العملاق‭ ‬الإقليمي‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬من‭ ‬المأمول،‭ ‬نظراً‭ ‬لتعقيد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وغموض‭ ‬بعض‭ ‬جوانبه،‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تحديات‭ ‬قانونية‭ ‬لأنشطته‭ ‬ستستغرق‭ ‬عموماً‭ ‬سنوات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحلول‭. ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬يمكن‭ ‬للصين‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬فعلية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصعب‭ ‬للغاية‭ ‬عكس‭ ‬مسارها‭ ‬دون‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬التصعيدية‭ ‬ضد‭ ‬بكين‭.‬

سلبيات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬‮«‬الرمادية‮»‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬المفترضة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الصين،‭ ‬هناك‭ ‬عيوب‭ ‬كبيرة‭ ‬محتملة‭ ‬لاستراتيجيتها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬والشرقي،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تحد‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬التهديد‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬بكين‭ ‬رفضت‭ ‬بتهديد‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬ضدها‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬فإن‭ ‬الضرر‭ ‬الرمزي‭ ‬سيكون‭ ‬قد‭ ‬لحق‭ ‬بسمعتها‭ ‬كعضو‭ ‬مسالم‭ ‬وجدير‭ ‬بالثقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬تتجه‭ ‬لتجاهل‭ ‬سلطة‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار‭ ‬وتبني‭ ‬تصرفات‭ ‬أحادية‭. ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أدلة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تمتثل‭ ‬للأحكام‭ ‬بهدوء‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬معين،‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬القيام‭ ‬بخلاف‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬المعاهدة‭.‬

هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬حجة‭ ‬اقتصادية‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تحمل‭ ‬عزل‭ ‬الدول‭ ‬الإقليمية‭ ‬كثيراً،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬كعملاء‭ ‬لمنتجاتها‭. ‬لكن‭ ‬يوجد‭ ‬هناك‭ ‬عداء‭ ‬عميق‭ ‬الجذور‭ ‬بالفعل‭ ‬مع‭ ‬اليابان،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬دفعت‭ ‬الصين‭ ‬بدول‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬فيتنام‭ ‬والفلبين‭ ‬وماليزيا‭ ‬بعيداً‭ ‬إلى‭ ‬المعسكر‭ ‬الأمريكي‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وسياسياً،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬ضاراً‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

وإحدى‭ ‬المشاكل‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬عكسية‭. ‬فقد‭ ‬تبنت‭ ‬فيتنام،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬استراتيجية‭ ‬للإعلان‭ ‬عن‭ ‬التجاوزات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬ضد‭ ‬سفنها‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التفاصيل‭ ‬تجد‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الصحافة‭ ‬الدولية‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الإضرار‭ ‬بسمعة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬وتصويرها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الدولة‭ ‬المتنمرة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭. ‬تسلط‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التوافق‭ ‬بين‭ ‬الخطاب‭ ‬السلمي‭ ‬والتكتيكات‭ ‬العدوانية‭ ‬للصين‭. ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ذلك،‭ ‬مع‭ ‬تغيير‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة،‭ ‬لم‭ ‬يتضح‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بايدن‭ ‬سيغير‭ ‬الموقف‭ ‬العدائي‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يتبناه‭ ‬ترامب‭ ‬تجاه‭ ‬الصين‭ ‬وتطلعاتها‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬والشعور‭ ‬العام‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الرسالة‭ ‬الموجهة‭ ‬لبكين‭ ‬لن‭ ‬تخفَّف‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬لكن‭ ‬الضغط‭ ‬لإيجاد‭ ‬حلول‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مفضلاً‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭. ‬

‮»‬‭ ‬البروفيسور‭ ‬جوليان‭ ‬ريتشاردز‭                                                          

مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الأمنية‭ ‬والاستخباراتية‭ – ‬جامعة‭ ‬باكنغهام‭ ‬BUCSIS‭ ‬

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض