Print

شبح‭ ‬‮«‬السورنة‮»‬‭ ‬و«القبرصة‮»‬التدخل العسكري التركي في‭ ‬ليبياالدوافع‭ ‬والتأثيرات المحتملة

شهدت‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬تصعيداً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬الصراع‭ ‬المحتدم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬الإطاحة‭ ‬بحكم‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬مدفوعاً‭ ‬بالأساس‭ ‬بتصعيد‭ ‬تركيا‭ ‬وتدخلها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬دعماً‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬والميليشيات‭ ‬التي‭ ‬تتبعها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي‭ ‬برئاسة‭ ‬المشير‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر،‭ ‬وهو‭ ‬التدخل‭ ‬الذي‭ ‬أثار‭ ‬القلق‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬وطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬دوافع‭ ‬أنقره‭ ‬من‭ ‬وراءه،‭ ‬وتأثيراته‭ ‬على‭ ‬المشهدين‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ومساراته‭ ‬المستقبلية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬من‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬سيناريوهات‭ ‬‮«‬سورنة‭ ‬ليبيا‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬تكرار‭ ‬النموذج‭ ‬السوري،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬قبرصتها‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬تكرار‭ ‬نموذج‭ ‬التدخل‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬قبرص‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وهو‭ ‬التدخل‭ ‬الذي‭ ‬أفضى‭ ‬عملياً‭ ‬إلى‭ ‬تقسيم‭ ‬قبرص‭.‬

أولاً‭: ‬تطور‭ ‬موقف‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية
شهد‭ ‬الموقف‭ ‬التركي‭ ‬تطورات‭ ‬متباينة‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية،‭ ‬عكست‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬الطابع‭ ‬النفعي‭ ‬الذي‭ ‬يميز‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭. ‬ففي‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬التردد‭ ‬التركي‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬القذافي،‭ ‬نظرًا‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تربطها‭ ‬مصالح‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬كبيرة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬استثمارات‭ ‬هائلة‭ ‬قُدِّرت‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ،‬2009‭‬‭ ‬حيث‭ ‬دعت‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬تغليب‭ ‬لغة‭ ‬الحوار‭ ‬والحلول‭ ‬السلمية،‭ ‬كما‭ ‬ترددت‭ ‬أيضاً‭ ‬بشأن‭ ‬تأييد‭ ‬عملية‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬بقاءها‭ ‬خارج‭ ‬التحالف‭ ‬الغربي‭ ‬الأطلسي‭ ‬سيبعدها‭ ‬عن‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬عدلت‭ ‬موقفها‭ ‬نحو‭ ‬دعم‭ ‬مبادرة‭ ‬تدخُّل‭ ‬الحلف‭ ‬للإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬القذافي‭. ‬وعقب‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالقذافي،‭ ‬تحركت‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الليبية‭ ‬بشكل‭ ‬نشط‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد؛‭ ‬فكانت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬بادر‭ ‬بتعيين‭ ‬سفيرٍ‭ ‬بطرابلس‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬‮«‬القذافى‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬أردوغان‭ ‬بزيارتها‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2011،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تستقر‭ ‬أوضاعها‭ ‬السياسية،‭ ‬وعملت‭ ‬أنقرة‭ ‬على‭ ‬إبرام‭ ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬جماعات‭ ‬وقوًى‭ ‬سياسية‭ ‬إسلامية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بها‭ ‬داخل‭ ‬ليبيا،‭ ‬واحتضنت‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬والجماعات‭ ‬المتشددة‭ ‬هناك‭ ‬وقدمت‭ ‬لهم‭ ‬الدعم‭ ‬والتمويل‭ ‬والأسلحة‭ ‬بالتنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬مع‭ ‬قطر‭. ‬وعندما‭ ‬حدث‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬الفرقاء‭ ‬الليبين‭ ‬ووقعت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬قدمت‭ ‬تركياً‭ ‬دعماً‭ ‬كبيراً‭ ‬للتيارات‭ ‬الإسلاموية،‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬فجر‭ ‬ليبيا‮»‬‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭/‬مصراتة،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تحالف‭ ‬‮«‬كرامة‭ ‬ليبيا‮»‬‭ ‬التابع‭ ‬للجيش‭ ‬الوطني‭ ‬بقيادة‭ ‬خليفة‭ ‬حفتر،‭ ‬ثم‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الليبية‭ ‬بقيادة‭ ‬فايز‭ ‬السراج‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬
ثانياً‭: ‬التصعيد‭ ‬التركي‭ ‬الأخير‭ ‬ودوافعه
شهد‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الليبية‭ ‬تصعيداً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬بعد‭ ‬توقيع‭ ‬أنقرة‭ ‬ورئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬فايز‭ ‬السراج‭ ‬اتفاقيتين‭ ‬مثيرتين‭ ‬للجدل‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2019؛‭ ‬الأولى‭: ‬حول‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري،‭ ‬وتتضمن‭ ‬نقل‭ ‬الأسلحة‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والتدريب‭ ‬الأمني‭ ‬وتبادل‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬نشر‭ ‬قوات‭ ‬تركية‭ ‬بليبيا‭ ‬وتنفيذ‭ ‬تدريبات‭ ‬مشتركة‭ ‬وإنشاء‭ ‬مكتب‭ ‬مشترك‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مجالي‭ ‬الدفاع‭ ‬والأمن‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬والثانية‭ ‬تتعلق‭ ‬بترسيم‭ ‬جديد‭ ‬للحدود‭ ‬البحرية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬حيث‭ ‬تحدد‭ ‬احداثيات‭ ‬المنطقة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخاصة‭ ‬بتركيا،‭ ‬بما‭ ‬يعطي‭ ‬لتركيا‭ ‬الفرصة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬الطاقة‭ ‬بشكل‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬
ورغم‭ ‬الانتقادات‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬هاتين‭ ‬الاتفاقيتين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الداخل‭ ‬الليبي‭ ‬وعلى‭ ‬المستويين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي؛‭ ‬بوصفهما‭ ‬تمثلان‭ ‬انتهاكاً‭ ‬صارخاً‭ ‬للسيادة‭ ‬الليبية،‭ ‬ولا‭ ‬تستوفيان‭ ‬الشروط‭ ‬الدستورية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬موافقة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬بل‭ ‬وتشكلان‭ ‬انتهاكاً‭ ‬لحقوق‭ ‬سيادية‭ ‬لدول‭ ‬أخرى،‭ ‬فقد‭ ‬استندت‭ ‬أنقرة‭ ‬إلى‭ ‬هاتين‭ ‬الاتفاقيتين‭ ‬كسند‭ ‬قانوني‭ ‬لتبرير‭ ‬تدخلها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬والذي‭ ‬اتخذ‭ ‬عدة‭ ‬صور‭ ‬ومظاهر،‭ ‬منها‭:‬
•‭ ‬إرسال‭ ‬قوات‭ ‬تركية‭ ‬ومستشارين‭ ‬عسكريين‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬لدعم‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬البرلمان‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬يناير‭ ‬2020‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬يسمح‭ ‬بذلك‭. ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬أردوغان‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬قوات‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭.‬
•‭ ‬إرسال‭ ‬أسلحة‭ ‬ومعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬متطورة‭ ‬للميليشيات‭ ‬الموالية‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق،‭ ‬حيث‭ ‬أنشأت‭ ‬أنقرة‭ ‬جسراً‭ ‬جوياً‭ ‬وبحرياً‭ ‬لنقل‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا،‭ ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬المتخصصة‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬تركيا‭ ‬لنحو‭ ‬12‭ ‬طائرة‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬‮«‬إف‭ ‬16‮»‬‭ ‬لمرافقة‭ ‬طائرت‭ ‬الشحن‭ ‬العسكرية‭ ‬والسفن‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬الأسلحة،‭ ‬بل‭ ‬ومشاركتها‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭.‬
•‭ ‬نقل‭ ‬المرتزقة‭ ‬والميليشيات‭ ‬المتطرفة‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا؛‭ ‬حيث‭ ‬توسعت‭ ‬أنقرة‭ ‬في‭ ‬تجنيد‭ ‬المرتزقة‭ ‬والعناصر‭ ‬المنتمية‭ ‬للفصائل‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العناصر‭ ‬الموالية‭ ‬لتنظيم‭ ‬داعش‭ ‬وجبهة‭ ‬النصرة‭ ‬وغيرها‭ ‬وإرسالها‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬للقتال‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أفاد‭ ‬تقرير‭ ‬للمرصد‭ ‬السوري‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬يونيو‭ ‬2020،‭ ‬بأن‭ ‬الاستخبارات‭ ‬التركية‭ ‬تشرف‭ ‬على‭ ‬فصيل‭ ‬يضم‭ ‬عشرات‭ ‬المسلحين‭ ‬من‭ ‬داعش،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬الفصيل‭ ‬تجنيد‭ ‬مرتزقة‭ ‬لصالح‭ ‬تركيا‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وسط‭ ‬تقديرات‭ ‬بوجود‭ ‬نحو‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬مرتزق‭ ‬موالٍ‭ ‬لتركيا‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬
وهذا‭ ‬التصعيد‭ ‬التركي‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬الذي‭ ‬يشكل‭ ‬انتهاكاً‭ ‬لسيادة‭ ‬ليبيا‭ ‬وللأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬ككل،‭ ‬تحركه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدوافع‭ ‬الرئيسية،‭ ‬يمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬التالي‭:‬
•‭ ‬العقلية‭ ‬الحاكمة‭ ‬للرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬تتملكة‭ ‬أوهام‭ ‬استعادة‭ ‬أمجاد‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬البائدة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬العثمانية‭ ‬الجديدة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تستهدف‭ ‬استعادة‭ ‬تركيا‭ ‬لنفوذها‭ ‬وهيمنتها‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬خاضعة‭ ‬لهذه‭ ‬الإمبراطورية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬أردوغان‭ ‬وأركان‭ ‬نظامه‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬والتذكير‭ ‬بها‭.‬
•‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتأمين‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬التي‭ ‬أنفقت‭ ‬عليها‭ ‬تركيا‭ ‬نحو‭ ‬42‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬وتسهيل‭ ‬سيطرة‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الغاز‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الاستئثار‭ ‬بملف‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬بعد‭ ‬الصراع،‭ ‬والذي‭ ‬تقدر‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬التركية‭ ‬حجم‭ ‬استثماراته‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬
•‭ ‬تمكين‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬الحليفة‭ ‬للنظام‭ ‬التركي؛‭ ‬حيث‭ ‬تكاد‭ ‬ليبيا‭ ‬تكون‭ ‬الساحة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتبقية‭ ‬أمام‭ ‬نظام‭ ‬أردوغان‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬حلفائه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات،‭ ‬بعدما‭ ‬تعرضت‭ ‬لضربات‭ ‬قاصمة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬أمام‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬البلاد،‭ ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬إسقاط‭ ‬حكومة‭ ‬الإخوان‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬وفي‭ ‬السودان‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬حكم‭ ‬البشير‭. ‬ولهذا‭ ‬يضع‭ ‬أردوغان‭ ‬كل‭ ‬ثقله‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬الليبي؛‭ ‬لأنه‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬مشروعه‭ ‬هناك‭ ‬سيعني‭ ‬فشل‭ ‬مشروعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭.‬
•‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬الداخل،‭ ‬حيث‭ ‬تعرض‭ ‬نظام‭ ‬أردوغان‭ ‬لانتقادات‭ ‬وأزمات‭ ‬داخلية‭ ‬مستمرة‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬محاولة‭ ‬الإنقلاب‭ ‬الفاشلة‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬والتي‭ ‬استغلها‭ ‬أردوغان‭ ‬لتشديد‭ ‬قبضته‭ ‬على‭ ‬الداخل،‭ ‬والاتجاه‭ ‬بتركيا‭ ‬نحو‭ ‬الطابع‭ ‬السلطوي‭ ‬عبر‭ ‬إقرار‭ ‬النظام‭ ‬الرئاسي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التركي،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬أضرت‭ ‬بشعبية‭ ‬الحزب،‭ ‬وأفقدته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البلديات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المحلية‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وأحدثت‭ ‬انشقاقات‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬نفسه‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬النظام‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬نصر‭ ‬خارجي‭ ‬لإثبات‭ ‬بطولته‭ ‬واستعادة‭ ‬شعبيته‭.‬
ثالثاً‭- ‬المسارات‭ ‬المحتملة‭.. ‬بين‭ ‬‮«‬السورنة‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬القبرصة‮»‬‭ ‬واحتمالات‭ ‬الحل‭ ‬السياسي
أحدث‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬التركي‭ ‬تأثيرات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الداخلية‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬حيث‭ ‬استعادة‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬الليبي‭ ‬وفرضت‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ ‬بالكامل،‭ ‬بل‭ ‬واتجهت‭ ‬شرقاً‭ ‬نحو‭ ‬سرت،‭ ‬حيث‭ ‬تتركز‭ ‬مصادر‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عنها‭ ‬أنقرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأتراك‭ ‬يتحدثون‭ ‬علانية‭ ‬ويتفاخرون‭ ‬بأن‭ ‬تدخلهم‭ ‬العسكري‭ ‬قلب‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لمصلحة‭ ‬حلفائهم‭. ‬
وبينما‭ ‬لاتزال‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية‭ ‬محتدمة،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حسم‭ ‬عسكري‭ ‬كما‭ ‬يتحدث‭ ‬القادة‭ ‬الأتراك،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬واقعياً‭ ‬أو‭ ‬منطقياً،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي‭ ‬لاتزال‭ ‬تفرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬الأراضي‭ ‬الليبية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يطرح‭ ‬المراقبون‭ ‬أربعة‭ ‬سيناريوهات‭ ‬محتملة‭ ‬لتطور‭ ‬الصراع‭ ‬الليبي‭ ‬بعد‭ ‬التدخل‭ ‬التركي‭:‬
1‭
الأول‭ ‬هو‭ ‬مسار‭ ‬النموذج‭ ‬القبرصي‭: ‬فتركيا‭ ‬التي‭ ‬تستميت‭ ‬في‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وتلقي‭ ‬بكل‭ ‬ثقلها‭ ‬هناك‭ ‬سوف‭ ‬تسعى‭ ‬بكل‭ ‬قوتها‭ ‬للبقاء‭ ‬هناك‭ ‬للأسباب‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬ذكرها‭ ‬سابقاً،‭ ‬وترسيخ‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬لضمان‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها‭ ‬فيه،‭ ‬ولهذا‭ ‬عارضت‭ ‬المبادرة‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬طرحت‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2020،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬عرقة‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬سلمي‭ ‬أملاً‭ ‬في‭ ‬الحسم‭ ‬العسكري‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬وضمها‭ ‬للمناطق‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬النموذج‭ ‬القبرصي‭ ‬عندما‭ ‬تدخلت‭ ‬أنقرة‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬القبرصية‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬قبرص‭ ‬وهو‭ ‬جمهورية‭ ‬شمال‭ ‬قبرص‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬لاتزال‭ ‬تخضع‭ ‬لها‭. ‬
2‭ ‬
الثاني‭ ‬هو‭ ‬سيناريو‭ ‬‮«‬السورنة‮»‬‭:‬‭ ‬كما‭ ‬يأتي‭ ‬هنا‭ ‬أيضاً‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬سيناريو‭ ‬‮«‬سورنة‭ ‬سوريا‮»‬،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحديث‭ ‬المتواتر‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬تنسيق‭ ‬أو‭ ‬تفاهمات‭ ‬روسية‭- ‬تركية‭ ‬لتقاسم‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬
3‭
المسار‭ ‬الثالث،‭ ‬هو‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬الصراع‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً‭.‬‭ ‬فهذا‭ ‬التدخل‭ ‬التركي‭ ‬يثير‭ ‬حفيظة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬بسيطرة‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬ليبيا،‭ ‬أو‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬ملاذ‭ ‬للجماعات‭ ‬والميليشيات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬صريحاً‭ ‬لمصالحها‭ ‬وأمنها‭ ‬القومي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬عسكرية‭ ‬مفتوحة‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الليبية،‭ ‬ما‭ ‬يحول‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬حرب‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ ‬أمدها‭. ‬ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬بوضوع‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬يونيو‭ ‬2020‭ ‬التي‭ ‬اعتبر‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬مدينتي‭ ‬سرت‭ ‬والجفرة‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬لمصر،‭ ‬ولمح‭ ‬إلى‭ ‬تدخل‭ ‬بلاده‭ ‬بشكل‭ ‬عسكري‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬باتت‭ ‬تتوفر‭ ‬له‭ ‬الشرعية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حق‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الليبي،‭ ‬وأن‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬ستكون‭ ‬تأمين‭ ‬الحدود‭ ‬الغربية‭ ‬لمصر،‭ ‬واستعادة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬وإطلاق‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬الليبيين‭ . ‬وهي‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬لاقت‭ ‬دعماً‭ ‬عربيا‭ ‬ودولياً‭ ‬وأطلقت‭ ‬جرس‭ ‬الإنذار‭ ‬بشأن‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭.‬
4‭ ‬
الرابع،‭ ‬وهو‭ ‬مسار‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية،‭ ‬وهذا‭ ‬المسار‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يبدوا‭ ‬بعيداً‭ ‬الآن‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مرجح،‭ ‬لأن‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬المحيطة‭ ‬بليبيا،‭ ‬العربية‭ ‬والأوروبية،‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬بسيطرة‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬ليبيا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬بتحول‭ ‬ليبيا‭ ‬إلى‭ ‬ملاذ‭ ‬للجماعات‭ ‬والميليشيات‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬تنقلها‭ ‬تركيا‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬ليبيا‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬أعبائها‭ ‬بعد‭ ‬اندحارها‭ ‬هناك،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قرب‭ ‬ليبيا‭ ‬الجغرافي‭ ‬من‭ ‬أوروبا،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ستتدخل‭ ‬لإعادة‭ ‬تغيير‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬والأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تغلغل‭ ‬تركيا‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬ونقلها‭ ‬للجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬إلى‭ ‬أراضيها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬لليبيا‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬والأمن‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬به‭ ‬أحد‭.‬

»‬‭ ‬فتوح‭ ‬صادق‭ ‬‭)‬باحث‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭(‬

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض