Anka-S (333)

الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية رؤية‭ ‬تقييمية‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬المعارك الليبية‭ ‬والسورية

تحرص‭ ‬المواقع‭ ‬الإخبارية‭ ‬التركية‭ ‬شبه‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬الصناعات‭ ‬الدفاعية‭ ‬العسكرية‭ ‬التركية‭ ‬عموماً،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬طائرات‭ ‬مسيّرة‭ ‬محلية‭ ‬الصنع‭ ‬خصوصاً،‭ ‬وتعمد‭ ‬إلى‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬كفاءتها،‭ ‬بل‭ ‬والترويج‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬لعبت‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬خلال‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬عنها‭ ‬تركيا‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬“درع‭ ‬الربيع”‭ (‬27‭ ‬فبراير‭ ‬–‭ ‬5‭ ‬مارس‭ ‬2020‭) ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬إدلب‭ ‬السورية‭.‬

‭ ‬إذ‭ ‬عمدت‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬إن‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية‭ ‬غيرت‭ ‬مسار‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬إدلب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬روسيا‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬لعبها‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الميليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬الموالية‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الليبية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الخسائر‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بهذه‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬تشكك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التقدير،‭ ‬وتثير‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬كفاءتها‭.‬
أولاً‭: ‬مواصفات‭ ‬فنية‭ ‬محدودة
بدأت‭ ‬تركيا‭ ‬مشروع‭ ‬توطين‭ ‬صناعة‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬‮«‬سلجوق‭ ‬بيرقدار‮»‬‭ ‬صهر‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان،‭ ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬كذلك‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬عراب‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‮»‬،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬دعم‭ ‬حكومي‭ ‬لاستخدام‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬مقارنة‭ ‬مواصفتها‭ ‬الفنية‭ ‬المعلنة‭ ‬بالطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التي‭ ‬تنتجها‭ ‬الدول‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬قصور‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬أدائها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تفصيله‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬
1‭ ‬  تراجع‭ ‬القدرات‭ ‬القتالية‭: ‬ يتراوح‭ ‬وزن‭ ‬الحمولة،‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬الطائرة‭ ‬التركية‭ ‬‮«‬يبرقدار‭ ‬تيه‭ ‬بيه‭ ‬2‮»‬‭ ‬حملها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬45‭ ‬إلى‭ ‬65‭ ‬كيلوغراماً،‭ ‬كما‭ ‬تحمل‭ ‬الطائرة‭ ‬صاروخاً‭ ‬وزنه‭ ‬22‭,‬5‭ ‬كيلوجرام‭. ‬وتستطيع‭ ‬الطائرة‭ ‬التحليق‭ ‬لارتفاع‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬8‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المدى‭ ‬الإجمالي‭ ‬للطيران‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬150‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الطائرة‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدرات‭ ‬محدودة‭ ‬على‭ ‬المناورة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتضح‭ ‬بصورة‭ ‬واضحة‭ ‬عند‭ ‬مقارنتها‭ ‬بنظيرتها‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصينية‭. ‬
فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فإن‭ ‬الطائرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬غراي‭ ‬إيغل‮»‬،‭ ‬يمكنها‭ ‬الطيران‭ ‬لمسافة‭ ‬400‭ ‬كيلومتر‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل،‭ ‬فيما‭ ‬تحمل‭ ‬ذخائر‭ ‬تتعدى‭ ‬حاجز‭ ‬الـ‭ ‬300‭ ‬كيلوجرام‭.‬أما‭ ‬الطائرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬إم‭ ‬كيو‭ ‬9‭ ‬ريبر‮»‬‭ (‬MQ-9‭ ‬Reaper‭)‬،‭ ‬فإنها‭ ‬تمتع‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬وزن‭ ‬قدره‭ ‬1701‭ ‬كيلوجرام،‭ ‬ويمكنها‭ ‬الطيران‭ ‬لمسافة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬1852‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬والتحليق‭ ‬لارتفاع‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬متر‭. ‬
وتستطيع‭ ‬الطائرة‭ ‬الصينية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬وينج‭ ‬لونج‭ ‬2‮»‬،‭ ‬التحليق‭ ‬لارتفاع‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬9000‭ ‬متر،‭ ‬بينما‭ ‬تبلغ‭ ‬سرعة‭ ‬الطيران‭ ‬القصوى‭ ‬370‭ ‬كم‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬والتحليق‭ ‬لمدة‭ ‬20‭ ‬ساعة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬حمل‭ ‬حمولة‭ ‬يبلغ‭ ‬وزنها‭ ‬حوالي‭ ‬480‭ ‬كيلوجراماً‭.‬
وحتى‭ ‬النسخة‭ ‬الأحدث‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬عنقاء‭ ‬إس‮»‬‭ (‬Anka S‭)‬،‭ ‬فإنها‭ ‬تستطيع‭ ‬حمل‭ ‬حمولة‭ ‬يصل‭ ‬وزنها‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬200‭ ‬كيلوجرام‭ ‬فقط،‭ ‬وإن‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬الطيران‭ ‬لمدة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬والتحليق‭ ‬لارتفاع‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬9‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬ذخائر‭ ‬وأسلحة‭ ‬يظل‭ ‬محدوداً‭ ‬مقارنة‭ ‬بنظيرتها‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصينية‭. ‬
وعلى‭ ‬عكس‭ ‬المدرعات‭ ‬التركية‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وأرجع‭ ‬البعض‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬خبرة‭ ‬الجنود‭ ‬الليبيين‭ ‬الذين‭ ‬يستخدمونها،‭ ‬وذلك‭ ‬لتجنب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬العيوب‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها،‭ ‬فإن‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬يقودها‭ ‬متخصصون‭ ‬أتراك‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬قيادة‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬قصور‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬أدائها‭.‬
2‭ ‬ طريقة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الطائرة‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية‭ :‬‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬الطائرة‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بيرقدار‭ ‬بيه‭ ‬تيه‭ ‬2‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬موجات‭ ‬راديو،‭ ‬والتي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬خط‭ ‬الرؤية‭ ‬فقط،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وجود‭ ‬عوائق‭ ‬طبيعية‭ ‬مثل‭ ‬جبال‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬فإنها‭ ‬سوف‭ ‬تعكس‭ ‬هذه‭ ‬الترددات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتم‭ ‬فقدان‭ ‬الاتصال‭ ‬بالطائرة‭ ‬المسيّرة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬عبر‭ ‬ترددات‭ ‬الراديو‭ ‬عبر‭ ‬التشويش‭ ‬اللاسلكي‭ ‬عبر‭ ‬إرسال‭ ‬نفس‭ ‬التردد‭ ‬لجهاز‭ ‬الاستقبال،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إسقاطها،‭ ‬وتتصل‭ ‬الطائرة‭ ‬التركية‭ ‬المسيّرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬العنقاء‭ ‬إس‮»‬‭ ‬بالمحطة‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬العيوب‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬الطائرة‭ ‬‮«‬بيرقدار‭ ‬بيه‭ ‬تيه‭ ‬2‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬المناظرة‭ ‬مثل‭ ‬الطائرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬أم‭ ‬كيو‭ ‬9‭ ‬ريبر‮»‬،‭ ‬و»وينج‭ ‬لونج‭ ‬2‮»‬،‭ ‬واللتين‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬بهما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتصال‭ ‬بالأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الاتصال‭ ‬اللاسلكي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬نتيجة‭ ‬وجود‭ ‬عوائق‭ ‬جغرافية،‭ ‬مثل‭ ‬الجبال‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭. ‬
ثانياً‭: ‬أداء‭ ‬ميداني‭ ‬متواضع
لا‭ ‬يتوقف‭ ‬تقييم‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المواصفات‭ ‬الفنية‭ ‬المعلنة،‭ ‬ولكنه‭ ‬يمتد‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬أدائها‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬أنقرة‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬نوعين‭ ‬رئيسين‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬في‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الخارجية،‭ ‬وهما‭: ‬الطائرة‭ ‬المسيّرة‭ ‬بيرقدار‭ ‬‮«‬تيه‭ ‬بيه‭ ‬2‮»‬‭ (‬Bayraktar TB2‭) ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬بيرقدار‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الطائرة‭ ‬المسيرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬العنقاء‭ ‬إس‮»‬‭ ‬‭(‬Anka S‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تنتجها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬الشركة‭ ‬التركية‭ ‬لصناعات‭ ‬الفضاء‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬استخدمتها‭ ‬تركيا‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬ووضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬قصور‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬أدائها،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستدل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬التالية‭: ‬
1‭ ‬ خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭:‬‭ ‬كان‭ ‬أداء‭ ‬الطائرة‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بيرقدار‭ ‬تيه‭ ‬بيه‭ ‬2‮»‬‭ ‬متواضعاً،‭ ‬إذ‭ ‬قُدر‭ ‬عدد‭ ‬الطائرات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تدميرها‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬وحتى‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬حوالي‭ ‬18‭ ‬طائرة‭ ‬مسيّرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتقارير‭ ‬صحفية‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الليبية‭ ‬تعاقدت‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬عشرين‭ ‬طائرة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الطائرات‭ ‬التي‭ ‬تعاقدت‭ ‬على‭ ‬شرائها‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تدميرها‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬أشارت‭ ‬تقارير‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬فيه‭ ‬سقوط‭ ‬طائرة‭ ‬مسيّرة‭ ‬صينية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬وينج‭ ‬لونج‭ ‬2‮»‬‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬حوالي‭ ‬ست‭ ‬طائرات‭ ‬تركية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬بيرقدار‭.‬
وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬أخفقت‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ميزة‭ ‬عسكرية‭ ‬لميليشيات‭ ‬الوفاق‭ ‬الموالية‭ ‬لتركيا،‭ ‬إذ‭ ‬واصل‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الليبي‭ ‬فرض‭ ‬حصاره‭ ‬على‭ ‬العاصمة‭ ‬الليبية‭ ‬طرابلس،‭ ‬والجيوب‭ ‬الموالية‭ ‬لحكومة‭ ‬الوفاق،‭ ‬خاصة‭ ‬مصراتة،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬الوفاق‭ ‬فك‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬طرابلس‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬التركي‭ ‬بالأسلحة‭ ‬والمعدات،‭ ‬بل‭ ‬وتمكن‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬العزيزية‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2020‭. ‬
2‭ ‬ انتكاسة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وتكتيكية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭:‬‭ ‬ فقدت‭ ‬أنقرة‭ ‬حوالي‭ ‬خمس‭ ‬طائرات‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬العنقاء‭ ‬إس‮»‬،‭ ‬وحوالي‭ ‬سبع‭ ‬طائرات‭ ‬من‭ ‬طراز ‬‮«‬بيرقدار‭ ‬تيه‭ ‬بيه2‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تمكنت‭ ‬الدفاعات‭ ‬السورية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بوك‮»‬‭ ‬وبانتسير‭ ‬إس»من‭ ‬إسقاطها،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬فبراير‭ ‬وحتى‭ ‬4‭ ‬مارس‭ ‬2020‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقرير‭ ‬التوازن‭ ‬العسكري،‭ ‬الصادر‭ ‬لعام‭ ‬2020،‭ ‬فإن‭ ‬كافة‭ ‬أفرع‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬تمتلك‭ ‬حوالي‭ ‬21‭ ‬طائرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬العنقاء‭ ‬إس‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬أنقرة‭ ‬خسرت‭ ‬حوالي‭ ‬ربع‭ ‬عدد‭ ‬الطائرات‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطراز‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬عشرة‭ ‬أيام،‭ ‬وفي‭ ‬معركة‭ ‬عسكرية‭ ‬واحدة‭.‬
وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬أنقرة‭ ‬شن‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬للترويج‭ ‬لنجاحها‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬بنجاح،‭ ‬خاصة‭ ‬محاولة‭ ‬تأكيد‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬8‭ ‬منظومات‭ ‬‮«‬بانتسير‮»‬‭ ‬للدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الروسية‭ ‬الصنع‭ ‬في‭ ‬إدلب،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬مبالغة،‭ ‬فقد‭ ‬أكدت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬إن‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬‮«‬مبالغة‭ ‬وغير‭ ‬متطابقة‭ ‬مع‭ ‬الواقع‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬أوضحت‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬4‭ ‬منظومات‭ ‬بانتسير‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬إدلب،‭ ‬نظراً‭ ‬لتمركز‭ ‬أغلب‭ ‬قدرات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬السورية‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬حول‭ ‬دمشق،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬موسكو‭ ‬أن‭ ‬منظومتين‭ ‬فقط‭ ‬تعرضت‭ ‬للإصابة‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬التركية،‭ ‬فيما‭ ‬اقتربت‭ ‬عمليات‭ ‬ترميمها‭ ‬وصيانتها‭ ‬من‭ ‬الانتهاء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تعرضها‭ ‬لأضرار‭ ‬كبيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬قوة‭ ‬ودقة‭ ‬الصواريخ‭ ‬التركية‭ ‬الموجهة‭ ‬والمستخدمة‭ ‬في‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية‭.‬
وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬سير‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬إدلب‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬تعرض‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬لخسائر‭ ‬استراتيجية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬الطائرات،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬العنقاء‭ ‬إس‮»‬‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬1‭ ‬مارس‭ ‬حول‭ ‬مدينة‭ ‬سراقب‭ ‬كان‭ ‬نقطة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬هناك،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬مدعوماً‭ ‬بالتنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬قد‭ ‬خسر‭ ‬سيطرته‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬لصالح‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬السوري‭.‬
ونظراً‭ ‬لأن‭ ‬أداء‭ ‬الجيش‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬إدلب‭ ‬كان‭ ‬ضعيفاً،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬المدن‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬الجيش‭ ‬العربي‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬تحريرها‭ ‬في‭ ‬إدلب،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬أردوغان‭ ‬عند‭ ‬لقائه‭ ‬بالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬سوى‭ ‬الإقرار‭ ‬بهذه‭ ‬الخسائر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وضح‭ ‬في‭ ‬موافقته‭ ‬على‭ ‬تيسير‭ ‬دوريات‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬التركية‭ ‬والسورية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الطريق‭ ‬الدولي‭ ‬‮«‬إم‭ ‬4‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬قدرة‭ ‬أنقرة‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الموالية‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬حرمان‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لأغراض‭ ‬اقتصادية‭ ‬وعسكرية،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬أنقرة‭. ‬
وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬المعيار‭ ‬الرئيسي‭ ‬للحكم‭ ‬على‭ ‬فعالية‭ ‬وجودة‭ ‬الأسلحة‭ ‬المختلفة،‭ ‬فإن‭ ‬سقوط‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬التركية،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أنواعها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا،‭ ‬يعني‭ ‬إحجام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العملاء‭ ‬المحتملين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬التعاقد‭ ‬لشراء‭ ‬الطائرات‭ ‬التركية،‭ ‬بما‭ ‬يرتبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬للحكومة‭ ‬التركية‭ ‬وشركات‭ ‬الدفاع‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬أنقرة‭ ‬كانت‭ ‬تضع‭ ‬هدفاً‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬مبيعاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬25‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬يبدو‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أداء‭ ‬السلاح‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬المختلفة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬تجاوز‭ ‬صادرات‭ ‬أنقرة‭ ‬الخارجية‭ ‬الـ‭ ‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ .‬2019

شادي‭ ‬محمد (باحث‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية)

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض