586 Web Analysis A1

الجسور العسكرية

يسعى أي قائد عسكري دائماً إلى توفير قدرة الانتشار والحركة لقطاعاته، وفي نفس الوقت تقليل حركة وانتشار قوات الأعداء المواجهة له، باستخدام عوائق طبيعية أو اصطناعية لذلك، وتشمل عمليات التخطيط للانتشار العسكري تحديد الطرق المتوفرة لحركة القوات والمعدات والتأكد من أن جميع الجسور على مسار الطريق يمكنها دعم حركة التنقل للمعدات والآليات القتالية، وهذا الدور الأساسي في تنفيذ التنقل والحركة المضادة يناط عادة بالمهندسين العسكريين. وعلى الرغم من أن التنقل والحركة المضادة يعملان جنباً إلى جنب، فإنهما يختلفان اختلافاً جوهرياً، فالتنقل يتطلب بناء الطرق والجسور والسكك الحديدية أو إصلاح تلك الموجودة بالفعل والتي تضررت بفعل أعمال متعمدة أو أحداث طبيعية، بينما تسعى الحركة المضادة إلى حرمان قوات العدو من التنقل عن طريق تدمير البنية التحتية أو زرع الألغام أو هدم الجسور.

إن اختراق الثغرات، وتزويد القوات بالقدرة على الحركة الأساسية وحرية التنقل، هو أمر قديم قدم الحرب، ولكن مع زيادة انتشار القوات وحركة القطاعات، اتسع النطاق الجغرافي للعمليات بشكل متزايد، وزاد وزن معدات وآليات القتال منذ منتصف القرن الماضي، وهذا تطلب تطور الجسور لتتحمل وزناً أكبر لوقت أطول ولذلك صارت قوة التحمل للجسر، ووقت التحمل، من المحركات الثابتة للابتكار والإبداع في تصميم وبناء الجسور العسكرية.

لمحة تاريخية
كانت أقدم الأنواع تاريخياً هي الجسور العائمة التي ترتكز على قواعد ثابتة. وبالرغم من أن المصادر المرجعية التاريخية لظهور الجسور العسكرية متنوعة، فإن معظم المؤرخين يرون أن الصين هي أول مكان موثق استخدم فيه الجسور العائمة لعدة مئات من السنين قبل الميلاد. كما تم بناء الجسور العائمة في العصور القديمة من قبل الفرس واليونانيين والرومان والمغول، وأشهرها بناء جسر عائم كبير في 480 قبل الميلاد لزركسيس العظمى من بلاد فارس عبر الدردنيل والتي فصلت آسيا عن أوروبا. كان الجسر مصنوعاً من ورق البردي والكتان. ويبلغ طوله 3 كيلومترات ولم يكن مفاجئاً عندما تم تدميره في عاصفة كان رد فعل (زركسيس) هو قطع رأس المهندسين الذين بنوه. كما بنى الرومان في كثير من الأحيان جسوراً عسكرية أكثر متانة، ولا سيما معبر يوليوس قيصر الخشبي على نهر الراين وجسر تراجان الخشبي على نهر الدانوب. وبحلول القرن السابع عشر، لم يقتصر تصنيع الجسور على الأخشاب فحسب، بل أيضاً امتد ليشمل الجلود والنحاس والقصدير. كما ظهرت العوامات الهوائية الفولاذية خلال الحرب العالمية الثانية. وتم بناء الجسور العسكرية بأعداد كبيرة في حروب القرن التاسع عشر، ولا سيما الحرب الأهلية الأمريكية. وأعرب أبراهام لينكولن، أثناء تفقده لجسر سكة حديد بطول 120 متراً فوق نهر بوتوماك، الذي تم بناؤه في تسعة أيام، عن دهشته من سرعة بناء الجسر. وعادة ما يتم بناء الجسور العائمة العسكرية إما عن طريق الامتداد المتتالي للخارج من الشاطئ وإما عن طريق بناء أقسام كاملة كطوافات وتعويمها في مكانها. ويتم بناء جسور تروس، للاستخدام في الأماكن التي تكون فيها ضفاف الأنهار شديدة الانحدار أو يجب أن تظل الملاحة فيها مفتوحة، ويتم تشكيلها في ألواح مثبتة بسهولة معاً. كانت الجسور العسكرية رائدة في الحرب العالمية الثانية من خلال جسر بيلي البريطاني الشهير والذي لعب دوراً مهماً بشكل خاص في حملة الحلفاء في إيطاليا، حيث كان لهذا الجسر تأثير كبير في تنقل الدبابات القتالية وتقدم الحرب خلال الأربعينات. وبدون جسر بيلي لم يكن تحقيق كل النجاحات في أوروبا والجبهات الإيطالية من قبل قوات الحلفاء ممكنة. في المملكة المتحدة كانت أولى حالات بناء الجسور العسكرية هي محاولة الملك إدوارد الأول عبور مضيق ميناي في ويلز في عام 1277 من أجل قمع تمرد ويلز، أرسل الملك إدوارد الأول قوة قوامها 2000 جندي للقبض على المتمردين وبالتالي حرمان القوات المعادية من الكثير من إمداداتها. تم تكليف مراقب ميناء سينك بمهمة البناء واستخدم النجارين ونجاري السفن من منطقته لإنشاء الجسر الذي يتألف من عدد من القوارب المترابطة، والتي يطلق عليها عادةً «جسر القوارب». وعلى الرغم من أن الجسر كان مناسباً تماماً، فإن الاتصال والتنسيق السيئين أدى إلى عبور القوات الإنجليزية في اللحظة الخاطئة تماماً، مما أدى إلى وقوعها بين المد المتصاعد وقوات المعارضة وبالتالي فشل المهمة.

الفرق بين الجسر العسكري والجسر المدني
يتطلع المهندسون في الحياة المدنية دوماً إلى التكاليف، لكن في الحرب، فإن أكبر اقتصاد هو النصر، وأكبر هدر هو الهزيمة، وأي شيء يساهم في تحقيق النصر وتجنب الهزيمة له ما يبرره مهما عظمت تكلفته، لذلك فإن إنفاق الموارد المتاحة في الحرب ليست مضيعة، لكن الشكل الأعلى للاقتصاد في الحرب هو تحقيق النصر بشكل مبكر، والقائد لا يسأل مهندسيه: كم سيكلف الجسر؟ بل يسألهم: متى سيكون الجسر جاهزاً؟
المهندس المدني «يبني للأجيال القادمة». مهما كان نوع الجسر المعتمد، عادة ما يتم بناؤه على أنه دائم حسب الأموال المتاحة والمواد، العمر الافتراضي للجسر عادة مقياس لمهارة بانيه. المهندس العسكري يبني لتلبية متطلبات اللحظة، والتي لا تتجاوز بأي حال من الأحوال مدة الحرب. لذلك غالباً ما يكون الجسر العسكري مؤقتاً ويتم عادةً بناؤه على عجل من قبل المهندسين العسكريين لتنفيذ مهمات محددة ومن المواد المتاحة، ويكمن الاختلاف الرئيسي بين الجسر العسكري والمدني في سرعة البناء، فالمهمة العسكرية لا تنتظر طويلاً والوقت عند القادة العسكريين عامل مهم، لذا فإن السرعة هي التي تتحكم بشكل أساسي في تصميم وتشغيل الجسور العسكرية. وبما أن التحضيرات والمسوحات التفصيلية للموقع تكون غالباً غير ممكنة يجب على المهندس العسكري إجراء مسح قصير للمنطقة والمباشرة بالعمل. وعموماً تؤثر عوامل مختلفة في تصميم الجسور العسكرية منها: التكلفة وسهولة التصنيع، والموثوقية وقابلية الصيانة، حيث تحتاج معدات الجسور إلى استخدامها وإعادة استخدامها عدة مرات على مدار عدة سنوات، ولذلك يجب صيانتها بسهولة أو تتطلب الحد الأدنى من متطلبات الصيانة سواء عند تثبيتها أو عند عدم استخدامها، ويجب أيضاً أن تكون موثوقة بمجرد تثبيتها، وتحمل الحمل المطلوب عندما تكون هناك حاجة إليها، وإذا كان الجسر مرناً وقابلاً للتكيف من الممكن استخدامه في الفجوات المختلفة، لذلك فإن هذه المرونة ستوفر العديد من المزايا، كما يمكن استخدامه للجسور العائمة والجسور المعلقة ومجموعة كاملة من الامتدادات. يجب أيضاً تثبيت الجسر في مجموعة واسعة من المواقع. ومن العوامل المهمة أيضاً سرعة التثبيت بمجرد بناء الجسر لاستخدامه للمركبات المدرعة أو المشاة، لذا فإن القدرة على بناء جسر بسرعة واستعادته بسرعة متساوية هي عامل رئيسي. ومقاومة العوامل البيئية، سيتم استخدام الجسور العسكرية في جميع المناخات ويجب أن تكون قادرة على العمل في ظروف الجليد أو المطر أو الصحراء ومقاومة عوامل وظروف الحرب البيولوجية والكيميائية والنووية. وقابلية النقل يجب نقل جسور المعدات إلى الموقع، وبالتالي استخدام معدات النقل المتاحة للقوة التي تستخدمها. ولذلك تعتبر قابلية النقل عبر مسافات طويلة من الاعتبارات ذات الأهمية المتزايدة نظراً للطبيعة الاستكشافية العامة للعمليات الحديثة والمستقبلية المحتملة. كما يجب أن يكون الجسر قادراً على نقل أي معدات تحتفظ بها القوة التي تستخدمها، سواء كانت آليات أو ناقلة معدات ثقيلة تحمل دبابة قتال رئيسية مع اعتبار العوامل ذات الصلة مثل توزيع الحمولة وسرعات العبور وتحميل الرياح والانحراف المسموح به.

تقييم الجسور
الغرض من القوة القتالية العسكرية هو فرض إرادة ورغبة الدولة القومية من خلال التهديد باستخدام القوة بما في ذلك استخدام القوة المميتة لتحقيق الأهداف السياسية، لذلك تُعَرِّض العمليات العسكرية بطبيعتها أفراد القوات المسلحة لمستويات عالية من المخاطر بسبب الحاجة إلى التنفيذ السريع للمهام والتعرض لمعدات متخصصة ثقيلة والحاجة إلى التعامل مع المعدات والمواد الخطرة (بما في ذلك أنظمة الأسلحة الفتاكة التي تهدف إلى التشويه أو القتل) والتعرض لأعمال قوات العدو والتعرض لأعمال القوات الصديقة، مثل النيران الصديقة. ولهذا يعتبر من المقبول أن يتحمل الأفراد العسكريون مستويات المخاطر المتزايدة هذه في ضوء الوظيفة التي يؤدونها من أجل المجتمع الذي يخدمونه.
الدرس الأول الذي يتعلمه المهندسون في الإنشاء العسكري هو أن الوقت من أهم العوامل اللازمة للمقتضيات العسكرية، وهذا الهيكل أو الجسر سوف يستجيب للغرض الذي بني من أجله، وهو تحمل الضغط، أما الجمال المعماري فلا مكان له في العمليات الميدانية.
في تقييم الجسور العسكرية يجب أن تتماشى المخاطر المتعلقة بالسلامة في العبور مع المخاطر المقبولة في نجاح أداء المهمة القتالية المرتبطة بها، وبالتالي توجد سلسلة من المخاطر المقبولة المتعلقة بالسلامة للآليات والمعدات العسكرية التي تعبر الجسور، وهذا يوفر المرونة في تخطيط المهمة وتنفيذها مع توفير أساس للمهندسين العسكرين لتقييم الجسر بما يتفق مع أهداف المهمة.
إن تحديد المخاطر المقبولة للجسور في سياق العمليات العسكرية يتطلب التطبيق الفعال لمبادئ تصميم حالة الحدود الحرجة (على غرار تصميم عامل الحمل والمقاومة تقديراً كمياً احتمالياً للأحمال والمقاومات واختيار هدف مؤشرات موثوقية مناسبة، عادةً على أساس مخاطر سلامة الحياة المقبولة). عادة ما يتم معايرة مؤشرات الموثوقية المستهدفة للتصميم الإنشائي لتصميم العناصر الفردية داخل النظام الهيكلي.
يجب أن يعكس التحديد الكمي لمخاطر سلامة الحياة المقبولة، ظروفاً فريدة عند تقييم الجسور للاستخدام العسكري. وبالنظر إلى المسؤولية غير المحدودة المتوقعة من أولئك الذين يخدمون في الخدمة العسكرية، فقد تكون المخاطر المقبولة على سلامة الأرواح بالنسبة للأفراد العسكريين أعلى من تلك التي يتعرض لها السكان المدنيون، فإن النفور من المخاطرة لأحداث قاتلة متعددة يزيد نوعاً من تصور الخطر نفسه، مما يعني أن خطر عبور الجسور يمكن أن يؤثر على الإدراك المعزز للمخاطر على فعالية الوحدات العسكرية من خلال زيادة مستويات الضغط الفردي والجماعي، وعدم الرغبة في اتباع الأوامر، وفقدان تماسك الوحدة، وكل ذلك يمكن أن يكون له تأثير على نجاح المهمة.
في العمليات العسكرية، توجد سلسلة متصلة من المخاطر المقبولة تعتمد على النزاع والعملية والمهمة والفرد. وسيكون من غير المعقول تحديد قيمة واحدة للمخاطر المقبولة لمشاركة الأفراد العسكريين في أنشطة العمليات العسكرية. لذلك يجب أن يكون هناك سلسلة متصلة من المخاطر المقبولة لحركة المرور العسكرية العابرة للجسور التي تتماشى مع مستوى المخاطر المقبول للعملية العسكرية. كما يجب على المخططين العسكريين أيضاً مراعاة ما إذا كانت حركة المرور المدنية ستكون موجودة عند عبور المركبات العسكرية الجسر. في هذه الحالة، سيتعرض المدنيون لنفس المخاطر التي يتعرض لها الأفراد العسكريون، لذلك قد يتم تخفيض الخطر المقبول إلى الخطر الذي يعتبر مقبولاً للمدنيين. هذا الخطر المقبول اجتماعياً للمدنيين سيعتمد على الوضع.

تصنيف الجسور العسكرية:
الجسور العسكرية مصطلح واسع ويمكن تقسيمه إلى عدد من الأصناف:
1 حسب مادة التصنيع (Construction Bridging):
من المواد المتوفرة محلياً مثل الأخشاب أو الأحجار أو الحبال.
2 حسب المعدات العابرة للجسر (Equipment Bridging):
يمكن تقسيم هذه الفئة إلى معدات عائمة ومعدات جافة أو حسب المصطلحات الحديثة جسور دعم رطبة أو جافة.
3 حسب موقع الجسر (place of Bridging):
الصنف الأول تلك التي شيدت في مؤخرة خطوط المعركة، في منطقة الاتصالات، وليس في ساحة المعركة المباشرة من العدو وهذه تشبه بناء الجسور الخاصة بالبناء المدني في زمن السلم. والصنف الثاني تلك التي شيدت في الجبهة، داخل القتال أو المنطقة المعرضة لنيران وغارات معادية وهذه تحدد حسب المتطلبات القتالية.
4 حسب المناورة (Assault Bridging):
وهو مصطلح جديد نسبياً يصف معدات خاصة لبناء الجسور الخاصة في منطقة إطلاق النار المباشر، وتشمل ثلاثة مصطلحات تحدد كيف وأين يتم استخدامها، أولاً أصول جسر الدعم الوثيق وهي جسور يتم إطلاقها ميكانيكياً تتيح عبور الفجوات في منطقة القتال، مع أطقم محمية بالدروع. وثانياً جسر الدعم العام، وثالثاً جسور الدعم اللوجستي، والتصنيفان الثاني والثالث عبارة عن مزيج من المعدات التي يتم إطلاقها ميكانيكياً ويدوياً بدون حماية دروع وتستخدم بشكل عام في مواقع أو مراحل مختلفة من العملية. عادةً ما يكون لجسور الدعم اللوجستي مسافات أكبر وقدرة تحمل حمولة أكبر وتُستخدم في خطوط الاتصال لتوفير جسور جديدة أو بديلة أو ذات سعة أكبر. تضمنت التحسينات الحديثة للأنواع الأساسية للجسور العسكرية زيادة استخدام الألمنيوم، وأنواع مقصات أكثر كفاءة وأقوى، وزيادة استخدام معدات التركيب الميكانيكية بشكل كبير.

مواصفة الناتو
(NATO – STANAG 2021):
المتطلب الأساسي للجسر هو قدرة تحمله، لذلك يجب عدم تحميل الجسر فوق طاقته لدرجة انهياره، مما قد يكون له تأثير على النجاح الكلي للعملية. لتقديم المساعدة لمصممي الجسور، تم تجميع جداول أوزان مجموعات المعدات شائعة الاستخدام منذ الأيام الأولى للجسور. خلال الحرب العالمية الأولى تم تقسيم الأحمال إلى 4 فئات، خفيفة ومتوسطة وثقيلة ودبابات، كل فئة لها وزن محدد، ومسافة محددة وفي حالات معينة تضاف أحمال المحور. ومن أجل توحيد عملية تصنيف الأحمال العسكرية للجسور والعبارات والطوافات والمركبات تَبَنّى حلف شمال الاطلسي الناتو في عام 1987 إصدار وثيقة معيارية (NATO – STANAG 2021). الغرض من هذه الاتفاقية توحيد طريقة معيارية لحساب تصنيف الحمولة العسكرية لقوات الناتو لجميع الجسور والعبارات والطوافات العسكرية (بما في ذلك مراحل إنزالها) والمركبات العسكرية. يستخدم هذا النظام 16 فئة ضمن أرقام معينة تتضمن حساب الوزن وحساب المركبات الجسر، العبارة، الطوافة، وقاعدة العجلات، وتحميل المحور، والمسافة ومنطقة التلامس. تتضمن معايير الحمل أيضاً الحسابات الخاصة بوزن معدات التجسير، والمسافة بين المركبات، وعوامل الأمان، والتأثيرات الديناميكية، يحدد نظام الناتو أيضاً ظروف العبور العادية، ولكنه يسمح بتقليل عوامل الأمان في حالات الطوارئ أو الظروف التكتيكية.

» العقيد المتقاعد المهندس خالد العنانزة (مستشار ومدرب في البيئة والسلامة المهنية)

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض