هل تعيد روسيا إحياء «حلف وارسو»؟

شدد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2022،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‮»‬‭ ‬باتت‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬للغاية،‭ ‬ودورها‭ ‬يزداد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬ومؤكداً‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬مع‭ ‬نظيره‭ ‬البيلاروسي،‭ ‬ألكسندر‭ ‬لوكاشينكو،‭ ‬أهمية‭ ‬حشد‭ ‬جهود‭ ‬بلدان‭ ‬المنظمة‭. ‬قائلاً‭ ‬‮«‬إنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬روسيا‭ ‬وحدها‭ ‬مساعي‭ ‬توسيع‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬محاولة‭ ‬روسيا‭ ‬إحياء‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬مناهض‭ ‬للناتو،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬طلب‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الحلف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬فرص‭ ‬نجاح‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬موازن‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭. ‬

أنشأت‭ ‬موسكو‭ ‬‮«‬حلف‭ ‬وارسو‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬كحلف‭ ‬عسكري،‭ ‬وذلك‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬واشنطن‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تفكك‭ ‬الحلف‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1991،‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬سعت‭ ‬روسيا‭ ‬لتأسيس‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬بديل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬توضيحه‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

1‭ ‬- تأسيس‭ ‬‮«‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‮»‬‭ : ‬وقعت‭ ‬كومنولث‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة،‭ ‬وهو‭ ‬نادٍ‭ ‬فضفاض‭ ‬لدول‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1992،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬بعام‭. ‬وقد‭ ‬دخلت‭ ‬المعاهدة‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬بعد‭ ‬عامين،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭. ‬

وتتألف‭ ‬المعاهدة‭ ‬من‭ ‬أرمينيا‭ ‬وجورجيا‭ ‬وبيلاروسيا‭ ‬وكازاخستان‭ ‬وقيرغيزستان‭ ‬وروسيا‭ ‬وطاجيكستان‭ ‬وأذربيجان‭ ‬وأوزبكستان‭. ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬السياسات‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق‭. ‬وفشلت‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬تكامل‭ ‬عسكري‭ ‬حقيقي،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬التسعة،‭ ‬وهم‭ ‬أذربيجان‭ ‬وجورجيا‭ ‬وأوزبكستان،‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬المعاهدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬أثناء‭ ‬تجديدها،‭ ‬لتتراجع‭ ‬عضويتها‭ ‬إلى‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬فقط‭.‬

2‭ ‬- تفعيل‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‮»‬‭:‬‭ ‬  مع‭ ‬صعود‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬1999،‭ ‬بدأ‭ ‬الكرملين‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬لتحديث‭ ‬المنظمة‭ ‬وتقويتها‭. ‬وشمل‭ ‬ذلك‭ ‬منح‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬إقليمية‭ ‬دولية‮»‬،‭ ‬وتغيير‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭ ‬معاهدة‭ ‬منظمة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬زيادة‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬والتكامل‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬وإنشاء‭ ‬قوات‭ ‬الرد‭ ‬السريع‭ ‬الجماعية‭ ‬التابعة‭ ‬للمنظمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إنجاز‭ ‬المهام‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬العسكرية‭ ‬والخاصة‮»‬‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬المنظمة‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬رئيسية‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بصورة‭ ‬أساسية‭ ‬بتراجع‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬المباشر،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الانشغال‭ ‬الأمريكي‭ ‬بأفغانستان،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬بدأت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بدور‭ ‬أمني‭ ‬متزايد‭ ‬خارج‭ ‬حدودها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وضح‭ ‬في‭ ‬واقعتين‭ ‬أساسيتين،‭ ‬ويتمثل‭ ‬أولاهما‭ ‬في‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوزبكستان‭ ‬وطاجيكستان‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2021،‭ ‬والتي‭ ‬تجرى‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬طاجيكي‭ ‬للتدريب‭ ‬قرب‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬أفغانستان،‭ ‬وتهدف،‭ ‬وفق‭ ‬عسكريين‭ ‬روس،‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬قوات‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬لمواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬انسحاب‭ ‬قوات‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬سبتمبر2021‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬تسعى‭ ‬لتعزيز‭ ‬دورها‭ ‬الأمني‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عقب‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬منها،‭ ‬وتقديم‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬الضامن‭ ‬الأمني‭ ‬الرئيسي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نجح‭ ‬فيه‭ ‬الكرملين‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬موسكو‭ ‬وطاجيكستان‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬المنظمة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يزداد‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة،‭ ‬سواء‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بزيادة‭ ‬عدد‭ ‬الأعضاء‭ ‬المنضمين‭ ‬لها،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توسيع‭ ‬أدوارها‭.‬

أما‭ ‬ثانيهما،‭ ‬فتتمثل‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬موسكو‭ ‬لقوات‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬والتي‭ ‬تشكلت‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬روسية،‭ ‬إلى‭ ‬كازاخستان،‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬يناير‭ ‬2022،‭ ‬وذلك‭ ‬لدعم‭ ‬الرئيس‭ ‬الكازاخي‭ ‬قاسم‭ ‬توكاييف،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحاشدة،‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬لأعمال‭ ‬شغب‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2022‭. ‬

ووفقاً‭ ‬للمادة‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬لا‭ ‬ترسل‭ ‬المنظمة‭ ‬القوات‭ ‬إلا‭ ‬لمساعدة‭ ‬دولة‭ ‬عضو‭ ‬تتعرض‭ ‬أراضيها‭ ‬أو‭ ‬سيادتها‭ ‬للتهديد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوة‭ ‬خارجية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬لا‭ ‬تستوفي‭ ‬الشرط‭ ‬السابق،‭ ‬فإن‭ ‬الرواية‭ ‬الروسية‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬البلاد‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬ثورة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الثورات‭ ‬الملونة،‭ ‬والتي‭ ‬تورطت‭ ‬فيها‭ ‬عناصر‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭. ‬وتتمثل‭ ‬العناصر‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬نور‭ ‬سلطان‭ ‬نزارباييف‭.‬

أما‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬المتورطة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث،‭ ‬فتمثلت‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقد‭ ‬اندفعت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬لتصوير‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬كازاخستان‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬ضد‭ ‬الفساد،‭ ‬فقد‭ ‬كتب‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬كازاخستان‭ ‬ويليام‭ ‬كورتني‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭ ‬أن‭ ‬‮«‬شعب‭ ‬كازاخستان‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬انتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬ضد‭ ‬الحكم‭ ‬الاستبدادي‭ ‬الفاسد،‭ ‬وليس‭ ‬عملاً‭ ‬عدوانياً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عصابات‭ ‬إرهابية‭ ‬مدربة‭ ‬بالخارج‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬السلطات‭ ‬الكازاخية‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬جماعات‭ ‬إرهابية‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬منشآت‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬كازاخستان‭ ‬أثناء‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬العنيفة‭. ‬

وأياً‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬المؤكد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬الروسية،‭ ‬البالغ‭ ‬عددها‭ ‬حوالي‭ ‬2500‭ ‬جندي،‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأسبوع‭ ‬الواحد،‭ ‬إذ‭ ‬شرعت‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬كازاخستان‭ ‬بحلول‭ ‬13‭ ‬يناير،‭ ‬وذلك‭ ‬بعدما‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الاضطرابات،‭ ‬واعتقال‭ ‬بعض‭ ‬العناصر‭ ‬الرئيسية‭ ‬المحرضة‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬التخريبية،‭ ‬سواء‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬جماعات‭ ‬إرهابية،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬قيادات‭ ‬جماعات‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬تتمتع‭ ‬بشعبية‭ ‬طاغية‭ ‬في‭ ‬كازاخستان،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬81‭ % ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الكازاخي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬صديقة‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬لا‭ ‬تتمتع‭ ‬بهذه‭ ‬الشعبية‭.  ‬ولكن‭ ‬الدلالات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأعمق‭ ‬للتدخل‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬كازاخستان‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬موسكو،‭ ‬وليس‭ ‬واشنطن،‭ ‬باتت‭ ‬هي‭ ‬الضامن‭ ‬الأمني‭ ‬الرئيسي‭ ‬لأمن‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى،‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭. ‬

3‭ ‬- اجتماع‭ ‬المنظمة‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ :‬‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬يونيو‭ ‬2022،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهرين‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬إن‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬معرباً‭ ‬عن‭ ‬أمله‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬قدراتها‭ ‬ونفوذها‭. ‬

وجاءت‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬استضافة‭ ‬موسكو،‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬اليوم،‭ ‬قمة‭ ‬لزعماء‭ ‬دول‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يبحثوا‭ ‬تحسين‭ ‬إمكانات‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬التابعة‭ ‬للمنظمة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬أعضائها‭. ‬وتكشف‭ ‬تصريحات‭ ‬بوتين،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬للاجتماع‭ ‬عن‭ ‬رغبة‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬لكي‭ ‬يصبح‭ ‬حلفاً‭ ‬عسكرياً‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭. ‬وربما‭ ‬جاء‭ ‬موقف‭ ‬الكرملين‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الرئيس‭ ‬البيلاروسي،‭ ‬ألكسندر‭ ‬لوكاشينكو،‭ ‬فقد‭ ‬خاطب‭ ‬القمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لمنظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬قائلاً‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬بدون‭ ‬حشد‭ ‬سريع‭ ‬لمنظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬موحدة‭ ‬سوف‭ ‬تتضرر‭ ‬كل‭ ‬بلدانها‮»‬‭. ‬وزاد‭: ‬‮«‬لو‭ ‬أننا‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬تصرفنا‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬كجبهة‭ ‬موحدة‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لتفرض‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬الجهنمية‭ ‬ضدنا،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬لروسيا‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬محاولة‭ ‬توسيع‭ ‬الناتو‭ ‬وحدها‮»‬،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬يشن‭ ‬عدواناً‭ ‬هجيناً‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬ضد‭ ‬بيلاروسيا‭ ‬وروسيا‭. ‬كما‭ ‬انتقد‭ ‬لوكاشينكو‭ ‬المنظمة‭ ‬لافتقارها‭ ‬إلى‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬وبيلاروسيا،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬أعضاءها‭ ‬استسلموا‭ ‬للضغوط‭ ‬الغربية‭ ‬وفشلوا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الدولتين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬الكرملين‭ ‬على‭ ‬الوقوف‭ ‬صفاً‭ ‬واحداً‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الغرب،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عسكرياً،‭ ‬فسياسياً‭ ‬واقتصادياً،‭ ‬وذلك‭ ‬لرفع‭ ‬التكاليف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للعقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬ضد‭ ‬موسكو‭. ‬

أهداف‭ ‬موسكو

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الجهود‭ ‬الروسية‭ ‬لإحياء‭ ‬تحالف‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوقيت‭ ‬يرتبط‭ ‬بالصراع‭ ‬الأكبر‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وواشنطن،‭ ‬والذي‭ ‬تجري‭ ‬أحد‭ ‬فصوله‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭. ‬وبمراجعة‭ ‬التصريحات‭ ‬الرسمية‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬المنظمة،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬مواقفها،‭ ‬وبصورة‭ ‬تدفعها‭ ‬لتبني‭ ‬نفس‭ ‬المواقف‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬المنظمة‭ ‬بصورة‭ ‬ترضي‭ ‬الكرملين‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬موسكو‭ ‬جهودها‭ ‬لتطوير‭ ‬المنظمة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الأهداف‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬معاهدة‭ ‬منظمة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التالي‭: ‬

1‭ ‬- الرد‭ ‬على‭ ‬تمدد‭ ‬الناتو‭ :‬‭ ‬انضمت‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬الأعضاء‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬حيث‭ ‬انضمت‭ ‬بولندا‭ ‬وجمهورية‭ ‬التشيك‭ ‬والمجر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬سلوفاكيا‭ ‬ورومانيا‭ ‬وبلغاريا،‭ ‬وألبانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009‭. ‬ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬اتجهت‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد،‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬2022،‭ ‬لطلب‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واشنطن‭ ‬لرفع‭ ‬تكاليف‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬الجيوسياسي،‭ ‬أي‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬والتي‭ ‬هدفت‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬قد‭ ‬ترتب‭ ‬عليها‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬انضمام‭ ‬دولتين‭ ‬أخريين‭ ‬إلى‭ ‬الحلف‭. ‬

2‭ ‬- التهرب‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ :‬‭ ‬تخشى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬موسكو‭ ‬علاقاتها‭ ‬الوطيدة‭ ‬بالدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المعاهدة‭ ‬للتهرب‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭. ‬وهناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬منها‭ ‬تقدير‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الأوروبية‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬زيادة‭ ‬بمقدار‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الشركات‭ ‬الروسية‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬كازاخستان،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تسجيل‭ ‬نحو1348‭ ‬شركة‭ ‬روسية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬وحتى‭ ‬مايو،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تسهيل‭ ‬الحكومة‭ ‬الروسية‭ ‬الاستيراد‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬بإذن‭ ‬الاستيراد‭ ‬بالتوازي،‭ ‬أي‭ ‬بدون‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬مالك‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقنن‭ ‬فعلياً‭ ‬تهريب‭ ‬البضائع‭ ‬الأجنبية‭. ‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬المعاهدة‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الفنية‭ ‬للاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬سراً،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنوات‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬التقني‭ ‬القائمة‭. ‬وتعد‭ ‬كازاخستان‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬المرشحة‭ ‬للعب‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬وفقاً‭ ‬للتقديرات‭ ‬الغربية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬خاضعة‭ ‬للعقوبات‭ ‬الغربية،‭ ‬كما‭ ‬تسيطر‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجمعات‭ ‬العسكرية‭ ‬والصناعية‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬كازاخستان،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعمل‭ ‬بكامل‭ ‬طاقتها‭ ‬ولا‭ ‬تتأثر‭ ‬بالعقوبات‭ ‬الغربية‭.‬

وتتمثل‭ ‬أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬بايكونور‭ ‬الفضائية،‭ ‬والتي‭ ‬تؤجرها‭ ‬كازاخستان‭ ‬لروسيا،‭ ‬إذ‭ ‬تعمل‭ ‬بايكونور‭ ‬كمنصة‭ ‬تطوير‭ ‬رئيسية‭ ‬لشركة‭ ‬الفضاء‭ ‬الروسية‭ ‬روسكوزموس،‭ ‬والتي‭ ‬تدعم‭ ‬الصناعات‭ ‬الفضائية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لعقوبات‭ ‬غربية،‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬

كما‭ ‬تقوم‭ ‬شركة‭ ‬كازاخستان‭ ‬الهندسية،‭ ‬وهي‭ ‬شركة‭ ‬عسكرية‭ ‬مملوكة‭ ‬للدولة،‭ ‬بمساعدة‭ ‬صناعة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬كازاخستان‭ ‬وروسيا‭ ‬فرصة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬السيارات،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬المكونات‭ ‬وقطع‭ ‬الغيار‭. ‬تشهد‭ ‬كازاخستان‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬السيارات‭ ‬وتصنع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الروسية‭ ‬لسيارات‭ ‬الركاب‭ (‬لادا‭) ‬والمركبات‭ ‬التجارية،‭ ‬ونظراً‭ ‬للاحتياجات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬لحربها‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬يسعى‭ ‬الكرملين‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعدات‭ ‬وقطع‭ ‬الغيار‭ ‬وأدوات‭ ‬تكنولوجية‭ ‬معينة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬روسيا‭ ‬توفيرها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بسبب‭ ‬تأثير‭ ‬العقوبات‭.‬

3‭ ‬- توسيع‭ ‬عضوية‭ ‬المنظمة‭ :‬‭ ‬أكد‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬ستانيسلاف‭ ‬زاس،‭ ‬أن‭ ‬منظمته،‭ ‬ومنظمة‭ ‬شنجهاي‭ ‬للتعاون،‭ ‬المهيمن‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬تتشارك‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقييمات‭ ‬والرؤى‭ ‬حول‭ ‬الأمن،‭ ‬وخاصة‭ ‬رفض‭ ‬توسع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬ولذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬توجه‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والمنظمة‭. ‬

وهناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬أبرزها‭ ‬تصاعد‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬–‭ ‬الصيني،‭ ‬والذي‭ ‬اتخذ‭ ‬عدة‭ ‬أبعاد،‭ ‬خاصة‭ ‬القيام‭ ‬بمناورات‭ ‬وتدريبات‭ ‬عسكرية‭ ‬مشتركة،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬قيام‭ ‬مقاتلات‭ ‬استراتيجية‭ ‬صينية‭ ‬وروسية‭ ‬بطلعات‭ ‬جوية‭ ‬مشتركة‭ ‬فوق‭ ‬بحر‭ ‬اليابان‭ ‬وبحر‭ ‬الصين‭ ‬الشرقي،‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬مايو،‭ ‬تزامناً‭ ‬مع‭ ‬قمة‭ ‬لقادة‭ ‬دول‭ ‬التحالف‭ ‬الرباعي‭ ‬للحوار‭ ‬الأمني‭ ‬‮«‬كواد‮»‬‭ ‬في‭ ‬طوكيو،‭ ‬وهي‭ ‬القمة‭ ‬التي‭ ‬حضرها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬وهدف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬لتأسيس‭ ‬تحالف‭ ‬لتطويق‭ ‬الصين‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬مشاركة‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬واليابان‭ ‬في‭ ‬اجتماعات‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬مدريد‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2022،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬حديث‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬عن‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬تعاون‭ ‬جديد‭ ‬بين‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬انخراط‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الأمن‭ ‬لجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬معه‭ ‬إمكانية‭ ‬توظيف‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬لكبح‭ ‬التمدد‭ ‬الصيني،‭ ‬وهو‭ ‬الهدف‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬تأسيس‭ ‬تحالفي‭ ‬أوكوس‭ ‬والكواد،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬واشنطن‭ ‬لمساعي‭ ‬تايوان‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬الصين‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬كامل‭ ‬أهدافها‭ ‬بتفعيل‭ ‬وتطوير‭ ‬منظمة‭ ‬معاهدة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬وذلك‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬توسع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬قرب‭ ‬حدودها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الجهود‭ ‬الروسية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اتهامات‭ ‬للغرب‭ ‬بأن‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬المنظمة‭ ‬متورطة‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭. ‬ولاشك‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬حذرة‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬أي‭ ‬عقوبات‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬سوف‭ ‬يدفع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬للتعاون‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬مع‭ ‬موسكو،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تريده‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬التصعيد‭ ‬الأمريكي‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬سوف‭ ‬يدفعهما‭ ‬للتعاون‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬معاً،‭ ‬وتطوير‭ ‬آليات‭ ‬مؤسسية‭ ‬للتعاون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الغربية‭ ‬لأمنهما‭ ‬ومصالحهما‭ ‬القومية‭. ‬

‮»‬‭ ‬د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب
(باحث‭ ‬عسكري‭ ‬واستراتيجي‭(

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض