virus-5209059

في‭ ‬ظل‭ ‬وباء‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬ إلى‭ ‬أين‭ ‬يتجه‭ ‬العالم؟‭ ‬

شكل‭ ‬ظهور‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬كوفيد‭ ‬19 ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ووهان‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬ديسمبر‭ ‬2019‭ ‬وانتشارة‭ ‬السريع‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬أزمة‭ ‬عالمية‭ ‬وصفت‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬بأنها‭ ‬الأكبر‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فيما‭ ‬تعددت‭ ‬الدراسات‭ ‬البحثية‭ ‬والآراء‭ ‬التي‭ ‬تجادل‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬ربما‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬برمته،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬مقولة‭ ‬“عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا”‭ ‬باتت‭ ‬مصطلحاً‭ ‬دارجاً‭ ‬يتم‭ ‬تداوله‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭.‬
لقد‭ ‬أحدث‭ ‬هذا‭ ‬الوباء،‭ ‬بما‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والصحية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاستراتيجية،‭ ‬لاتزال‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تفاعل،‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬أركان‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الراهن،‭ ‬وكشفت‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الخلل‭ ‬ومواطن‭ ‬الضعف‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها،‭ ‬وأعادت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬الجدل‭ ‬والنقاش‭ ‬حول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬مثل‭ ‬مفاهيم‭ ‬العولمة‭ ‬والسيادة‭ ‬ودور‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬والتكامل‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬والحوكمة،‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬طرحت‭ ‬تساؤلات‭ ‬جدية‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الليبرالي‭ ‬الدولي،‭ ‬وتوازنات‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬وأنماط‭ ‬علاقات‭ ‬التعاون‭ ‬والصراع‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الداخلي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مفاهيم‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تخضع‭ ‬بدورها‭ ‬للتفكيك‭ ‬وإعادة‭ ‬التركيب‭ ‬والبناء‭.‬
نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.. ‬لماذا؟
تتسم‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الأزمات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتدفع‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والمتخصصين‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭:‬
1‭ ‬  الانتشار‭ ‬العالمي‭ ‬الواسع‭ ‬والسريع‭ ‬عولمة‭ ‬الوباء‭ :‬‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الأوبئة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬والتي‭ ‬اتسمت‭ ‬بمحدودية‭ ‬وبطء‭ ‬انتشارها‭ ‬وقلة‭ ‬المصابين‭ ‬بها،‭ ‬شكل‭ ‬الانتشار‭ ‬السريع‭ ‬والواسع‭ ‬النطاق‭ ‬لوباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭ ‬إحدى‭ ‬السمات‭ ‬الرئيسية‭ ‬لهذا‭ ‬الوباء،‭ ‬وأحد‭ ‬أهم‭ ‬جوانب‭ ‬خطورته‭.‬
وبمقارنة‭ ‬بسيطة‭ ‬للأرقام‭ ‬والاحصائيات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتبين‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬فوباء‭ ‬إنفلونزا‭ ‬الطيور‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬وفاة‭ ‬حوالي‭ ‬450‭ ‬شخصاً‭ ‬فقط،‭ ‬فيما‭ ‬تسبب‭ ‬وباء‭ ‬سارس‭ ‬الذي‭ ‬انتشر‭ ‬عامي‭ ‬2002‭/‬2003،‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬8000‭ ‬إصابة‭ ‬مات‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬نحو‭ ‬800‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وأودى‭ ‬فيروس‭ ‬إنفلونزا‭ ‬الخنازير‭ ‬“إتش‭ ‬1‭ ‬إن‭ ‬1”‭ (‬H1N1‭) ‬الذي‭ ‬اكتشف‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬بحياة‭ ‬18‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬بحسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬بينما‭ ‬أودى‭ ‬فيروس‭ ‬الإيبولا‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬وانتشر‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬أفريقيا‭ ‬بحياة‭ ‬حوالي‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬شخص‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬2200‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬موجته‭ ‬الثانية‭ ‬عام‭ ‬2018‭.‬
وهذا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مقارنته‭ ‬بخسائر‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الوفيات‭ ‬أو‭ ‬الإصابات،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬غطى‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬تقريباً،‭ ‬وشلّ‭ ‬طرق‭ ‬السفر‭ ‬الدولية‭ ‬والحركة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وحجز‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬البشرية‭ ‬داخل‭ ‬منازلها‭ ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭. ‬
وهذا‭ ‬الانتشار‭ ‬الواسع‭ ‬والسريع‭ ‬للوباء‭ ‬يمكن‭ ‬رده‭ ‬إلى‭ ‬عاملين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬الأول،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أتاحته‭ ‬العولمة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاتصال‭ ‬والمواصلات‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬للأشخاص‭ ‬للتنقل‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬وسهولة؛‭ ‬وهذا‭ ‬التدفق‭ ‬البشري‭ ‬السلس‭ ‬والضخم‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬السهولة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬وباء‭ ‬الانتقال‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬“عولمة‭ ‬الأوبئة”‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬أحد‭ ‬تجليات‭ ‬العولمة‭ ‬السلبية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أخضع‭ ‬ظاهرة‭ ‬العولمة‭ ‬نفسها‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬والتشكيك‭ ‬في‭ ‬ضرورتها‭ ‬وأهميتها‭. ‬والثاني،‭ ‬يرتبط‭ ‬بمركز‭ ‬ظهور‭ ‬وتفشي‭ ‬الوباء،‭ ‬ونقصد‭ ‬بذلك‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بعلاقات‭ ‬واسعة‭ ‬بجميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريباً،‭ ‬وتتمتع‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتشعبة‭ ‬والواسعة؛‭ ‬فهي‭ ‬صاحبة‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للسلع،‭ ‬ولديها‭ ‬نحو‭ ‬خُمس‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭.‬
2 ‬ شمولية الأزمة وتعدد مجالاتها وأبعادها : فالخسائر والتداعيات المترتبة على الأزمة التي خلفها هذا الوباء لم تقتصر على الجوانب الانسانية والصحية على ضخامتها ، وإنما امتدت لتشمل مختلف المجالات الاخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الاستراتيجية والأمنية. وهذا الأمر يجعل هذه الأزمة تختلف عن الأوبئة السابقة ، وحتى عن الأزمة الأقتصادية العالمية عام 2008 ، والتي كانت تداعياتها تتركز بالأساس على الجوانب والأبعاد الاقتصادية .

3‭ ‬  أن‭ ‬الأزمة‭ ‬تركزت‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الصين‭ ‬وأوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تمثله‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬باعتبارها‭ ‬الفواعل‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن،‭ ‬فإن‭ ‬التأثيرات‭ ‬التي‭ ‬ستتركها‭ ‬الأزمة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيرها‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تعامل‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬وإدارتها‭ ‬لها،‭ ‬ستُظهر‭ ‬مؤشرات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬قوة‭ ‬ومرونة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬العالمية‭ ‬المهمة،‭ ‬وهو‭ ‬مؤشر‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬توازنات‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية‭. ‬
4‭ ‬  فجائية‭ ‬الأزمة،‭ ‬والمقصود‭ ‬بالفجائية‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬عدم‭ ‬توقع‭ ‬الوباء،‭ ‬ولكن‭ ‬حجمه‭ ‬وسرعة‭ ‬انتشاره،‭ ‬فهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعاً‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬الخطورة‭ ‬والانتشار‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬المتقدمة‭ ‬منها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬مهيأة‭ ‬وعلى‭ ‬استعداد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬تداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬وتحجيم‭ ‬خطرها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭. ‬فالإمكانيات‭ ‬والقدرات‭ ‬الطبية‭ ‬والصحية‭ ‬بدت‭ ‬قاصرة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬تحمل‭ ‬عبء‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الإصابات،‭ ‬مما‭ ‬أحدث‭ ‬أزمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬هذه‭ ‬الأعداد‭ ‬من‭ ‬المصابين‭ ‬وتوفير‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬لهم‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬فاقم‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬وحدة‭ ‬التداعيات‭ ‬الأخرى‭ ‬للأزمة‭.‬
تداعيات‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬واسعة‭ ‬وعميقة
لم‭ ‬يكن‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬كوفيد‭- ‬19‭ ‬حدثاً‭ ‬عابراً‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬انتشار‭ ‬الأوبئة‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬أقاليم‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬فالتأثيرات‭ ‬والتغييرات‭ ‬الجوهريــة‭ ‬التي‭ ‬أفرزها‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬على‭ ‬المســتويات‭ ‬السياســية‭ ‬والاقتصاديــة‭ ‬والأمنية‭ ‬والمجتمعيــة،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الضخامة‭ ‬بشكل‭ ‬يجعل‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والخبراء‭ ‬وحتى‭ ‬السياسيين‭ ‬يتوقعون‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭ ‬برمته‭. ‬ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬هذه‭ ‬التأثيرات‭ ‬أو‭ ‬التداعيات‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الآتي‭:‬
‭ -‬1‭ ‬التداعيات‭ ‬الاقتصادية
ألقت‭ ‬أزمة‭ ‬انتشار‭ ‬“وباء‭ ‬كوفيد19‭-‬”‭ ‬بتأثيراتها‭ ‬المباشرة‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬اعتبر‭ ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬والمستشارة‭ ‬الالمانية‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل،‭ ‬أنها‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬العالم‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬فيما‭ ‬شبهها‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬والمتابعين‭ ‬بأزمة‭ ‬الكساد‭ ‬العظيم‭ ‬التي‭ ‬شلت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬فمع‭ ‬إغلاق‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لحدودها،‭ ‬وتوقف‭ ‬حركة‭ ‬السياحة‭ ‬والسفر‭ ‬بصورة‭ ‬شبه‭ ‬كلية،‭ ‬وإغلاق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬والمشروعات‭ ‬التجارية‭ ‬والقطاعات‭ ‬الخدمية،‭ ‬وتقييد‭ ‬حركة‭ ‬المواطنين،‭ ‬وفرض‭ ‬الحجر‭ ‬الصحي‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬تقريباً،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬تقييدية‭ ‬واحترازية‭ ‬لجأت‭ ‬لها‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬لمحاولة‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬إليها،‭ ‬تعرض‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬لصدمة‭ ‬قوية،‭ ‬أدخلته‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬كريستالينا‭ ‬جورجييفا‭ ‬مديرة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬يوم‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬2020‭ ‬بأنه‭ ‬أسوأ‭ ‬مرحلة‭ ‬ركود‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭. ‬التقديرات‭ ‬بتراجع‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬تباينت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بسبب‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬بشأن‭ ‬آفاق‭ ‬أزمة‭ ‬هذا‭ ‬الوباء،‭ ‬حيث‭ ‬توقعت‭ ‬مؤسسة‭ ‬ستاندرد‭ ‬أند‭ ‬بورز‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬أصدرته‭ ‬يوم‭ ‬22‭ ‬مارس‭ ‬2020‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬معدل‭ ‬نمو‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬ليسجل‭ ‬نسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1‭% ‬و1‭.‬5‭% ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬مع‭ ‬احتمالات‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬التصاعد‭ ‬في‭ ‬المخاطر،‭ ‬فيما‭ ‬توقّع‭ ‬خبراء‭ ‬وكالة‭ ‬بلومبرج‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭ ‬الأسوأ‭ ‬منذ‭ ‬الركود‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬وأن‭ ‬يفقد‭ ‬الناتج‭ ‬العالمي‭ ‬حوالي‭ ‬2‭.‬7‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬بنهاية‭ ‬2020،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬استعادة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬عافيته‭ ‬بحلول‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬العام،‭ ‬وسيكون‭ ‬الوضع‭ ‬أكثر‭ ‬سوءاً‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬تحقق‭ ‬تلك‭ ‬الفرضية‭. ‬كما‭ ‬خفض‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬توقعاته‭ ‬للنمو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬مديرة‭ ‬الصندوق‭ ‬رسميا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬مارس‭ ‬دخول‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬مرحلة‭ ‬الركود،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقديرات‭ ‬الصندوق‭ ‬“للاحتياجات‭ ‬المالية‭ ‬الإجمالية‭ ‬للأسواق‭ ‬الناشئة،‭ ‬تبلغ‭ ‬2‭,‬5‭ ‬تريليون‭ ‬دولار”،‭ ‬وأن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬دولة‭ ‬قد‭ ‬طلبت‭ ‬بالفعل‭ ‬مساعدة‭ ‬طارئة‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬لمواجهة‭ ‬تداعيات‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭. ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬توقعت‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬تسجيل‭ ‬تراجع‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الجاري،‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬13‭% ‬و32‭%‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬من‭ ‬المُرجح‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬الركود‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬أزمة‭ ‬الكساد‭ ‬الكبير‭ ‬عام‭ ‬1929‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬السيناريوهات‭ ‬تشاؤوماً‭. ‬
تطور‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬2000‭- ‬2022
كما‭ ‬توقع‭ ‬خبراء‭ ‬معهد‭ ‬التمويل‭ ‬الدولي‭ ‬تراجع‭ ‬نمو‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬لتسجيل‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياته‭ ‬منذ‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية،‭ ‬بما‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬1‭% ‬فقط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقل‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬نمو‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭.‬6‭% ‬في‭ ‬2019،‭ ‬فيما‭ ‬توقعت‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬والتنمية،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الـ‭(‬36‭)‬‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬انخفاض‭ ‬نمو‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ (‬1.5%‭) ‬خلال‭ ‬2020،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬المعدل‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تتوقعه‭ (‬2.9%‭) ‬قبل‭ ‬تفشي‭ ‬الفيروس‭. ‬
وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬القطاعي،‭ ‬تعرضت‭ ‬قطاعات‭ ‬مثل‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬والصناعات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسفر‭ ‬والسياحة،‭ ‬ومنها‭ ‬شركات‭ ‬الطيران‭ ‬وخطوط‭ ‬الرحلات‭ ‬البحرية‭ ‬والفنادق،‭ ‬إلى‭ ‬ضربات‭ ‬قوية،‭ ‬فيما‭ ‬تعرضت‭ ‬أسواق‭ ‬المال‭ ‬العالمية‭ ‬الكبرى‭ ‬لصدمات‭ ‬قوية‭ ‬سببت‭ ‬لها‭ ‬خسائر‭ ‬بمئات‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭. ‬كما‭ ‬دفعت‭ ‬المخاوف‭ ‬بشأن‭ ‬الانتشار‭ ‬العالمي‭ ‬للفيروس‭ ‬المستثمرين‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬السندات،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬العائدات‭ ‬في‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الكبرى،‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الأصول‭ ‬الآمنة‭ ‬مثل‭ ‬الذهب‭ ‬الذي‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعاره‭. ‬كذلك‭ ‬أدى‭ ‬انخفاض‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط،‭ ‬وهبوط‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬وضاعف‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬هذا‭ ‬الانخفاض‭ ‬الخلاف‭ ‬حول‭ ‬تخفيضات‭ ‬الإنتاج‭ ‬بين‭ ‬أوبك‭ ‬وحلفائها‭ ‬والذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭ ‬لتصل‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬مارس‭ ‬2020‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬مستوى‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2003‭.‬
وأدت‭ ‬هذه‭ ‬التداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكارثية‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬ملايين‭ ‬الوظائف‭ ‬وارتفاع‭ ‬قياسي‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬حيث‭ ‬توقعت‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬مارس‭ ‬2020‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬الوباء‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬مليون‭ ‬وظيفة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬المنظمة‭ ‬نفسها‭ ‬وتعدل‭ ‬تقديراتها‭ ‬لتعلن‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬أبريل‭ ‬2020‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬يهدد‭ ‬بفقدان‭ ‬195‭ ‬مليون‭ ‬وظيفة‭ ‬بدوام‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬زادت‭ ‬المخاوف‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬حدوث‭ ‬أزمة‭ ‬غذاء‭ ‬عالمية‭ ‬بسبب‭ ‬تعطل‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬والتوريد‭ ‬العالمية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السلاسل‭ ‬تعتمد‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬الصين،‭ ‬التي‭ ‬ضربها‭ ‬الفيروس‭ ‬وعزلها‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭.‬
وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬ذلك،‭ ‬سارعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬خطط‭ ‬إنقاذ‭ ‬وتحفيز‭ ‬اقتصادي‭ ‬ومالي‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وتخصيص‭ ‬تريليونات‭ ‬الدولارات‭ ‬لتنشيط‭ ‬اقتصادياتها‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التداعيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬أفرزها‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ (‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭: ‬تعهدت‭ ‬دول‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين‭ ‬بضخ‭ ‬5‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬خلال‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬عقدت‭ ‬برئاسة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬فيما‭ ‬أعلنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬أكبر‭ ‬خطة‭ ‬انقاذ‭ ‬اقتصادي‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬بقيمة‭ ‬2‭.‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬لمواجهة‭ ‬العواقب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للوباء،‭ ‬وأقر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬خطة‭ ‬إنقاذ‭ ‬مالي‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬المتضررة‭ ‬بقيمة‭ ‬500‭ ‬مليار‭ ‬يورو‭). ‬لكن‭ ‬قدرة‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬والخطط‭ ‬لمعالجة‭ ‬تبعات‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬سببها‭ ‬الوباء،‭ ‬ستتوقف‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬المدى‭ ‬الزمني‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬فكلما‭ ‬طالت‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬تفاقمت‭ ‬التداعيات‭ ‬الكارثية‭ ‬للوباء‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭.‬
2 -التداعيات‭ ‬السياسية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬
جاءت‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭ ‬كاشفة‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الاختلالات‭ ‬القائمة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الحالي،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الوطني‭ ‬والإقليمي،‭ ‬حيث‭ ‬تعددت‭ ‬التأثيرات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬خلفتها،‭ ‬أو‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تخلفها‭ ‬الأزمة،‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المستويات‭ ‬الثلاثة،‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬
أ‌‭-‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الوطني‭:‬
•كشفت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬عن‭ ‬اختلالات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الحوكمة‭ ‬الصحية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬الغنية‭ ‬بمواردها‭ ‬المالية‭ ‬والمتقدمة‭ ‬علمياً‭ ‬وطبياً،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬والتي‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬تمدد‭ ‬وانتشار‭ ‬الوباء،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬استعداد‭ ‬نظمها‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬نظمها‭ ‬الصحية،‭ ‬التي‭ ‬بدت‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬المصابين،‭ ‬ونظمها‭ ‬السياسية،‭ ‬التي‭ ‬أظهرت‭ ‬في‭ ‬غالبيتها‭ ‬فشلاً‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬بلورة‭ ‬سياسات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬مرنة‭ ‬وفاعلة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية‭ ‬الطارئة‭ ‬والتعامل‭ ‬معها‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬أولويات‭ ‬السياسات‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مستقبلاً‭.‬
•سيكون‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تأثيراتها‭ ‬الواضحة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬والأنظمة‭ ‬السياسية،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬كفاءتها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬أو‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬فالفشل‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬تغيير‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬وعدم‭ ‬انتخابها‭ ‬مجدداً‭. ‬وقد‭ ‬ناقشت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬بالفعل‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المقررة‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬ترى‭ ‬بعض‭ ‬الآراء‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬حكومة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬الوباء‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬سيعزز‭ ‬من‭ ‬مصداقيتها‭ ‬وشعبيتها‭ ‬داخلياً،‭ ‬ويعزز‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬نظامها‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي‭.‬
•‭ ‬مثلت‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬فرصة‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أزمات‭ ‬سياسية‭ ‬لتجميد‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات،‭ ‬وربما‭ ‬تسويتها‭ ‬وإنهائها،‭ ‬بسبب‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬ففي‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشهد‭ ‬احتجاجات‭ ‬شعبية‭ ‬داخلية‭ ‬مثل‭ ‬الجزائر‭ ‬والعراق‭ ‬وإيران‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تراجعت‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬وتوارت‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬مما‭ ‬مثل‭ ‬فرصة‭ ‬للنظم‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لالتقاط‭ ‬الأنفاس‭. ‬كذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬صراعات‭ ‬داخلية،‭ ‬مثل‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن،‭ ‬حيث‭ ‬تراجعت‭ ‬حدة‭ ‬العنف‭ ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الجهود‭ ‬والدعوات‭ ‬الدولية‭ ‬المطالبة‭ ‬بإنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬وتسويتها‭ ‬كمدخل‭ ‬للمواجهة‭ ‬الفاعلة‭ ‬لوباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭. ‬ويشار‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬التحالف‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬بقيادة‭ ‬السعودية‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬أبريل‭ ‬2020‭ ‬وقفاً‭ ‬شاملاً‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوعين‭.‬
•‭ ‬عززت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬المتطرفين‭ ‬بتوجهاتهم‭ ‬المختلفة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات،‭ ‬حيث‭ ‬استغلت‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬ودُعاة‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬انتشار‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬لتأكيد‭ ‬توجهاتهم‭ ‬المنادية‭ ‬بالانغلاق‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬ومناهضة‭ ‬المهاجرين‭. ‬وتشير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شعبية‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬قد‭ ‬ترتفع‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية،‭ ‬وما‭ ‬ارتبطت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬اتهامات‭ ‬للمهاجرين‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عن‭ ‬جلب‭ ‬الوباء‭. ‬كما‭ ‬استغلت‭ ‬الجماعات‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لاستعادة‭ ‬تأثيرها‭ ‬واستقطاب‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬صفوفها‭ ‬عبر‭ ‬ترويج‭ ‬خطابات‭ ‬دينية‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬غضب‭ ‬إلهي‭ ‬بسبب‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬ومحاربة‭ ‬“المؤمنين‭!‬”‭.‬
•‭ ‬أعادت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬البعد‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الداخلية،‭ ‬وأهمية‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬الرسمية‭ ‬والشعبية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬الخطيرة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬كهذه‭ ‬كانت‭ ‬أساليب‭ ‬المواجهة‭ ‬الرئيسية‭ ‬فيها‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬والتزام‭ ‬الجمهور‭ ‬بالتعليمات‭ ‬والإجراءات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬مثل‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬السكان‭ ‬ومنع‭ ‬اختلاطهم‭ ‬لوقف‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭.‬
ب‭ ‬ـ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإقليمي‭:‬
‭ ‬كشفت‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭ ‬غياب‭ ‬فكرة‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬داخل‭ ‬التجمعات‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أزمة‭ ‬خطيرة‭ ‬كأزمة‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭. ‬والمثال‭ ‬الأبرز‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬دوله‭ ‬توترات‭ ‬ملحوظة،‭ ‬مع‭ ‬بطء‭ ‬التحرك‭ ‬لتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬للدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تضرراً؛‭ ‬ومن‭ ‬المؤشرات‭ ‬الدالة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬التحذير‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإيطالي‭ ‬جوسيبي‭ ‬كونتي،‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬والذي‭ ‬حذر‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بكامله‭ ‬“قد‭ ‬يفقد‭ ‬سبب‭ ‬وجوده”،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬وتحذيره‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬أبريل‭ ‬202‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬“الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يواجه‭ ‬خطر‭ ‬الفشل‭ ‬كمشروع‭ ‬نتيجة‭ ‬تفشي‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا”‭.‬
‭ ‬كما‭ ‬دفعت‭ ‬الأزمة‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬السياسية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬اليمينية‭ ‬منها‭ ‬لأن‭ ‬تطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬فائدة‭ ‬التكتل‭ ‬الأوروبي‭ ‬ذاته،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬تتضامن‭ ‬فيه‭ ‬دوله‭ ‬بشكل‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أزمة‭ ‬وجودية‭ ‬مثل‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬قيام‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬بفرض‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬المستلزمات‭ ‬الطبية‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬مفهوماً‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬نفسها‭ ‬ومواطنيها‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬أثار‭ ‬استياءً‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإيطالي،‭ ‬جسده‭ ‬تصريح‭ ‬تصريح‭ ‬السفير‭ ‬الإيطالي‭ ‬لدى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يوم‭ ‬23‭ ‬مارس‭ ‬الذي‭ ‬أوضح‭ ‬فيه‭ ‬بأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬إيطاليا‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬كما‭ ‬تركها‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أزمة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬والصور‭ ‬التي‭ ‬نقلتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لإيطاليين‭ ‬يقومون‭ ‬بإنزال‭ ‬العلم‭ ‬الأوروبي‭ ‬واستبداله‭ ‬بالعلم‭ ‬الصيني،‭ ‬بعدما‭ ‬قدمت‭ ‬بكين‭ ‬بعض‭ ‬الدعم‭ ‬لبلادهم‭.‬
‭ ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته،‭ ‬صرّح‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬النمساوي‭ ‬سبستيان‭ ‬كورز‭ ‬بأن‭ ‬“مبدأ‭ ‬التضامن‭ ‬والتكاتف‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الخطير”،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أكد‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬جمهورية‭ ‬التشيك‭ ‬أندريه‭ ‬بابيس،‭ ‬الذي‭ ‬سارع‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬حدود‭ ‬بلاده‭ ‬مع‭ ‬15‭ ‬دولة،‭ ‬أن‭ ‬“الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬تنسيق‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها”‭. ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬سيكون‭ ‬مصير‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كله‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬وتبعاتها‭.‬
ج‭- ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭:‬
أفرزت‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬المهمة،‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬كاشفة‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاختلالات‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭:‬
•وهم‭ ‬التضامن‭ ‬الدولي‭:‬‭ ‬كشفت‭ ‬الأزمة‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬مفهوم‭ ‬التضامن‭ ‬الجماعي‭ ‬الدولي‭ ‬وسيطرة‭ ‬الأنانية‭ ‬الوطنية‭ ‬للدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬المساعدة‭ ‬حتى‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬الحليفة،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أغلق‭ ‬الحدود‭ ‬معها‭. ‬والأخطر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬–‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬–‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬ومعارك‭ ‬جانبية‭ ‬أثارت‭ ‬الشكوك‭ ‬في‭ ‬جديتها‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬لمواجهة‭ ‬خطر‭ ‬الوباء‭ ‬الجديد؛‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬الملاسنات‭ ‬الأمريكية‭ ‬–‭ ‬الصينية‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن،‭ ‬حيث‭ ‬اتهمت‭ ‬بكين‭ ‬واشنطن‭ ‬بتعمد‭ ‬خلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬وتضخيم‭ ‬الأمور‭ ‬بشأن‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬وبشكل‭ ‬لا‭ ‬ضرورة‭ ‬له‭ ‬للإضرار‭ ‬بصورتها‭ ‬وسمعتها،‭ ‬فيما‭ ‬استخدم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬مصطلح‭ ‬“فيروس‭ ‬الصين”‭ ‬لوصف‭ ‬فيروس‭ ‬“كوفيد19‭-‬”،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬أثارت‭ ‬غضب‭ ‬الصين‭. ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تلميح‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الخارجية‭ ‬الصينية‭ ‬تشاو‭ ‬لي‭ ‬جيان،‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بجلب‭ ‬الفيروس‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬ووهان‭ ‬الصينية‭. ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬مفهوم‭ ‬التضامن‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وبعضها‭ ‬البعض،‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تواترت‭ ‬فيه‭ ‬الأخبار‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬بالسطو‭ ‬على‭ ‬شحنات‭ ‬مستلزمات‭ ‬طبية‭ ‬كانت‭ ‬متجهة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬لمواجة‭ ‬النقص‭ ‬الحاد‭ ‬الذي‭ ‬تعانيه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المستلزمات‭. ‬
وقد‭ ‬ساهم‭ ‬غياب‭ ‬هذا‭ ‬التضامن،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الصراعات‭ ‬الجانبية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬وتضخم‭ ‬تداعياته‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬كافة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتدارك‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬وتبدأ‭ ‬في‭ ‬تنسيق‭ ‬مواقفها،‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬تجسد‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الافتراضي‭ ‬الطارئ‭ ‬لقمة‭ ‬مجموعة‭ ‬العشرين،‭ ‬الذي‭ ‬دعت‭ ‬إليه‭ ‬وترأسته‭ ‬السعودية،‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬مارس‭ ‬2020،‭ ‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬نتائج‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬التعهد‭ ‬بضخ‭ ‬خمسة‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وتأكيد‭ ‬القادة‭ ‬أنهم‭ ‬“ملتزمون‭ ‬بشدة‭ ‬بتشكيل‭ ‬جبهة‭ ‬متحدة‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬المشترك”‭.‬
•قوة‭ ‬الصين‭:‬‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وتفشت‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجراءات‭ ‬صارمة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تحجم‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬وتقلل‭ ‬خسائرها‭ ‬البشرية‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ذلك،‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬الصين‭ ‬بتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لمساعدتها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬خطر‭ ‬الوباء‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أشارت‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬أمريكية‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬مارس‭ ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬الشركات‭ ‬الصينية‭ ‬العملاقة‭ ‬سوف‭ ‬تبيع‭ ‬مليون‭ ‬كمامة‭ ‬ونصف‭ ‬مليون‭ ‬حزمة‭ ‬أدوات‭ ‬طبية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المُتحدة،‭ ‬وأن‭ ‬الصين‭ ‬أرسلت‭ ‬مُساعدات‭ ‬طبية‭ ‬مماثلة‭ ‬لليابان،‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬وإيران،‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬وإسبانيا،‭ ‬خصوصا‭ ‬للعاملين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الصحي،‭ ‬بسبب‭ ‬أنهم‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬عرضة‭ ‬للإصابة‭. ‬وفي‭ ‬19‭ ‬مارس‭ ‬تسلمت‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬مليون‭ ‬كمامة‭ ‬طبية،‭ ‬ومليون‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬قفازات‭ ‬واقية،‭ ‬و10‭ ‬آلاف‭ ‬بدلة‭ ‬واقية‭ ‬لاستخدام‭ ‬الأطباء‭ ‬ومُعاونيهم‭. ‬كما‭ ‬أرسلت‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬أطباء‭ ‬ومتخصصين‭ ‬لنقل‭ ‬خبرتها‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬المرض‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬
‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يثبت‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬أصبحت‭ ‬دولة‭ ‬كبرى‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬الخطيرة،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬وجه‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشكر‭ ‬للحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الدعم،‭ ‬وعلى‭ ‬تضامنها‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي،‭ ‬كما‭ ‬شكرت‭ ‬إيطاليا‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية،‭ ‬وقام‭ ‬الشعب‭ ‬الإيطالي‭ ‬برفع‭ ‬العلم‭ ‬الصيني‭ ‬فوق‭ ‬مؤسسات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬التغريدة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لاين،‭ ‬رئيس‭ ‬“مفوضية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي”،‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬مارس،‭ ‬أكثر‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التقدير‭ ‬الدولي‭ ‬لدعم‭ ‬الصين،‭ ‬حيث‭ ‬كتب‭ ‬قائلاً‭: ‬“تحدثتُ‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الصيني‭ ‬لي‭ ‬كه‭ ‬تشيانغ‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬ستوفر‭ ‬مليوني‭ ‬كمامة‭ ‬جراحية،‭ ‬و200‭ ‬ألف‭ ‬كمامة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬“أن‭ ‬95”‭ ‬و50‭ ‬ألف‭ ‬أداة‭ ‬اختبار‭. ‬وفي‭ ‬يناير،‭ ‬ساعد‭ ‬“الاتحاد‭ ‬الأوروبي”‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التبرع‭ ‬بـ‭ ‬50‭ ‬طناً‭ ‬من‭ ‬المعدات‭. ‬واليوم،‭ ‬نحن‭ ‬ممتنون‭ ‬للدعم‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬الصين‭. ‬فنحن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الحاجة”‭.‬
•هشاشة‭ ‬العولمة‭:‬‭ ‬مثّل‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬اختباراً‭ ‬مهماً‭ ‬لهشاشة‭ ‬العولمة‭ ‬وسلبياتها،‭ ‬فمع‭ ‬انهيار‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد،‭ ‬وقيام‭ ‬الدول‭ ‬بتخزين‭ ‬الإمدادات‭ ‬الطبية،‭ ‬وإقدامها‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬السفر،‭ ‬وما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬طالت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬المترابط،‭ ‬وضع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والباحثين‭ ‬وحتى‭ ‬السياسيين‭ ‬العولمة‭ ‬موضع‭ ‬الاتهام،‭ ‬مشيرين‭ ‬إل‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تتسبب‭ ‬بالانتشار‭ ‬السريع‭ ‬للأمراض‭ ‬المعدية‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬عزَّزت‭ ‬الترابط‭ ‬العميق‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬والدول،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للصدمات‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬المعولم‭.‬
•إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للدولة‭ ‬الوطنية‭:‬‭ ‬أعادت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الاعتبار‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬لدور‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬التبشير‭ ‬باختفاء‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬فمع‭ ‬الفشل‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للوباء،‭ ‬وانهيار‭ ‬نظم‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬وتفاقم‭ ‬الركود‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬سجلت‭ ‬الدولة‭ ‬وأداتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬المتدخلة‭ ‬عودة‭ ‬قوية‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬لجأ‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬قوانين‭ ‬استثنائية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لإجبار‭ ‬شركات‭ ‬صناعية‭ ‬مثل‭ ‬“جنرال‭ ‬موتورز”‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬أجهزة‭ ‬التنفس‭ ‬الصناعي،‭ ‬وشركة‭ ‬“3‭ ‬ام”‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الأقنعة‭ ‬الواقية‭ ‬للوجه‭. ‬كما‭ ‬اتجهت‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬استخام‭ ‬صلاحياتها‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس،‭ ‬وأعلنت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬حزم‭ ‬انقاذ‭ ‬اقتصادي‭ ‬ضخمة‭ ‬لانقاذ‭ ‬اقتصادياتها،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مؤشرات‭ ‬أكدت‭ ‬عودة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لدور‭ ‬الدولة،‭ ‬بعدما‭ ‬أثبت‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الأزمة‭. ‬
3- التداعيات‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬
كشفت‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الخلل‭ ‬الأمني‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي،‭ ‬وذلك‭ ‬كما‭ ‬يلي‭:‬
•مراجعة‭ ‬رؤى‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭:‬‭ ‬أثبت‭ ‬الفيروس‭ ‬خطأ‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬التهديدات‭ ‬الحقيقية‭ ‬لأمنها‭ ‬الوطني،‭ ‬فلسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬ركزت‭ ‬الحكومات‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬بمفهومة‭ ‬العسكري،‭ ‬وتصورت‭ ‬أن‭ ‬مصدر‭ ‬التهديد‭ ‬الرئيسي‭ ‬لأمنها‭ ‬واستقرارها‭ ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬عسكرية‭ ‬وأمنية،‭ ‬فراكمت‭ ‬الأسلحة‭ ‬بصورها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وزادت‭ ‬الانفاق‭ ‬العسكري‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬نحو‭ ‬1‭.‬8‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تجاهلت‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬المصادر‭ ‬غير‭ ‬التقليدية‭ ‬لتهديد‭ ‬المنأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي‭ ‬مثل‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والأوبئة‭ ‬العالمية،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬ضحاياها‭ ‬البشرية‭ ‬وتداعياتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تفوق‭ ‬ضحايا‭ ‬وتداعيات‭ ‬الحروب‭ ‬بكثير‭.‬
•تهديد‭ ‬الأمن‭ ‬بمفهومه‭ ‬الشامل‭: ‬تشير‭ ‬التداعيات‭ ‬الكارثية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬انتشار‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬كافة،‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الأوبئة‭ ‬المتفشية‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬للأمن‭ ‬بمستوياته‭ ‬المتعددة؛‭ ‬فهي‭ ‬تشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬للأمن‭ ‬الإنساني‭ ‬والصحي،‭ ‬لأنها‭ ‬تستهدف‭ ‬حياة‭ ‬البشر‭ ‬جميعاً‭ ‬وصحتهم،‭ ‬والأعداد‭ ‬الضخمة‭ ‬للقتلى‭ ‬والمصابين‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬للأمن‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لأن‭ ‬التداعيات‭ ‬المترتبة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬البطالة‭ ‬وفقدان‭ ‬ملايين‭ ‬الوظائف‭ ‬وتراجع‭ ‬الخدمات‭ ‬وحتى‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬اضطرابات‭ ‬اجتماعية‭ ‬واسعة‭. ‬
•إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭: ‬أبرزت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني،‭ ‬بحيث‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الإنساني‭ ‬بمفهومه‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬يتضمن‭ ‬أمن‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬معاً،‭ ‬وتضع‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الأولويات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬التركيز‭ ‬عليها‭. ‬وكذلك،‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬الدولي‭ ‬لتكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬الجديدة،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتطوير‭ ‬منظومة‭ ‬للأمن‭ ‬الصحي‭ ‬الجماعي،‭ ‬وزيادة‭ ‬نسبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬ميزانيات‭ ‬الدول‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بالأبحاث‭ ‬الطبية‭ ‬والوقائية،‭ ‬وتطوير‭ ‬وتوفير‭ ‬المستشفيات‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالقطاع‭ ‬الطبي‭ ‬من‭ ‬أطباء‭ ‬وممرضين‭ ‬باعتبارهم‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬بجدية‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬السلبية‭ ‬والتي‭ ‬تنذر‭ ‬بكوارث‭ ‬بيئية‭ ‬مدمرة‭. ‬
•تعزيز‭ ‬دور‭ ‬الجيوش‭ ‬الوطنية‭:‬‭ ‬أعادت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لدور‭ ‬الجيوش‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬والأوقات‭ ‬الصعبة،‭ ‬بعدما‭ ‬اضطرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬قوات‭ ‬الجيش‭ ‬وعناصر‭ ‬الشرطة‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬لفرض‭ ‬إجراءات‭ ‬الحظر‭ ‬ومواجهة‭ ‬الوباء،‭ ‬وهي‭ ‬تطورات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيراتها‭ ‬المستقبلية‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬نظم‭ ‬الحكم‭ ‬الداخلية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.‬
•الأمن‭ ‬السيبراني‭:‬‭ ‬أبرزت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬بالأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬توجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬الحكومية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬آلية‭ ‬العمل‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وتزايد‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭ ‬لتسيير‭ ‬وتشغيل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الصحية‭ ‬والتجارة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والمعاملات‭ ‬البنيكة،‭ ‬ستزداد‭ ‬احتمالات‭ ‬حدوث‭ ‬هجمات‭ ‬سيبرانية‭ ‬وستكون‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭. ‬
النظام‭ ‬الدولي‭.. ‬إلى‭ ‬أين؟
إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬والنتائج‭ ‬التي‭ ‬أفرزها،‭ ‬وسيفرزها،‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭ ‬الراهن؟‭ ‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬بالفعل‭ ‬بصدد‭ ‬نشأة‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬يختلف‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬وباء‭ ‬كورونا؟
الإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬ليست‭ ‬قطعية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬لايزال‭ ‬يتفاعل،‭ ‬ولم‭ ‬تتضح‭ ‬بعد‭ ‬حدود‭ ‬التأثيرات‭ ‬النهائية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترتب‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬ينتهي‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة،‭ ‬وقد‭ ‬يستمر‭ ‬لأشهر‭ ‬طويلة،‭ ‬وفي‭ ‬الحالتين‭ ‬ستختلف‭ ‬السيناريوهات‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭. ‬ويبرز‭ ‬هنا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬سيناريوهان‭ ‬رئيسييان‭:‬
السيناريو‭ ‬الأول‭: ‬نشأة‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬يختلف‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬السائد‭ ‬قبل‭ ‬وباء‭ ‬كورونا،‭ ‬ويفترض‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬تغيرات‭ ‬كبيرة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬صعود‭ ‬الصين‭ ‬وتراجع‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬وربما‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬مؤسسات‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬الراهن‭ ‬بعد‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الوباء،‭ ‬وعكس‭ ‬مسار‭ ‬العولمة‭ ‬مع‭ ‬جعل‭ ‬العالم‭ ‬اقل‭ ‬انفتاحاً‭ ‬وحرية،‭ ‬وتغير‭ ‬خريطة‭ ‬التحالفات‭ ‬الدولية‭ ‬بحيث‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭. ‬
‭ ‬وهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬يبدو‭ ‬غير‭ ‬مرجح‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬تفشي‭ ‬الوباء‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا،‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وفشلت‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭ ‬وحماية‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬تبعاته،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬انهيارات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية،‭ ‬وربما‭ ‬حدوث‭ ‬فوضى‭ ‬أمنية‭ ‬واجتماعية‭ ‬واسعة‭ ‬فيها‭. ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬تمكنت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قريبة،‭ ‬وتحجيم‭ ‬تداعياته،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مرجح‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬سيكون‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬التحقق‭.‬
السيناريو‭ ‬الثاني،‭ ‬حدوث‭ ‬تغييرات‭ ‬جوهرية‭ ‬أو‭ ‬مهمة،‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تغير‭ ‬جذري‭ ‬أو‭ ‬شامل‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‭. ‬وهذه‭ ‬التغييرات‭ ‬ستتباين‭ ‬حدتها‭ ‬بحسب‭ ‬طول‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬للوباء‭ ‬وتأثيراته‭ ‬النهائية‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المختلفة‭. ‬وهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬يبدو‭ ‬أكثر‭ ‬ترجيحاً‭ ‬وأكثر‭ ‬واقعية،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬طارئة،‭ ‬ستنجح‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬في‭ ‬تحجيمها‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬قد‭ ‬تطول‭ ‬او‭ ‬تقصر‭.‬
ومن‭ ‬أبرز‭ ‬التغييرات‭ ‬أو‭ ‬التأثيرات‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬حدوثها‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬ضمن‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬
•حدوث‭ ‬تغيرات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭:‬‭ ‬حيث‭ ‬أوضحت‭ ‬الأزمة‭ ‬عدة‭ ‬مؤشرات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬تعاظم‭ ‬أهمية‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬استجابت‭ ‬بجهد‭ ‬وفعالية‭ ‬أكبر‭ ‬للجائحة‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬ورغم‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬الضخم‭ ‬وانتشار‭ ‬الفيروس‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬بل‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬للآخرين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬فشلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فى‭ ‬مواجهتها‭ ‬لهذا‭ ‬الوباء،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لحلفائها‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬والتوريد‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وضع‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لأنها‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للسلع‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬يظهر‭ ‬تزايد‭ ‬قوتها‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬
ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تميل‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬لصالح‭ ‬الصين،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاتزال‭ ‬القوة‭ ‬الأكبر‭ ‬عالمياً،‭ ‬ولا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬مكانتها‭ ‬هذه‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬فشلت‭ ‬تماماً‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الوباء‭.‬
‭ ‬أما‭ ‬أوروبا،‭ ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬الأزمة‭ ‬عن‭ ‬استمرار‭ ‬تراجع‭ ‬مكانتها‭ ‬ضمن‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬فبعد‭ ‬انسحاب‭ ‬بريطانيا‭ ‬رسمياً‭ ‬مطلع‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬أصبح‭ ‬الاتحاد‭ ‬كله‭ ‬مهدد‭ ‬بالفشل‭ ‬والانهيار‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬تبعات‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭. ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حافظت‭ ‬فيه‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬قوتها‭ ‬وقدراتها‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬نتيجة‭ ‬هامشية‭ ‬تأثرها‭ ‬بالوباء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيعزز‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬ضمن‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المستقبلية‭.‬
•طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الصراعيىة‭/ ‬التعاونية‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭:‬‭ ‬كشفت‭ ‬أزمة‭ ‬وباء‭ ‬“كوفيد19‭-‬”‭ ‬أهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خطر‭ ‬الأوبئة،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬تزايد‭ ‬الطبيعة‭ ‬التعاونية‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬أمراً‭ ‬حتمياً،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬قد‭ ‬تتعزز‭ ‬العلاقات‭ ‬التنافسية‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬القوى،‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬لتأكيد‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا‭. ‬والتجارب‭ ‬التاريخية‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك،‭ ‬فوباء‭ ‬الأنفلونزا‭ ‬الأسبانية‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بحياة‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬عامي‭ ‬1918‭- ‬1919،‭ ‬لم‭ ‬ينهِ‭ ‬تنافس‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬ولم‭ ‬يبشّر‭ ‬بعصر‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭.‬
•أنماط‭ ‬التحالفات‭:‬‭ ‬قد‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬تحولاً‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬التحالفات‭ ‬الدولية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬أظهرته‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬سلوكيات‭ ‬عززت‭ ‬أو‭ ‬أضعفت‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬التحالف‭ ‬معهما‭. ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬شعار‭ ‬“أمريكا‭ ‬أولاً”،‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة،‭ ‬وعدم‭ ‬دعمها‭ ‬لحفائلها‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬لا‭ ‬يدعم‭ ‬صورة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كقائد‭ ‬للعالم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تصرفت‭ ‬الصين‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إظهار‭ ‬التعاون‭ ‬وتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬للآخرين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬ثقة‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬عكس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬
•إبطاء‭ ‬مسار‭ ‬العولمة‭ ‬وتعزيز‭ ‬الانكفاء‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬فقد‭ ‬عزز‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬آراء‭ ‬الاتجاه‭ ‬المناهض‭ ‬للعولمة،‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬انتقال‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وتفشيه‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬لأنها‭ ‬جعلت‭ ‬العالم‭ ‬مترابطًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانفتاح‭ ‬في‭ ‬تنقل‭ ‬الأشخاص‭ ‬والبضائع‭ ‬والتكامل‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬والثورة‭ ‬الرقمية،‭ ‬والتفوق‭ ‬الواضح‭ ‬للديمقراطية‭ ‬الليبرالية‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬المناهض‭ ‬للعولمة‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يبرز‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬وتجسد‭ ‬في‭ ‬تنامي‭ ‬شعبية‭ ‬الأحزاب‭ ‬اليمنية‭ ‬المتطرفة‭ ‬وخروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وتزايد‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحمائية‭ ‬التي‭ ‬تتخذها‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬فإن‭ ‬عولمة‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬ستعزز‭ ‬التوجه‭ ‬العالمي‭ ‬المناهض‭ ‬للعولمة،‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تقضي‭ ‬عليها‭.‬
في‭ ‬المقابل،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتزايد‭ ‬انكفاء‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬لعلاج‭ ‬مظاهر‭ ‬الاختلالات‭ ‬التي‭ ‬أظهرتها‭ ‬أزمة‭ ‬الوباء،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتقوية‭ ‬أنظمتها‭ ‬الصحية،‭ ‬وإعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬الصناعات‭ ‬الداخلية‭ ‬فيها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬أظهرته‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخارج‭ ‬بصفة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬والإمداد‭ ‬لصناعات‭ ‬ومنتجات‭ ‬رئيسية‭ ‬مثل‭ ‬الغذاء‭ ‬والمستلزمات‭ ‬الطبية‭ ‬والوقائية‭ ‬التي‭ ‬تعطلت‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭.‬
•قد‭ ‬تتغير‭ ‬أولويات‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬بمفهومه‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬بمفهومه‭ ‬الإنساني‭ ‬والمجتمعي،‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬والكوارث‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الأمراض‭ ‬المتفشية‭ ‬والأوبئة‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ثبت‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬أجهزة‭ ‬التنفس‭ ‬الصناعي‭ ‬تفوق‭ ‬في‭ ‬أهميتها‭ ‬ترسانات‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬
•التعافي‭ ‬التدريجي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭: ‬تُشير‭ ‬التجربة‭ ‬التاريخية‭ ‬مع‭ ‬الصدمات‭ ‬الكبيرة‭ ‬المماثلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأضرار‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬كبيرة؛‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬المستثمرين‭ ‬يخففون‭ ‬من‭ ‬محافظهم‭ ‬الاستثمارية‭ ‬خشية‭ ‬تقلبات‭ ‬السوق،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬أكبر‭ ‬تعرض‭ ‬للآثار‭ ‬السلبية‭ ‬لانتشار‭ ‬المرض،‭ ‬مثل‭ ‬السفر‭ ‬والسياحة‭ ‬والسلع‭ ‬الفاخرة‭ ‬والسيارات،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭ ‬تبدأ‭ ‬حدة‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬مع‭ ‬استيعاب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬لتبعاتها،‭ ‬ونجاح‭ ‬خطط‭ ‬الانقاذ‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬حدة‭ ‬وطأتها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬يفترض‭ ‬ألا‭ ‬تطول‭ ‬فترة‭ ‬أزمة‭ ‬الوباء،‭ ‬لأنها‭ ‬إذا‭ ‬طالت‭ ‬فإن‭ ‬التعافي‭ ‬سيأخذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭.‬
•قد‭ ‬تشهد‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬الدولية‭ ‬تغيرات‭ ‬مهمة‭ ‬لغير‭ ‬مصلحة‭ ‬الصين،‭ ‬فمع‭ ‬اتجاه‭ ‬الدول‭ ‬المتوقع‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬الذاتية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬السلع‭ ‬الرئيسية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتعرض‭ ‬لأزمة‭ ‬انقطاع‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬مستقبلا‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬أزمة‭ ‬هذا‭ ‬الوباء،‭ ‬فإن‭ ‬حجم‭ ‬الصادرات‭ ‬الصينية‭ ‬سيبدأ‭ ‬بالتراجع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تراجع‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬بالفعل‭ ‬تراجعا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬مكانة‭ ‬الصين‭ ‬بوصفها‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للعالم‭. ‬وإذا‭ ‬تأكد‭ ‬بالفعل‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬إبطاء‭ ‬مسار‭ ‬العولمة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيضر‭ ‬أيضاً‭ ‬باقتصاد‭ ‬الصين،‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬أجواء‭ ‬الانفتاح‭ ‬التي‭ ‬وفرتها‭ ‬العولمة‭.‬

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض