580 File Web A

الحرب الروسية ـ الأوكرانية والتوازنات العسكرية الجديدة

أفرزت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الدائرة‭ ‬رحاها‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬24‭ ‬فبراير ‭ ‬2022‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيرها‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬المتصدرة‭ ‬لمشهد‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬وتوازنات‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬والعسكرية‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬ستؤول‭ ‬إليه‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ضبابية‭ ‬المشهد‭ ‬العسكري‭ ‬والجيواستراتيجي‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬إليه،‭ ‬فإن‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تفرزها،‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬تغييرات‭ ‬مهمة‭ ‬ستلحق‭ ‬بطبيعة‭ ‬التوازنات‭ ‬العسكرية‭ ‬القائمة،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬توضيحه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المحورين‭ ‬التاليين‭:‬

المحور‭ ‬الأول‭:‬
الدلالات‭ ‬العسكرية‭

تكشف‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ورد‭ ‬الفعل‭ ‬الغربي‭ (‬الأمريكي‭ ‬والأوروبي‭ ‬الداعم‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭) ‬حيالها،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬والنتائج‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1‬- إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لأدوات‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭: ‬‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬عدة،‭ ‬تراجعت‭ ‬فكرة‭ ‬الحروب‭ ‬العسكرية‭ ‬المباشرة‭ ‬كمصدر‭ ‬لتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬الأوروبي‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬والأمن‭ ‬العالمي‭ ‬عامة،‭ ‬وبدأ‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مفاهيم‭ ‬مثل‭ ‬الأمن‭ ‬الإنساني‭ ‬والأمن‭ ‬الصحي‭ ‬بعد‭ ‬جائحة‭ ‬كوفيد‭ ‬19،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بأنماط‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬مسميات‭ ‬مختلفة‭ ‬مثل‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬وحروب‭ ‬الجيل‭ ‬السادس‭ ‬وغيرها،‭ ‬لكن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أعادت‭ ‬التركيز‭ ‬مجدداً‭ ‬على‭ ‬التهديات‭ ‬العسكرية‭ ‬والحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬بكل‭ ‬أدواتها‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬حرب‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬التي‭ ‬وظفت‭ ‬فيها‭ ‬روسيا‭ ‬أساليب‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬المجموعات‭ ‬الانفصالية‭ ‬الموالية‭ ‬لها‭ ‬والقيام‭ ‬بأنشطة‭ ‬خفية‭ ‬أو‭ ‬قابلة‭ ‬للإنكار‭ ‬لإثارة‭ ‬الاضطرابات‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬شرق‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬الجاليات‭ ‬الناطقة‭ ‬بالروسية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬والأساليب‭ ‬الدعائية،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬التقليدية‭ ‬لدعم‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬الانفصالية‭ ‬التي‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬ضم‭ ‬شبة‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬لروسيا‭ ‬ونجاح‭ ‬الانفصاليين‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬في‭ ‬منطقتي‭ ‬دونيتسك‭ ‬ولوغانسك،‭ ‬وإعلان‭ ‬تشكيل‭ ‬جمهورية‭ ‬دونيتسك‭ ‬الشعبية‭ ‬وجمهورية‭ ‬لوغانسك‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬فإن‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الحالية،‭ ‬اعتمدت‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬التقليدية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيام‭ ‬روسيا‭ ‬بحشد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬حول‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الوحدات‭ ‬القتالية‭ ‬ووحدات‭ ‬لوجستية‭ ‬ووحدات‭ ‬لمهام‭ ‬أخرى،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬أساليب‭ ‬الخداع‭ ‬التكتيكي‭ ‬والتشغيلي‭ ‬والاستراتيجي،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تمنع‭ ‬توقع‭ ‬الحرب‭ ‬والإعداد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الغربي،‭ ‬حيث‭ ‬حذرت‭ ‬واشنطن‭ ‬مراراً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬‮«‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‮»‬‭ ‬بل‭ ‬وحددت‭ ‬تاريخاً‭ ‬محدداً‭ ‬لذلك‭ (‬16‭ ‬فبراير‭) ‬تجاوزته‭ ‬موسكو،‭ ‬لكنها‭ ‬شنت‭ ‬الحرب‭ ‬بعده‭ ‬بأسبوع‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الحرب‭ ‬الحديثة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬الذكية‭ ‬والهجمات‭ ‬السيبرانية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬المعروف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬دي‭ ‬دي‭ ‬أو‭ ‬إس‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الحرمان‭ ‬المتوزع‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إغراق‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بحركة‭ ‬زائفة‭ ‬مكثفة‭ ‬ومنعها‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬بالطريقة‭ ‬المعتادة،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬تعتمدها‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬لكن‭ ‬طبيعة‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭ ‬ظلت‭ ‬هي‭ ‬الطبيعة‭ ‬التقليدية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬القوات‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية‭ ‬والجوية‭ ‬وحشد‭ ‬القوات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭.‬

2‭‬- إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لأسلحة‭ ‬الردع‭ ‬النووية‭:‬‭ ‬ترافقت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬الملف‭ ‬النووي،‭ ‬واستخداماته‭ ‬السلمية‭ ‬والعسكرية،‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬العالمي‭ ‬بصورة‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬حيث‭ ‬أجرت‭ ‬موسكو‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬بأسبوع‭ ‬تدريبات‭ ‬لاختبار‭ ‬عمليات‭ ‬التحكم‭ ‬بالأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬والأسلحة‭ ‬ذات‭ ‬الخطورة‭ ‬المحتملة‭ ‬المتزايدة‭ ‬شملت‭ ‬محاكاة‭ ‬استخدام‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي،‭ ‬سيرغي‭ ‬شويغو،‭ ‬وهي‭ ‬التدريبات‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬مقررة‭ ‬سلفاً‭. ‬وبعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬اتّهم‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بأنها‭ ‬تطور‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمتلك‭ ‬بالفعل‭ ‬تقنيات‭ ‬نووية‭ ‬سوفييتية‭ ‬وأنظمة‭ ‬حمل‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭. ‬وحينما‭ ‬بدأ‭ ‬الغزو،‭ ‬حذّر‭ ‬بوتين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬خارجية‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬روسيا‭ ‬ستواجه‭ ‬‮«‬عواقب‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭ ‬مثلها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬كله‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬تهديد‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬أبعاد‭ ‬نووية‭. ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬ذروته‭ ‬مع‭ ‬إعلان‭ ‬بوتين،‭ ‬يوم‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬2022،‭ ‬وضع‭ ‬قوات‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لبلاده‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تأهب‭ ‬قصوى،‭ ‬في‭ ‬سابقة‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وتزايد‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬استخدام‭ ‬روسيا‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬التكتيكية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬إما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعراض‭ ‬القوة‭ ‬وإما‭ ‬لهدف‭ ‬حسم‭ ‬الحرب‭ ‬وإخراجها‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الجمود‭ ‬الراهنة،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬التكتيكية‭ ‬التي‭ ‬يُعتقد‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تمتلك‭ ‬حوالي‭ ‬ألفي‭ ‬سلاح‭ ‬منها،‭ ‬القنابل‭ ‬الصغيرة‭ ‬والرؤس‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬وضعها‭ ‬على‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬عادة‭ ‬لنقل‭ ‬المتفجرات‭ ‬التقليدية،‭ ‬ويمكن‭ ‬حتى‭ ‬إطلاقها‭ ‬كقذائف‭ ‬مدفعية‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الطائرات‭ ‬والسفن‭ ‬الحربية‭.‬

هذه‭ ‬التلميحات‭ ‬والتهديدات‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬روسيا‭ ‬بإمكانية‭ ‬استخدم‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬عند‭ ‬الضرورة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تلميح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬‮«‬فلوديمير‭ ‬زلينسكي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬أمام‭ ‬مؤتمر‭ ‬ميونخ‭ ‬للأمن،‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬فبراير‭ ‬2022،‭ ‬بإمكانية‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مذكرة‭ ‬بودابست‭ ‬التي‭ ‬نظمت‭ ‬تخليها‭ ‬عن‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬انضمامها‭ ‬لمعاهدة‭ ‬منع‭ ‬الانتشار‭ ‬النووي،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬العودة‭ ‬لامتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬نووي،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬التعهدات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬قُطعت‭ ‬لم‭ ‬تُجْدِ‭ ‬نفعاً‭ ‬في‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬وسلامة‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وسيادتها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تحذير‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬وتأكيد‭ ‬استعدادها‭ ‬للرد،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يُعِدْ‭ ‬فقط‭ ‬أسلحة‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمامات‭ ‬العالمية،‭ ‬وإنما‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬تأثيراته‭ ‬الخطيرة‭ ‬المستقبلية‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬منع‭ ‬الانتشار‭ ‬النووي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دفع‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬السعي‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬إما‭ ‬لأغراض‭ ‬حماية‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬لنفسها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬قد‭ ‬تشنه‭ ‬قوى‭ ‬ما‭ ‬ضدها،‭ ‬وإما‭ ‬لتعزيز‭ ‬عناصر‭ ‬قوتها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬فرص‭ ‬اتجاه‭ ‬العالم‭ ‬نحو‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬نووي‭ ‬جديد،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تشير‭ ‬فيه‭ ‬التقديرات‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الرؤوس‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬المخزونات‭ ‬العسكرية‭ ‬العالمية،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬الرؤوس‭ ‬النووية‭ ‬الحربية‭ ‬المخصصة‭ ‬للقوات‭ ‬العملياتية‭ ‬آخذ‭ ‬في‭ ‬الازدياد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬فحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬الصين‭ ‬ألف‭ ‬قنبلة‭ ‬نووية‭ ‬بحلول‭ ‬سنة‭ ‬2030،‭ ‬وأن‭ ‬تُصنع‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ستين‭ ‬سلاحاً‭ ‬نووياً‭.‬

كما‭ ‬أوضحت‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬اعتماد‭ ‬أوروبا‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬يشكل‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬منظومتها‭ ‬الأمنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفعها‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬طاقة‭ ‬بديلة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬خطط‭ ‬زيادة‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬السلمية‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬لديها،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬استخدامات‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬السلمية‭ ‬عالمياً،‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يترافق‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬زيادة‭ ‬فرص‭ ‬دخول‭ ‬أطراف‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬أخرى‭ ‬دائرة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬تقنيات‭ ‬وقدرات‭ ‬تطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭.‬

ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬فإحدى‭ ‬النتائج‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬أفرزتها‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭- ‬الأوكرانية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬الدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬زيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الانفاق‭ ‬العسكري‭ ‬ومستويات‭ ‬التسلح‭ ‬التقليدي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وداخل‭ ‬أوروبا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬سيتم‭ ‬التوضيح‭ ‬لاحقاً‭.‬

3‭‬- إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬للأحلاف‭ ‬العسكرية‭:‬‭ ‬أكدت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية‭ ‬أهمية‭ ‬التحالفات‭ ‬العسكرية‭ ‬التقليدية‭ ‬للدول‭ ‬الكبيرة‭ ‬والصغيرة‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬وأعادت‭ ‬الزخم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭)‬،‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬واجه‭ ‬فيها‭ ‬الحلف‭ ‬شكوكاً‭ ‬حول‭ ‬جدوى‭ ‬استمراريته،‭ ‬بعد‭ ‬اختفاء‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬لمواجهته‭ ‬وهو‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬السابق،‭ ‬وكانت‭ ‬ألمانيا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الحلف‭ ‬وتفكيكه،‭ ‬فيما‭ ‬اعتبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬أن‭ ‬الحلف‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬موت‭ ‬دماغي‮»‬،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مفاهيم‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬للحلف،‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬وقضايا‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬الإرهاب‭ ‬والأزمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬خارج‭ ‬أوروبا‭ ‬كليبيا‭ ‬والعراق‭ ‬وغيرهما‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الناتو‭ ‬لم‭ ‬يتدخل‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية،‭ ‬فإن‭ ‬دوره‭ ‬كان‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬توسع‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الحلف‭ ‬ولاسيما‭ ‬الشرقية،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬صمود‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عسكرياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬المباشر‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬والذي‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬روسيا‭ ‬نصراً‭ ‬عسكرياً‭ ‬سريعاً‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تخطط‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬اتفاق‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬الباحثين‭ ‬والمتابعين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬أعادت‭ ‬الزخم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬للحلف‭ ‬وأكدت‭ ‬أهميته‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬لدوله‭ ‬الأعضاء‭ ‬ولشعوبها‭.‬

وكانت‭ ‬إحدى‭ ‬النتائج‭ ‬المباشرة‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية‭ ‬أن‭ ‬تراجعت‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد،‭ ‬الدولتان‭ ‬غير‭ ‬المنتسبتين‭ ‬تاريخياً‭ ‬إلى‭ ‬الناتو،‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬رفضهما‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الحلف،‭ ‬بعد‭ ‬تزايد‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لتقع‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كانت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬الناتو‭. ‬ورغم‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية‭ ‬للدولتين‭ (‬فنلندا‭ ‬وأوكرانيا‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬احتمالات‭ ‬انضمام‭ ‬الدولتين‭ ‬للحلف‭ ‬أصبحت‭ ‬كبيرة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قوة‭ ‬الحلف‭ ‬وتوسعه‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تهدف‭ ‬موسكو‭ ‬منها‭.‬

كما‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬الكتابات‭ ‬إلى‭ ‬سيناريو‭ ‬تشكل‭ ‬تكتل‭ ‬صيني‭ ‬–‭ ‬روسي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الغرب‭ ‬والناتو،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬قمة‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينج‭ – ‬بوتين‭ ‬فى‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬افتتاح‭ ‬دورة‭ ‬أوليمبياد‭ ‬الألعاب‭ ‬الشتوية‭ (‬في‭ ‬بكين‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬صدر‭ ‬عنها‭ ‬بيان‭ ‬مهم‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬لكن‭ ‬خبرة‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الراهنة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬ضعف‭ ‬احتمالات‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬وعن‭ ‬حدود‭ ‬استعداد‭ ‬الصين‭ ‬للتكتل‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الناتو‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فالتعاون‭ ‬الروسي‭- ‬الصيني‭ ‬القوي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬استعداد‭ ‬الصين‭ ‬لتصنيف‭ ‬نفسها‭ ‬ضمن‭ ‬معسكر‭ ‬صيني‭- ‬روسي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الغرب‭ ‬والناتو،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬بكين‭.‬

4‬- تأكيد‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬توظيف‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬ومحاولة‭ ‬شرعنته‭:‬  ‬أكدت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية‭ ‬التوجهات‭ ‬المتنامية‭ ‬بشأن‭ ‬إشراك‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬والمرتزقة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬بهدف‭ ‬تقليل‭ ‬الخسائر‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬القوات‭ ‬النظامية‭ ‬وحسم‭ ‬معارك‭ ‬المدن،‭ ‬فبعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬‮«‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي‮»‬،‭ ‬تشكيل‭ ‬‮«‬الفيلق‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬ضم‭ ‬مقاتلين‭ ‬أجانب‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬فلاديمير‭ ‬بوتين‮»‬،‭ ‬يوم‭ ‬11‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬أنه‭ ‬سيتم‭ ‬السماح‭ ‬للراغبين‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬بالذهاب‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬توظيف‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬المسلحة‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الجديد،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ – ‬الأوكرانية‭ ‬أضفت‭ ‬أبعاداً‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬زوايا،‭ ‬أولها‭ ‬إضفاء‭ ‬طابع‭ ‬الشرعية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مع‭ ‬اتجاه‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬لسن‭ ‬تشريعات‭ ‬تسمح‭ ‬بمشاركة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المقاتلين‭ ‬وتنظيم‭ ‬عملهم‭ ‬ونفي‭ ‬كونهم‭ ‬‮«‬مُرتزقة‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬العسكرية‭ ‬المقبلة‭. ‬وثانيها،‭ ‬التنوع‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬العناصر‭ ‬الأجنبية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬والتي‭ ‬تضم‭ ‬تشكيلات‭ ‬من‭ ‬المتطرفيين‭ ‬اليمينيين‭ ‬وعناصر‭ ‬الشركات‭ ‬الأمنية‭ ‬الخاصة‭ ‬وعناصر‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬كداعش‭ ‬والقاعدة‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وحتى‭ ‬المقاتلين‭ ‬النظاميين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يلتحقون‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬المقاتلين‭ ‬المتطوعين‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬بإطالة‭ ‬أمد‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري،‭ ‬وربما‭ ‬تحويل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬أخرى‭ ‬داخل‭ ‬أوروبا،‭ ‬وزيادة‭ ‬خطر‭ ‬تنامي‭ ‬نزعات‭ ‬التطرف‭ ‬اليميني‭ ‬والديني‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬وثالثها،‭ ‬هو‭ ‬ضخامة‭ ‬عدد‭ ‬هذه‭ ‬العناصر،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأوكراني،‭ ‬دميترو‭ ‬كوليبا،‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬مارس‭ ‬2022،‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬المتطوعين‭ ‬الأجانب‭ ‬للقتال‭ ‬بجانب‭ ‬بلاده‭ ‬فقط‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬مقاتل،‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬بتحويل‭ ‬طبيعة‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬حرب‭ ‬عسكرية‭ ‬تقليدية‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬هجينة‭ ‬تمزج‭ ‬الطابع‭ ‬التقليدي‭ ‬بحروب‭ ‬العصابات‭.‬

المحور‭ ‬الثاني‭:‬
التوازنات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجديدة

يتم‭ ‬النظر‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬باعتبارها‭ ‬مرحلة‭ ‬فاصلة‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيراتها‭ ‬المباشرة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬برمته،‭ ‬وعلى‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬المستقبلية‭. ‬واتجاه‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬سيتوقف‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬ستسلكه‭ ‬الحرب،‭ ‬والتي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬نجاح‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬والقوى‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تدعمهم،‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬مشابه‭ ‬لمشهد‭ ‬الفشل‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬أو‭ ‬تحقيق‭ ‬بعض‭ ‬الأهداف‭ ‬الجزئية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬مقبولة‭ ‬للطرفين‭.‬

وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬السيناريو‭ ‬أو‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬ستسلكه‭ ‬الحرب،‭ ‬فإنها‭ ‬ستغير‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬التوازنات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬قبل‭ ‬الحرب،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

1‭‬- عززت‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬قناعة‭ ‬دول‭ ‬التحالف‭ ‬الغربي،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬بأهمية‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية،‭ ‬ودفعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬إقرار‭ ‬زيادات‭ ‬ملحوظة‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬إنفاقها‭ ‬العسكري‭. ‬وبدا‭ ‬الموقف‭ ‬الألماني‭ ‬لافتاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬الدولة‭ ‬الأوروبية‭ ‬الأكبر‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬نهجها‭ ‬العسكري‭ ‬المتحفظ،‭ ‬وقررت‭ ‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬كبيرة‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الجيش‭ ‬الألماني،‭ ‬وتزويده‭ ‬بأحدث‭ ‬المنظومات‭ ‬التسليحية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إضافة‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬يورو‭ ‬إلى‭ ‬رصيد‭ ‬ميزانية‭ ‬الدفاع،‭ ‬والتعهد‭ ‬بتخصيص‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭ % ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬للجيش،‭ ‬وهو‭ ‬مطلب‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تلح‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬وأعلنت‭ ‬اعتزامها‭ ‬شراء‭ ‬35‭ ‬مقاتلة‭ ‬أمريكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬إف‭ ‬35‮»‬‭ ‬و15‭ ‬مقاتلة‭ ‬‮«‬يوروفايتر‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سعيها‭ ‬لتحديث‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭. ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬ألمانيا،‭ ‬حيث‭ ‬أعلنت‭ ‬السويد‭ ‬التوجه‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬نفقاتها‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وأكدت‭ ‬الدنمارك‭ ‬التزامها‭ ‬بتخصيص‭ ‬2‭ % ‬من‭ ‬دخلها‭ ‬القومي‭ ‬لميزانيتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬وأعلنت‭ ‬رومانيا‭ ‬ولاتفيا‭ ‬زيادة‭ ‬انفاقهما‭ ‬الدفاعي‭ ‬إلى‭ ‬2‭.‬5‭ % ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬فيما‭ ‬أعلنت‭ ‬بولندا‭ ‬زيادة‭ ‬انفاقها‭ ‬الدفاعي‭ ‬إلى‭ ‬3‭ % ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬كما‭ ‬قررت‭ ‬كندا‭ ‬زيادة‭ ‬إنفاقها‭ ‬العسكري‭ ‬بمقدار‭ ‬ثمانية‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬كندي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬ستسهم‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬التوازن‭ ‬العسكري‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الأوروبي‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬روسيا‭.‬

2‭‬- عززت‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬وأهميته،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التوضيح‭ ‬آنفاً،‭ ‬ودفعت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محايدة‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬للحلف،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تضاءل‭ ‬وتراجع‭ ‬الانقسامات‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الحلف‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬الحادث‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬روسيا،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬الانفاق‭ ‬العسكري‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬سينعكس‭ ‬بالضرورة‭ ‬على‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬الحلف‭ ‬العسكرية‭. ‬ومع‭ ‬اتجاه‭ ‬دول‭ ‬الحلف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬واتجاه‭ ‬الحلف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬وجوده‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الشرقية‭ ‬لدول‭ ‬الحلف،‭ ‬ستجد‭ ‬روسيا‭ ‬نفسها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬جديد‭ ‬وكبير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬والنووية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يستنزف‭ ‬روسيا‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬ولاسيما‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬أو‭ ‬تنامت‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬عليها،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬خريطة‭ ‬توزانات‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬مستقبلاً‭.‬

3‭‬- أظهرت‭ ‬الحرب‭ ‬محدودية‭ ‬قدرة‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬التقليدية،‭ ‬رغم‭ ‬منظومات‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتقدمة‭ ‬لديها،‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬العسكري‭ ‬الميداني‭ ‬داخل‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بأسلحة‭ ‬نوعية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬وعناصر‭ ‬عسكرية‭ (‬متطوعون‭)‬،‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الدفاع‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬خسائر‭ ‬مؤثرة‭ ‬بالجيش‭ ‬الروسي‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬استنزاف‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الروسية،‭ ‬بشكل‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬القائمة‭ ‬لغير‭ ‬مصلحة‭ ‬روسيا‭. ‬

4‭‬- أظهرت‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬عليه‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬حلفائها‭ ‬المحتملين،‭ ‬كالصين‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الفلك‭ ‬السوفييتي،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬جد‭ ‬محدود،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬التوقعات‭ ‬بأن‭ ‬تميل‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬أكثر‭ ‬باتجاه‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬تكاتف‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭.‬

وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬ثمة‭ ‬اتجاه‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬المفكرين‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬روسيا‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كانت‭ ‬خطأ‭ ‬استراتيجياً،‭ ‬وأنها‭ ‬ستدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬الدولية‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬روسيا،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تعزيز‭ ‬تماسك‭ ‬قوى‭ ‬المحور‭ ‬الغربي‭ ‬ومؤسساته‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والناتو‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬اتجاه‭ ‬دول‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدراتهم‭ ‬العسكرية،‭ ‬التقليدية‭ ‬والنووية،‭ ‬واتجاه‭ ‬الناتو‭ ‬لتكثيف‭ ‬وجوده‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الشرقية‭ ‬الملاصقة‭ ‬لروسيا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محاولة‭ ‬استنزاف‭ ‬قدرات‭ ‬روسيا‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحرب‭ ‬وتشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاستنتاج‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬صحيحاً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬فإن‭ ‬مسارات‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬سيحدد‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبيرة‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬التوازنات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭.‬

‮»‬‭  ‬د‭. ‬فتوح‭ ‬هيكل
‭‬
(مدير‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات)

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض