في الثالث من مايو ، 2020 وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بعقد سلسلة من الجلسات الحكومية المكثفة تضم وزراء ووكلاء ومجالس تنفيذية وخبراء عالميين لبدء صياغة استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة لمرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد، في القطاعات المختلفة، ووضع سياسات تفصيلية، على المديين القريب والبعيد، لتحقيق التعافي واستئناف النشاط الاقتصادي في الدولة. وعبر سموه عن الفلسفة التي تحكم هذه الاسترايتجية، بقوله «عالم جديد ينتظرنا يتطلب أدوات مختلفة وأولويات جديدة، ودولتنا ستكون الأكثر استعداداً والأسرع نهوضاً بإذن الله.. الاستعداد لما بعد «كوفيد 19» هو استعداد لمستقبل جديد لم يتوقعه أحد قبل عدة أشهر فقط.. التعليم والصحة والعمل الحكومي والاستثمار والتجارة وبنيتنا الإلكترونية، كلها ستشهد تطورات جديدة لمواكبة مستقبل مليء بفرص مختلفة»، وأضاف سموه أن «أولوياتنا الوطنية بحاجة لمراجعة لعالم ما بعد «كوفيد 19»، ومواردنا المالية والبشرية بحاجة لإعادة توجيه، وأمننا الطبي والغذائي والاقتصادي بحاجة لترسيخ أكبر من خلال برامج جديدة ومشاريع استثنائية» .
وبهذا وضع سموه الخطوط العريضة لهذه العملية التنموية-الحضارية لمستقبل الإمارات فيما بعد كورونا، التي تقوم على ركيزتين: الأولى هي وجود تحدٍّ يحتاج إلى استجابة مختلفة ومراجعة للأهداف والأولويات. والركيزة الثانية هي اكتشاف الفرص الكامنة في هذا التحدي.
أولاً: الدلالات والمعاني التنموية والاستراتيجية
ضمن هذا السياق، ينطوي توجه دولة الإمارات إلى إعداد استراتيجية ما بعد فيروس كورونا المستجد، في الوقت الذي لا يزال فيه الفيروس يمثل تحدياً لم ينته بعد، على العديد من الدلالات والمعاني التنموية والاستراتيجية أهمها:
1
الريادة والتفرد، واستشراف المستقبل: حيث تعد دولة الإمارات هي الدولة الأولى على المستوى العالمي التي تبدأ إعداد استراتيجية أو تصور أو رؤية لمرحلة ما بعد كورونا، على الرغم من أن الوباء لم ينته بعد. وهذا يشير إلى حرص الإمارات على استباق الأحداث والنظر دائماً إلى بعيد، واستشراف المستقبل والاستعداد له من خلال التخطيط العلمي، ولعل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قد عبر عن هذا المعنى في مناسبة اعتماده «استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل» في سبتمبر 2016 بقوله: نحن دولة كنا منذ البداية مغرمين بالمستقبل ومتطلعين له، وهذا أحد أهم أسرار نجاحاتنا التي نراها اليوم.. المستقبل يحمل فرصاً وتحديات، ومعرفة، وتحديد هذه الفرص والتحديات بشكل مبكر هي الخطوة الأهم للتعامل معها». وهذا ما تقوم به دولة الإمارات بشكل واضح خلال الفترة الحالية.
2
النظرة الإيجابية إلى التحديات: دائماً تنظر الإمارات وقيادتها إلى التحديات نظرة إيجابية، حيث لا ترى فيها نهاية العالم أو مصدراً للإحباط واليأس والتراجع، وإنما مصدراً للعزم والقوة والإرادة للانطلاق إلى الأمام، وقد عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عن ذلك بجلاء حينما قال موجهاً كلامه إلى الشعب الإماراتي في ظل الظروف التي خلقها وباء كورونا: »أدعوكم إلى التحلي بالإيجابية وروح التفاؤل التي تعلمناها من والدنا زايد في مواجهة التحديات كافة ، وأن نخلق من التحديات فرص نجاح...آباؤنا وأجدادنا مروا بأزمات عديدة واجهوها بالصبر والأمل والتفاؤل، ما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء بهم».
وفي كتابه «تأملات في السعادة والايجابية»، يشرح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فلسفة الحكم والإدارة في دولة الإمارات في التعامل مع التحديات بقوله: «الإيجابية باختصار تتعلق بنظرة الإنسان للأمور، هي النظارات التي يضعها الإنسان فوق عينيه عندما يشاهد العالم، أو يشاهد التحديات، أو يشاهد المستقبل، أو يشاهد الناس من حوله، أو يشاهد الحياة بشكل عام، فإذا كانت النظارات سوداء، رأيت التحديات صعبة، والمستقبل مظلماً، ورأيت الناس من حولك بعين الشك، ورأيت العالم مليئاً بالكوارث والمصائب والشر، أما إذا كانت نظرتك إيجابية رأيت في التحديات فرصاً وفي المستقبل نجاحاً، وفي الناس طاقات ومواهب.. التحديات هي فرصتنا للتفكير بطريقة مختلفة. في كل أزمة، فرصة، ومع كل محنة منحة». وفي موضع آخر من الكتاب يقول سموه: «إن التحديات والعقبات ليست نقطة النهاية بل فرصة لإبداع حلول جديدة». وهكذا تتعامل الإمارات مع وباء كورونا منذ البداية، حيث نظرت وتنظر إليه باعتباره تحدياً خطيراً من المهم التعامل بجيدة معه، لكن في القوت نفسه لا تجزع في مواجهته وإنما ترى فيها حافزاً على المزيد من العمل وتفجير الطاقات واكتشاف القدرات والفرص الكامنة.
3
الثقة في القدرة على تجاوز المرحلة الحالية: لا يمكن التفكير في المستقبل إلا من منطلق الثقة في القدرة على التعامل مع تحديات الواقع مهما كانت شدتها أو صعوبتها. ولا شك في أن بدء حكومة دولة الإمارات من الآن صياغة استراتيجية للدولة في مرحلة ما بعد كورونا، يؤكد على الثقة في النفس وفي القدرات إضافة إلى المسار الذي يتم السير فيه في التعامل مع وباء كورونا ونتائجه وتأثيراته على المستويات المختلفة. هذه الثقة تظهر دائماً في كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي يؤكد دائماً ثقته الكاملة في تجاوز هذه المرحلة وأن الإمارات بخير وقادرة على التعامل مع مختلف الظروف، ودعوته للمواطنين والمقيمين «لا تشلون هم»، وتأكيده أن الإمارات قادرة على توفير الطعام والدواء إلى مالا نهاية.
وهذه الثقة لما تأتِ من فراغ، وإنما من سياسات وخطط واستراتيجيات فاعلة مكنت دولة الإمارات من صنع نموذج وطني متميز في التعامل مع الوباء، وهذا ما يتضح من خلال العديد من الحقائق والمؤشرات لعل أهمها:
• احتلت دولة الإمارات المركز الأول عربياً والعاشر عالمياً من حيث فعالية العلاج لمصابي فيروس «كورونا» وكفاءته، وفق تصنيف صدر في إبريل 2020 عن مجموعة Deep knowledge Group التي تتخذ من لندن مقراً لها، كما احتلت الدولة أفضل تصنيف للسلامة والاستقرار، والأكثر كفاءة في إدارة الأزمات مقارنة بالدول العربية، إضافة إلى كونها واحدة من الدول الرائدة في جميع أنحاء العالم في التعامل مع أزمة تفشي الفيروس العالمية، وتفوقت الإمارات في التصنيف الذي ضم 40 دولة، على دول مثل بلجيكا وفيتنام وتايلاند وفنلندا ولوكسمبورغ وموناكو واليونان، وايرلندا محتلة المركز 18.
• فضلاً عن ذلك فقد حصلت دولة الإمارات على المركز التاسع عالمياً والأول عربياً، في قائمة أفضل تعامل لقيادة الدول خلال أزمة فيروس كورونا، وذلك وفقا لـ»مؤشر الاستجابة العالمية للأمراض المعدية»، الذي نشرت نتائجه في ورقة بعنوان «مؤشر تتبع استجابة القيادة العالمي في أزمة «كوفيد 19»، من قبل معهد المحاسبين الإداريين المعتمدين في أستراليا. وتفوقت الإمارات في المؤشر على دول الشرق الأوسط وإفريقيا وتقاسمت المرتبة 9 عالمياً مع كل من هونغ كونغ وسريلانكا واليابان وتايوان، وتقدمت على دول متقدمة مثل ألمانيا والدانمارك والهند وروسيا والولايات المتحدة، وغيرها.
• كما أشاد تقرير نشرته مجلة «إتش آر دايركتر» البريطانية المتخصصة بقضايا الموارد البشرية، بالاستجابة الاستباقية للإمارات في التعامل مع تفشي فيروس «كورونا» عالمياً، ورصد ستة مؤشرات لازدهار مقبل في الإمارات وهي الاستباقية في التخطيط، التنفيذ المنظم، التحفيز، التضامن، التفاؤل وأهمها التعامل الإنساني الذي ظهر بوضوح في مجتمع الإمارات خلال الأزمة الصحية العالمية.
4
الثقة في قوة ومتانة المنظومة التنموية: عندما تبدأ دولة الإمارات في إعداد استراتيجية لمرحلة ما بعد كورونا، بينما تتوالى التأثيرات السلبية لهذا الوباء على مختلف المستويات في العالم، فإن هذا يؤكد على الثقة في قوة البنية التنموية للدولة ومتانتها. وهذا نتيجة تحرك سريع وواع ومحسوب واستباقي للتعامل مع تداعيات الوباء من خلال خطوات وإجراءات وحزم تحفيزية كبيرة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
• قال صندوق النقد العربي، في دراسة بعنوان «التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» على الدول العربية»، إن دولة الإمارات احتلت المرتبة الأولى عربياً في حزم التحفيز التي أقرتها الحكومات العربية لمواجهة فيروس كورونا بإجمالي 283 مليار درهم ( 77 مليار دولار)، وأن حزم التحفيز الإماراتية شكلت نحو 42.8% من إجمالي حزم التحفيز التي أقرتها الحكومات العربية والبالغ قيمتها 180 مليار دولار (661 مليار درهم)، وأن حزم التحفيز الإماراتية تعد الأعلى عربياً على مستوى مقارنتها بالناتج المحلي الإجمالي لكل دولة، حيث بلغت نسبتها 19% من ناتج الإمارات.
• أكدت شركة لوتاه لتطوير العقارات، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون في صدارة الدول التي سيتعافى اقتصادها في فترة ما بعد فيروس «كورونا» المستجد؛ نظراً لإمكاناتها القوية، وقدرتها العالية على التأقلم ومواكبة التغيرات، والمبادرات والتدابير التي اتخذتها؛ للحد من انتشار الفيروس وأهمها بناء أحد أكبر المختبرات في العالم؛ لإجراء أكبر عدد من الفحوص، وإطلاق برامج الدعم وحزم تحفيز الاقتصاد، إضافة إلى إرسال المساعدات الإنسانية والطبية إلى دول أخرى.
• فضلاً عما سبق، فقد توقع صندوق النقد الدولي في تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي 2020 « الذي أصدره في 14 إبريل 2020 أن يسجل اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، تعافياً سريعاً من الآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا، وأن يسجل نمواً بواقع 3.3 % عام 2021.
• وفي تقرير لمجلة «ذا إيكونومست» البريطانية، تم تصنيف دولة الإمارات في المركز الـ 17 بين الأسواق الناشئة الأكثر قدرة والأعلى ملاءة أمام المخاطر المالية الراهنة الناتجة عن تفشي كورونا، وذلك ضمن قائمة شملت 66 اقتصاداً ناشئاً في العالم.
• وأشار تقرير لـمجلة «يوروموني» البريطانية إلى إن ترتيب دولة الإمارات على مؤشرها الخاص بالمخاطر في الموقع الــ 39 ضمن 174 دولة، وذلك بسبب انخفاض اعتمادها على النفط والاستقرار الاقتصادي والمالي اللذين منحاها قدرة عالية على التعامل مع تداعيات كورونا بأقل الخسائر.
• كما أشار تقرير لموقع «إنترناشيونال إنفستمنت» البريطاني إلى أن دولة الإمارات من أوائل الدول التي شرعت في إعادة فتح اقتصادها بعد وقف العديد من الأنشطة، إضافة إلى أنها قادرة على التجاوب مع المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي بعد كورونا.
5
الإصرار على المضي في تنفيذ الطموحات التنموية: التفكير في خطط التعامل مع مرحلة ما بعد كورونا، يؤكد إصرار دولة الإمارات العربية المتحدة على المضي قدماً في تنفيذ طموحاتها التنموية مهما كانت التحديات، وأن شيئاً لن يوقفها عن السير في طريقها التنموي في مختلف المجالات، ولعل هذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حينما شدد على أن «مسبار الأمل» سوف يتجه في موعده المقرر في شهر يوليو 2020 إلى المريخ، وأن هدف هذا المسبار ليس علمياً فقط، «بل هدفه أن نرسل رسالة للجيل الجديد في عالمنا العربي بأننا قادرون، وبأن لا شيء مستحيل، وبأن قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء»، وأضاف سموه: «رغم ظروف توقف السفر عالمياً، ورغم الاحترازات الصحية العالمية، ما زال مهندسونا يعملون وفق الجدول المعتمد لإنجاز أهم مشروع علمي فضائي في منطقتنا، تم تطوير المسبار في أقل من المدة المعتادة عالمياً (ست سنوات فقط من عشر)، وبنصف الكلفة، والهدف إطلاقه في يوليو وفق الجدول المعتمد».
6
اكتشاف الفرص من بين مصاعب التحديات: كما سبقت الإشارة، فإن قيادة دولة الإمارات ترى في ظروف وباء كورونا، رغم التحديات التي تفرضها والتداعيات السلبية التي تنتجها، فرصة أو فرص يمكن استثمارها والاستفادة منها. ولعل «مؤسسة دبي للمستقبل»، قد جسدت هذه الفلسفة بوضوح في سلسلة التقارير التي أصدرتها وتصدرها حول مستقبل التعليم والاقتصاد والتكنولوجيا والاتصالات وغيرها في ضوء وباء كورونا؛ حيث يتضمن كل تقرير عنصراً أساسياً يتعلق بالفرصة التي أتاحها الوباء أمام دولة الإمارات في كل جانب أو مجال من هذه المجالات ويمكن استثمارها وتحويلها الى أمر إيجابي يفيد التنمية.
ثانياً: نهج وطني عام
في الوقت الذي أمر فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الحكومة بوضع استراتيجية لدولة الإمارات لمرحلة ما بعد وباء كورونا، فإن التفكير في مستقبل الدولة بعد كورونا، يمثل نهجاً عاماً على المستوى الوطني، يعبر عن نفسه من خلال الكثير من التجليات والمظاهر التي يمكن الإشارة الى أهمها في الآتي:
1أطلقت مؤسسة القمة العالمية للحكومات مبادرة «الحكومات وكوفيد 19»، وذلك عبر سلسلة من الجلسات التفاعلية الحوارية عن بعد، بمشاركة أكثر من 30 متحدثاً عالمياً، من الخبراء وقادة العمل الحكومي، من شركاء القمة العالمية للحكومات في مختلف دول العالم، بهدف تعزيز دور الحكومات وجاهزيتها في مواجهة تحدي فيروس كورونا المستجد، واستشراف مستقبل العمل الحكومي في مرحلة «ما بعد كورونا»، لاستعراض أبرز المستجدات فيما يخص تأثير فيروس كورونا على العمل الحكومي عالمياً، ضمن 7 قطاعات حيوية هي التعليم، والصحة، والاقتصاد، والأمن، والبنية التحتية، والحوكمة، والقيادة.
2 نظمت لجنة «جائزة خليفة التربوية» عبر تقنيات الاتصال المرئي جلسة رمضانية بعنوان «التعليم عن بُعد.. الرؤية والتوجهات المستقبلية»، وقد أكد معالي حسين بن إبراهيم الحمادي، وزير التربية والتعليم خلال الجلسة، أن دولة الإمارات كانت جاهزة في إدارتها لأزمة وباء كورونا وقدمت نموذجاً متميزاً لضمان استمرار الأعمال، ومن بينها التعليم، حيث نجحت الدولة في تطبيق استراتيجية التعليم عن بُعد، وأشار إلى أن الممارسات المتميزة التي تمت في الميدان التربوي في التعليم عن بُعد ستكون لها آثار كبيرة في تطوير التعليم في مرحلة ما بعد كورونا، واقترح أن تخصص الجوائز التربوية مثل جائزة خليفة التربوية مجالاً حول التعلم عن بعد أثناء أزمة كورونا والجهود المتميزة التي تمت فيه من قبل الإدارات المدرسية والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور ومختلف الجهات التي دعمت استمرار التعليم إبان هذه الأزمة العالمية.
3 قال المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد، إن دولة الإمارات وضعت خطة استجابة ممنهجة لمواجهة آثار انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني بما يضمن استدامة الاقتصاد واستمرارية الأعمال وتحقيق التعافي واستعادة النمو خلال فترة قياسية. وأوضح أن الإطار العام للاستراتيجية الاقتصادية للإمارات في مواجهة وباء «كوفيد 19» يرتكز على مرحلتين رئيسيتين، الأولى على المدى القريب وتتمثل بالفتح التدريجي للاقتصاد وأنشطة الأعمال مع مراعاة الاحترازات الصحية المتبعة، وغيرها، أما المرحلة الثانية، فتتمثل بخطة تحفيز طويلة المدى للاقتصاد لتسريع التعافي ودفع عجلة النمو قدماً، والعمل على تحويل التحديات إلى فرص لتحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تعزيز مرونة واستدامة النموذج الاقتصادي المتبع، وتشجيع التمويل والاستثمار في العديد من القطاعات أهمها: الاقتصاد الرقمي بما يشمل الذكاء الاصطناعي وشبكة الجيل الخامس وإنترنت الأشياء والمدن الذكية والبلوك تشين، ومفاهيم وصناعات الاقتصاد الأخضر مثل الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية والاقتصاد الدائري، وتعزيز الإنتاجية من خلال إدماج تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد وأنظمة الروبوتكس، وتعزيز الأمن الغذائي باستخدام التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية.
4 نظمت أكاديمية دبي للمستقبل، إحدى مبادرات مؤسسة دبي المستقبل، دورتها الثالثة لجلسات سلسلة الرواد الرمضانية خلال الفترة من 26 إبريل الى 14 مايو 2020، حول أبرز تأثيرات «كوفيد 19» على القطاعات الحيوية على مستوى الإمارات والمنطقة والعالم، وأهم الدروس التي ينبغي التعلم منها، وكيفية الاستفادة من الفرص المقبلة، واستشراف مستقبل القطاعات المختلفة في الدولة في مرحلة ما بعد كورونا.
5 كما سبقت الإشارة، تقوم مؤسسة دبي للمستقبل بإعداد مجموعة من التقارير الاستشرافية والأبحاث والدراسات الخاصة بالتحديات الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، على مختلف المستويات، وفق منهجية علمية تساعد في جهود دبي والدولة في رسم طريق المستقبل لما بعد كورونا.
هذه فقط بعض النماذج على قطاعات وفاعليات تفكر في المستقبل فيما بعد فيروس كورونا، معبرة عن ثقتها في تجاوز التحديات التي يفرضها الفيروس، ما يعكس محورية التفكير المستقبلي في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولعل «استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل» التي أطلقت في عام 2016، تؤكد هذا المعنى بوضوح، حيث تهدف هذه الاستراتيجية إلى بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية ومواءمة السياسات الحكومية الحالية بالإضافة لبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة. وتتضمن ثلاثة محاور رئيسية هي: محور آلية عمل الحكومة ومحور بناء القدرات ومحور وجهة المستقبل، وتقع ضمن كل محور مهام وواجبات سنعمل على تنفيذها ضمن الجدول الزمني المحدد».
وفي هذا السياق كذلك تأتي «مئوية الإمارات 2071 » التي تركز على أربعة محاور رئيسية هي: حكومة تستشرف المستقبل، وتعليم للمستقبل، واقتصاد معرفي متنوع، ومجتمع أكثر تماسكاً.
ثالثاً: الأسس والمنطلقات والأولويات
من خلال توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للفرق الحكومية بإعداد استراتيجية الدولة لما بعد كورونا، يتضح أن هذه الاستراتيجية تقوم على منهج علمي، وأسس ومنطلقات وأولويات محددة أهمها:
1
الاعتماد على العلم: بمعنى الاستناد إلى رأي الخبراء والمتخصصين والمستشارين في وضع معالم وملامح الطريق خلال الفترة القادمة، وهذا هو شأن دولة الإمارات دائماً في مسيرتها التنموية منذ إنشائها. ولذلك دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى «حشد كافة العقول والخبرات المحلية والعربية والعالمية للمشاركة في ندوات فكرية وتحليلية شاملة، تشكل مخرجاتها أطراً نظرية وتطبيقية لرسم السياسات ووضع الرؤى والتصورات لبناء مرتكزات وآليات عمل جديدة في كافة القطاعات». وبالفعل فقد استغرقت الاجتماعات لهذا الغرض الفترة من 10 – 12 مايو 2020، وشارك فيها إلى جانب الوزراء والأمناء العامين للمجالس التنفيذية، ومسؤولي أكثر من 100 جهة حكومية اتحادية ومحلية، خبراء عالميون وباحثون ومخططون استراتيجيون في مختلف مجالات العمل الحكومي من دول مختلفة في العالم. وهذا الاستناد إلى العلم هو الذي يميز تجربة الإمارات التنموية ويضمن لها التفوق والريادة في مختلف المستويات.
2
التحديد الدقيق للأولويات: وفي هذا السياق أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أهمية «الأخذ في الاعتبار القطاعات الحيوية ذات الأولوية التي تشكل أساس الحراك التنموي والمجتمعي، في مقدمتها الصحة والتعليم والتكنولوجيا والأمن الغذائي».
ووفقاً لتوجيهات نائب رئيس الدولة، فقد غطت الاجتماعات الخاصة بوضع استراتيجية ما بعد كورونا 6 قطاعات رئيسية هي: الصحة والاقتصاد والأمن الغذائي والتعليم والمجتمع والحكومة، ودرست العديد من الجوانب والأولويات، وسعت إلى الإجابة عن العديد من الأسئلة، لعل أهمها: التداعيات الاقتصادية والاجتماعية محلياً وإقليمياً وعالمياً لفيروس كورونا، وتغير موازين القوى الاقتصادية في العالم وأثر ذلك في بناء نظام عالمي جديد، وكيف يمكن أن تتكيف دولة الإمارات مع الواقع الاقتصادي والجيوسياسي ما بعد كورونا، وما هي سبل تعزيز القطاع الصحي في دولة الإمارات، وآليات تعزيز الأمن الغذائي في الدولة بما يجعلها في منأى عن أي خلل قد تتعرض له سلاسل إمدادات الغذاء العالمية في الكوارث والأزمات، وضرورة دعم منظومة التعلم عن بعد في الإمارات وإلحاقها كأداة تعليمية أساسية في منظومة التعلم التقليدية حتى في الظروف والأحوال الطبيعية، إلى جانب صياغة ملامح منظومة عمل حكومة المستقبل، وتحديد أولويات الإنفاق الحكومي والتوجيه الأمثل للموارد، واستعراض آفاق مستقبل العمل الحكومي والخاص عن بعد، وآفاق تطوير البنية التحتية والرقمية في الدولة وتعزيز كفاءتها، وتصميم مدن المستقبل، ووظائف المستقبل، ودور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة في تسيير عجلة الإنتاج، وكيفية تدارك المخاطر المستقبلية وغيرها.
وفي هذا السياق حددت رئيس تحرير صحيفة «البيان» الكاتبة منى بوسمرة في، ملامح وأولويات المرحلة المقبلة في الإمارات في ثلاث أولويات: الأولى هي توجيه الاستثمارات نحو الزراعة التي تعاني ضعف التمويل وظروف الطقس القاسية، والثانية الاهتمام بالتكنولوجيا بالنظر إلى أن أزمة كورونا أفرزت قيمة التكنولوجيا التي مكّنت كافة القطاعات الحكومية والخاصة من ضمان سير الأعمال والخدمات. والثالثة هي تعزيز قوة النظام الصحي.
وبعد انتهاء الاجتماعات الخاصة بوضع استراتيجية ما بعد كورونا، حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أهم ملامح المستقبل، في ضوء هذه الاجتماعات بقوله «سنراجع هيكل الحكومة وحجمها.. قد ندمج وزارات.. ونغير هيئات.. وسنجري تغييرات.. نحتاج حكومة أكثر رشاقة ومرونة وسرعة لتواكب أولويات وطنية جديدة ومختلفة.. مخطئ من يظن أن العالم بعد «كوفيد 19» كالعالم قبله… إن مرحلة ما بعد «كوفيد 19» ستطال بآثارها أنظمة العمل في القطاعين الحكومي والخاص ومختلف المجالات، وستؤثر على أشكال الحياة والنشاط البشري، ما يتطلب تطوير منهجية استباقية شاملة تستشرف معالم هذه المرحلة وتبتكر الحلول لتحدياتها».
3
العنصر البشري هو الأساس: وفي هذا السياق شدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على أهمية أن «يكون العنصر البشري، لجهة سلامته وأمنه ورفاهه وبنائه النفسي والصحي أساس هذه الخطط والسياسات» لمرحلة ما بعد كورونا. وهذا يتسق مع توجه دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام في التعامل مع أزمة كورونا منذ بدايتها؛ حيث أعطت صحة الانسان وسلامته الأولوية القصوى، وقدمتها على ما عداها من اعتبارات أخرى، مهما كانت هذه الاعتبارات، وفي هذا السياق كان تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على الدوام أن صحة الإنسان، المواطن والمقيم، هي الأساس والأولوية القصوى في خطط التعامل مع وباء كورونا وتداعياته. ويبرز في هذا السياق كذلك موقف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي عبر عنه بقوله «بقي العالم لسنوات يتجادل.. من يقود الآخر، هل تقود السياسة الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يقود السياسة؟ من العربة ومن الحصان؟ واكتشفنا في زمن الكورونا أن الحصان وعربته تحملهما الصحة وتقودهما مرغمين حيث تريد، وأن السياسة والاقتصاد يتقزمان أمام فيروس يجعل دهاة العالم في حيرة وخوف وتيه» .
4
التكامل بين الاتحادي والمحلي: وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقوله « تعلمنا من هذه الأزمة أن فرق العمل الحكومية اتحادياً ومحلياً ومؤسسات القطاع الخاص هم في الحقيقة فريق واحد.. تحركه مصلحة واحدة.. وهدف واحد.. ومكتسبات واحدة الجميع مسؤول عنها.» وفي هذا السياق فإن أحد أهم مصادر قوة دولة الإمارات وقدرتها على التعامل مع التحديات والأزمات بكفاءة عالية وفاعلية كبيرة، هو ذلك التكامل والتنسيق والانسجام في منظومة العمل الوطني بين المستويين الاتحادي والمحلي، وهو ما ظهر بوضوح في التعامل مع وباء كورونا منذ ظهوره.
5
استثمار السياسة الخارجية في خدمة أهداف استراتيجية ما بعد كورونا: وفي هذا الإطار وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الحكومة إلى الأخذ في الاعتبار في صياغة وتنفيذ استراتيجيات مع بعد كورونا، «ضرورة العمل بالتوازي على توجيه سياسات الدولة الخارجية بالتنسيق مع المجتمع الدولي بما يكفل بناء منظومة تعاون اقتصادية وجيوسياسية للتصدي الأمثل للكوارث الصحية والبيئية واحتوائها والتقليص من نتائجها». ولعل دور الإمارات الفاعل والحضاري والإنساني في تقديم الدعم والمساندة للكثير من الدول حول العالم لتمكينها من مواجهة مخاطر كورونا، يمثل نقطة قوة لديها في مرحلة ما بعد كورونا، لأنه يضعها ضمن سياق دولي وإقليمي إيجابي تجاهها وتجاه سياساتها الإنسانية. وفي هذا السياق قال تقرير صادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي أن المساعدات الإمارات الإنسانية لمكافحة وباء «كوفيد 19»، وصلت إلى 47 دولة، بإجمالي مساعدات بلغت، حتى الآن 523 طنا من المواد والمستلزمات الطبية لإغاثة نحو 523 ألف شخص من العاملين في الرعاية الطبية.
6
الاستفادة من دروس الأزمة: أحد المنطلقات المهمة التي تعتمد عليها دولة الإمارات وهي تستعد لمرحلة ما بعد كورونا، هو التعرف على الدروس المختلفة التي يقدمها التعامل مع الفيروس في مختلف القطاعات، والاستفادة منها لصياغة استراتيجيات المستقبل. فقد كان وباء كورونا بمثابة تحد لأجهزة الدولة على المستويات كافة، ومدى جاهزيتها للتعامل مع التحديات والاستجابة للأزمات الطارئة. وعلى الرغم من الكفاءة الكبيرة التي تعاملت وتتعامل معها المؤسسات الوطنية المختلفة مع الوضع، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والتكنولوجيا، فإن الدولة ترصد جوانب القوة والقصور في أداء هذه المؤسسات، للعمل على وضع استراتيجيات مستقبلية أكثر قوة وفعالية، وهذا ما يسمى في علم إدارة الأزمات بـ»التغذية العكسية أو الاسترجاعية»، وتعني دراسة الدولة لتعاملها مع الموقف أو المشكلة أو الأزمة، للاستفادة من جوانب القوة والضعف فيه في تقوية منظومتها الخاصة بالإدارة والاستجابة للطوارئ في المستقبل.
رابعاً: أسس قوية وركائز راسخة:
لا يمكن لدولة أن تنطلق إلى المستقبل في أي مجال، إلا حينما تكون مستندة إلى أسس قوية من الحاضر. ودولة الإمارات العربية المتحدة وهي تضع استراتيجية مرحلة ما بعد وباء كورونا، تستند إلى نجاحها الكبير في التعامل مع الوباء، بشهادة المؤسسات المعنية في المنطقة والعالم، إضافة إلى دعم شعبي ورضا مجتمعي عام يمد الحكومة بالمزيد من القوة للمضي إلى الأمام. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى الآتي:
1
الإدارة المتميزة: وفي هذا الإطار حددت دراسة لـ «مركز الإمارات للسياسات» في أبوظبي أهم سمات النموذج الإماراتي في إدارة أزمة كورونا في الآتي: مواكبة تعليمات وتوجيهات منظمة الصحة العالمية، والتزام تطبيقها بشكل كامل وسريع، والتزام معايير الشفافية في التعامل مع الأزمة، وإشراك المجتمع في جهود احتواء المرض، سواء من خلال توعيته بدوره في هذه الأزمة ومسؤوليته في اتباع إجراءات الوقاية، أو من خلال تعزيز مبادرات المجتمع، أفراداً وشركات، ومحاولة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي أثبتت نجاعتها، والتقييم المستمر والدينامي لواقع الأزمة، واتخاذ الإجراءات المتناسبة مع الحالة، دون هلع أو فقدان التوازن، وعدم الاقتصار على مواجهة التداعيات الصحية، ولكن وضع الخطط واتخاذ الإجراءات والقرارات لمواجهة التداعيات الأخرى الناتجة عن الوباء، كالتداعيات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، والتحرك الاستباقي في إدارة الأزمة من خلال تجهيز الخطط والقدرات للتعامل مع الخطوات المقبلة، والاستعداد لكافة السيناريوهات المحتملة.
وأشارت الدراسة إلى أهم عناصر استراتيجية الإمارات في إدارة الازمة في: اتخاذ التدابير الصارمة والإجراءات الوقائية لاحتواء المرض وعدم تفشيه، ومحاولة عدم تعطيل حياة الناس الطبيعية، والتقليل من الآثار الاقتصادية للأزمة، وتحويل التحدي إلى فرصة، واستمرار الدور الإنساني للإمارات في العالم.
وفي السياق ذاته أشاد المنتدى الاقتصادي العالمي بالتدابير التي اتخذتها الإمارات لمواجهة وباء كورونا المستجد، وقال ميرك دوشيك مدير المنتدى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن الأولوية المركزية لدولة الإمارات تمثلت في ضمان سلامة مواطنيها، والمقيمين على أرضها، فقد أظهرت حكومة الإمارات مستويات عالية من العزم، ومرونة استثنائية في ما يتعلّق باتخاذ قرارات سريعة للتصدي لانتشار فيروس «كوفيد 19»، مع إبقاء الخدمات الحكومية متاحة للجميع.
ولعل ما ساعد دولة الإمارات على التميز في إدارة أزمة كورونا اعتباران: الأول هو البنية التكنولوجية القوية في الدولة التي ساعدتها على الاستجابة الفاعلة لتحديات الفيروس خاصة فيما يتعلق بالعمل عن بعد؛ حيث استثمرت الإمارات على مدى سنوات في التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة ما جعلها جاهزة للتعامل مع تداعيات الوباء. الاعتبار الثاني هو عنصر القيادة؛ حيث كانت القيادة الرشيدة، منذ اليوم الأول لظهور الفيروس على أرض الإمارات، حاسمة وحازمة في التعامل مع تداعياته، من خلال قرارات وخطوات واثقة ومتدرجة وسريعة في الوقت نفسه.
2
الرضا الشعبي: تنظر دولة الإمارات على الدوام إلى المجتمع على أنه شريك أساسي في خطط واستراتيجيات التنمية بشكل عام، والتعامل مع التحديات والأزمات بشكل خاص، ولذلك تحرص الحكومة على استثمار قدرات المجتمع ومبادراته والاستفادة منها، والاهتمام الكبير برضا الناس عن الأداء الحكومي، في إطار استراتيجية تحقيق السعادة لهم التي تعطيها الدولة أهمية كبيرة، حتى إنها هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها وزارة للسعادة.
وفيما يتعلق بأزمة فيروس كورونا، فإن أحد أهم عناصر القوة التي تعتمد فيها الإمارات على رؤيتها للمستقبل فيما بعد كورونا، هو رضا الناس عن أداء الحكومة وإدارتها لأزمة كورونا والتفافهم حولها ودعمهم لها. وفي هذا السياق أجرت شركة «بلاك بوكس» الأمريكية المتخصصة في خدمات الاتصالات استبياناً شمل 23 دولة لرصد مستويات رضا الشعوب عن تجاوب حكوماته مع أزمة «كورونا»، وقد احتلت الإمارات المركز الثالث عالمياً في هذا الخصوص، حيث بلغت نسبة الرضا لدى شعب الإمارات عن تعامل حكومته مع الأزمة 59%، فيما جاءت الصين في المركز الأول بنسبة رضا بلغت 85%، وفيتنام في المركز الثاني بنسبة 77%.
وجاءت الإمارات ضمن 7 دول فقط على مستوى العالم التي تجاوزت نسبة رضا شعوبها عن تعامل حكوماتها مع الأزمة 50% إلى جانب ماليزيا نيوزيلندا وتايوان.
وتفوقت الإمارات على كافة دول أوروبا التي لم تصل نسبة الرضا في أي منها إلى 50%، حيث كانت أعلى دولة فيها هي ألمانيا، بنسبة رضا 41%، وهي أيضاً نفس نسبة الرضا في الولايات المتحدة الأمريكية. كما تفوقت الإمارات أيضاً على كلٍ من نيوزيلندا التي بلغت نسبة الرضا فيها 56% وأستراليا بنسبة 43% فقط.
3
روح التفاؤل والثقة والإيجابية: تنطلق دولة الإمارات العربية المتحدة كذلك في استعدادها لمرحلة ما بعد وباء كورونا، من جو عام من التفاؤل والإيجابية الذي أشاعته قيادتها منذ اليوم الأول لظهور الوباء، ففي الوقت الذي تبنت فيه قيادات عديد من الدول في العالم، بما في ذلك دول كبرى، خطاباً تشاؤمياً في الحديث إلى الشعب بشأن انتشار الفيروس، فإن قيادة دولة الإمارات كانت تبث الأمل والثقة والإيجابية على الدوام، وتشجيع أجواء الاطمئنان في المجتمع بالقدرة على تجاوز الأزمة واحتواء آثارها، ولعل عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان « لا تشلون هم»، تلخص كل ما سبق بوضوح؛ لأنها أشعرت الناس بالارتياح، وخلقت جواً من الطمأنينة في المجتمع. وهذا كله جعل الإمارات تمضي في تخطيط مستقبلها لما بعد كورونا وتفكر فيه وتضع خطوطه العامة وأولوياته، في ظل أجواء من الثقة على المستويين الحكومي والشعبي، بعيداً عن الهلع او الذعر الذي يشتت الفكر ويحرف المسار.
في ضوء كل ما سبق تثبت دولة الإمارات دائما أنها سباقة ورائدة في استشراف المستقبل، مهما كانت التحديات، ولديها رؤيتها وطموحاتها التي لا تحرفها عنها أي مشاكل أو أزمات طارئة، وقد أثبتت أزمة وباء كورونا، وتثبت، هذا الأمر بوضوح؛ وسوف يكتب التاريخ أن الإمارات استطاعت ان تحول محنة كورونا إلى منحة وفرصة.