صاروخ بوريفيستنيك

المحركات النووية تأثير إنتاج روسيا جيلاً جديداً من الصواريخ والطوربيدات البحرية على التوازن الاستراتيجي

في‭ ‬1‭ ‬مارس‭ ‬2018،‭ ‬قدم‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬خلال‭ ‬خطاب‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬الأمة‮»‬‭ ‬ستة‭ ‬نماذج‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وذلك‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬واشنطن‭ ‬لأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭. ‬وركز‭ ‬بوتين‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬المسمى‭ ‬‮«‬بوريفيستنيك‭ ‬9‭ ‬إم‭ ‬730‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬صاروخ‭ ‬مجنح‭ ‬وصف‭ ‬حينها‭ ‬بأنه‭ ‬ذو‭ ‬‮«‬مدى‭ ‬غير‭ ‬محدود‮»‬،‭ ‬و‮«‬2‭ ‬إم‭ ‬39‭ ‬بوسيدون‮»‬‭ (‬2M39‭ ‬Poseidon‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬طوربيد‭ ‬مسيّر‭ ‬يبلغ‭ ‬مداه‭ ‬10‭,‬000‭ ‬كم‭. ‬وكان‭ ‬كلا‭ ‬السلاحين‭ ‬يعتمدان‭ ‬على‭ ‬الدفع‭ ‬النووي‭ ‬ويمكن‭ ‬لكليهما‭ ‬حمل‭ ‬رؤوس‭ ‬نووية‭.‬

استعرض‭ ‬بوتين‭ ‬آنذاك‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬يعرض‭ ‬الصاروخ‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬محلقاً‭ ‬فوق‭ ‬المحيطات،‭ ‬متجنباً‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬ويظهر‭ ‬الفيديو‭ ‬الصاروخ‭ ‬يضرب‭ ‬هدفاً‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬هاواي‭ ‬الأمريكية‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬تعني‭ ‬بالروسية‭ ‬‮«‬عصفور‭ ‬العاصفة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬طائر‭ ‬بحري‭ ‬معروف‭ ‬برحلاته‭ ‬الطويلة‭ ‬والمنخفضة‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬فريسته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬سبب‭ ‬تسمية‭ ‬الصاروخ‭ ‬الجديد‭ ‬به،‭ ‬إذ‭ ‬يحلق‭ ‬على‭ ‬ارتفاعات‭ ‬منخفضة‭. ‬وكشف‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬العامة‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الروسية،‭ ‬فاليري‭ ‬غيراسيموف،‭ ‬بأن‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬بوريفيستنيك‮»‬‭ ‬المجنح‭ ‬خضع‭ ‬لرحلة‭ ‬تجريبية‭ ‬لمسافة‭ ‬14‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬أكتوبر‭. ‬

ثم‭ ‬كشف‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬اختبرت‭ ‬بنجاح‭ ‬طوربيداً‭ ‬فائق‭ ‬القدرة‭ ‬يعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بوسيدون‮»‬،‭ ‬وأوضح‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬الطوربيد‭ ‬حقق‭ ‬‮«‬نجاحاً‭ ‬باهراً‮»‬،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قوته‭ ‬فاقت‭ ‬صاروخ‭ ‬سارمات‭ ‬العابر‭ ‬للقارات،‭ ‬وأنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬وسيلة‭ ‬لاعتراضه‮»‬‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التطورين‭ ‬السابقين‭ ‬يعنيان‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬طورت‭ ‬جيلاً‭ ‬جديداً‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬والطوربيدات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬اختلال‭ ‬التوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬النووي‭ ‬العالمي‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬تبعات‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الدولي‭. ‬

بدايات‭ ‬فاشلة‭ ‬للمحرك‭ ‬النووي‭ ‬

تعود‭ ‬فكرة‭ ‬إنتاج‭ ‬محرك‭ ‬يعمل‭ ‬بالدفاع‭ ‬النووي‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وتحديداً‭ ‬عندما‭ ‬سعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المحركات‭ ‬النفاثة‭ ‬النووية‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1957‭ ‬و1964‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬بلوتو‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬صاروخ‭ ‬كروز‭ ‬نووي‭ ‬فائق‭ ‬السرعة‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬عميقة‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬السوفييتية‭. ‬وكان‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الصاروخ‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬ذو‭ ‬الارتفاع‭ ‬المنخفض‮»‬‭.‬

وتم‭ ‬إيقاف‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬نظراً‭ ‬لخطورته‭ ‬بسبب‭ ‬مفاعله‭ ‬غير‭ ‬المحمي‭ ‬بجدار‭ ‬عازل‭ ‬متين،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تسرب‭ ‬إشعاعي‭ ‬كبير‭. ‬وحدّد‭ ‬ثيودور‭ ‬ميركل،‭ ‬مدير‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬بلوتو‮»‬،‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬1959‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬الدفع‭ ‬النووي‭ ‬بالمحرك‭ ‬النفاث‮»‬‭. ‬فقد‭ ‬تمثّلت‭ ‬أول‭ ‬التحديات‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬المفاعل‭ ‬النووي‭ ‬ومدى‭ ‬متانته‭. ‬فمعظم‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬التجارية‭ ‬ضخمة‭ ‬وثقيلة‭ ‬ومحاطة‭ ‬بأطنان‭ ‬من‭ ‬الخرسانة،‭ ‬أما‭ ‬هذا‭ ‬المفاعل‭ ‬فكان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صغيراً‭ ‬وخفيفاً‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للطيران،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كان‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المتانة‭ ‬لتحمّل‭ ‬الإجهاد‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التغيرات‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬ودرجة‭ ‬الحرارة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الضغوط‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬تسارع‭ ‬الصاروخ‭ ‬أو‭ ‬تغييره‭ ‬لمساره‭.‬

وتتوافق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬ملاحظات‭ ‬ميركل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬العلماء‭ ‬السوفييت‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬السوفييتية‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بعامين‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تشير‭ ‬كلا‭ ‬الدراستين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬محدودية‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬اللازمة‭ ‬لبناء‭ ‬جدار‭ ‬المفاعل‭ ‬بسبب‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬القصوى‭ ‬المتوقعة‭. ‬كما‭ ‬ألمح‭ ‬ميركل‭ ‬والعلماء‭ ‬السوفييت‭ ‬أن‭ ‬المحرك‭ ‬النفاث‭ ‬العامل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬دفع‭ ‬إضافية‭ ‬للإقلاع،‭ ‬مما‭ ‬يضيف‭ ‬تعقيدات‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تتسم‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية‭ ‬بأنها‭ ‬ثقيلة‭ ‬ومرتفعة‭ ‬الحرارة،‭ ‬وهما‭ ‬صفتان‭ ‬غير‭ ‬ملائمتين‭ ‬للصاروخ‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الديناميكية‭ ‬الهوائية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المحركات‭ ‬النووية‭ ‬معقدة،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للأعطال‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمحركات‭ ‬النفاثة‭ ‬التقليدية‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وللتعامل‭ ‬مع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬التشغيلية‭ ‬العالية‭ ‬جداً،‭ ‬قد‭ ‬يتطلب‭ ‬تبريد‭ ‬الصاروخ‭ ‬أثناء‭ ‬الطيران‭ ‬زيادة‭ ‬حجم‭ ‬المفاعل‭ ‬لاستيعاب‭ ‬فتحات‭ ‬تسمح‭ ‬بتدفق‭ ‬الهواء‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬كونه‭ ‬ضخماً‭ ‬وصعب‭ ‬التعامل،‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المفاعل‭ ‬‮«‬المكشوف‭ ‬جزئياً‮»‬‭ ‬سيُطلق‭ ‬أيضاً‭ ‬جزيئات‭ ‬مشعة‭ ‬عالية‭ ‬الخطورة‭ ‬أثناء‭ ‬الطيران‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التعقيدات‭ ‬الهائلة،‭ ‬فإن‭ ‬الروس‭ ‬استطاعوا‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬تفوقاً‭ ‬تكنولوجياً‭ ‬بكل‭ ‬المعايير‭. ‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الصاروخ‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬بوريفيستنيك‭ ‬9‭ ‬أم‭ ‬730‮»‬،‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025،‭ ‬مفاجئاً‭ ‬تماماً‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقد‭ ‬كشف‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬النقاب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2018،‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬الصاروخ‭ ‬سيكون‭ ‬‮«‬منخفض‭ ‬الطيران‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬مدى‭ ‬غير‭ ‬محدود‭ ‬تقريباً،‭ ‬ومسار‭ ‬طيران‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬و»لا‭ ‬يقهر‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدفاعات‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية‭. ‬كما‭ ‬أنه،‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬يناير‭ ‬2021،‭ ‬نشر‭ ‬‮«‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للاستخبارات‭ ‬الجوية‭ ‬والفضائية‮»‬‭ ‬التابع‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تقريراً‭ ‬معلناً‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬والمجنحة‭ ‬أشار‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬صاروخ‭ ‬بوريفيستنيك،‭ ‬والذي‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الناتو‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬سكاي‭ ‬فال‮»‬‭ (‬Skyfall‭). ‬وكشفت‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬ثلاثة‭ ‬مواقع‭ ‬اختبار‭ ‬روسية‭ ‬مرتبطة‭ ‬ببرنامج‭ ‬بوريفيستنيك،‭ ‬وهي‭ ‬كابوستين‭ ‬يار،‭ ‬ونينوكسا‭ ‬وبانكوفو‭. ‬تم‭ ‬تحديد‭ ‬المشروع‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬كابوستين‭ ‬يار‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬ولذلك‭ ‬أُعطت‭ ‬التسمية‭ ‬الأولية‭ ‬له‭ ‬‮«‬كي‭ ‬واي‭ ‬–‭ ‬30‮»‬‭ (‬KY-30‭). ‬ووفقاً‭ ‬لتقييمات‭ ‬واشنطن،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬البرنامج‭ ‬كان‭ ‬قيد‭ ‬التنفيذ‭ ‬منذ‭ ‬2010‭. ‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬إنتاج‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬أمراً‭ ‬سهلاً،‭ ‬بل‭ ‬لاقت‭ ‬جهود‭ ‬إنتاجه‭ ‬انتكاسة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2019،‭ ‬حينما‭ ‬وقع‭ ‬انفجار‭ ‬شديد‭ ‬في‭ ‬منشأة‭ ‬عسكرية‭ ‬روسية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أرخانجيلسك،‭ ‬وفقاً‭ ‬لشركة‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬الروسية‭ ‬روساتوم،‭ ‬وتسبب‭ ‬الحادث‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬خمسة‭ ‬موظفين‭ ‬خلال‭ ‬اختبار‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬الدفع‭ ‬السائل‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬نظائر‭ ‬مشعة‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانتكاسة،‭ ‬فإن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬كشف‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025‭ ‬عن‭ ‬نجاح‭ ‬اختبار‭ ‬الصاروخ‭ ‬المجنح‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬‮«‬بوريفيستنيك‮»‬،‭ ‬مشدداً‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬منتج‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬لا‭ ‬يمتلكه‭ ‬أحد‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬إنتاج‭ ‬صواريخ‭ ‬مماثلة‭ ‬إلى‭ ‬الخبرة‭ ‬السابقة‭ ‬لمشروع‭ ‬بلوتو،‭ ‬والذي‭ ‬واجه‭ ‬تعقيدات‭ ‬فنية‭ ‬واسعة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تقديرها‭ ‬لتواضع‭ ‬نتائج‭ ‬الاختبارات‭ ‬الروسية،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬بحلول‭ ‬يناير‭ ‬2019،‭ ‬كشفت‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬ما‭ ‬مجموعه‭ ‬13‭ ‬اختباراً‭ ‬لنماذج‭ ‬أولية‭ ‬لصاروخ‭ ‬بوريفيستنيك،‭ ‬انتهى‭ ‬11‭ ‬منها‭ ‬بالتحطم‭ ‬فور‭ ‬مغادرة‭ ‬الصاروخ‭ ‬لمنصة‭ ‬الإطلاق‭. ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات،‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تجاوزها‭ ‬هو‭ ‬قدرة‭ ‬الصاروخ‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الطيران‭ ‬أثناء‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬محرك‭ ‬التشغيل‭ ‬الأولي‭ ‬إلى‭ ‬تشغيل‭ ‬المفاعل‭ ‬باعتباره‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيسي‭ ‬للصاروخ‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرحلتان‭ ‬اللتان‭ ‬حققتا‭ ‬نجاحاً‭ ‬نسبياً‭ ‬انتهتا‭ ‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬ومسافة‭ ‬قصيرة‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬توصلت‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجات‭ ‬خاطئة‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬إعداد‭ ‬غالبية‭ ‬اختبارات‭ ‬الصواريخ‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬بوتين،‭ ‬وخلافاً‭ ‬لاقتراحات‭ ‬المهندسين‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬نوفاتور‮»‬‭ (‬Novator‭) ‬ومركز‭ ‬الأبحاث‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬الدفع‭ ‬النووي،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬المتخصصين‭ ‬الروس‭ ‬كانوا‭ ‬متشككين‭ ‬في‭ ‬فرص‭ ‬نجاح‭ ‬المشروع،‭ ‬وأن‭ ‬بوتين‭ ‬يمارس‭ ‬ضغوطاً‭ ‬عليهم‭ ‬لمواصلته‭.‬

وذكر‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للاستخبارات‭ ‬الجوية‭ ‬والفضائية‭ ‬التابع‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬نجحت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬تشغيل‭ ‬صاروخ‭ ‬بوريفيستنيك،‭ ‬فسوف‭ ‬يمنح‭ ‬ذلك‭ ‬موسكو‭ ‬‮«‬سلاحاً‭ ‬فريداً‭ ‬بقدرة‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التقييمات‭ ‬الروسية‭ ‬للصاروخ‭ ‬الجديد،‭ ‬والتي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬المسؤولين‭ ‬الروس،‭ ‬ليست‭ ‬مبالغاً‭ ‬فيها،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تهوين‭ ‬بعض‭ ‬الخبراء‭ ‬من‭ ‬فاعلية‭ ‬الصاروخ‭ ‬الجديد‭.‬

الطوربيد‭ ‬النووي‭ ‬المسيّر

أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية،‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬نوفمبر‭ ‬2025،‭ ‬إطلاق‭ ‬غواصتها‭ ‬النووية‭ ‬‮«‬خاباروفسك‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬مخصصة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مهام‭ ‬لصالح‭ ‬البحرية‭ ‬باستخدام‭ ‬أنظمة‭ ‬روبوتية‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬البحر‮»‬،‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬ذكرته‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الغواصة‭ ‬بحمل‭ ‬الطوربيد‭ ‬النووي‭ ‬التجريبي‭ ‬‮«‬بوسيدون‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬كشف‭ ‬عنه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬أكتوبر‭. ‬وأكد‭ ‬الأدميرال‭ ‬فياتشيسلاف‭ ‬بوبوف،‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬أسطول‭ ‬الشمال‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬1997‭ ‬–‭ ‬2001،‭ ‬أن‭ ‬إنزال‭ ‬غواصة‭ ‬‮«‬خاباروفسك‮»‬‭ ‬الذرية‭ ‬يعني‭ ‬بدء‭ ‬تشغيل‭ ‬الطراد‭ ‬الجديد‭ ‬‮«‬بوسيدون‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬تمت‭ ‬تسميته‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬إله‭ ‬البحر‭ ‬والعواصف‭ ‬والزلازل‭ ‬لدى‭ ‬اليونانيون‭ ‬القدماء‭. ‬

وتشير‭ ‬التحليلات‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صدق‭ ‬القدرات‭ ‬المعلنة‭ ‬للطوربيد‭ ‬الروسي،‭ ‬وبدء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬التسلسلي‭ ‬له،‭ ‬فإنه‭ ‬سوف‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬وسيصبح‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬الأسلحة‭ ‬الروسية‭ ‬خطورة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬بوسيدون‭ ‬يعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية‭ ‬ومزود‭ ‬بأسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬وهو‭ ‬طوربيد‭ ‬عملاق‭ ‬يمكنه‭ ‬ضرب‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية‭ ‬وتدميرها‭ ‬بشكل‭ ‬كارثي‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تؤكد‭ ‬روسيا‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامه‭ ‬أيضاً‭ ‬كسلاح‭ ‬نووي‭ ‬تكتيكي‭ ‬ضد‭ ‬الأهداف‭ ‬عالية‭ ‬القيمة‭ ‬مثل‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات،‭ ‬إذ‭ ‬تصفه‭ ‬روسيا‭ ‬بأنه‭ ‬نظام‭ ‬متعدد‭ ‬المهام،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬فائدته‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬نووية‭ ‬ثانية‭. ‬

وتذهب‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السرعة‭ ‬المتوقعة‭ ‬للسلاح‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬70‭ ‬عقدة،‭ ‬وهو‭ ‬سريع‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لجعله‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للاعتراض‭ ‬بشكل‭ ‬واقعي‭ ‬بواسطة‭ ‬الطوربيدات‭ ‬الحالية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬عمقه‭ ‬التشغيلي،‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬1000‭ ‬متر‭ (‬3300‭ ‬قدم‭)‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬استهدافه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬سيتعين‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬جديدة‭ ‬لاعتراضه،‭ ‬بما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬واستثمارات‭ ‬ضخمة‭.‬

ومن‭ ‬المميزات‭ ‬الأخرى‭ ‬للطوربيد‭ ‬المسيّر‭ ‬أن‭ ‬مفاعله‭ ‬النووي‭ ‬يمنحه‭ ‬مدى‭ ‬غير‭ ‬محدود‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعطيه‭ ‬مستويات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المرونة‭ ‬التشغيلية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مواقع‭ ‬الإطلاق‭ ‬والأهداف،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دوره‭ ‬سيقتصر‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬الأهداف‭ ‬البحرية،‭ ‬أو‭ ‬المدن‭ ‬الساحلية،‭ ‬مثل‭ ‬نيويورك‭ ‬ولوس‭ ‬أنجلوس‭.‬

أهداف‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجديدة

تسعى‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أسلحتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬وبوسيدون،‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الرسائل‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬تفصيلها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

1‭. ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬قبة‭ ‬ترامب‭ ‬الذهبية‭:‬‭ ‬أكد‭ ‬الجنرال‭ ‬غيراسيموف‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬الرحلة‭ ‬التجريبية‭ ‬لصاروخ‭ ‬‮«‬بوريفيستنيك‮»‬،‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬جميع‭ ‬المناورات‭ ‬الرأسية‭ ‬والأفقية‭ ‬المحددة،‭ ‬‮«‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬أظهر‭ ‬قدرات‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخية‭ ‬والجوية‮»‬‭.‬

لذا،‭ ‬فإن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬صاروخ‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬هو‭ ‬منح‭ ‬الصاروخ‭ ‬مدى‭ ‬عابراً‭ ‬للقارات،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬مداه‭ ‬يتراوح‭ ‬نظرياً‭ ‬بين‭ ‬10‭,‬000‭ ‬و20‭,‬000‭ ‬كيلومتر‭. ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬بوضع‭ ‬الصاروخ‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الارتفاع‭ ‬النظري‭ ‬لصاروخ‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬و100‭ ‬متر‭ ‬طوال‭ ‬رحلته‭ ‬تقريباً‭. ‬ويتطلب‭ ‬تعظيم‭ ‬مدى‭ ‬أي‭ ‬صاروخ‭ ‬مجنح‭ ‬يعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬التقليدية‭ ‬الطيران‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬متوسط‭ ‬لتحسين‭ ‬استهلاك‭ ‬الوقود،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬سوف‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬زيادة‭ ‬المدى‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتشفه‭ ‬رادار‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬المعادي‭. ‬ولا‭ ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬بوريفيستنيك،‭ ‬والذي‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحليق‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬منخفض‭ ‬جداً‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬نفاد‭ ‬الوقود،‭ ‬وكذلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬مسارات‭ ‬ملتوية‭ ‬لتجنب‭ ‬مواقع‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬المعروفة‭. ‬

ويجب‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬النووي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬اعتراض‭ ‬الأسلحة‭ ‬القادمة‭ ‬في‭ ‬طبقة‭ ‬الستراتوسفير،‭ ‬إذ‭ ‬تمتلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأرضية‭ ‬في‭ ‬ألاسكا‭ ‬وكاليفورنيا،‭ ‬موجهة‭ ‬نحو‭ ‬الفضاء‭. ‬هذه‭ ‬الأنظمة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الكمال،‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬ترسانة‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬نووية‭.  ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬صاروخ‭ ‬بوريفيستنيك‭. ‬فوفقاً‭ ‬للجنرال‭ ‬غيراسيموف،‭ ‬قطع‭ ‬الصاروخ‭ ‬مسافة‭ ‬8700‭ ‬ميل‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬اختبار‭ ‬له،‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬استغرقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬ساعة‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يمكنه‭ ‬الطيران‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬100‭ ‬متر‭ ‬فقط‭ ‬فوق‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬مما‭ ‬يتيح‭ ‬له‭ ‬التسلل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬رصده‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دفاعات‭ ‬الغرب‭.‬

2‭. ‬تأكيد‭ ‬التفوق‭ ‬‮«‬النووي‮»‬‭ ‬الروسي‭:‬‭ ‬تخطط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لنشر‭ ‬أولى‭ ‬منظوماتها‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬دارك‭ ‬إيجل‮»‬‭ ‬بحلول‭ ‬ديسمبر‭ ‬2025،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬تقريباً‭ ‬من‭ ‬كشف‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬منظوماتها‭ ‬الصاروخية‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬وبعد‭ ‬بدء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬جيل‭ ‬ثانٍ‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬مثل‭ ‬أوريشنيك‭. ‬ولم‭ ‬تكد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬امتلاكها‭ ‬لصواريخها‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬حتى‭ ‬كشفت‭ ‬موسكو‭ ‬عن‭ ‬أسلحة‭ ‬جديدة‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬اعتراضها،‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬بوسيدون‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬سرعته‭ ‬وعمق‭ ‬حركته،‭ ‬إذ‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬منافسون‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬ولا‭ ‬توجد‭ ‬طرق‭ ‬اعتراض‭ ‬حالية‮»‬‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬مصداقية‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬أي‭ ‬برامج‭ ‬حالية‭ ‬لإنتاج‭ ‬صواريخ‭ ‬تعمل‭ ‬بمحركات‭ ‬نووية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬تفرض‭ ‬روسيا‭ ‬تحدياً‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬سواء‭ ‬لحاجتها‭ ‬إلى‭ ‬إنتاج‭ ‬منظومات‭ ‬عسكرية‭ ‬مماثلة،‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬نظم‭ ‬دفاعية‭ ‬قابلة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬وبوسيدون،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬سوف‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تكلفة‭ ‬مرتفعة‭ ‬للغاية‭. ‬

وفي‭ ‬الإطار‭ ‬السابق،‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬تصريحات‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الروسي،‭ ‬دميتري‭ ‬مدفيديف،‭ ‬والذي‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬على‭ ‬عكس‭ ‬بوريفستنيك،‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬بوسيدون‭ ‬سلاح‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬بالمعنى‭ ‬الكامل‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬أشار‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القدرة‭ ‬التدميرية‭ ‬لبوسيدون‭ ‬‮«‬أشد‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬سارمات‮»‬‭ ‬النووي‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬العابر‭ ‬للقارات‮»‬‭.  ‬وفي‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬يمكن‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬بوسيدون‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يُوصل‭ ‬رأساً‭ ‬نووياً‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدينة‭ ‬ساحلية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بينما‭ ‬يظل،‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬الاعتراض‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬دفاعي‭ ‬موجود‭ ‬حالياً‭. ‬

3‭. ‬ضبط‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭: ‬وظفت‭ ‬روسيا‭ ‬تفوقها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬الصواريخ‭ ‬الجديدة،‭ ‬مثل‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬لتهديد‭ ‬الغرب،‭ ‬وردعه‭ ‬عن‭ ‬تصعيد‭ ‬الصراع‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البوابة‭ ‬الأوكرانية‭. ‬وضح‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق،‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يلوح‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬حكمه‭ ‬بإمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بصواريخ‭ ‬توماهوك،‭ ‬ووقتها‭ ‬جاء‭ ‬الرد‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬باستخدام‭ ‬أحدث‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬روسي‭ ‬متوسط‭ ‬المدى‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬أوريشنيك‮»‬،‭ ‬برأس‭ ‬حربي‭ ‬فرط‭ ‬صوتي‭ ‬غير‭ ‬نووي،‭ ‬ضد‭ ‬مجمع‭ ‬عسكري‭ ‬صناعي‭ ‬داخل‭ ‬مدينة‭ ‬دنيبرو‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ثم‭ ‬عقب‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬الضربة‭ ‬السابقة‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أنها‭ ‬جاءت‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬أوكرانية‭ ‬بصواريخ‭ ‬أمريكية‭ ‬وبريطانية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أتاكمس‮»‬‭ ‬و«ستورم‭ ‬شادو‮»‬،‭ ‬على‭ ‬منشآت‭ ‬عسكرية‭ ‬داخل‭ ‬منطقتي‭ ‬بريانسك‭ ‬وكورسك،‭ ‬كما‭ ‬توعد‭ ‬الكرملين‭ ‬بالرد‭ ‬المناسب‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬صواريخ‭ ‬‮«‬توماهوك‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬عن‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭.‬

وبالمثل،‭ ‬جاء‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬وبوسيدون‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬تفكير‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي،‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬في‭ ‬إمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بصواريخ‭ ‬توماهوك،‭ ‬فقد‭ ‬هدفت‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬تنبيه‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬مخاطر‭ ‬التصعيد‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬عبر‭ ‬إمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بهذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭. ‬وحققت‭ ‬روسيا‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬إذ‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬نوفمبر،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬صفقة‭ ‬تتيح‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬صواريخ‭ ‬توماهوك‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬لاستخدامها‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬حافظ‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬سياسته‭ ‬هذه،‭ ‬تكون‭ ‬موسكو‭ ‬قد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬إقناع‭ ‬واشنطن‭ ‬بتجنب‭ ‬إمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بصواريخ‭ ‬توماهوك،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إشعال‭ ‬التوتر‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وكييف،‭ ‬ولكن‭ ‬بين‭ ‬الأولى‭ ‬وواشنطن‭ ‬كذلك‭. ‬

فقد‭ ‬غيرت‭ ‬روسيا‭ ‬عقيدتها‭ ‬النووية‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬إذ‭ ‬خفضت‭ ‬موسكو‭ ‬العتبة‭ ‬المُعلنة‭ ‬لاستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬محتفظة‭ ‬بحق‭ ‬الرد‭ ‬النووي‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬ضربة‭ ‬تقليدية‭ ‬تُشكّل‭ ‬‮«‬تهديداً‭ ‬جدياً‮»‬‭ ‬لسيادة‭ ‬أو‭ ‬وحدة‭ ‬أراضي‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬بيلاروسيا‭. ‬كما‭ ‬حذرت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬تشنه‭ ‬دولة‭ ‬غير‭ ‬نووية‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬تمتلك‭ ‬أسلحة‭ ‬نووية‭ ‬سيُعامل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬هجوم‭ ‬مشترك‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الدولتين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬ينفذه‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬تحالف‭ ‬ما‭ ‬سيُعتبر‭ ‬عدواناً‭ ‬من‭ ‬الكتلة‭ ‬بأكملها‭. ‬ويعني‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬أمريكي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لاستهداف‭ ‬مواقع‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬بصواريخ‭ ‬توماهوك‭ ‬سوف‭ ‬يعطي‭ ‬الحق‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬ضد‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭. ‬ونظراً‭ ‬للتفوق‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬والصواريخ‭ ‬ذات‭ ‬المحركات‭ ‬النووية،‭ ‬فإن‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية‭ ‬تكتسب‭ ‬وزناً‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬الغرب،‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

4‭. ‬بدء‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭:‬‭ ‬أصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬توجيهات،‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬نوفمبر‭ ‬2025،‭ ‬بإجراء‭ ‬اختبارات‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬‮«‬لضمان‭ ‬التكافؤ‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‮»‬،‭ ‬مبرراً‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬تنفّذ‭ ‬اختبارات‭ ‬نووية‭ ‬سرية،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬وهي‭ ‬إشارة‭ ‬غير‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬ترامب،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬الدولتين‭ ‬لم‭ ‬يجريا‭ ‬أي‭ ‬تجارب‭ ‬نووية‭. ‬لذا،‭ ‬أثارت‭ ‬تصريحات‭ ‬ترامب‭ ‬حفيظة‭ ‬روسيا،‭ ‬إذ‭ ‬أكد‭ ‬بوتين‭ ‬التزام‭ ‬بلاده‭ ‬الدائم‭ ‬بمعاهدة‭ ‬الحظر‭ ‬الشامل‭ ‬للتجارب‭ ‬النووية،‭ ‬غير‭ ‬أنه،‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أجرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أي‭ ‬تجارب‭ ‬نووية‭ ‬فسنتخذ‭ ‬إجراءات‭ ‬مماثلة‭. ‬

وأثار‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬لبساً‭ ‬وغموضاً،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬أياً‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تقومان‭ ‬بأي‭ ‬اختبارات‭ ‬نووية،‭ ‬ولكن‭ ‬تقومان‭ ‬بإجراء‭ ‬تجارب‭ ‬وتطوير‭ ‬وسائل‭ ‬إيصالها‭ ‬كالصواريخ،‭ ‬ولذلك،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬يقصد‭ ‬إجراء‭ ‬اختبار‭ ‬للصواريخ‭ ‬الحاملة‭ ‬للرؤوس‭ ‬النووية‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬هذا‭ ‬إعلان‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬بعد‭ ‬تصريحات‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬إجراء‭ ‬اختبار‭ ‬لصاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬عابر‭ ‬للقارات‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬رأس‭ ‬نووي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬مينتمان‭ ‬3‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الصاروخ‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1970‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬والتصريحات‭ ‬الأمريكية‭ ‬السابقة،‭ ‬فإن‭ ‬واشنطن‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬لخوض‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬جديد،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬تسعى‭ ‬لتجنب‭ ‬هذا‭ ‬الخيار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬بعد‭ ‬التصريح‭ ‬السابق،‭ ‬فكرة‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬على‭ ‬خطة‭ ‬لنزع‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬تبدو‭ ‬رسالة‭ ‬ترامب‭ ‬دعوة‭ ‬ضمنية‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراع‭ ‬وفتح‭ ‬حوار‭ ‬محتمل‭.‬

‭ ‬الخاتمة‭ ‬

تمكنت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬صاروخ‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬المجنح‭ ‬والطوربيد‭ ‬المسيّر‭ ‬بوسيدون،‭ ‬واللذين‭ ‬يعملان‭ ‬بالمحرك‭ ‬النووي،‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬العقبات‭ ‬الفنية،‭ ‬وتطوير‭ ‬أجيال‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إليها‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لتواصل‭ ‬بذلك‭ ‬ريادتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬حينما‭ ‬سبقت‭ ‬واشنطن‭ ‬والغرب‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬أول‭ ‬صاروخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتي‭. ‬

ولا‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المبالغة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بوريفيستنيك‭ ‬وبوسيدون‭ ‬قد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬الإخلال‭ ‬بالتوازن‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬عبر‭ ‬امتلاك‭ ‬أنواع‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإيصال‭ ‬للأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬والتي‭ ‬سوف‭ ‬تحتاج‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬مجابهتها‭ ‬عبر‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مشاريع،‭ ‬سواء‭ ‬لإنتاج‭ ‬أنظمة‭ ‬مماثلة،‭ ‬أو‭ ‬نظم‭ ‬مضادة‭ ‬تستهدف‭ ‬تحجيم‭ ‬تهديدات‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬الكرملين‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬المنظومتين‭ ‬العسكريتين‭ ‬الجديدتين‭ ‬لتأكيد‭ ‬تفوقه‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬واشنطن،‭ ‬ووضع‭ ‬سقف‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ضمان‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬موسكو‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬سوف‭ ‬تحققها‭ ‬إما‭ ‬حرباً،‭ ‬وإما‭ ‬سلماً‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأسلحة‭ ‬الروسية‭ ‬الجديدة‭ ‬قد‭ ‬تنذر‭ ‬بسباق‭ ‬تسلح‭ ‬دولي،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يحجم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاحتمالية،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬هو‭ ‬ميل‭ ‬ترامب‭ ‬لتجنب‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬النووي‭.‬

د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬‬أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض