220811735b147207ccce3a76cf21

القبة الذهبية نظام دفاعي أمريكي جديد يعيد إحياء «حرب النجوم»

أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الذهبية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬دفاعي‭ ‬طموح‭ ‬يسعى‭ ‬لتحويل‭ ‬الفضاء‭ ‬إلى‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضد‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬المعقدة‭. ‬يهدف‭ ‬المشروع‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية،‭ ‬ومراكز‭ ‬القيادة‭ ‬الذكية‭ ‬التي‭ ‬تتكامل‭ ‬معاً‭ ‬لتكوين‭ ‬مظلة‭ ‬فضائية‭ ‬تحمي‭ ‬أراضي‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الباليستية‭ ‬والصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭. ‬يُذَكِّر‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بالمشروع‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أعلن‭ ‬عنه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان،‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي‮»‬‭. ‬ويثير‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬فرص‭ ‬نجاح‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬وانعكاساته‭ ‬على‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬المحتمل‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭. ‬

بهدف‭ ‬فهم‭ ‬الخطوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بإنشاء‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬ابتداءً‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬ونوعيه‭ ‬الرئيسيين،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬الخطوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭. ‬ويستند‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬معروف،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتبادل‭ ‬المؤكد‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استخدام‭ ‬الدولة‭ (‬أ‭) ‬للسلاح‭ ‬النووي‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ (‬ب‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬الدولة‭ (‬ب‭) ‬سوف‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬الضربة‭ ‬الأولى،‭ ‬وضمان‭ ‬البقاء‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬نووية‭ ‬ثانية‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ (‬أ‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬انتحارية‭ ‬للجانبين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬لاستخدامه‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬تدمير‭ ‬متبادل‭ ‬مؤكد‭ ‬لطرفي‭ ‬الصراع‭. ‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬نظريات‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬يتم‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬قدرات‭ ‬الانتقام‭ ‬ضد‭ ‬الأهداف‭ ‬ذات‭ ‬القيمة‭ ‬العالية،‭ ‬وقدرات‭ ‬الضربات‭ ‬المضادة‭. ‬وتركز‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬ضد‭ ‬اقتصاد‭ ‬العدو‭ ‬وسكانه‭. ‬وكانت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القدرات‭ ‬أسهل‭ ‬وأرخص‭ ‬في‭ ‬التنفيذ‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يستند‭ ‬إليها‭ ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتبادل‭ ‬المؤكد‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬لتدمير‭ ‬مجتمع‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬قدرات‭ ‬الضربات‭ ‬المضادة‮»‬،‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربات‭ ‬دقيقة‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬العدو‭ ‬النووية‭ ‬العسكرية‭ ‬ومنشآته‭ ‬وأصوله‭. ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬تستهدف‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬قوات‭ ‬العدو‭ ‬النووية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تقويض‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬مستحيلاً‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي،‭ ‬لأن‭ ‬ترسانات‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬وموزعة‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬متعددة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬إخفاؤها‭ ‬وحمايتها،‭ ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬يتعذر‭ ‬تدمير‭ ‬كامل‭ ‬القدرات‭ ‬النووية‭ ‬للخصم‭. ‬

ويجادل‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬الحديثة‭ ‬تقوض‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬نظراً‭ ‬لأنها‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬تطوير‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬إليها‭ ‬‮«‬قدرات‭ ‬الضربات‭ ‬المضادة‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستطلاع‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬وتنامي‭ ‬القدرات‭ ‬الحاسوبية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والذي‭ ‬يؤهل‭ ‬الدول‭ ‬لاكتشاف‭ ‬منصات‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬النووية‭ ‬المتحركة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التقدم‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحرب‭ ‬ضد‭ ‬الغواصات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي،‭ ‬والتي‭ ‬توظف‭ ‬مركبات‭ ‬مسيرة،‭ ‬ومجسات‭ ‬متقدمة‭ ‬ونظم‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬متطورة‭ ‬تؤهلها‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬كم‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬البيانات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تساعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬رصد‭ ‬المنظومات‭ ‬النووية‭ ‬للخصم،‭ ‬الثابتة‭ ‬والمتحركة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخل‭ ‬من‭ ‬الردع‭ ‬النووي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬امتلاك‭ ‬الدول‭ ‬للقدرة‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬قدرات‭ ‬الخصم‭ ‬النووية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬صواريخه‭ ‬النووية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬خطة‭ ‬ترامب‭ ‬لامتلاك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الذهبية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تشبه‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للرئيس‭ ‬ريجان،‭ ‬وكذلك‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأرضي‭ ‬لبوش‭ ‬الابن‭. ‬فالقبة‭ ‬الذهبية‭ ‬تستهدف‭ ‬إحياء‭ ‬الهيمنة‭ ‬النووية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬خصوم‭ ‬واشنطن،‭ ‬وتحديداً‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬عبر‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬كافة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬والمجنحة‭ ‬والفرط‭ ‬صوتية‭ ‬الحاملة‭ ‬لرؤوس‭ ‬نووية‭. ‬

تاريخ‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬الفاشلة‭ ‬

يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬ذات‭ ‬الرؤوس‭ ‬النووية‭ ‬ليست‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة‭. ‬ففي‭ ‬الخمسينات‭ ‬والستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬جربت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬صواريخ‭ ‬نووية‭ ‬‮«‬دفاعية‮»‬‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬اعتراض‭ ‬الرؤوس‭ ‬الحربية‭ ‬القادمة‭ ‬وتدميرها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬وباءت‭ ‬جميعها‭ ‬بالفشل‭. ‬

وفي‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬جاءت‭ ‬إحدى‭ ‬أبرز‭ ‬المحاولات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وأكثرها‭ ‬شهرة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي‮»‬،‭ ‬واشتهرت‭ ‬إعلامياً‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬النجوم‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬قررت‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس،‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان،‭ ‬إنهاء‭ ‬نظام‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬التدمير‭ ‬المتبادل‭ ‬المؤكد‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬النووية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التهديد‭ ‬بالرد‭ ‬النووي‭ ‬الشامل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬نووي،‭ ‬مع‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬أغلب‭ ‬الصواريخ‭ ‬النووية،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬خصومها‭ ‬نووياً‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬تتحمل‭ ‬خسائر‭ ‬محدودة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬موت‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬الدولة،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬الدولة‭ ‬كلها‭. ‬

وكان‭ ‬ريجان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬قدرة‭ ‬مؤكدة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الضربة‭ ‬الأولى‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اختراع‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‮»‬‭ ‬عرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬برنامج‭ ‬الحوسبة‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬درع‭ ‬دفاعي‭ ‬فضائي‭ ‬مضاد‭ ‬للصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬أشعة‭ ‬الليزر‭ ‬والصواريخ‭ ‬والقذائف‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬أسلحة‭ ‬قادمة‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬دقة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬إلى‭ ‬متر‭ ‬واحد‭ ‬تقريباً،‭ ‬حسبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬‮«‬قاضية‮»‬‭ ‬ناجحة‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬مع‭ ‬امتصاص‭ ‬الهجمات‭ ‬النووية‭ ‬السوفييتية‭ ‬المقابلة‭ ‬بواسطة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬مع‭ ‬تقدير‭ ‬بوجود‭ ‬خسائر‭ ‬أمريكية‭ ‬مقبولة‭ (‬في‭ ‬حدود‭ ‬عدة‭ ‬ملايين‭ ‬قليلة‭). ‬وبالتالي،‭ ‬ستتم‭ ‬استعادة‭ ‬الهيمنة‭ ‬النووية‭ ‬الأمريكية‭. ‬

وأكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبرمجين‭ ‬والمتخصصين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬جميع‭ ‬محاولات‭ ‬نمذجة‭ ‬الواقع‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬هي‭ ‬بطبيعتها‭ ‬ذات‭ ‬صفة‭ ‬اختزالية‮»‬‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل،‭ ‬نظراً‭ ‬لاستحالة‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬كافة‭ ‬العوامل‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭. ‬وأكد‭ ‬ديفيد‭ ‬لورجي‭ ‬بارناس،‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬مبرمجي‭ ‬الحوسبة‭ ‬العسكرية‭ ‬خبرةً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتعامل‭ ‬البرمجيات‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ (‬أو‭ ‬الحالات‭) ‬الفريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إجراء‭ ‬اختبار‭ ‬كامل‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬العدو‭ ‬والتعديلات‭ ‬التي‭ ‬يدخلها‭ ‬على‭ ‬سلوكه‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬المعركة‭ ‬تعني‭ ‬وجود‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭ ‬وعدم‭ ‬يقين‭ ‬يستحيل‭ ‬التغلب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنظمة‭ ‬الكمبيوتر‭. ‬

وفشل‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬النجوم‮»‬‭ ‬بسبب‭ ‬فشل‭ ‬أكثر‭ ‬البرامج‭ ‬تعقيداً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬للواقع،‭ ‬وكذلك‭ ‬بسبب‭ ‬صعوبة‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالسلوك‭ ‬الإنساني‭ ‬نفسه‭. ‬فالواقع‭ ‬شاسع‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬النواحي،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للبشر‭ ‬معرفة‭ ‬سوى‭ ‬جزء‭ ‬ضئيل‭ ‬منه‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يدّعي‭ ‬صانعو‭ ‬السياسات‭ ‬والعلماء‭ ‬أنهم‭ ‬يفهمون‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬يعرفونه‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭. ‬

أما‭ ‬ثاني‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات،‭ ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن،‭ ‬حينما‭ ‬أطلق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2002،‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأرضي‮»‬‭ (‬GMD‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬إطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬عابر‭ ‬للقارات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العدو،‭ ‬وتدمير‭ ‬رأسه‭ ‬الحربي‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬المسار‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أراضي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬المخصصة‭ ‬للإنذار‭ ‬المبكر،‭ ‬والتي‭ ‬ترصد‭ ‬اللهيب‭ ‬الساطع‭ ‬للصاروخ‭ ‬عند‭ ‬إطلاقه،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬الرادارات‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الخصم،‭ ‬وسوف‭ ‬تكتشف‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الصاروخ‭ ‬خلال‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬تقريباً،‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬عملية‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ويمكنها‭ ‬تزويد‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بمعلومات‭ ‬أولية،‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬حول‭ ‬مسار‭ ‬الصاروخ‭ ‬خلال‭ ‬عشرات‭ ‬الثواني‭ ‬اللاحقة‭.‬

وبعد‭ ‬تحليق‭ ‬الصاروخ‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الجوي،‭ ‬يتم‭ ‬إرسال‭ ‬المعلومات‭ ‬الأولية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الرادارات‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬رادار‭ ‬تتبع‭ ‬أرضي،‭ ‬والذي‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬بيانات‭ ‬تتبع‭ ‬دقيقة‭ ‬للصواريخ‭ ‬المعادية،‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لاستخدامها‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬وتوجيه‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية‭. ‬واستناداً‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬المتاحة،‭ ‬ستحاول‭ ‬مراكز‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬المعادية‭ ‬وتمييز‭ ‬الرأس‭ ‬الحربي‭ ‬عن‭ ‬الأجسام‭ ‬الأخرى‭ ‬كالشراك‭ ‬الخداعية،‭ ‬وتحديد‭ ‬مساره،‭ ‬وحساب‭ ‬نقاط‭ ‬الاعتراض‭ ‬المحتملة،‭ ‬وإطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬اعتراضي‭ ‬واحد‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭. ‬وسيعتمد‭ ‬عدد‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬إطلاقها‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬عوامل‭ ‬مختلفة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المشغلون‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تحديد‭ ‬الرأس‭ ‬الحربي‭ ‬بدقة،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬اعتراض‭ ‬أجسام‭ ‬متعددة،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬وقت‭ ‬لإطلاق‭ ‬جولة‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية‭ ‬بعد‭ ‬تحديد‭ ‬نتائج‭ ‬محاولات‭ ‬الاعتراض‭ ‬الأولى‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬كانت‭ ‬مرتفعة،‭ ‬فقد‭ ‬قدر‭ ‬أنه‭ ‬تكلفته‭ ‬بلغت‭ ‬حوالي‭ ‬63‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬العام‭ ‬2024،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬كفاءته‭ ‬ظلت‭ ‬مثار‭ ‬جدل،‭ ‬حيث‭ ‬يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬تجارب‭ ‬الاعتراض‭ ‬أظهرت‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬النظام‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الدفاع‭ ‬الموثوق‭ ‬ضد‭ ‬الصواريخ‭ ‬المعادية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هجوم‭ ‬محدود،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬نسبة‭ ‬نجاحه‭ ‬البالغة‭ ‬57‭ %‬،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الاختبارات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إجراؤها،‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬كبير‭ ‬بأن‭ ‬عدة‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ (‬ICBMs‭) ‬قد‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬وقوع‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭.‬

فقد‭ ‬أكد‭ ‬تقرير‭ ‬حكومي‭ ‬أمريكي،‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬له‭ ‬قدرة‭ ‬محدودة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬أراضي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬البسيطة‭ ‬للصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬متوسطة‭ ‬المدى،‭ ‬أو‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أو‭ ‬إيران‭. ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬إصدار‭ ‬تقييم‭ ‬مغاير‭ ‬بتاريخ‭ ‬6‭ ‬يونيو‭ ‬2017،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬‮«‬أثبت‭ ‬قدرته‮»‬‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الصواريخ‭ ‬السابقة،‭ ‬فإنه‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬الصواريخ‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬‮«‬تدابير‭ ‬مضادة‭ ‬بسيطة‮»‬‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬قدرة‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬دول‭ ‬أكثر‭ ‬تقدماً‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬باحثون‭ ‬من‭ ‬اتحاد‭ ‬العلماء‭ ‬المهتمين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاختبار‭ ‬الوحيد‭ ‬لنظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬العالمي‭ ‬ضد‭ ‬هدف‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬‮«‬تم‭ ‬تبسيطه‭ ‬بطرق‭ ‬مهمة‭ ‬عززت‭ ‬فرصة‭ ‬نجاح‭ ‬الاختبار‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تحدي‭ ‬النظام‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬تحاكي‭ ‬الظروف‭ ‬الواقعية‮»‬‭.‬

وحتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأرضي،‭ ‬باعتباره‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬دفاع‭ ‬صاروخي‭ ‬متكاملة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتي‭ ‬تضم‭ ‬كذلك‭ ‬منظومتي‭ ‬ثاد‭ ‬وإجيس،‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬النجاح‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬78‭.‬8‭ %. ‬وبالتالي،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬إطلاقها‭ ‬في‭ ‬موجة‭ ‬محدودة‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬ينفذها‭ ‬طرف‭ ‬مثل‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الدفاعات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬فاعلية‭ ‬هذه‭ ‬المنظومات‭ ‬سوف‭ ‬تتراجع‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬دولة‭ ‬نووية‭ ‬متقدمة،‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬الصين،‭ ‬واللتين‭ ‬تمتلكان‭ ‬ترسانة‭ ‬نووية‭ ‬ضخمة‭. ‬

مشروع‭ ‬الهيمنة‭ ‬النووية‭ ‬مجدداً

أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬ستحقق‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬النجوم‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭ ‬في‭ ‬ثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬لحماية‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬النووية‭ ‬القادمة،‭ ‬إذ‭ ‬صرح‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬سنكمل‭ ‬حقاً‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬الرئيس‭ ‬ريجان‭ ‬قبل‭ ‬40‭ ‬عاماً،‭ ‬وننهي‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬التهديد‭ ‬الصاروخي‭ ‬للوطن‭ ‬الأمريكي‮»‬‭.‬

ويعتمد‭ ‬نظام‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬متطورة‭ ‬تضم‭ ‬آلاف‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬الصغيرة‭ ‬ذات‭ ‬المدار‭ ‬المنخفض،‭ ‬مجهزة‭ ‬بأنظمة‭ ‬استشعار‭ ‬فائق‭ ‬الحساسية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تعقب‭ ‬الأجسام‭ ‬بسرعة‭ ‬تفوق‭ ‬20‭ ‬ماخ‭ (‬1ماخ‭ = ‬1234‭ ‬كم‭/‬س‭). ‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية،‭ ‬سيتم‭ ‬بناء‭ ‬وحدات‭ ‬إطلاق‭ ‬فضائية‭ ‬متنقلة‭ ‬وثابتة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إرسال‭ ‬صواريخ‭ ‬اعتراضية‭ ‬تعمل‭ ‬بتقنية‭ ‬الليزر‭ ‬والميكروويف،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬صواريخ‭ ‬اعتراضية‭ ‬تقليدية‭ ‬مصممة‭ ‬لاعتراض‭ ‬الأهداف‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬العليا‭ ‬للغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬وحتى‭ ‬المدار‭ ‬القريب‭. ‬وستُدار‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬بواسطة‭ ‬شبكات‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعي‭ ‬متقدمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬فورية‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬بيانات‭ ‬ميدانية‭ ‬ضخمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الاستجابة‭ ‬لأي‭ ‬تهديد‭ ‬ستكون‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬دفاعي‭ ‬سابق‭. ‬ويُنتظر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬النظام‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬التكامل‭ ‬مع‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الحالية‭ ‬مثل‭ ‬آجيس،‭ ‬وثاد،‭ ‬وباتريوت،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬شبكة‭ ‬متعددة‭ ‬الطبقات‭ ‬من‭ ‬الحماية‭. ‬

وتستمد‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الذهبية‮»‬‭ ‬تسميتها‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الممول‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬ترامب‭ ‬نفسه‭ ‬بشكل‭ ‬ضمني‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬استيحاء‭ ‬الاسم‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬ساعدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬منظومتها،‭ ‬وكانت‭ ‬ناجحة‭ ‬للغاية،‭ ‬والآن‭ ‬لدينا‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬متقدمة‭ ‬جداً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭… ‬صواريخ‭ ‬تفوق‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬وصواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬وصواريخ‭ ‬كروز‭ ‬متطورة،‭ ‬سيتم‭ ‬إبعادها‭ ‬جميعاً‭ ‬من‭ ‬الجو‮»‬‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬ترامب‭ ‬السابقة،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬ملاحظتين‭ ‬أساسيتين‭ ‬عليها،‭ ‬أولهما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمدى‭ ‬قدرة‭ ‬المنظومة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬الصواريخ،‭ ‬فقد‭ ‬أكدت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬رافائيل‮»‬‭ ‬المصنعة‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الاعتراض‭ ‬الناجحة‭ ‬للمنظومة‭ ‬تبلغ‭ ‬90‭ %‬،‭ ‬وهي‭ ‬تهدف‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬صد‭ ‬الصواريخ‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬والقذائف‭ ‬المدفعية‭ ‬من‭ ‬عيار‭ ‬155‭ ‬مليمتراً‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي،‭ ‬لاقت‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬عرضة‭ ‬لهجمات‭ ‬‮«‬الإشباع‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬إطلاق‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬من‭ ‬اتجاهات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬واحد،‭ ‬بما‭ ‬يفوق‭ ‬قدرة‭ ‬المنظومة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الأهداف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدي،‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬شلل‭ ‬المنظومة‭. ‬وخلال‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2025،‭ ‬اعترف‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الاستخباراتيين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بأن‭ ‬فاعلية‭ ‬المنظومة‭ ‬تراجعت‭ ‬إلى‭ ‬65‭ % ‬فقط،‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭. ‬ويكشف‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تطويل‭ ‬نظام‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات‭ ‬بعد‭.‬

وثانياً،‭ ‬أن‭ ‬الصفة‭ ‬المميزة‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتي‭ ‬تتسم‭ ‬بها‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬عليه‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فهو‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬إذ‭ ‬تتألف‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬من‭ ‬وحدة‭ ‬رادار‭ ‬ومركز‭ ‬تحكم‭ ‬يمكنهما‭ ‬التعرف‭ ‬إلى‭ ‬المقذوفات‭ ‬الطائرة،‭ ‬مثل‭ ‬الصواريخ،‭ ‬وحساب‭ ‬مسارها‭ ‬ونقطة‭ ‬سقوطها‭ ‬المتوقعة‭. ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬يتوقع‭ ‬النظام‭ ‬سقوط‭ ‬الصاروخ‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬مأهولة،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التقدير‭ ‬بأن‭ ‬الصاروخ‭ ‬سوف‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬غير‭ ‬مأهولة،‭ ‬فلا‭ ‬يتم‭ ‬اعتراضه‭. ‬ويعني‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أمرين،‭ ‬أولهما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬توقع،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الخبرة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬أو‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬إطلاقها‭ ‬من‭ ‬الفضاء‮»‬،‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬تعهد‭ ‬به‭ ‬ترامب‭. ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تفوق‭ ‬نظيرتها‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬شك،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬كانت‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬صواريخ‭ ‬إيرانية‭ ‬متوسطة‭ ‬المدى،‭ ‬ولم‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأكثر‭ ‬تعقيداً،‭ ‬مثل‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬أو‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬روسيا،‭ ‬أو‭ ‬الصين‭. ‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬صغيرة‭ ‬للغاية،‭ ‬ولذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تغطيتها‭ ‬بأنظمة‭ ‬مثل‭ ‬الرادارات‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية‭ ‬المتحركة‭ ‬والثابتة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بسبب‭ ‬ضخامة‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭.‬

كما‭ ‬يشير‭ ‬متخصصون‭ ‬إلى‭ ‬تحديات‭ ‬أخرى،‭ ‬فوفقاً‭ ‬للجمعية‭ ‬الفيزيائية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬صاروخ‭ ‬اعتراضي‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬المدار‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬والوقت‭ ‬المناسبين‭ ‬لاعتراض‭ ‬إطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬بسرعة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنك‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الاعتراضية‭ ‬لضمان‭ ‬التغطية‭ ‬الكافية‭. ‬وقدرت‭ ‬الجمعية‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025‭: ‬‮«‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬كوكبة‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬16‭,‬000‭ ‬صاروخ‭ ‬اعتراضي‭ ‬لمحاولة‭ ‬التصدي‭ ‬لوابل‭ ‬سريع‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬تعمل‭ ‬بالوقود‭ ‬الصلب،‭ ‬مثل‭ ‬صاروخ‭ ‬هواسونغ‭ – ‬18‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬سوف‭ ‬يتكلف‭ ‬ميزانية‭ ‬ضخمة،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬جاهزة‭ ‬لتحمل‭ ‬هكذا‭ ‬تكاليف‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬الجديد‭ ‬سيتم‭ ‬إنجازه‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬تقريباً،‭ ‬أي‭ ‬بحلول‭ ‬موعد‭ ‬مغادرته‭ ‬منصبه،‭ ‬وهو‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬قصير‭ ‬للغاية‭. ‬فقد‭ ‬استغرق‭ ‬بناء‭ ‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬واستهلك‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬قبل‭ ‬إلغائه‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬بسبب‭ ‬العقبات‭ ‬التقنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الجسيمة،‭ ‬التي‭ ‬واجهها‭. ‬وبالمثل،‭ ‬فإن‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأمريكي‭ ‬بلغت‭ ‬كلفته‭ ‬حوالي‭ ‬63‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ (‬2004‭ ‬–‭ ‬2024‭). ‬ولذلك،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬إنجاز‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭. ‬

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تجاوزها،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاتزال‭ ‬في‭ ‬مراحلها‭ ‬الأولى‭ ‬لتطوير‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية،‭ ‬ومن‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬أول‭ ‬صواريخها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬بنهاية‭ ‬العام‭ ‬2025،‭ ‬إذا‭ ‬صارت‭ ‬الخطط‭ ‬الأمريكية‭ ‬وفقاً‭ ‬للمخطط،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سوف‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬واشنطن‭ ‬قد‭ ‬جسرت‭ ‬الفجوة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬حوالي‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الأخيرة‭ ‬لهذه‭ ‬المنظومات،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬لزاماً‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬إضافية‭ ‬لتطوير‭ ‬نظم‭ ‬دفاعية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬وهو‭ ‬تحد‭ ‬تقني‭ ‬هائل،‭ ‬شبهه‭ ‬البعض‭ ‬بأنه‭ ‬يستهدف‭ ‬محاولة‭ ‬اعتراض‭ ‬رصاصة‭ ‬باستخدام‭ ‬رصاصة‭ ‬أخرى‭. ‬

معضلة‭ ‬الدفاع‭ ‬–‭ ‬الهجوم‭ ‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تسوق‭ ‬قبتها‭ ‬الذهبية‭ ‬باعتباره‭ ‬مشروعاً‭ ‬دفاعياً،‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬للرئيس‭ ‬ريجان،‭ ‬أو‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأرضي‭ ‬للرئيس‭ ‬بوش‭ ‬الابن،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬التهديدات‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬أو‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬وتدميرها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تهدد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تقويض‭ ‬إحدى‭ ‬أسس‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬كما‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬سابقاً،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬المشروع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬هو‭ ‬حرمان‭ ‬القوى‭ ‬المناوئة‭ ‬لها،‭ ‬خاصة‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬قدرة‭ ‬موثوقة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬نووية‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تلقى‭ ‬الدولتين‭ ‬هجوماً‭ ‬نووياً‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭.‬

ولذلك‭ ‬وصفت‭ ‬المتحدثة‭ ‬الرسمية‭ ‬باسم‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسية،‭ ‬ماريا‭ ‬زاخاروفا،‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬مشروع‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬بأنه‭ ‬يقوض‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬موضحة‭ ‬أنه‭: ‬‮«‬في‭ ‬إطار‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬القبّة‭ ‬الذهبية،‭ ‬من‭ ‬المخطط‭ ‬إعطاء‭ ‬دفعة‭ ‬إضافية‭ ‬لتطوير‭ ‬وسائل‭ ‬الاستهداف‭ ‬المسبق‭ ‬لصواريخ‭ ‬العدو‭ ‬وبنيته‭ ‬التحتية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬استخدامها‭. ‬وهذا‭ ‬يعبر‭ ‬بالفعل‭ ‬عن‭ ‬توجه‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬ضربات‭ ‬استباقية،‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬مغامر‭ ‬ويشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬مباشراً‭ ‬لأسس‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاستراتيجي‮»‬‭.‬

ولم‭ ‬يختلف‭ ‬الموقف‭ ‬الصيني‭ ‬عن‭ ‬نظيره‭ ‬الروسي،‭ ‬إذ‭ ‬أكدت‭ ‬متحدثة‭ ‬باسم‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الصينية،‭ ‬ماو‭ ‬نينغ،‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬‮«‬قلقة‭ ‬للغاية‮»‬‭ ‬بشأن‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الذهبية‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬‮«‬تداعيات‭ ‬هجومية‮»‬‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬عسكرة‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬وسباق‭ ‬التسلح‭. ‬ووصفت‭ ‬الخارجية‭ ‬الصينية‭ ‬المشروع‭ ‬بأنه‭ ‬يعكس‭ ‬سعي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬المطلق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينتهك‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬المساس‭ ‬بأمن‭ ‬جميع‭ ‬الدول،‭ ‬ويقوض‭ ‬التوازن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العالمي‭. ‬وحثت‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬أقرب‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬واتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬لتعزيز‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الشكوك‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بمدى‭ ‬فاعلية‭ ‬المشروع،‭ ‬أو‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬تنفيذه‭ ‬خلال‭ ‬مدى‭ ‬زمني‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬لتطوير‭ ‬قدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬تستهدف‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الأمريكي‭. ‬

وهناك‭ ‬سوابق‭ ‬تاريخية‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬يونيو‭ ‬2002،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش،‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬المبرمة‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬وشرعت‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الأرضي‭. ‬وكانت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬السابقة‭ ‬تستهدف‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬التسلح،‭ ‬واستندت‭ ‬المعاهدة‭ ‬إلى‭ ‬فرضية‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬أنشأت‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬القوتين‭ ‬العظميين‭ ‬دفاعاً‭ ‬استراتيجياً،‭ ‬فإن‭ ‬الأخرى‭ ‬ستبني‭ ‬قواتها‭ ‬النووية‭ ‬الهجومية‭ ‬لموازنة‭ ‬هذا‭ ‬الدفاع‭. ‬وبالتالي،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ستُدفع‭ ‬القوتان‭ ‬العظميان‭ ‬نحو‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬هجومي‭ ‬–‭ ‬دفاعي‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬له،‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬إلى‭ ‬موازنة‭ ‬أفعال‭ ‬الأخرى‭. ‬وقد‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬بالفعل‭ ‬عقب‭ ‬إعلان‭ ‬واشنطن‭ ‬بناء‭ ‬دفاعها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬شروع‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬2002،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬تطوير‭ ‬نظم‭ ‬صاروخية‭ ‬جديدة‭ ‬ذات‭ ‬سرعات‭ ‬عالية‭ ‬تعجز‭ ‬المنظومات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الدفاعية‭ ‬عن‭ ‬اعتراضها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬واشنطن‭. ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬كانت‭ ‬تجري‭ ‬أبحاثاً‭ ‬على‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬منذ‭ ‬الثمانينات،‭ ‬فإن‭ ‬جهودها‭ ‬هذه‭ ‬تسارعت‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬المعاهدة‭ ‬السابقة‭. ‬ومن‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬سبقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الصواريخ،‭ ‬بل‭ ‬وأصبحت‭ ‬روسيا‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تستخدم‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭. ‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تدافع‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬تطوران‭ ‬قدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬إذ‭ ‬اتهمت‭ ‬واشنطن‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2024،‭ ‬بتطوير‭ ‬سلاح‭ ‬مضاد‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬يعمل‭ ‬بالطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬تكهنات‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬قمر‭ ‬اصطناعي‭ ‬للحرب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬يعمل‭ ‬بمفاعل‭ ‬انشطاري،‭ ‬أو‭ ‬جهاز‭ ‬تفجير‭ ‬نووي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اتهام‭ ‬واشنطن‭ ‬للصين‭ ‬بتطوير‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬القصف‭ ‬المداري‭ ‬الجزئي‮»‬‭ ‬ونشر‭ ‬طائرة‭ ‬فضائية‭ ‬قابلة‭ ‬لإعادة‭ ‬الاستخدام‭. ‬كما‭ ‬حذرت‭ ‬وكالة‭ ‬استخبارات‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2025،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬تجمع‭ ‬عشرات‭ ‬الصواريخ‭ ‬المدارية‭ ‬المزودة‭ ‬برؤوس‭ ‬نووية‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬10سنوات‭ ‬تقريباً‭. ‬وأياً‭ ‬كانت‭ ‬صحة‭ ‬المزاعم‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جولة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬الثلاث،‭ ‬وتحديداً‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبعاد‭ ‬أن‭ ‬الخطوة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬خطوة‭ ‬تفاوضية‭ ‬تستهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬الموقف‭ ‬التفاوضي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬جديدة‭ ‬تستهدف‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬التسلح،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يبدو‭ ‬مستبعداً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السابقة،‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬واشنطن‭ ‬وبكين‭ ‬حول‭ ‬تايوان‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يثير‭ ‬المشروع‭ ‬الأمريكي‭ ‬الجديد‭ ‬تساؤلات‭ ‬جوهرية‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬فاعليته،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ترامب‭ ‬استهدف‭ ‬بالمشروع‭ ‬إعادة‭ ‬‮«‬إحياء‭ ‬حرب‭ ‬النجوم‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬أخفق‭ ‬إخفاقاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬التساؤل‭ ‬هل‭ ‬يلاقي‭ ‬قبة‭ ‬ترامب‭ ‬الذهبية‭ ‬نفس‭ ‬مصير‭ ‬مبادرة‭ ‬الدفاع‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬أم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬عجز‭ ‬عنه‭ ‬ريجان‭. ‬ويرتبط‭ ‬بذلك‭ ‬تساؤل‭ ‬آخر،‭ ‬وهو‭ ‬هل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭ ‬الحالية‭ ‬قد‭ ‬نضجت‭ ‬بشكل‭ ‬كافٍ‭ ‬لتحويل‭ ‬القبة‭ ‬الذهبية‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة،‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬إضافية‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ ‬لهذه‭ ‬التكنولوجيات‭.‬

د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬منصور‭  ‭‬أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض