الصيانة التنبؤية

الصيانة التنبؤية في القطاع العسكري.. إصلاح الأعطال قبل ظهورها

لا تزال شركات الطيران التجارية في بدايات رحلتها نحو استيعاب التأثيرات الكاملة للتحول الرقمي أو ما يسمى «بالرقمنة» على نهج أعمالها. وتقدر شركة الاستشارات العالمية والخدمات التكنولوجية «آي سي إف إنترناشيونال» أن رقمنة بيانات الطيران والرحلات يمكن أن توفر على شركات الطيران أكثر من 5 مليارات دولار أمريكي سنوياً. ويعود الفضل لإدارة سلامة الطائرات والصيانة الاستباقية وحدهما في توفير 3 مليارات دولار سنوياً. لذا تفرض هذه الأرقام الكبيرة على القطاع العسكري وقطاع ما بعد التصنيع اعتماد نوع جديد من التحليلات البيانية، وهي الصيانة التنبؤية.
الصيانة التنبؤية
الصيانة التنبؤية هي استراتيجية صيانة استباقية تعمل على تقييم وتوقع احتمالية تعطل أحد المكونات أو القطع، بحيث يمكن جدولة أعمال الصيانة في وقت ملائم ليحدّ من التأثيرات السلبية لهذا التعطل، ويختلف هذا النوع من الصيانة عن الصيانة التفاعلية أو الوقائية، حيث تستند التنبؤات فيه إلى تقييم الحالة الدقيقة والحالية للمعدات، بدلاً من التوقعات أو معدلات​​العمر الافتراضي لها. وبالإضافة لذلك، لم تعد فرق الصيانة بحاجة لانتظار انتهاء الطائرات من رحلاتها، والهبوط كي تتمكن من جمع البيانات، حيث تجري الصيانة التنبؤية بصورة فورية وآنية، بما يتيح للعاملين تحليل البيانات والخوارزميات أثناء تحليق الطائرات في الجو. وتؤكد الدقة في العمل قيمتها العالية، وتحقق نقلة نوعية في صيانة الطائرات العسكرية التي يصعب التنبؤ بالأعطال في مكوناتها، حيث وبالرغم من خضوع الطائرات العسكرية لبعض من أكثر الاختبارات والتجارب صرامة ودقة، فإنه لا يمكن التنبؤ بأعطالها دوماً، بالإضافة إلى أن الصيانة الدورية المجدولة قد لا تكون كافية للحفاظ على معدات تلك الطائرات في أفضل حالاتها. لذا، تساعد الصيانة التنبؤية على الحدّ والتقليل من الخلل والتعطل أثناء العمليات، فضلاً عن تقليل تكاليف التشغيل، وتحسين جاهزية الطائرات.
فوائد الصيانة التنبؤية
وبالرغم من أن وضع الأسس الأولية للصيانة التنبؤية يعتبر مسألة مكلفة، فإن الفوائد العائدة منها كبيرة على المدى البعيد؛ حيث إن استبدال جزء اقتربت نهاية مدة خدمته سيكون أمراً فعالاً من حيث التكلفة بصورة تفوق عملية إصلاحه بعد تعطله بشكل كلي، أضف إلى ذلك أن الفوائد الإجمالية لسلامة الأسطول لا يمكن مقارنتها على هذا الصعيد. ومن جهة أخرى، تضيف إدارة سلامة الطائرات مستوى آخر من الثقة، حيث تتجاوز مجرد التنبؤ بالأعطال واستبدال المكونات، فهي تتيح فرصة لتعزيز إدارة توفر المكونات، والتوزيع الدقيق للموارد، لتسهم عبر ذلك في إدارة شاملة للمخزون. وبالنسبة للقطاع العسكري، تأتي جاهزية القوات في المقام الأول، كما يشكل غياب الطائرة، أو عدم جاهزيتها نتيجة للصيانة غير المجدولة، خسارة مالية، بالإضافة إلى تأثير ذلك على فعالية المهام والعمليات.
وفي واقع الأمر، فقد وضعت وزارة الدفاع الأمريكية هدفاً يتمثل في الوصول إلى «إلغاء جميع عمليات الصيانة غير المجدولة وبشكل نهائي» (الوصول لقيمة صفر لعدد الصيانات غير المجدولة)، من خلال الاعتماد على خوارزميات تنبؤية، وذلك وفق ما أعلن عنه مسؤولو القوات الجوية الأمريكية في 9 أبريل 2019. ومع مواصلة الدول صيانة وتحديث أساطيلها الجوية، ومع سعيها أيضاً نحو تحقيق أكبر قدر من التكامل التقني، تتعرض شركات صيانة وإصلاح وعَمرة الطائرات لضغوط متواصلة، بهدف ضمان القدر الأكبر من الكفاءة والحد الأقصى من الفعالية.
بيانات التشغيل والصيانة
وعلى صعيد استدامة الطائرات، تسهم شركات الصيانة والإصلاح والعَمرة بدور محوري متزايد في استدامة الطائرات، وذلك من خلال تحليل البيانات، ومن خلال الدعم الذي تقدمه إلى صانعي المعدات الأصلية والمتمثل في تقديم البيانات المجمعة التي يحتاجها أولئك المصنعون لأغراض تعديل تصاميمهم ومنتجاتهم. وبالرغم من امتلاك الصانعين لبيانات اختبار وفحوصات توفر لهم نظرة متعمقة حول متطلبات صيانة الطائرات، فإن بيانات التشغيل والصيانة التي تحتفظ شركات الصيانة والإصلاح والعَمرة بها عادة ما تكون أكثر قيمة في الصيانة التنبؤية، ذلك لأنها تستند إلى تجارب وخبرات الطيران الفعلية. وبالرغم من غياب لوائح محددة تتعلق بملكية البيانات في هذا المجال، فإن إجماع الأطراف على أهمية التعاون والمشاركة لتحقيق أقصى قدر ممكن من السلامة والكفاءة، يدفع الجميع نحو التنسيق والتعاون فيما يتعلق بتحليلات الصيانة.
والظاهر هنا هو أن منظومة العمل المستقبلية لقطاع شركات الصيانة والإصلاح والعَمرة تتجه نحو تحول صانعي المعدات الأصلية إلى مراكز بيانات تقنية مركزية، تدعمها الشركات نفسها بالمعلومات القيمة والثمينة. ولكن ومع ازدياد مستوى التعقيد الذي قد تصل إليه المعلومات والبيانات، ومع تبني وإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتعلم الآلي والتطور في هذه المجالات، فقد أصبحت الحاجة ملحة لتنسيق أفضل داخل قطاع ما بعد البيع وذلك لتبسيط وتنظيم تلك الجهود، وللاستفادة المثلى من القيمة التي يقدمها صانعو المعدات الأصلية. ومع هذا التوجه الجديد في الصيانة، والذي يزيد من التقارب بين شركاء سلسلة التوريد، فقد أصبح إنشاء إطار تشغيلي موحد أو لوائح توجيهية لهذا القطاع أمراً أساسياً لضمان عملنا على تحقيق منفعة متبادلة.
مستقبل الصيانة التنبؤية
ولولا الوضع الذي نمر به بسبب تداعيات وباء (كوفيد-19)، قد يبدو المستقبل واعداً بالنسبة لقطاع الصيانة والإصلاح والعَمرة، حيث تسهم الصيانة التنبؤية في إحداث نقلة نوعية في أساليب مراقبة سلامة الطائرات واستدامتها، ولكن يبقى أن نرى مستقبلاً إلى أي مدى يمكن أن يصل ذلك، وإلى أي مستوى يمكن لقوة البيانات دفع هذا القطاع نحو مرحلة جديدة من النمو.

خالد البريكي – رئيس قطاع دعم المهام في «إيدج»

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض