Yellow Fever

الحمى الصفراء

في عالم تتزايد فيه حركة السفر والترحال، وتتشابك فيه البيئات الحضرية مع المناطق الريفية والغابات، تبرز الحمى الصفراء كأحد الأمراض الفيروسية الخطيرة التي لا تزال تُشكل تهديداً حقيقياً للصحة العامة على مستوى العالم، فهي ليست مجرد حمى عابرة، بل مرض فيروسي نزفي حاد، قد يفضي إلى مضاعفات قاتلة، إذا لم يُكتشف مبكراً، ويُتخذ حياله التدخل المناسب.

الحمى الصفراء هي مرض فيروسي ينتقل عبر لسعة بعوضة مُصابة بالفيروس، وتحديداً بعوضة الزاعجة المصرية (Aedes aegypti)، التي تُعرف بخطورتها، لأنها تنشط نهاراً، خاصة في ساعات الصباح الباكر أو بعد العصر، وتكمن خطورة هذه البعوضة في أنها تتكاثر في الأماكن القريبة من البشر مثل: داخل المنازل، أو حول مصادر المياه الراكدة، أو حتى في الغابات والمناطق الرطبة، مما يُسهّل انتشار المرض في البيئات الحضرية والريفية على حد سواء.

ينتشر المرض في مناطق واسعة من غرب ووسط وشرق إفريقيا، وكذلك في أمريكا الوسطى والجنوبية، ولا يُعتبر المرض معدياً من شخص لآخر بشكل مباشر، وتظل وسيلة نقله الوحيدة هي لسعة البعوضة المصابة، حيث تلسع البعوضة شخصاً مصاباً فتلتقط الفيروس ثم تنقله لاحقاً إلى شخص آخر سليم، وتظل البعوضة ناقلة للفيروس طوال حياتها، مما يُبقي دورة العدوى مستمرة.

فترة الحضانة والأعراض

تتراوح فترة حضانة الفيروس، أي الفترة بين دخول الفيروس إلى الجسم وظهور الأعراض، من 3 إلى 6 أيام، ومن المثير للاهتمام أنّ كثيراً من المصابين قد لا تظهر عليهم أي أعراض، وهو ما يُعرف بالعدوى الصامتة، إلا أن ذلك لا ينفي خطر نقلهم للمرض عبر البعوض، وحين تظهر الأعراض فإنها غالباً تبدأ فجأة وتشمل:

ارتفاع في درجة الحرارة

آلام في العضلات والمفاصل

صداع شديد

فقدان الشهية

احمرار العينين

الغثيان أو القيء

وفي أغلب الحالات تتحسن الأعراض خلال ثلاثة إلى أربعة أيام، ويبدو المريض وكأنه قد شُفي تماماً، لكن الخطورة تكمن في أن بعض المرضى ينتقلون بعد فترة تعافٍ قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة إلى مرحلة ثانية أكثر خطورة من المرض، في هذه المرحلة تعود الحمى أشد من ذي قبل، ويبدأ الفيروس في إحداث أضرار جسيمة في أعضاء الجسم الداخلية، خصوصاً الكبد والكليتين، وبالتالي يظهر اليرقان، أي اصفرار الجلد والعينين، وهو السبب وراء تسمية المرض بـ«الحمى الصفراء»، وقد يرافق ذلك تغيّر لون البول إلى لون داكن أو ظهور الدم فيه، إضافة إلى آلام شديدة في البطن مع القيء، ونزيف قد يحدث من الفم أو الأنف أو العينين أو المعدة، وللأسف تُشير الإحصائيات إلى أن نصف المرضى الذين يدخلون هذه المرحلة الحرجة قد يفقدون حياتهم خلال فترة تتراوح بين أسبوع إلى عشرة أيام.

التشخيص والعلاج

لا يوجد علاج نوعي محدد للقضاء على فيروس الحمى الصفراء حتى الآن، وإنما يتركز التدخل الطبي على علاج الأعراض، ودعم المريض حتى يتجاوز المرحلة الحرجة، ويتم تشخيص المرض من خلال الفحوصات المخبرية التي تكشف عن الفيروس أو الأجسام المضادة له في الدم، إلى جانب الأعراض السريرية وتاريخ سفر المريض إلى المناطق الموبوءة، ويشمل العلاج الداعم:

الراحة التامة

شرب كميات كافية من السوائل والوقاية من الجفاف

تناول مسكنات الألم وخافضات الحرارة، مع تجنّب الأسبرين ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية بسبب خطر النزيف

إعطاء المضادات الحيوية عند وجود عدوى بكتيرية مصاحبة

مراقبة وظائف الكبد والكلى بشكل مستمر

نقل المرضى ذوي الأعراض الخطيرة إلى المستشفى لتلقّي العناية الطبية المكثفة والرعاية الداعمة

الوقاية.. خط الدفاع الأول

تكمن الوقاية من الحمى الصفراء في محورين أساسيين:

التطعيم

يُعتبر التطعيم ضد الحمى الصفراء الوسيلة الأنجع للوقاية من المرض، ولقاح الحمى الصفراء لقاح آمن وفعّال، إذ تكفي جرعة واحدة منه لمنح مناعة مدى الحياة، ويوصى بتلقي اللقاح قبل السفر إلى المناطق الموبوءة بعشرة أيام على الأقل، لكن هناك حالات خاصة يُمنع فيها التطعيم وتشمل:

الأطفال دون عمر تسعة أشهر

النساء الحوامل (إلا في حالات التفشي الوبائي)

الأشخاص الذين يعانون حساسية شديدة تجاه البيض

المصابون بنقص المناعة الشديد

وتشترط بعض الدول إبراز شهادة التطعيم ضد الحمى الصفراء، خاصة إذا كان المسافر قادماً من أو متجهاً إلى دول موبوءة.

مكافحة البعوض

تشمل الإجراءات الوقائية أيضاً مكافحة البعوض الناقل للفيروس وذلك عن طريق:

القضاء على أماكن توالد البعوض مثل المياه الراكدة، البرك، وحاويات المياه المكشوفة

استخدام المبيدات الحشرية ووسائل طرد الحشرات والناموسيات

ارتداء الملابس ذات الأكمام الطويلة والجوارب عند الخروج، للحد من لدغات البعوض

إن الحمى الصفراء رغم كونها مرضاً خطيراً، إلا أنها مرض يمكن الوقاية منه بشكل كبير، عبر التطعيم ومكافحة البعوض ونشر الوعي الصحي، لذا فإن المسؤولية تقع علينا جميعاً في الحفاظ على صحتنا وصحة مجتمعاتنا.

الدكتورة/ بدرية الحرمي – استشاري الصحة العامة

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض