DUBAI, UAE, APRIL 20, 2020 - General view of the Canopy  and energy trees at the Sustainability Pavilion as part of the Expo 2020 site (Photo by Dany Eid/Expo 2020)

«تيرّا»: رمز عالمي للاستدامة

يشكل جناح الاستدامة في إكسبو 2020 دبي، والذي يحمل اسم “تيرّا” أي الأرض باللغة اللاتينية، أيقونة عالمية للاستدامة، ويأتي ضمن أجنحة الموضوعات الثلاثة الرئيسية للحدث إلى جانب الفرص والتنقل.

تكتسب الاستدامة أهمية مركزية في إكسبو دبي باعتبارها أحد الموضوعات الرئيسية التي يركز عليها، إذ سيشكل الحدث الدولي طوال فترة انعقاده الممتدة على ستة أشهر، منصة لإحداث التغيير، ومشاركة الحلول، واستكشاف الأفكار الجديدة التي تشجّع العالم على العمل معاً من أجل حماية كوكب الأرض.

ويتناول موضوع الاستدامة في إكسبو 2020 الأبعاد البيئية والاقتصادية والاجتماعية للأماكن التي نعيش فيها، ويسعى إلى إحداث أثر بيئي إيجابي على المستوى المحلي، وإقليمياً، وعالمياً.

مفهوم الاستدامة

ويجسد الجناح التزام دولة الإمارات وإكسبو 2020 بمفهوم الاستدامة، ليكون عاملاً محفّزاً للتغيير الإيجابي في العالم أجمع، كما يسلط الضوء على الحاجة الملحّة للتصدي للتأثيرات البيئية السلبية التي يتسبب بها السلوك البشري بدرجة كبيرة، وذلك عبر تجربة ممتعة ومرحة وشخصية مصممة خصيصاً لتمكين الزوار، وخاصة الأطفال منهم، من فهم أثرهم على البيئة، وكسر حلقة السلوك الاستهلاكي، وبالتالي حثّهم ليصبحوا دعاة للتغيير.

ومثل الجناح كذلك مثالاً يُحتذى على مستوى التصميم المعماري المستدام، وسيكون جزءاً من الإرث الذي سيخلّفه إكسبو 2020 بعد انتهاء فعالياته، إذ سيتحول إلى مركز للعلوم، سيُلهم الخيارات المستدامة للأجيال المقبلة. ويتطلع القائمون على جناح الاستدامة إلى أن يصبح في مرحلة الإرث مبنى ذاتي الاستدامة يولّد احتياجاته الخاصة من طاقة ومياه بنسبة 100 في المئة.

تصميم جناح الاستدامة

صممت الجناح شركة “غريمشو أركيتكتس”، على أن يكون مطابقاً لمعايير المباني الخضراء الحاصلة على شهادة “لييد” البلاتينية للريادة في تصميمات الطاقة والبيئة.

ويستمد الشكل الديناميكي للجناح الإلهام من العمليات الطبيعية، مثل التمثيل الضوئي، وهو ما يخدم وظيفته، إذ يستخلص الطاقة من أشعة الشمس ويحصد الماء العذب من رطوبة الهواء.

ستُنتج الطاقة ألواحاً كهروضوئية على أعلى المواصفات، بينها 1,055 لوحا مُرتَّبة على مظلة السقف البالغ عرضها 130 متراً وكذلك أعلى سلسلة من أشجار الطاقة المنتشرة ضمن المناظر الطبيعية.

وتستمد مظلة جناح الاستدامة الإلهام من شجرة الغاف التي ترمز إلى تجربة الجناح بالكامل. لا تنبت شجرة الغاف سوى في المناطق المناخية الأكثر جفافاً، وتحتاج إلى كميات قليلة جداً من الماء للبقاء، وتتمتع بالقدرة على العيش في البيئات الصحراوية.

ويتّبع تصميم السقف مبادئ الطبيعة، ليضم أكبر مساحة ممكنة من الألواح الشمسية ويسهل عملية التنظيف. وتحيط أشجار الطاقة تلك بالمبنى، لتغطية المساحات الخارجية بالظل، وستتبع مسار الشمس لتوليد أكبر قدر ممكن من الطاقة.

وفي المجمل، ستنتج تقنية المبنى أربعة غيغاوات ساعة من الكهرباء سنوياً، وهذه الكمية كافية لقيادة سيارة “نيسان ليف” الكهربائية لمسافة تعادل نصف المسافة التي تفصلنا عن كوكب المريخ.

وبفضل امتداد معظم المساحات تحت الأرض وتحصينها بجدران سميكة ومعزولة بأقل قدر ممكن من الطلاء الزجاجي، يتاح توفير كمية إضافية من الطاقة. وفي الوقت نفسه، يعمل السقف الشمسي مظلة عملاقة للحد من الأثر الحراري للشمس.

وستسمح مظلة الجناح، المصممة على شكل قمع يضيق في الاتجاه إلى الأسفل، بتدفق الهواء على نحو يوفر تهوية طبيعية لباحة الجناح، فضلاً عن أنها ستسمح بتسلل الضوء المحيط، وهو ما يساهم في الحد من متطلبات الطاقة.

وصُمم جناح الاستدامة ليحقق اكتفاءه الذاتي من الطاقة والمياه، عبر استخدام استراتيجيات خفض استهلاك المياه، وإعادة تدوير المياه، ومصادر المياه البديلة.

ويُجمَع الماء المكثّف من نظام معالجة الهواء، ثم يُنقّى، ويُطهَر، ويُمزَج بالماء متوسط الملوحة الموجود بالقرب من السطح، الذي يخضع للتحلية في الموقع لتزويد الجناح بالماء الصالح للشرب. وكلما ازدادت حرارة الهواء في الخارج وازداد عدد زوار الجناح، ازدادت تبعاً لذلك كميات الماء المكثّف للاستخدام داخل الجناح. وتساعد المقْصَبات كذلك في عملية التنقية الطبيعية للمياه.

وفي منطقة الجناح، توجد أيضاً تقنية متطورة تُدعى “شجرة المياه”، تستخدم هيكلاً معدنياً عضوياً ومبتكراً، ويمكنها استخلاص الماء من رطوبة الجو، كما تمتص الإسفنجة الماء، وتعمل بالطاقة الشمسية بالكامل.

يغطي جناح الاستدامة والأراضي المحيطة به نحو 25,000 متر مربع، وزودت هذه المساحة بتقنيات ريّ مبتكرة، بما فيها نظام لإعادة تدوير المياه الرمادية، ونباتات محلّية لخفض استهلاك المياه بنسبة 75 في المئة.

وانطلاقاً من التنوع البيولوجي الغني للمنطقة، والطرق المبهرة التي تكيّفت بها الطبيعة مع المناخ القاسي والظروف المليئة بالتحديات، تعرض حدائق الجناح محاصيل جديدة يجري تطويرها للمناخات الجافة، ويمكنها المساهمة في تحقيق أمن المنطقة الغذائي في المستقبل.

وصُممت أرضيات الجناح لتكون صديقة للنحل، إذ سيُعاد توطين النحل الذي كان قد نُقل من موقع إكسبو 2020 دبي أثناء بناء الموقع ووضعه في خلية في الموقع، بعد اختتام فعاليات الحدث الدولي.

تبرز التجربة في جناح الاستدامة ضمن أهم التجارب المميزة في إكسبو دبي، وستأخذ ملايين الزوار في رحلة غامرة عبر عجائب الطبيعة، وستلهمهم لبناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة.

ويحكي جناح الاستدامة لزواره حكاية علاقة البشر بالطبيعة، وفي الوقت ذاته يعالج الأثر البيئي السلبي الذي يتسبب به إلى حد كبير السلوك البشري، وذلك ليساعد الزوار، والجيل الصاعد منه على وجه الخصوص، على فهم أثرهم على البيئة، وكسر حلقة السلوك الاستهلاكي، ومن ثَمّ يحثهم ليصبحوا دعاة للتغيير.

ويغطي جناح الاستدامة مساحة 6.300 متر مربع، ويتسع لـ4.400 شخص في الساعة، وتستغرق كل زيارة نحو 45 دقيقة.

وفي فترة انعقاد إكسبو 2020، سيستضيف الجناح أيضاً فعاليات ترفيهية وتثقيفية، كالعروض العلمية والثقافية التي تحاكي موضوع الاستدامة.

جناح الاستدامة.. ما بعد إكسبو

وبعد انتهاء فعاليات إكسبو 2020، سيستمر جناح الاستدامة في إلهام الأجيال المقبلة وسيكون نموذجاً عن التصاميم المستدامة، على أن يصبح المبنى مركزاً للعلوم في دستركت 2020، وهي المدينة الجديدة التي ستُنشأ في موقع إكسبو بعد اختتام فعالياته.

يزخر جناح الاستدامة بتجارب تفاعلية مثيرة للزوار، من ضمنها جولة عبر الزمن في الوادي العربي، حيث كانت الفهود والأفيال الضخمة تعيش وتجول، بالإضافة إلى مجسمات عملاقة مستوحاة من ألعاب معروفة في مدن الملاهي تشرح قضايا الاستدامة ومفاهيمها، بما في ذلك متاهة توازن عملاقة تتطلب من الزوار التعاون لتحقيق التوازن على كوكب الأرض، كما يتاح للزوار جولة تفاعلية عبر جذور الغابة، حيث ستؤثر كل خطوة على شبكة الأخشاب العنكبوتية، وهي عبارة عن شبكة متشابكة مذهلة من الجذور والفطريات تتيح للأشجار التواصل وتشارك الموارد.

كما يتيح للزائر فرصة اللقاء مع “ناشَر”  وهي آلة استهلاك عملاقة تبين كيف تُدمَر الموارد الطبيعية لإنتاج المنتجات الاستهلاكية بالإضافة إلى لقاء مع سمكة عملاقة من أعماق البحر تعرّض جهازها للتعطل والانسداد بسبب المخلّفات البلاستيكية.

وسيطلع الزوار خلال الزيارة على سلسلة سيناريوهات “هل تفضل؟” لحث الزوار على التفكير في مدى التأثير المباشر للسلوك البشري على كوكبنا، أما مختبر قيَم المستقبل، فهو عبارة عن مساحة للتفاؤل تعرض حلولاً للتحديات والقضايا والمخاوف التي نواجهها على مستوى البيئة والتي أُثيرت عند الزائر أثناء جولته، وسيطالب الجناح زواره بتقديم تعهد شخصي بدعم التغيير الإيجابي. وقد يكون هذا التعهد بسيطاً كتقليص فضلات الطعام أو عدم استخدام البلاستيك ذي الاستخدام الواحد.

وتم إعداد محتوى جناح الاستدامة بالتعاون مع شركة “ثينك ديزاين” الأمريكية ومشروع “عدن” في المملكة المتحدة،  وتعمل شركة “ثينك ديزاين” إلى إطلاق نقاشات بنّاءة محورها العالم الذي نعيش فيه. وعبر تصميم معارض ومعالم متنوعة، كالمتاحف الفنية، والمراكز العلمية، وأحواض الأسماك، وحدائق الحيوانات، والتجارب المميزة، فإن هدف الشركة يقضي بتغيير طريقة تفكير الناس في العالم وفي بعضهم.

أما مشروع “عدن” فهو مؤسسة خيرية تعليمية تسعى إلى تحقيق التواصل بين البشر، وبين عالم الكائنات الحية، وتستكشف آلية العمل التي يمكننا اتّباعها لتحقيق مستقبل أفضل.

وتكمن وجهته المخصصة للزوار في حفرة هائلة في مقاطعة كورنوال في المملكة المتحدة. وفي هذا المكان، تمثل الوحدات الأحيائية الضخمة، التي تضم أضخم غابة مطيرة بعيداً عن موطنها الأصلي، والنباتات المبهرة، والمعارض، والقصص، خلفية للحدائق المعاصرة الرائعة، وكذلك للحفلات الموسيقية الصيفية، وفعاليات العائلات المشوقة المُقامة على مدار السنة.

وقد ساهم مهندسون معماريون محليون متخصصون في هندسة المناظر الطبيعية من شركة “ديزرت إينك” في تصميم مساحات جناح الاستدامة. ومنذ العام 2015، عملت شركة هندسة المناظر الطبيعية هذه الكائنة في دولة الإمارات على عدد من أروع المشروعات في المنطقة. ومن الفنادق المستدامة الصديقة للبيئة، إلى المتنزهات الصحراوية، والساحات الحضرية، تحتل رؤية التصميم الملائمة للظروف الإقليمية التي تشتهر بها “ديزرت إينك” الصدارة بشكل دائم وتتسم بالاستدامة على المستوى البيئي.

إعداد: بشار أكرم (صحفي اقتصادي)

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض