فتح الأندلس

معارك خلدها التاريخ

شهد التاريخ عدة غزوات وحروب، كانت نتائجها حاسمة في تغيير مجراه، وسنتناول على صفحات “الجندي” بعضاً من هذه المعارك الفاصلة.

فتح الأندلس

الفتح الإسلامي للأندلس هو الفتح الذي قام به الأمويون لشبه جزيرة إيبيريا في الفترة ما بين عامي 711م و714م بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير، وسقوط الدولية القوطية الغربية، وبذلك يبدأ العصر الإسلامي في الأندلس، والذي استمر قرابة 800 عام، حتى سقوط مملكة غرناطة سنة 1492م.

التخطيط

كان فتح المسلمين لإسبانيا نتيجة لخطة موضوعة، أقرها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بدمشق، باتفاق مع قائده على المغرب موسى بن نصير، فقام موسى بن نصير على إثرها بعدة حملات استكشافية على جنوب إسبانيا، فاستدعى حليفه الكونت يوليان حاكم سبتة، فقام يوليان بحشد جيوشه واجتاز في مركبين إلى الأندلس وشن غارة على الساحل الجنوبي، فسبا وقتل وغنم ورجع وامتلأت يديه خيراً، وشاع الخبر في كل قُطر، فتحمس الناس للغزو، لم يكتف موسى بهذه الغارة الاستطلاعية التي قام بها يوليان، بل استدعى أحد ضباطه وهو طريف بن مالك، فأمره بشن غارة على ساحل الأندلس الجنوبي، فعبر طريق المضيق بـ 100 فارس و400 راجل، وذلك في يونيو سنة 710م  في شهر رمضان، نزل طريف وجنده وأغاروا على المناطق التي تتبعها إلى جهة الخضراء فغنم منها الكثير وعاد سالماً، فتبين لموسى بن نصير أن ما قاله يوليان كان صحيحاً عن ضعف المقاومة في إسبانيا، فأعد موسى جيشاً من سبعة آلاف محارب لغزو الأندلس بقيادة طارق بن زياد. لم يكن فتح المسلمين للأندلس منذ البداية مغامرة حربية ارتجالية، بل كان فتحاً منظماً، حسب خطة أعدت من قبل.

عبور المسلمين إلى إسبانيا

اعتمد موسى بن نصير على الأساطيل الإسلامية التي كانت تحت قيادته على طول الساحل المغربي، وجه موسى طارق بن زياد إلى طنجة ومن هناك انطلقت السفن العربية الإسلامية إلى الجبل المعروف حتى اليوم بجبل طارق.

معركة جبل طارق

عند نزول طارق بن زياد وجيشه إلى سفح الجبل، لقوا مقاومة عنيفة من القوط الذين كانوا على عِلم بأن المسلمين قادمون لغزوهم نتيجة الغارات الاستطلاعية التي شنت من قبل، فاضطر المسلمون لتغيير خططهم العسكرية وقرروا النزول ليلاً في مكان صخري وعر، فاستخدموا براذع الدواب ومجاذف السفن لكي تعينهم على خوض المياه وارتقاء الصخور، فالتفوا بذلك حول جموع القوط وانقضوا عليهم قبل أن يشعر القوط بهم. وكان هذا النصر الأول الذي أحرزه طارق عند نزوله أرض الأندلس، وتمكن من احتلال الجبل المسمى باسمه حتى اليوم.

حرق السفن وخطبة طارق

قصة حرق المراكب هي قصة شائعة في تاريخ فتح الأندلس، وتفيد القصة بأن طارق أحرق سفنه بعد نزوله على الشاطئ الإسباني لكي يقطع على جنوده أي تفكير في التراجع والارتداد. ثم خطب فيهم خطبته المشهورة التي قال فيها:

“أيها الناس. أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر……….”.

معركة كورة شذونة

أقام طارق بن زياد في جبل طارق عدة أيام، بنى خلالها سوراً أحاط بجيوشه سماه سور العرب، كما أعد قاعدة عسكرية بجوار الجبل على الساحل لحماية ظهره، وهي مدينة الجزيرة الخضراء والتي سميت أيضاً بجزيرة أم حكيم، وموقع هذا الميناء قريب وسهل الاتصال بمدينة سبتة على الساحل المغربي المقابل، بينما يصعب الاتصال بإسبانيا نفسها بسبب وجود مرتفعات بينهما، كذلك أقام قاعدة أمامية أخرى في مدينة طريفة بقيادة طريف بن مالك.

علم الملك القوطي لذريق خبر نزول المسلمين في بلاده، فجمع قواته لملاقاة المسلمين. في ذلك الوقت كان طارق بن زياد قد اتجه نحو الغرب متخذاً قاعدة طريفة موقعاً يحمي به مؤخرة جيشه، ثم أكمل سيره حتى وصل بحيرة تعرف باسم بحيرة لاخندا في كورة شذونة. بعث طارق رجال استطلاع له إلى الشمال ليروا حجم الجيش الذي سيواجهه المسلمون، وعندما عادوا إليه أبلغوه عن ضخامة الجيش الذي جهزه له الملك لذريق، فكتب إلى موسى بن نصير يطلب منه أن يمده بالمزيد من الجند، فاستجاب له موسى، فوجه له خمسة آلاف جندي، فأصبح عدد جيش المسلمين في الأندلس اثني عشرة ألف مقاتل.

يتفق أغلب المؤرخين على أن المعركة الفاصلة التي دارت بين المسلمين والقوط والتي حددت مصير الأندلس حدثت في كورة شذونة جنوب غرب إسبانيا، استمرت المعركة مدة ثمانية أيام من الأحد في 28 من رمضان إلى الأحد 5 شوال عام 92هـ، ومن 19 – 26 يونيو عام 711م،  ووصفوها بأنها كانت معركة شديدة ضارية، اقتتل فيها الطرفان قتالاً شديداً، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين وهزيمة الجيش القوطي. وقد سميت هذه المعركة في عدة مصادر عربية وإسبانية باسم معركة البحيرة، ووادي لكة، ووادي البرباط، وشريش، والسواقي، وتنسب هذه التسميات إلى تلك الأماكن التي دارت وتشعبت عندها تلك المعركة الواسعة النطاق في أراضي كورة شذونة. بعد المعركة الفاصلة وانتصار طارق بن زياد أصبحت جميع المعارك التي قامت في أنحاء الأندلس ما هي إلا مناوشات بسيطة بالنسبة لهذه المعركة الكبيرة، فقد استولى المسلمون على الأندلس خلال ثلاثة أعوام، مما يدل على انتهاء المقاومة تقريباً.

إتمام فتح الأندلس

بعد هذا النصر الكبير الذي حققه طارق في معركة شذونة، فتحت أبواب الأندلس للمسلمين واتجه طارق بالجيش شمالاً نحو العاصمة طليطلة، وفي أثناء سيره واجهته قلعة اسمها إسيجة فحاصرها ثم استولى عليها، في ذلك الوقت أرسل طارق أقساماً من جيشه إلى المناطق الجانبية في الأندلس، اتجه قسم إلى قرطبة بقيادة مغيث الرومي مولى عبد الملك بن مروان، فاستولى عليها بعد حصار دام ثلاثة أشهر، واتجه قسم آخر إلى البيرة وما يحيطها وفتحوها. ومن الجدير بالذكر أن طارق وجد وقادته عوناً من اليهود المقيمين في إسبانيا بسبب اضطهاد القوط لهم، ولذلك اعتمد طارق عليهم في حفظ المناطق المفتوحة في أنحاء البلاد. استمر طارق بزحفه نحو الشمال حتى وصل العاصمة طليطلة، فدخلها دون مقاومة تذكر، إذ كان حكامها وأهلها قد هربوا منها، فكانت المدينة شبه خالية تقريباً..

ثم خشي طارق بن زياد من أن يقطع عليه القوط الطريق في تلك المناطق الجبلية الوعرة، لأن فصل الشتاء قد اقترب وتعب الجيش الإسلامي من الجهود التي بذلها، والغنائم التي ثقل بها، فكتب إلى موسى بن نصير يطلب منه العون، وفي شهر رمضان عام 93 للهجرة الموافق لشهر يونيو من عام 712 ميلادي، عبر موسى مضيق جبل طارق بجيش كبير من 18 ألف محارب، ومن بينهم عدد من التابعين،  وسار موسى من طريق غربي غير الطريق الذي سار به طارق، واستولى على مدن أخرى غير التي استولى عليها طارق، فاستولى على إشبيلية وماردة وقرمونة، ثم وصل إلى نهر التاجو بالقرب من طليطلة، فالتقى طارق بن زياد هناك. ثم تابع القائدان سيرهما نحو الشمال باتجاه جبال البرتات (البرانس) وأخذت المدن تتساقط بين أيديهم حتى وصلا إلى شاطئ البحر الشمالي عند الحدود الإسبانية الفرنسية.

وهكذا أنهى كل من طارق وموسى فتوحاتهما، وأمر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك برجوع القائدين إلى دمشق، فعاد موسى وطارق، وخلف على الأندلس عبد العزيز بن موسى بن نصير والياً عليها عام 95هـ714 م.

لم يتبقَّ من الأندلس سوى بعض المناطق الشرقية والشمالية الغربية، أما مناطق شرق الأندلس فقد فتحها الأمير عبد العزيز بن موسى بن نصير الذي أصبح والياً على الأندلس.

إعداد: نادر نايف محمد

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض