الموضوع الديني 591

معارك خلدها التاريخ.. معركة حطين

شهد التاريخ عدة غزوات وحروب، كانت نتائجها حاسمة في تغيير مجراه، وسنتناول على صفحات “الجندي” بعضاً من هذه المعارك الفاصلة..

كانت معركة فاصلة بين الصليبيين والمسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وقعت في يوم السبت 25 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187 م بالقرب من قرية المجاودة، بين الناصرة وطبريا في أرض فلسطين، انتصر فيها المسلمون، وأسفرت عن تحرير مملكة بيت المقدس وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون.

كانت مناطق من البلاد الإسلامية، والقدس تحديداً، قد احتلت من قبل الصليبيين عام 1099م، وكان الإقطاعيون الصليبيون والفرسان قد نصَّبوا أنفسهم أمراء وملوكاً على تلك المناطق، فكان هذا على مدى قرن دافعاً لتحرير البلاد من الاحتلال، وكانت غارة لصوصية شنها أحد بارونات الإفرنج البارزين، رينو دي شاتيون (أرناط) السبب المباشر لهجوم المسلمين، رينو دي شاتيون كان مغامراً وقحاً، وسبق له أن اجتاح قبرص البيزنطية في سنة 1155 م وعمل فيها سلباً ونهباً، وكان قد أُسر عند نور الدين زنكي قبل 16 سنة، وبعد إخلاء سبيله، استقر في حصن الكرك، وعكف على نهب وسلب قوافل التجار المارّة في الجوار، لأن الحصن كان يقع على الطريق من سوريا إلى مصر والحجاز، وفي أواخر سنة 1186 م، شن رينو غارة (خلافاً لشروط هدنة عقدت في 1180) على قافلة متجهة من القاهرة إلى دمشق ونهب بضائعها، وأسر أفرادها وزجهم في حصن الكرك، ويروى أن القافلة كانت لأخت صلاح الدين بالذات، فما كان من صلاح الدين إلا أن يطالب في الحال ملك القدس آنذاك غي دي لوزينيان بالتعويض عن الضرر والإفراج عن الأسرى ومحاسبة الناهب، ولكن الملك لم يجازف بمس تابعه القوي رينو، فكان أن قرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة القدس.

 العمليات العسكرية التي سبقت المعركة

كانت تلك العمليات تهدف إلى توحيد المسلمين، في البدء اجتاحت قوات صلاح الدين قلعة الكرك، وبعد شهرين بدأ القتال ضد الصليبيين، وأعلن صلاح الدين فتح باب التطوع في مصر لمحاربة الصليبيين، وأرسل رسله إلى الموصل والجزيرة والشام يطلب منهم دعم الجيش، وخرج بعساكره من القاهرة وعسكر في دمشق، وعين ابنه الملك الأفضل قائداً للقوات، واحتشدت قواته في بصرى وكانت تضم حوالي 12000 فارس و13000 من المشاة ورجال الاحتياط، إضافة إلى أعداد كبيرة من المتطوعين، فسار إلى الكرك وأخذ قيادة القلب وأعطى ابن أخيه تقي الدين عمر قيادة الميمنة، ومظفر الدين  قيادة الميسرة، وخرج الحاجب لؤلؤ بالأسطول من مصر، ثم خرج الملك العادل من القاهرة إلى بركة الجبل وسار إلى الكرك والتقى مع السلطان. وفي الجانب الآخر حشد الصليبيون 22000 بين فارس ورا جل. والتحق بهم عدد كبير من المتطوعة حتى روي أنه زاد عددهم على ستين ألفاً.

وفي مايو 1187 م أبيدت إلى الشمال الشرقي من الناصرة فصيلة كبيرة مؤلفة أساساً من الفرسان الصليبيين.

عبرت جيوش المسلمين نهر الأردن جنوبي طبريا، وسارت في اليوم التالي في الجانب الجنوبي الغربي من طبريا، وحاولت الاشتباك مع الصليبيين، فرفضوا القتال، وفي 2 يوليو استولت جيوش صلاح الدين على طبرية قاطعاً على عدوه طريقه إلى الماء.

أحداث المعركة

أحرق المسلمون الأعشاب والشجيرات في ساحة المعركة، واستولوا على عيون الماء، لتعطيش الصليبيين وإجبارهم على النزول للاشتباك معهم، ولما وصل الصليبيون إلى السهل الواقع بين لوبيا وحطين شن صلاح الدين هجوماً ففروا إلى تلال حطين، فحاصرت قوات المسلمين التلال، وأقبل الليل وتوقف القتال، في اليوم التالي، وفي قيظ شديد ونقص في مياه الشرب، قامت معركة حطين، ولف الفرسان الصليبيون الذين انتظموا على مرتفع حطين سحب الدخان المتصاعد إلى أعلى، فالتحم الجيشان على بُعد ميلين من حطين، فتضعضعت صفوف الصليبيين وأهلكتهم سهام جيوش المسلمين، ثم شن المسلمون هجوماً بالسيوف والرماح، فقتل وجرح وأسر الكثير من الصليبيين، واستسلم الألوف منهم، وقام الصليبيون بمناورة، فتقدم قائد الفرسان ريمون الثالث أمير طرابلس بأمر من لوزينيان ملك  القدس، وزحزح بهجومه هذا قوة يقودها تقي الدين عمر، فظن الصليبيون أنهم فتحوا ثغرة في صفوف صلاح الدين فاندفعوا فيها، وحاصر جيش صلاح الدين جزءاً من الجيش الصليبي فشطره إلى شطرين. ودامت المعركة نحو 7 ساعات على التوالي. سقط فيها الآلاف بين جرحى وقتلى، ووقع الملك  لوزينيان ملك القدس آنذاك في أسر صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من القادة والبارونات، ولم ينج إلا بضع مئات فروا إلى صور واحتموا وراء أسوارها.

نتائج معركة حطين

كانت هزيمة الصليبيين في معركة حطين هزيمة كارثية، حيث فقدوا فيها زهرة فرسانهم، وقتل فيها أعداد كبيرة من جنودهم وأسر فيها أعداد كبيرة أيضاً. وأصبح بيت المقدس في متناول صلاح الدين، وكان من بين الأسرى ملك بيت المقدس ومعه مئة وخمسون من الفرسان منهم رينو دي شاتيون (أرناط) صاحب حصن الكرك وغيره من كبار قادة الصليبيين، فأحسن صلاح الدين استقبالهم، وأمر لهم بالماء المثلج، ولم يعط أرناط (حاكم الكرك)، فلما شرب ملك بيت المقدس أعطى ما تبقى إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال: «إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال الأمان مني»، ثم كلمه وذكّره بجرائمه وقرّعه بذنوبه وعرض عليه أن يسلم فرفض أرناط فقام إليه فضرب عنقه، وقال: «كنت نذرت مرتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والأخرى لما نهب القافلة واستولى عليها غدراً». فكان أن برّ صلاح الدين بيمينه وضرب عنق أرناط.

وبعد المعركة، سرعان ما دخلت قوات صلاح الدين وأخوه الملك العادل المدن الساحلية كلها تقريباً جنوبي طرابلس، عكا، بيروت، صيدا، يافا، قيسارية، عسقلان. وقطع اتصالات مملكة القدس اللاتينية مع أوروبا، كذلك استولى على أهم قلاع الصليبيين جنوبي طبرية، ما عدا الكرك. وفي النصف الثاني من سبتمبر 1187 حاصرت قوات صلاح الدين القدس، ولم يكن بمقدور حاميتها الصغيرة أن تحميها من ضغط 60 ألف رجل. فاستسلمت بعد ستة أيام، وفي 2 أكتوبر 1187 م فتحت الأبواب وخفقت راية السلطان صلاح الدين الصفراء فوق القدس. في نوفمبر 1188 م استسلمت حامية الكرك، وكان حصن بلفور آخر حصن يسقط، ومنذ ذلك الحين صار ما كان يعرف بمملكة القدس اللاتينية بمعظمها في يد صلاح الدين، ولم يبق للصليبيين سوى مدينتي صور وطرابلس، وقد أدى سقوط مملكة القدس إلى دعوة بابا روما إلى بدء التجهيز لحملة صليبية ثالثة والتي بدأت عام 1189م.

عامل صلاح الدين القدس وسكانها معاملة أرق وأخف بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون، قبل ذلك بمئة عام تقريباً، حيث قتل الصليبيون آنذاك كل أهالي القدس من رجال وكهول ونساء وأطفال و70000 تم قتلهم في ساحة المسجد الأقصى، فلم تقع من صلاح الدين قساوة لا معنى لها ولا تدمير، ولكنه سمح بمغادرة القدس في غضون 40 يوماً بعد دفع فدية مقدارها 10 دنانير ذهبية عن كل رجل، و5 دنانير ذهبية عن كل امرأة، ودينار واحد عن كل طفل، وأظهر صلاح الدين تسامحاً كبيراً مع فقراء الصليبيين الذين عجزوا عن دفع الجزية.

إعداد: نادر نايف محمد

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض