الموضوع الديني 590

صلاح الدين الأيوبي.. محرر بيت المقدس

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سلنتقي مع القائد العسكري الفذ:

صلاح الدين الأيوبي

هو أيوب بن شادي بن مروان بن علي بن عثرة بن الحسن بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن هدبة بن الحصين بن الحارث بن سنان بن عمر بن مرة بن عوف الحمري الدوسي، الملقب بالملك الناصر صلاح الدين، وهو من أصل كردي.

ولد في تكريت شمالي العراق عام 532هـ/1138م، عندما كان والده وعمه بها، والظاهر أنهم لم يقيموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة، فقد رحلوا عن تكريت في السنة التي وُلد فيها صلاح الدين أو السنة التي بعدها، وأقاموا عند “عماد الدين زنكي” بالموصل، وعندما استولى عماد الدين زنكي على دمشق وبعلبك، فرتب فيها نجم الدين أيوب، والد صلاح الدين، وذلك في أوائل سنة 534هـ.

ولما ملك نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكي دمشق، لازم نجم الدين أيوب خدمته، وكذلك ولده صلاح الدين، فنشأ وشب صلاح الدين في بلاط نور الدين محمود، وكانت مخايل السعادة عليه لائحة والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة ونور الدين يرى له ويؤثره، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد.

أحب صلاح الدين دمشق، وتلقى علومه فيها، وبرع في دراساته، حتى قال عنه بعض معاصريه إنه كان عالماً بالهندسة، والرياضيات، وعلوم الحساب، والشريعة الإسلامية. إلا أنه كان أكثر شغفاً بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي أكثر من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته. وبالإضافة إلى ذلك، كان صلاح الدين ملماً بعلم الأنساب وتاريخ العرب والشعر، كما أحب الخيول، وعرف أنقى سلالاتها.

صلاح الدين يشترك مع عمه في الحروب

تأثر صلاح الدين بشجاعة عمه أسد الدين شيركوه، وتعلم منه خوض المعارك وقيادة الرجال، وعندما قرر نور الدين محمود الاستيلاء على مصر، ليتقوى بمواردها في حرب مقبلة ضد الصليبيين، انتدب أسد الدين شيركوه لهذه المهمة.

وقد قرر أسد الدين أن يشارك ابن أخيه صلاح الدين ليكون مساعداً له في هذه المهمة المشرفة، بعد أن خبر فيه مزايا كبار الأبطال.

وبالفعل رافق صلاح الدين عمه في الحملات التي قام بها ضد الفاطميين في مصر، وانتهى أمر هذه الحملات بتولية شيركوه منصب الوزارة في عهد الخليفة الفاطمي “العاضد”.

وعندما توفي شيركوه خلفه صلاح الدين في منصب الوزارة عام 564هـ/1169م، وهو في الحادية والثلاثين من عمره. وقد حكم مصر بصفته تابعاً لنور الدين، وليس باسم الخليفة الفاطمي. واستطاع في أولى سني توليه الوزارة الانتصار على الصليبيين قرب دمياط، عندما قام ملك القدس الصليبي بالزحف لاحتلال مصر من ناحية دمياط في عام 565هـ/1169م، فتمكن صلاح الدين من التصدي له وهزيمته، وقد أدى هذا الانتصار إلى زيادة نفوذ صلاح الدين في مصر، وتعزيز مكانته فيها.

القضاء على الدولة الفاطمية

كانت الدولة الفاطمية في تلك الأثناء في طور الاحتضار، فقام صلاح الدين بالقضاء عليها قضاء رحيماً، وأمر الخطباء أن يخطبوا في المساجد باسم الخليفة العباسي المقيم في بغداد، وفي هذه الأثناء كان الخليفة الفاطمي مريضاً، فوافاه الأجل المحتوم دون أن يعلم بزوال دولته.

تأسيس الدولة الأيوبية

أخذ صلاح الدين يقوي مركزه في مصر بعد إسقاط الدولة الفاطمية، ويسعى من أجل الاستقلال بها، فعمل على كسب محبة المصريين، وأسند مناصب الدولة إلى أنصاره وأقربائه، وأزال أصول المذهب الشيعي ومظاهره، كما أسس مدرستين كبيرتين هما المدرسة الناصرية، والمدرسة الكاملية حتى يُثبت المذهب السني في مصر، وكانت هاتان المدرستان تُلقنان علوم الشريعة وفق المذهبين المالكي والشافعي.

وعندما توفي نور الدين محمود، أصبح صلاح الدين هو سيد مصر الأوحد بشكل فعلي، واستقل عن كل تبعية سياسية، وأصبح رأس أقوى سلالة إسلامية حاكمة في ذلك الوقت، وهم الأيوبيون، وأصبحت مصر والمناطق التابعة لسلطانه وسلطان خلفائه تعرف بالدولة الأيوبية.

امتاز صلاح الدين بتمسكه بمبدأ الوحدة، فقد حرص على أن يوحد البلاد العربية ويطهرها من الدخلاء، وسنحت الظروف لصلاح الدين بالبدء في تحقيق فكرته عندما توفي نور الدين، فاعتبر صلاح الدين نفسه الوريث الروحي لدولة الشام، فعمل على جمع البلدان تحت رايته. وكان أول جهوده الضرب على أيدي ذوي المصالح الشخصية حتى يمهد السبيل لمواجهة الصليبيين، ثم شيد قلعة صلاح الدين على جبل المقطم عام 1176، وعرفت بقلعة الجبل. وكان في تلك الأثناء قد فتح اليمن وفلسطين، واستولى على دمشق وحلب.

حروبه مع الصليبيين

إن المكانة الكبرى التي حققها صلاح الدين لنفسه في التاريخ جاءت نتيجة موقفه الحازم من الصليبيين، وكانت المعركة الكبرى الفاصلة بين صلاح الدين والصليبيين هي موقعة حطين ربيع الآخر 1187م، حيث استطاع صلاح الدين هزيمة الصليبيين هزيمة نكراء، وقام بعدها بتحرير بيت المقدس من يد الصليبيين، كما حرر الكثير من مدن الساحل.

على إثر انتصارات صلاح الدين، دعا بابا روما جريجوري الثامن ملوك أوروبا بالقيام بحملة صليبية جديدة لمواجهة صلاح الدين واستعادة بيت المقدس من قبضته، وبالفعل جاءت الحملة الصليبية الثالثة بقيادة “ريتشارد قلب الأسد” ملك إنجلترا بعد عامين من “حطين” دون أن يظفر قلب الأسد باسترجاع بيت المقدس.

وانتهى القتال بين الفريقين بصلح الرملة عام 1192م، وبمقتضاه لم يبق في أيدي الصليبيين سوى شريط ساحلي يمتد بين صور ويافا. وهكذا كانت حروب صلاح الدين بداية النهاية للغزوات الصليبية، فقد كال لها من الضربات القوية ما جعلها تتحول من الهجوم إلى الدفاع عما تبقى لها من ممتلكات متناثرة تعرضت للانحلال والذبول.

وفاته

عقب قيام صلاح الدين بعقد صلح الرملة ورحيل ريتشارد قلب الأسد إلى إنجلترا، أصيب صلاح الدين بمرض “الحمى الصفراوية” في فبراير 1193م، وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى توفي في يوم الأربعاء 4 مارس 1193م، فأفجع موته المسلمين عموماً، ودفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق.

إعداد: نادر نايف محمد

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض