حقوق-الطفل-في-الامارات-موقع-المحيط

سيكولوجية الصحة والحب

هذه مقالة طبية، وليس غريباً أن يكون موضوعها عن الحب.. فالعلاقة وثيقة بين الصحة والحب.. فالصحة ليست الخلو من المرض، ولكن الصحة هي السعادة والأمن النفسي والشعور بالرفاهية والوفرة، والمصدر الأساسي للسعادة هو الحب.. والمصدر الأساسي للأمن النفسي هو الحب.. وتلك غاية الإنسان من الحياة: السعادة والأمن النفسي.

والسعادة هي حالة من السرور والرضا.. والأمن النفسي هو حالة من الوثوق والسيطرة على الخوف والتحكم في الذات والاستعداد لما سوف يحدث مستقبلاً، وكلاهما، أي السعادة والأمن النفسي، يجعلان الإنسان يشعر بالاكتمال.. والاكتمال هو شعور عظیم.. شعور بالتوافق والانسجام، توافق وانسجام بين مكونات الإنسان الثلاثة: الروح والنفس والجسد.

أنا أحبك

يشعر الإنسان بأنه وحدة واحدة وكلٌّ متكامل. وبذلك تتحقق أكثر درجات الإنسانية.. أي الإنسان الكلي المتكامل المتماسك.. توافق وانسجام إلى حد الالتحام بين الروح والنفس والجسد.. إنها الألفة مع النفس.. إنه الشعور بالذات.. ويترجم ذلك لفظي في كلمة أنا.. فحينما تقول «أنا» فإنك تشعر بهذا الأنا.. تعرفه.. تألفه. لا تنظر إليه وكأنه يقع أمام عينيك ولكن تشعره داخلك.. وحين توجد “أنا” يوجد الآخر. أنا والآخر أنا وأنت، وبذلك يكتمل الإنسان، يكتمل أولاً مع نفسه ثم يكتمل مرة ثانية مع الآخر، أي قمة السعادة وقمة الأمن النفسي.. ولكن بشرط أن تكون العلاقة مع الآخر هي علاقة حب، ولذا فأنت تكون في أروع حالاتك وأنت تقول للآخر: أنا أحبك.. قمة الإحساس بالذات وقيمة التكامل الداخلي بين الروح والنفس والجسد، وقمة التكامل بالإنسان الآخر، قمة الشعور باللذة والنشوة والانسجام والسرور والرضا والطمأنينة.

وبعد أن يتحقق لك هذا الشعور القوي بالذات والشعور المؤكد بالإنسان الآخر، فإنك تشعر بموقعك في هذا الكون. وتستطيع أن تری أبعاد وأطراف الكون بوضوح.. بانوراما كونية.. وتتجلي لك الأسرار، وتسبر الأغوار، ويعمق الفهم.. وما أروع متعة الفهم والإحاطة والكشف.. وبذا تمتلك الناصيتين.. إبصار وبصيرة.. رؤية الخارج ورؤية الداخل معاً.

في هذه الحالة تشعر بحسن الحال الناتج عن الإيقاع المنتظم لأجهزة الجسم المختلفة وانسجامها مع بعضها بعضاً، وهي أعلى درجة في الصحة الجسدية.. ثم تشعر بالصفاء والتواصل، وهي أعلى درجة في الصحة الروحية، ثم تشعر بانسجام فكرك مع وجدانك وإدراكك، وانسجام كل ذلك مع سلوكك وردود أفعالك، وهي أعلى درجة في الصحة النفسية.

وببساطة شديدة منك، ومن دون أي عناء أو بذل مجهود، تشعر بانسجام روحك مع نفسك ومع جسدك.. كل يؤثر في الآخر، لأنه جزء من الآخر. إنه شيء مثل الانسجام الفسيولوجي الذي يحدث بين حركة القلب والرئة والكبد والكلى.. إيقاع منتظم من كل عضو ينسجم بنسق وتتابع معين مع الإيقاع الصادر عن بقية الأجهزة الأخرى. وهذا هو المعنى الحقيقي للصحة..

الصحة الجسدية

الصحة هي انتظام الإيقاع.. هي الانسجام.. هي النسق البديع، هي الشكل الجميل، هي الباطن القوي.. هي الأنا المتحدة روحاً وجسداً، وهي القدرة على التواصل العاطفي مع الآخر.

إذاً الصحة ليست الخلو من المرض.. الصحة أبعد من ذلك.. ولذا فالإنسان قد يشعر بغاية الصحة وهو ضرير أو وهو مبتور اليد أو فاقد للنطق والسمع.

نطالع هؤلاء الناس وهم في غاية السعادة، رغم قصورهم الصحي، ويشعرون بالأمن النفسي رغم عجزهم الواضح، أو رغم اختلافهم عن بقية الناس.. إذاً المرض في حد ذاته ليس معوقاً، وإنما الإعاقة تأتي من التفسخ الذي يصيب الوحدة الإنسانية، فتتطاير متناثرة، الروح والنفس والجسد، لشظايا ليس لها علاقة ببعضها.

هذا هو المرض.. ودواؤه الحب.. فأحبوا تصحوا.

حب الروح

الروح هي ما هو غیبي وغیر مرئي وغیر ملموس، شيء ما يجعلك تتآلف مع إنسان.. تحبه.. تعشقه، تصير متيماً به.. تشتاق إليه، ويعذبك هذا الاشتياق.. إنه انجذاب مائل لا تقوى منه فكاكاً، بل لا تريد أن تنفك منه، لأنه يملؤك بالفرحة والنشوة واللذة.. ولذة الروح هي خبرة ذاتية جداً.. خبرة سماوية.. خبرة يعجز الإنسان عن وصفها، ولكنه يدرکها بروحه.. وحتى روحه لا يستطيع أن يصفها وأن يحددها، بل هي داخل أعماقه.. كل كيانه.. أصل وجوده محور حياته.

أنت تحب إنساناً آخر بروحك لأسباب ما لا تعرفها، أي من دون أسباب.. شيء ما كالقوى المغناطيسية، فتصبح أسيراً وتسير طائعاً ومتقبلاً وراضياً.

وهناك أنواع من الحب تلعب فيها الروح الدور الأساسي، بل الدور الأول، بل ربما الدور الأوحد، وتحقق لك التواصل مع محبوبك، وهو حب الله، وحب الوطن، وحب الأم والأب، وحب الابن والابنة، وفي النهاية حب امرأة ما، لرجل ما، وحب رجل ما، لامرأة ما، أو حين يتحاب رجل وامرأة.

إنه حب يشكل صمیم وجودك، إذ يلغى وجودك أو ينتهی من دونه.. أي أن هذا الحب سابق على وجودك.. أي هو الأصل، ثم خلقت أنت لتجد أنك تحب خالقك، وإذا لم تحبه فأنت غير جدير بأن توجد، ولا معنى لوجودك وأنت غير فاهم وغير مدرك لأساس وجودك، وخلقت لتجد نفسك تحب وطنك، ولديك الاستعداد لأن تموت من أجله. إن الوطن معنی کلي متكامل فيه شيء من معنى الأمومة والأبوة، بالإضافة إلى التاريخ والثقافة والكينونة والامتداد والحرية والكرامة.

حب الوطن

ومن لا يحب وطنه فهو كالريشة في الفضاء، تدفع بها الرياح بلا هدف، عدم حب الوطن هو خيانة للذات، هو إنكار لإنسانية الإنسان.
وخلق الإنسان ليحب أمه وأباه. إنه أيضاً حب الوجود، وحب أني موجود، وحب أني منتسب إلى خلية بعينها، وحب الأصل والمتبع والزهو بالركيزة والسند ومتعة العطاء غير المشروط والجلوس على عرش الفؤاد والترحيب المطلق.. أحب أمي وأبي أي أحب أنا.. أحب وجودي.. أحب الحياة، ومن لا يحب أمه وأباه فهو كالهشيم الذي تذروه الرياح، أو التراب الذي تبعثره نفخة هواء، بل هو لا شيء.. امتداد للاشيء الثاني عن عدم حب الله وعدم حب الوطن، فيأتي التابع كالآتي: من لا يحب الله لا يحب وطنه، ولا يحب أمه وأباه، وبالتالي لا يحب نفسه.

الدكتور ممدوح مختار – (دكتوراه واستشاري الطب السلوكي)

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض