dr report

دور الصحة النفسية في القوات المسلحة

لعبت جيوش الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، روسيا، وبريطانيا دوراً مهماً في تطوير مفاهيم الطب النفسي بشكل عام وعلم النفس العسكري بشكل خاص. واتضحت أهمية هذه المفاهيم في الجيوش المتقدمة خاصة في الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية.

وقد تغير نمط التعامل لهذه الجيوش أثناء الحرب العالمية الثانية من تعامل نمطي بدائي مع التغيرات في السلوك والصحة النفسية إلى تعامل علمي منهجي يعتمد على التحليل ودراسة الأعراض النفسية في الجامعات العسكرية والمدنية ووضع الأسس العلمية والاختبارات النفسية اللازمة والمعالجة لتخفيف الآثار القصيرة والطويلة الأمد على الصحة النفسية للجنود.

نتج عن هذه الدراسات والبحوث عدة متغيرات أثرت على مفهوم الصحة النفسية وعلم النفس العسكري في الجيوش المتقدمة ومنها:

(1) تنظيم الاختبارات النفسية الخاصة بالجنود أثناء التجنيد.

(2) تحليل جميع وظائف القوات المسلحة وتأثيرها النفسي والاجتماعي على الجندي.

(3) تطوير برامج التعليم والتدريب العسكري.

(4) تطوير الأبحاث النفسية المتعلقة بالتأثير على حواس (السمع، البصر، الشم وغيرها).

(5) تطوير الأسلحة والمعدات بما يتناسب مع التأثير النفسي والمعنوي على طبيعة الإنسان.

(6) معرفة ميول الجنود ورغباتهم والاستفادة منها في توجيههم.

(7) الاستفادة من هذه البحوث في الحرب النفسية.

(8) العلاج النفسي ورفع الروح المعنوية للجنود وعائلاتهم.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تولدت عدة مفاهيم ومصطلحات يرتكز عليها الطب النفسي الحديث، سواء في البيئة المدنية أو العسكرية ومنها:

(1) الإجهاد الموقفي، وهو الضغط النفسي الذي يولد اضطراباً عقلياً سواء للجندي الطبيعي أو للجندي ذي القابلية للمرض النفسي.

(2) نتيجة مفهوم الإجهاد الموقفي الناتج من الظروف المحيطة بالعمليات، تولد مفهوم المعالجة في موقع نشوء الاضطراب النفسي وهي ساحة المعركة.

أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية اكتظت المستشفيات بالحالات النفسية والتي تم تشخيصها بالعصاب الذهاني (Psychoneurosis) مما أثر على القوى البشرية لمختلف الجيوش.

ويلعب الطب النفسي وعلم النفس العسكري دوراً حيوياً في الجيوش المتطورة، سواء في السلم أو العمليات. في وقت السلم تبدأ منظومة الصحة النفسية من التجنيد واختيار القوى البشرية في القوات المسلحة من الضباط والرتب الأخرى والمدنيين ومنتسبي الخدمة الوطنية. كما يبرز دور منظومة الصحة النفسية في تطوير برامج التدريب العسكري الموجه وبرامج التوجيه المعنوي في القوات المسلحة إلى جانب الدور الوقائي والعلاجي لجميع منتسبي القوات المسلحة وعائلاتهم.

تزداد أهمية منظومة الصحة النفسية في القوات المسلحة في عمليات الطيف الكامل، حيث تسبقها من حيث التقييم والاستعداد ما قبل العمليات، وتتعداها إلى ما بعد العمليات من حيث إعادة التقييم النفسي والتأهيل. قد يتطلب من منظومة الصحة النفسية التركيز على الجانب النفسي والاجتماعي للجبهة الداخلية وحماية المدنيين وعائلاتهم من آثار الحرب وتأثير الحرب النفسية على كيان الوطن.

تشير الدراسات الحديثة في الجيش الأمريكي إلى أن نسبة تتراوح بين (4-18%) من جنود المشاة الأمريكيين الذين خدموا في العراق وأفغانستان يعانون أمراضاً نفسية وإجهاد ما بعد الصدمة لفترات طويلة بعد العمليات. كما يعاني 31% منهم من الإرهاق الشديد أثناء العمليات.

وأثبتت الدراسات النفسية الحديثة في الجيش الأمريكي أن ما يقارب 25% من حالات الإخلاء في بعض الحروب هي عبارة عن حالات اضطراب نفسي وسلوكي، ويعني ذلك ان حالة من كل أربع حالات يتم إخلاؤها هي حالة نفسية.

تزداد الاضطرابات النفسية في الخطوط الأمامية والتي عادة ما تتعرض لإصابات مباشرة يكون فيها خسائر بشرية كبيرة، حيث أن هذه الأجواء والمشاهد تولد ضغوطاً انفعالية هائلة تفوق طاقة الاحتمال المعتادة عند الجندي سواء في حياته المدنية أو حتى في التمارين التعبوية والتدريب. يؤدي ذلك إلى إعاقات نفسية وجسدية واجتماعية ويترتب عليها الإخلاء من الميدان وخسارة كبيرة للقوى البشرية.

الحالات النفسية أثناء العمليات

• القلق وخاصة أثناء الاستعداد والتعبئة وانتظار المعركة وقبل انفتاح القوات. ويصاحب هذا القلق مشاعر الخوف والتردد وزيادة في ضربات القلب واضطرابات النوم وعدم التركيز، تؤدي تلك الأعراض في الغالب إذا لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح إلى هبوط الروح المعنوية للجندي وزملائه.

• حالات الاكتئاب والوساوس وحالات الذهان العقلية والتي تتطلب العلاج النفسي العاجل والإخلاء إلى الخطوط الخلفية.

• الخوف والهلع الشديد، حيث تزيد هذه الحالات عند حدوث خسائر بشرية كبيرة وقد تؤدي إلى اضطرابات عقلية شديدة تؤثر على سير المعركة.

• حالات اضطراب ما بعد الصدمة، حيث يصاب الجندي بحالة ذهول ورعب عند استعادة مشاهد القتال والإصابات والجثث ولا يقوى على التركيز والتفكير فيفقد السيطرة على انفعالاته مما يؤدي إلى التأثير السلبي على كفاءة الجندي في العمل ومشاكل اجتماعية كبيرة.

• الحالات الذهانية مثل مرض الفصام ومرض ثنائي القطب وخاصة في الجنود الذين يملكون تاريخاً مرضياً نفسياً أو استعداداً وراثياً لهذا النوع من الاضطرابات، مما يتطلب إخلاء عاجلاً لهذه الحالات وخروجها من العمل العسكري بصفة دائمة.

• حالات الإرهاق لقلة النوم نتيجة الإصابة باضطرابات النوم أثناء العمليات.

• اضطرابات الشخصية، وتكون أكثر وضوحاً أثناء ضغوط الحرب، مما أدى إلى اهتمام الجيوش المتقدمة وخاصة الجيش الأمريكي في وضع نماذج اختبارات شخصية معقدة لاختيار الشخصيات القيادية لما لها من تأثير حيوي على نجاح المهمة.

• الاضطرابات الناتجة عن استخدام الأدوية والعقاقير المخدرة بمختلف أنواعها وخاصة الحبوب المنشطة مثل الكبتاجون وغيرها.

• تزايد نسب الانتحار أثناء وبعد العمليات العسكرية في معظم الجيوش المتقدمة، مما يتطلب زيادة الوعي الديني واستغلال الجانب الفكري في ثقافتنا لاحتواء المشكلة والحد منها وخاصة في الأجيال القادمة.

العقيد الطبيب علي خميس البدواوي (استشاري الطب النفسي) – رئيس قسم الطب النفسي بمستشفى زايد العسكري في أبوظبي

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض